الفصل 12
أنا معتادة تمامًا على البقاء مستيقظة في هذا الوقت، حين يغرق قصر نيوينشتاين الضخم في ظلمة الليل الهادئة، ويكون الأطفال نائمين.
الفرق الوحيد عن الماضي هو أنني، بدلًا من إرغام جفوني على البقاء مفتوحة والتحديق في الملفات بنظرات شاردة، أصبحت أنهي الأعمال الورقية بشكل أسرع بكثير…
— "سيدتي..."
نطق روبرت، كبير الخدم الذي كان يرافقني بصمت، بنبرة حذرة بينما كنت أراجع تقارير يومين كاملين بسرعة كبيرة.
كنت جالسة ويدي تسند ذقني، فسألته مباشرة:
— "ما الأمر؟"
— "ألا ترتاحين قليلًا؟"
— "اذهب أنت لترتاح. لدي الكثير في رأسي."
ظل روبرت واقفًا عند الباب وهو يحمل شمعدانًا.
شعرت بنظراته المرتبكة بوضوح.
ما به؟ هل يشك أنني أفهم ما أقرأه لأنني أتعامل مع الأوراق بسرعة؟
التفتُّ ونظرت إليه. ارتبك للحظة، ثم تردد قليلًا قبل أن ينطق بشيء لم أكن أتوقعه على الإطلاق، بنبرة جدية وكأنه اتخذ قرارًا.
— "سيدتي، مع كامل الاحترام… هل أنتم بخير؟"
— "ولِمَ لا أكون بخير؟ ما الذي يحدث؟"
— "لا شيء، سأذهب لأرتاح."
وبعد أن تركني في حيرة، خرج من الغرفة.
أملت رأسي قليلًا، ثم خرجت من غرفة المكتب.
كان القصر في منتصف الليل أشبه بمدينة أشباح.
في الماضي، كنت أتجول ليلًا بين الغرف الفارغة، أعدّها واحدة تلو الأخرى.
لو أقيم حفل في الطابق الأرضي، وحدثت جريمة قتل في إحدى الغرف العديدة في الأعلى، لما لاحظ أحد.
بالطبع، هذا من المستحيل أن يحدث فعلًا. لا نملة تستطيع المرور من بين الفرسان الذين يحرُسون ليلًا ونهارًا.
الذين اعتدت لقاءهم أكثر من مرة لم يكونوا الأطفال أو الخدم، بل الفرسان.
بعيدًا عن المكانة الاجتماعية، هناك فرق حاسم بين الخدم والفرسان من وجهة نظر ربّة منزل:
فمن الصعب توظيف عدد كبير من الخدم المخلصين، لكن من الأصعب بكثير أن تحصلي على فرسان أوفياء.
الفرسان الذين يقسمون ولاءهم ويحملون الأختام الذهبية، حتى لو خدموا غيري، يظلون مخالب آل نيوينشتاين.
وحتى إن وُجِّه ولاؤهم نحو الأطفال لا نحوي، فلا يمكن قياس قيمتهم بالمال.
— "آآآآاه!!"
لم يكن من استقبلني في الفناء الأمامي سوى… الماء البارد.
تجمّد جسدي بالكامل من رأسي حتى قدمي في لحظة.
آه، يا زوجي الراحل، يا إلهي! لم أشعر بهذا منذ وقت طويل.
حين نظرت للأعلى، وجدت دلوًا فوق سور الشرفة الطويل، وشعيرات التوأم الذهبية تختفي في الداخل.
مذهل حقًا. نعم، نعم، كنت أتساءل لماذا كنتما هادئين طوال الأيام الماضية!
— "ما الذي حدث؟"
— "سيدتي!"
— "هل أنتم بخير؟"
بسبب صرختي، عمّ الضجيج في المكان.
مثل هذه الفوضى تحدث في منتصف الليل بسبب شياطين صغار.
رفعتُ يدي ألوّح بها أمام الفرسان الذين خرجوا مذعورين وركضوا نحو الطريق.
— "ما الأمر؟"
— "آه، سيدي الصغير…!"
ما الذي يفعله مستيقظًا في هذا الوقت؟
رأيت جيريمي، مرتديًا ملابس غير رسمية، بينما كنت مبلّلة حتى العظم وأرتجف.
كنت أفضّل أن أتجاهله، لا طاقة لي للتعامل مع إحراجه ودهشته.
حاولت المرور بجانبه سريعًا، لكنه أمسك بذراعي.
— "التوأمان مجددًا؟"
كنت على وشك الرد بـ"وهل هناك غيرهما؟"، لكن الذي نطقت به فجأة كان:
— "أنا… أنا أموت…"
يالها من عبارة مثيرة للشفقة سمعتها أذناي.
ظهر الارتباك الشديد على جيريمي، لكنه لم يعلّق، بل أحاط كتفي بذراعه وسار معي.
كان ذلك ممكنًا لأنه أصبح أطول مني بكثير.
— "غوين!"
ركضت غوين نحونا حين سمعت نداءه، وأشعلت النار بسرعة وقدّمت لي كوب شاي دافئ.
ورغم أنني غيّرت ملابسي، ظلّ البرد يتغلغل في عظامي، فاضطررت للجلوس أمام المدفأة ملفوفة ببطانية، أحتسي الشاي الساخن.
لكن…
— "هل أنتِ بخير؟"
…لماذا لا يغادر هذا الفتى؟
— "أعتقد… أنني على قيد الحياة."
يصعب عليّ الحديث لأن أسناني تصطك ببعضها من البرد.
كان خطئي أنني لم أتوقع أن يبقى التوأمان مستيقظين وينصبوا لي فخًا.
أنا آسفة… لن أتجاهلكما مرة أخرى أبدًا…!
حين نظرت إليه بطرف عيني، بينما كنت أحبس دموعي، كان جالسًا على ركبة واحدة يحدّق بي بجدّية مفرطة.
ربما بسبب وهج النار، بدت عيناه الخضراوان الداكنتان مشرقتين كعينيّ.
— "لا تسمحي لهما بفعل هذا مجددًا. إنهما يتماديان لأنكِ دائمًا تسكتين على تصرفاتهما."
حسنًا… مهما فعلت، سيبقى أشقاؤك على حالهم حتى النهاية، تمامًا مثلك.
لم أستطع الرد، فاكتفيت بالتكوّر في البطانية صامتة.
وبعد أن جلس طويلًا يحدّق بي، نهض أ
خيرًا وغادر.
وحين شعرت أخيرًا بالحرية من تلك النظرات الغامضة، وقفت، واقتربت من السرير الفوضوي، وارتميت عليه بلا حراك.
اللهم صل على سيدنا محمد