حكاية زوجة الأب
الفصل الثامن عشر
بعد لحظة من الصمت الدقيق للغاية، كانت لوقريتسيا أول من تحدثت. رمشت الكونتيسة الأنيقة بعينيها التركوازيتين واتسعتا وهي تقول:
— "سيدتي، ما الذي تقولينه فجأة؟ هل ارتكبتُ خطأ ما أثناء إقامتنا...؟"
يا لها من تمثيلية بارعة. ابتسمت بسخرية وكأنني أصفق لأدائها المسرحي.
— "لا بد أن أقول، لقد فاجأني كثيرًا أنكِ اشتريتِ الموظفين. لم ألحظ ذلك في البداية، لكن، تعلمين…"
— "ماذا...؟"
— "آه، أفهمك. بما أنكِ أصغر الإخوة، فلا بد أنك نشأتِ في جو من الإهمال. مسكينة، كم كان مؤلمًا لكِ أن تُعاملي أبناء إخوتكِ بهذه الطريقة."
لم أرغب بإطالة الأمر، وكنت أود أن أضرب نرجسيتها الفارغة في مقتل، لذلك قلتها بشجاعة.
فما إن أنهيت كلامي، حتى شحب وجه لوقريتسيا النبيل على الفور.
أما اللورد فالنتينو، فأحاط كتف شقيقته بذراعه كما لو كان يحميها، ثم سرعان ما رمقني بنظرة باردة بعينيه الخضراوين.
— "هذا كثير. أتساءل إن كنتِ قد تلقيتِ تربية سليمة."
— "أنا أفكر جديًا في شطب اسمك من شجرة العائلة، وستندمين كثيرًا عندها."
لا أعرف كيف أصف ملامح وجه فالنتينو حينها. بدا وكأنه لا يصدق ما يسمعه، مزيج من الغضب والحرج.
لكن المؤكد أن احمرار وجهه كان مثيرًا للسخرية.
— "بأي حق تقولين ذلك...؟"
— "كما يقول الجميع، أنا امرأة بلا مشاعر، أنوي التخلي عن الأطفال بعد أن ربيتهم لعامين، فلماذا لا يمكنني فعل ما أريد؟ آمل ألا نرى بعضنا مجددًا. وذلك لمصلحتكما."
— "هذه العاهرة تجاوزت حدودها!"
لم يكن متوقعًا أن تكون لوقريتسيا هي من قالت ذلك.
فما إن تخلّت عن قناعها النبيل المعتاد، حتى تغيّر لون وجهها بالكامل.
— "الآنسة لوقريتسيا، أنا لست واحدة من بنات إخوتك. سيكون من الأفضل أن تنتبهي لكلامك."
في لحظة، وقفت لوقريتسيا مستقيمة ثم صفعتني على خديّ قائلة:
— "من تظنين نفسك؟"
... لم أتوقع أبدًا أن أفقد السيطرة على نفسي بهذا الشكل.
لقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة صفعني فيها أحد.
رمشت لثانية، ثم رفعت يدي وصفعتها بقوة على وجهها، تمامًا كما فعلت.
هل ظنت أنني لن أرد؟
كان من المدهش رؤية كيف اتسعت عيناها التركوازيتان في صدمة.
ياللخسارة، لقد كنت قد أمرت الفرسان بألّا يتدخلوا مهما سمعوا، وإلا كنت سأطلب من رجالي أن ينهوا الأمر بنفسي.
— "يا إلهي، أنتِ شيطانة!"
وفجأة، انطلقت صرخة مفاجئة ومؤلمة جعلتني أنا، ولوقريتسيا، وفالنتينو نلتفت في اللحظة ذاتها نحو الباب.
يا إلهي! لقد أمرتهم ألّا يسمحوا لأي أحد بالدخول!
بالطبع من المستحيل على الفرسان أن يمنعوا الأطفال بالقوة، لكن…!
لم يكن لدي وقت حتى للذعر.
من بين الأطفال الثلاثة الذين اندفعوا داخل الغرفة، راشيل هي من قفزت على لوقريتسيا فورًا، وأطلقت زمجرة لبؤة صغيرة!
بدأت تركلها وتعضها وتضربها دون أي رحمة!
— "أيتها الشريرة! من أنتِ لتؤذي أمي المزيّفة؟! ما بها أمي المزيّفة؟! أبي أحبّها! أحبّها أكثر منا!"
كان من الطبيعي أن تصرخ لوقريتسيا وتنهار أرضًا.
يا للهول!
راشيل كانت تبكي وتعض وتصرخ وتثير كل أنواع الفوضى، قائلة:
— "هل تعرفين كم أنتما شريران؟"
— "هل تعلمين مدى خبث تلك المعلمة والعم؟"
في تلك الأثناء، بدأ ليون في البكاء هو الآخر، متأثرًا بأخته.
وسط هذه الفوضى غير المتوقعة، بدا اللورد فالنتينو مذهولًا من المشهد أمامه للحظات.
لكنه سرعان ما استعاد وعيه.
وبنظرة متعالية وكأنّ الأمر كله تقصير مني في تربية الأطفال، حدّق في وجهي،
لكنني كنت منشغلة بمنع شقيقته من أن تُمزق بالكامل.
لم يكن من السهل أبدًا أن أُمسك براشيل، التي أصبحت كمفترسة صغيرة، وأُبعدها عن "فريستها".
تعثرت لوقريتسيا ونهضت، ووجهها المدمع والمتورم التفت نحوي وهي ترتجف.
كانت في حالة من الصدمة، لكنها استعادت وعيها بسرعة مذهلة.
ما فعلته بعد ذلك...
هو أنها اندفعت نحو إلياس، الذي كان يهتز كتفاه لكنه كان يحدق بثبات في عيني عمه.
— "إلياس، يا ابن أخي العزيز... أنا آسفة، عزيزي. سامحيني إذا كنتُ قد جرحتك دون قصد. أنت تعرف كم أحبك وأفكر بك دائمًا."
شعرها المتناثر، وأظافرها التي تركت خدوشًا على وجهها، ودموعها، جعلت من المشهد عرضًا مسرحيًا كاملًا.
راحت تطبع القبلات على وجه إلياس الذي بدا مشوشًا، وتشد رأسه نحو صدرها، وتبكي وهي تهمس:
— "كيف لي أن أؤذيك عمدًا… كل ما فعلته كان من أجلك، لكن الأمور خرجت عن السيطرة… الكبار يخطئون أحيانًا. تفهمني، أليس كذلك؟"
كان التوأمان يحدقان في وجهي، ملتصقَين بي بشدة.
عينان واسعتان، مليئتان بالحيرة والقلق، يصعب وصفهما.
أما إلياس، فقد بدا جامدًا كأن أحدهم نزَع سلاحه.
بريق من الحيرة، والقلق، والعجز، مرّ سريعًا في عيني عمته وهي تواصل قبلاتها واحتضانها الباكي.
لكن إلياس، الذي نظر إليّ وأنا واقفة وبجانبي التوأمان، ما لبث أن سحب نفسه من بين ذراعيها، وتراجع ليقف إلى جانبي.
ثم، وسط هذا المشهد المسرحي، صدح صوت جديد ساخر:
— "ماذا، ألم ينتهِ هذا بعد؟"
لماذا جاء الآن؟ إنه صداع برأسين.
دخل جيريمي مزهوًا، وقد ترك الفرسان خلفه.
لا بد أنه شهد بعض ما حدث منذ قليل.
---
اللهم صل على محمد وال محمد