حكاية زوجة الأب – الفصل 38
على مدار العامين اللذين تليا زواجي، لم يزرني أحد من عائلتي، ولم يتصلوا بي حتى.
كان من الغريب أن يتفقدوا حال ابنتهم التي باعوها حرفيًا، لكن كان هناك سبب لغيابهم: زوجي كان قد منعهم بشدة.
ومنذ وفاته، كان من الطبيعي أن يظهروا مجددًا.
حتى ولو كان والدي، المهووس بالمقامرة والقتال، قد سدّ ديونه مقابل بيع ابنته، فإن عاداته لم تتغير. أما أمي وأخي، فلم ينسوا طعم الثراء الذي ذاقوه يومًا.
أمي كانت تريدني، كامرأة أرملة الآن، أن أتزوج مجددًا من رجل تختاره هي.
عائلتي لم تكن تهتم بسلامتي أو سلامة أطفالي.
وبما أنني لم أعد أنوي إقامة علاقة زواج عقدية كما في السابق، فقد قطعت كل صلاتي بهم.
"أنا آسف بشأن ما حدث آخر مرة. لقد اندفعت قليلًا… وأنتِ أيضًا تجاوزتِ حدودك قليلًا."
على عكس لوكاس، الذي لم يتوقف عن الحديث بينما جلستُ دون أي تعبير على وجهي، كانت أمي تنظر إليّ بوجه متجهم.
لأكون دقيقة، كانت تحدق في الفستان الفاخر والمجوهرات التي أرتديها.
تلك العيون الخضراء اللامعة التي تطابق عيوني كانت تلمع بالمرارة. لم أصدق أن مثل هذه المرأة هي من أنجبتني.
"كيف لا تردين حين يعتذر أخوك؟"
وكما توقعت، جاء صوت أمي مليئًا بالاستياء، مما جعلني أرغب في الضحك.
"آه، أمي، لا بأس...…"
"لا بأس بماذا؟! هذا تصرّف غير مهذب. هل تظنين أن هذا المنصب ملك لكِ؟ من سمح لكِ بالجلوس فيه؟ امرأة لا تعرف مكانها ولا زالت ترفع رأسها بغرور؟"
"أوه، أمي، لا تفعلي هذا. اهدئي."
بينما كنت أراقب هذا العرض المسرحي، تساءلت لماذا لم أشعر من قبل بهذا الجو غير الطبيعي والفوضوي.
في الماضي، لم أشعر بهذا البرود والجمود في علاقتنا، وحتى وإن لم تكن أمي حنونة معي قط، كنت أضعف أمام دموعها رغم قسوتها.
سيكون كذبًا إن قلت إن قلبي لم يتأثر بألاعيبهم، لكنني كنت مستميتة لأتخلص من ذلك التذبذب العاطفي.
لماذا كانت علاقتنا معقدة بهذا الشكل؟ عائلة جعلتني أعاني من تناقض المشاعر، وأصارع لقطع كل صلة بها. لكن الآن، أطفالي هم العائلة الوحيدة التي أملكها.
وبينما بقيتُ بلا تعبير، صامتة، توقفت أمي عن الزفير الغاضب وغيرت نبرتها بسرعة،
"لأني حزينة، لأني حزينة! لم أرَ ابنتي منذ عامين، وهي لا تبدو مهتمة بأمها المسكينة..."
"اخرجي."
ساد الصمت للحظة. وبينما كانت أمي ولوكاس يحدقان بي، غير مصدقين ما سمعوه، قلت بنبرة شعرتُ أنها تشبه نبرة جيريمي كثيرًا حتى وأنا أسمعها بأذني:
"كنت أعتقد أنني سأسمع ما لديكم لتقولوه، لكن يبدو أن ذلك مضيعة للوقت. السيدة إيغهوفر، كنتِ أول من وافق على زواجي، لذا لم يعد لكِ أي علاقة بي. أعلم أنك تأملين بشيء ما، لكنني مجرد مالكة مؤقتة لهذا البيت، وسأعيد كل شيء لأطفالي. لا تنفقي المال لتأتين إلى هنا وتقيمي مع ابنك العزيز."
خلال حديثي، احمر وجه لوكاس، لكنه بدا وكأنه كبح نفسه، ربما لأنه كان يعي وجود الفرسان في الخارج.
لكن أمي لم تستطع. انسكبت أكواب الشاي على الطاولة، وفي اللحظة التالية أمسكت بشعري بقوة!
"أيتها الحقيرة الجاحدة، من أنجبك ورباك؟! عاهرة دُفعت بالحظ ولم تتعرف حتى على أمها!"
بوووم!
أياً كانت الشتيمة التي كانت ستقولها بعد ذلك، قطعتها الفرسان الذين اندفعوا إلى الداخل بلا إنذار، وأحدهم ضغط على جسدها العلوي بعنف على الطاولة.
"سيدتي، هل أنت بخير؟"
أومأت برأسي، وحاولت إصلاح شعري المتناثر. دون أن أعير أي اهتمام لأمي التي كانت تصرخ أو لوكاس المتجمد، سألني الفارس الذي كان ينظر إليّ مجددًا:
"كيف تأمرين أن نتخلص منها؟"
"ماذا تفعل؟ لا، أيها الفارس، ما هذا التصرّف؟! أنا أم سيدك! أنا جدة أطفال هذا المنزل!"
"اصمتي."
عند سماع صوت الفارس الغاضب وسيفه المسلول، هدأت أمي بسرعة.
أشرت للفارس أن يتركها، ونهضت من مكاني،
"السيدة إيغهوفرت، لا تعودي مجددًا. وأمر آخر، إن اقتربتِ من أطفالي، فستقعين في مصيبة أكبر مما أنتِ فيه الآن."
في وقت ما من شبابي، كنت أحبها كثيرًا وأتوق لعاطفتها، لكن الآن يبدو أن المثل القائل "الدم لا يصير ماء" مجرد هراء.
ماذا كنت آمل بدعوتها للدخول؟ كنت أعلم أن هذا سيحدث على أية حال...
بعد أن تحررت أخيرًا من قبضة الفارس الحديدية، جلست أمي على الأرض تلهث، ثم بدأت في النحيب.
تحرك لوكاس سريعًا نحوها، ثم ركع على الأرض وأمسك بطرف فستاني. رفعت يدي مانعة الفرسان من سحبه، وأملت رأسي قليلًا.
"شوري، أختي العزيزة، أرجوك لا تتخلي عن أمك. لقد كانت غاضبة فقط. قلت لها ألا تفعل ذلك. أنت تعرفين كيف هي. الأمر صعب، لكنك تغضين الطرف."
"هاي!!!"
في تلك اللحظة، دوّى صراخ هائل من شخص غير متوقع.
ولم يكن هناك حاجة للقول إنني، التي كنت واقفة بتعبير بارد، أو لوكاس الذي تمسّك بثيابي و
توسل، أو أمي التي كانت تبكي وكأن العالم قد انتهى، جميعنا تجمدنا والتفتنا في اللحظة نفسها.