بعد انتشار خبر ترمّلي، أصاب عائلة والدتي الجشعة قلق شديد، وبدأوا يسعون لتزويجي مجددًا بما يتوافق مع أهوائهم.

لم يكن أحد يعلم أن أولئك الذين تظاهروا بأنهم خطّابي في الأشهر الأولى، لم يكونوا سوى مرتزقة تم التعاقد معهم مقابل راتب ثابت.

هكذا كنت أعيش.

أصبحت سيّدة قاسية لأفرض النظام على الخادمات اللواتي كنّ ينظرن إليّ باحتقار خفي، وكنت أستبدلهنّ كلّما شعرت بالريبة من أن إحداهن قد تكون جاسوسة مدسوسة. لم أعد أثق بأحد، وإذا مرض أحد أولادي، كنت أعتني به بنفسي.

لكيلا يراني أحد على حقيقتي، تحوّلتُ إلى تلك السيدة المتعجرفة التي عُرفت بها في المجتمع الأرستقراطي المليء بالمؤامرات والدسائس.

سرت شائعات بأني حين كنت صغيرة قتلتُ زوجي واستحوذت على اسم العائلة الشهير. ومنذ ذلك الحين، أصبحت أرملة مرعبة، وصيّادة رجال، وساحرة نويفانشتاين التي تحوّل الرجال إلى ألعاب.

كنت عنيدة جدًا، وصلبة جدًا… لكن، ماذا تبقى لي الآن؟

جون، لقد أوفيتُ بوعدي لك. لكن، ما الذي تبقى مني؟

متى بدأ كل شيء ينهار؟

---

طاخ–

— "آااااااااااه!"

لم أستطع سوى أن أسقط مباشرةً على وجهي أمام الإسطبل، بعدما باغتني ألم حاد في عنقي. رفعت يدي تلقائيًا لأمسك مؤخرة رقبتي، وشعرت بسائل دافئ يسيل منها.

— "إلياس! هل فقدتَ عقلك؟!"

حين رفعت رأسي بصعوبة، رأيت وجه جيريمي المتجمد من الصدمة وهو يركض نحوي، وخلفه كان إلياس واقفًا مذهولًا، وملامحه محرَجة كمن ارتكب خطيئة ولا يعرف كيف يتصرف.

كان أشبه بطفل في الخامسة ارتكب حماقة ويقف الآن عاجزًا.

— "ماذا لو ماتت لأنك رميت حجرًا، أيها الأحمق؟!"

— "أنا… لم أتوقع أن تُصاب بهذا الشكل…! هي الغبية التي لم تتفاداه بسرعة!"

كانت صيحات المراهقَين كأنها تأتي من بعيد. رغم أن الدم كان يسيل على عنقي، كنت أشعر بالتيه والدوار.

لقد اعتاد إلياس أن يمازحني بمقالب كثيرة، لكنه لم يؤذني جسديًا من قبل.

ولحسن الحظ، توقف النزيف سريعًا، لكنّ أثر الجرح ظل محفورًا في عنقي، لن يُمحى أبدًا. ومنذ ذلك اليوم، لم أعد أجرؤ على تصفيف شعري بتلك التسريحات الأنيقة الشائعة بين سيدات العاصمة.

— "اعتذر لوالدتك."

كان من المدهش أن أولئك الفتيان الأقوياء، الذين لا يبدو أن للخوف مكانًا في حياتهم، باتوا ككلابٍ مذعورة أمام نظرات والدهم الحادة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من كوني الطرف المعتدى عليه، شعرت بعدم ارتياح شديد.

— "إلياس، اعتذر حالًا! وأنت يا جيريمي، ماذا كنت تفعل حين أقدم أخوك على هذا؟!"

— "أنا آسف، يا أبي."

قالها جيريمي برأس منخفض حتى أني لم أتمكن من رؤية ملامحه.

ثم فجأة، رفع إلياس رأسه المرتجف ونظر إليّ وقال بصوتٍ متقد بالغضب:

كانت نظراته نارية، شعرتُ وكأنها تشقّني إلى نصفين.

— "هذه المرأة ليست أمي! حتى لو متّ، لن أناديها أمي، مهما قال أبي…!"

صفعة!

مع صوت الهواء الممزّق، صرختُ قصيرًا ووضعت يدي على فمي.

تجمّد إلياس في مكانه. ظلّ يحدّق إلى الأعلى، نحو والده، بعينين متسعتين، لا يصدق ما حدث للتو.

لكن نظرة زوجي لابنه الثاني كانت باردة كالجليد.

— "اعتذر فورًا عمّا تفوّهت به."

رمش إلياس بعينيه مراتٍ عدة، ثم أعاد النظر إليّ.

الغضب العاصف في عينيه الخضراوين كان واضحًا جدًا، كأنه يسري على الجلد مباشرة.

---

دوووم!

كان جيريمي، في الرابعة عشرة من عمره، لا يقوى على ضربي، لذا وجه قبضته إلى الجدار المساكين. كانت تلك أول وآخر مرة يُظهر فيها هذا الكم من المشاعر تجاهي طوال السنوات التي عشناها معًا.

— "لم تمضِ سوى شهر واحد على وفاة أبي. شهر فقط! والآن لديك عشيق؟! هل فقدتِ صوابك؟!"

— "لا تقلق، لقد فقدتُه بالفعل!"

— "بماذا كنتِ تفكرين؟! إن كنتِ فاقدة للعقل، كيف تسمحين لنفسك بأن تظهري بهذا الوجه البريء وكأن شيئًا لم يكن؟! هل تظنين أنني سأسمح بذلك؟!"

— "وماذا إن لم تسمح؟ إن كنت قلقًا على الميراث، فلا داعي للقلق! لن أتزوج مجددًا على أي حال، وسأورّثكم كل شيء، تمامًا كما أوصاكم والدكم."

— "يا إلهي، هذا ليس ما أقصده! أخبريني، ما الذي يدور في رأسك؟ ألا يهمك ما سيقوله الناس عنك؟!"

— "لا يهم. هه… أهذا ما يبدو لك؟"

— "أنتِ…"

— "لا تتظاهر بالاهتمام الآن! هل تظن أن بوسعك التلاعب بي لمجرد أنني مُجبرة على العيش معكم؟! لا أعتقد أنك تريدني كأمّ على أي حال! فقط دعني وشأني. على كل حال، حتى تكبر وتتزوج، لا يوجد ما يُجبرني على الاستماع إليك، لذا اذهب وافعل ما يحلو لك، العب، اصطد، أو اشتموني مع إخوتك، لا يهم!"

كان جيريمي على وشك أن يضربني، لكنه عضّ على أسنانه وكبح نفسه. كانت عيناه الساخنتان الخضراوان تغوصان ببطء، ثم تجمدتا فجأة كجليدٍ أخضر.

— "بالطبع، سأطيع أوامركِ يا سيدتي."

استدار مغادرًا بنبرة مهذبة جدًا، لدرجة أنني ظننت أن السقف قد يتشقق من شدّة إغلاقه للباب خلفه.

ثم جلست على الأرض وبدأت

أبكي وحدي.

لقد كان صغيرًا جدًا. كنا جميعًا أطفالًا، أسرع من اللازم في النمو، عاجزين عن فهم رعب الحياة.

2025/07/30 · 6 مشاهدة · 742 كلمة
روبي
نادي الروايات - 2025