الفصل الرابع
يبدو أنني غفوت وأنا مستندة إلى النافذة. وعندما فتحت عينيّ، كان الفجر قد بزغ بالفعل.
كانت الثلوج تتساقط في الخارج. وأدهشني أن وجهي المنعكس على زجاج النافذة الأبيض المتكاثف بالبخار بدا أشبه بوجه رجلٍ عجوز في تلك اللحظة.
رغم أنني أبلغ الثالثة والعشرين من عمري، إلا أنني أشعر وكأنني رجل مسنّ تجاوز الستين.
نعم، كثيرًا ما نقول إن الكهول حكماء، ولا أعلم إن كنتُ أملك من الحكمة شيئًا، لكنني أشعر بالشيخوخة.
على أية حال… إنها تثلج. من المؤكد أن ليون ورايتشل سيحبّان ذلك... أو ربما انتهت تلك الأيام؟
حينما كان الأطفال صغارًا، كانوا يركضون إلى الحديقة كلما بدأ الثلج بالتساقط.
كان التوأمان يصنعان رجل ثلج، بينما يبعثر إلياس الثلوج في كل اتجاه، أما جيريمي فكان يجري وسط الثلج مع الكلب. وكنتُ أنا أراقبهم من هذه النافذة، من مكاني هذا.
كم هو أمرٌ ساخر وسخيف. لطالما علمت أنه لا مكان لي بينهم، لكن الآن فقط، بدأتُ أشعر بالضيق حقًا.
"سيدتي، هل استيقظتِ؟ هل أجهز العربة؟"
"نعم، من فضلكِ... وغوين، لدي طلب صغير منك."
حفلة الزفاف الأسطورية التي تمّ التحضير لها على مدى شهورٍ طويلة ستبدأ بعد قليل.
سيكون المشهد باذخًا ومبهرًا. ولا شك أنه سيكون مختلفًا تمامًا عن زفافي، الذي اقتصر على عهود بسيطة وتوقيع بعض الوثائق.
أنا على يقين أن جميع الضيوف لن يستطيعوا أن يرفعوا أعينهم عن العروسين. حتى عائلة العريس سيقضون وقتًا ممتعًا...
الميزة الوحيدة بالنسبة لي أنني أعلم متى سينتهي كل شيء، وقد تقبّلت ذلك بالفعل.
ليون ورايتشل، اللذان حزنا بشدة على فقدان والديهما في سن مبكرة، وإلياس، الذي كان دائمًا مشاغبًا لكن لا يمكن كرهه، و... أنت، يا جيريمي، الذي كنت دائمًا تثير توتري.
لم تعلم أبدًا، أنه في الماضي، حينما كنت طريح الفراش بسبب الحمى، قضيتُ ليالٍ لا تُحصى إلى جوارك، وكنتُ أتمنى لو أستطيع أن أبادل حياتي بحياتك. لم أكن أعلم أنني قد أفكر يومًا بمثل هذا الشيء من أجل شخصٍ ما.
يقال إن فعل الخير طمعًا في المكافأة لا يخلّف سوى المرارة. لذا، لن ألومكم على شيء... أعلم أن لكلٍ منكم أسبابه الخاصة.
ولستُ خاليةً من القلق. هل سيتمكن الشاب من تحمّل كل المسؤوليات التي أوكلها له والده؟ هل سيحسن صون هذا الإرث العظيم؟
أما أنا، التي اضطرت لولوج عالم الكبار في سنٍ مبكرة، فكل ما أشعر به الآن هو القلق واللاطمأنينة.
لكن لم يعد ذلك من شأني.
من الجيد أن يعيش الأطفال بطريقتهم الخاصة.
"سيدتي؟"
عندما أنهيتُ ترتيب كل شيء على الطاولة، كانت غوين الخادمة، وروبرت كبير الخدم، وألبرت قائد الفرسان، واقفين أمامي، جنبًا إلى جنب.
إنه طاقم وفيّ خدم هذه العائلة لسنوات طويلة، وهم الوحيدون الذين وثقتُ بهم.
"سأتوجّه إلى هايدلبرغ. لا أريد لأحد أن يعلم. سأترك الأطفال هنا، فاستعدوا."
"هايدلبرغ... فهمت. ولكن، هل تخططين للبقاء بضعة أيام؟"
"لن أعود."
"...ماذا؟"
فيلا هايدلبرغ، التابعة للماركيز، هي المكان الوحيد الذي يمكنني القول إنه ملكي بالكامل. لقد منحني إياها زوجي كهدية زفاف. رغم أنني لم أزرها سوى مرة واحدة في أوائل أيام شهر العسل.
وعلى أية حال، كانت نظرات الأشخاص الثلاثة المُركّزة على الطاولة، قد اتسعت حدقاتها كالصحون.
فقد كانت الطاولة مملوءة بكنوز احتفظت بها سرًا طوال سبع سنوات: مفاتيح، صناديق وصايا، وأختام.
"سيدتي، ما الذي يحدث؟"
"لم نكن نتوقّع أن ترحلي، سيدتي."
"اليوم زفاف جيريمي. أكبر أبنائي سيتزوّج، وكأم، يجدر بي أن أقدّم له هدية زفاف."
"ماذا؟"
"ذلك الشقيّ لا بد أنه يتمنى من أعماقه أن أرحل."
وضعتُ يديّ على خاصرتي وضحكت، لكن وجوههم ازدادت تصلبًا.
"اهدأوا. إنها الحقيقة."
"سيدتي..."
"اعتنوا بأنفسكم في غيابي، حسنًا؟"
"سيدتي..."
"استقبلوا السيدة الجديدة كما ينبغي حين تأتي. من الآن فصاعدًا، جيريمي هو سيدكم. لا تعارضوه. أنتم تعلمون كم أن طباعه صعبة."
"لا، سيدتي، هذا غير معقول. أنتي من ربّيتِ السادة الصغار والآنسة!"
لم يحتمل روبرت كبير الخدم الأمر. وكان صوته المرتعش كأنه رثاء قبل الموت. صرخته المفعمة بالحزن جعلتني أرتبك لوهلة، ثم ابتسمت.
"يسرّني أنكم تعلمون ذلك، لكن لا تذكروا الأمر أمام الأطفال، حسنًا؟ وإلا فسيكرهونكم."
"سيدتي!"
"هيا، لا وقت لدينا لهذا الآن. أنزلوا جميعًا."
هذا كلّ ما تبقى لي هنا. سأعيش جيدًا، وسآكل جيدًا، وأهتم بنفسي من الآن فصاعدًا.
لم أعش علاقةً حقيقية قط، لأنني كنتُ منشغلة بالمسؤوليات دائمًا. حان الوقت لأبدأ من جديد... لأجلي.
نعم، لا بأس. كل شيء سيكون على ما يُرام.
...أو ربما كانت تلك مجرد واحدة من أوهامي الأخرى.
---