إنه جنون… لماذا حدث هذا؟ هل أنا أحلم؟

لقد قررت أخيرًا أن أترك كل شيء خلفي وأعيش بهدوء لنفسي، لكنني وجدت نفسي هنا؟ لا، سيكون من الأفضل لو كان مجرد حلم.

لكن إن كنتُ قد عدت فعلاً بالزمن... ألن يكون الوضع أسوأ بكثير؟

يا للأسف... أن أضطر إلى البدء من جديد الآن.

"هاه..." خرج تنهيدة حزينة من شفتي، كانت خافتة دون أن أشعر، لكنها على ما يبدو وصلت إلى مسامع الكونت مولر، شقيق زوجي وعمّ الأطفال، الذي كان واقفًا خلفي.

قال ساخرًا بنبرة مغلّفة بالحزن:

— "لا بد أنك تشعرين بالملل."

— "لكن، أليس من الطبيعي أن تتحملي هذا القدر؟ لقد حصلتِ على الإوزة التي تبيض ذهبًا، بعد كل شيء."

كانت سخريةً فاضحة بنظرة ملؤها الكآبة.

— "هل هذا كل ما لديك لتقوله؟"

— "ماذا؟"

— "يبدو أن هذه هي كل مشاعرك في جنازة شقيقك. يمكنك الرحيل الآن. لدي الكثير لأفعله، ولا وقت لدي لسماع تعليقاتك."

بدلاً من الرد بصراخ أو استنكار، مثل "ما الذي قلته؟" أو "أي وقاحة هذه؟"، اكتفى الكونت مولر بالتحديق بي بنظرة مترددة، وكأنه فقد القدرة على الرد من شدّة الذهول.

في مثل هذا الوقت من حياتي، كنت مجرد فتاة صغيرة غارقة في الخوف، لا تدري ما تفعل. أما الآن، فقد واجهته بنظرة حادة وحازمة. تجاهلتُ نظرته المشفقة التي لم تبارحني، وعدت أغوص في أفكاري المتشابكة.

إن كنتُ حقًا عدتُ إلى الماضي، فهذه مصيبة حقيقية.

ذلك يعني أن عليّ أن أعيش السنوات السبع الأخيرة من جديد. لا أريد أن أعيد كل تلك المآسي التي واجهتها مرة أخرى.

انتهت مراسم التأبين بينما كنت غارقة في أفكاري. وكانت مراسم الدفن على وشك البدء.

لذا انتظرت حتى أنهى الكاهن الذي ترأس القدّاس صلاته، ثم تقدّمت نحو المنصّة. كانت نظرات الحاضرين التي تبعتني باردة ومتشددة، لكنني لم أشعر بشيء... كنت شبه متبلدة.

— "سيدة نويفنشتاين؟"

— "عذرًا، أيها السادة، أود أن ألتمس منكم جميعًا، رجاءً، أن تمنحوني بعض الوقت لأكون مع زوجي على انفراد... أرجو أن تتفهموا."

بدأ الهمس يتصاعد بين الحضور. البعض سعل، والآخرون عبسوا، بينما أدرتُ نظري نحو الأطفال، وتحديدًا نحو جيريمي.

كان وجهه خاليًا من التعبير، لكنني، التي عاشت معه قرابة عشر سنوات، استطعت أن أقرأ بوضوح في عينيه الغاضبتين.

العينان الخضراوان الداكنتان الباردتان قالتا كل شيء: ما الذي تفعلينه؟

آه، أعلم... أنا الشريرة في القصة على أي حال. دعه يحدّق كما يشاء، سأغض الطرف.

في الكنيسة الهادئة التي أُفرغت من المعزين بناءً على طلبي، بقي عبق البخور يملأ الأرجاء. وكان النعش مغطى بشعار عائلة نويفنشتاين—شارة على هيئة أسد.

حدّقتُ فيه للحظة، ثم جلست بهدوء إلى جوار النعش، وتمتمت:

— "مر وقت طويل، يوهان."

همست وأنا ألمس غطاء النعش، وشعرت بملمسه كما لو أنه حقيقي تمامًا. إن كان هذا حلمًا... فهو واقعي أكثر مما ينبغي.

في الواقع، في هذا الوقت من الماضي، لم أطلب من المعزّين بعض الوقت، ولم أجلس لوحدي لأحادث الميت. حتى المشادّة البسيطة التي حدثت مع الكونت مولر لم تقع أصلًا.

حينها، كنت غارقة في الخوف والارتباك، أدعو في داخلي أن أختفي عن أعين الناس بعد انتهاء الجنازة.

كم من الدموع استهلكت لتحويل تلك الفتاة الساذجة المرتبكة... إلى الساحرة القاسية في قصر نويفنشتاين؟

والآن، حين أنظر إلى الوراء، أرى الكثير من الأخطاء والعثرات. ومع ذلك، أشعر بالفخر لأني تجاوزت كل ذلك.

— "هل كنت لتصدقني لو قلت لك إنني وفيت بوعدي؟ هل كنت لتصدق كم أصبح أطفالك متألقين... وكم أصبحوا باردين؟"

أعلم أن الموتى لا يردّون. ولم أكن أنتظر جوابًا.

تماثيل الأب القدّيس والسيدة العذراء الواقفتين إلى جانبي المذبح، والمحدقتين نحوي بصمت، بدتا كأنهما تضحكان في سري.

— "في أي لحظة ساء كل شيء؟ لا أريد أن أُحمّل أحدًا الذنب. كان زوجي من طلب مني أن أعده... لكنني أنا من ارتكبت كل شيء فظيع في سبيل الوفاء بذلك الوعد."

ركضت كدبّابة مشتعلة دون أن أنظر خلفي أو حتى إلى جانبي. وبدلًا من محاولة إيقاف الشائعات، تركت الأمور تتفاقم من سوء فهم إلى آخر.

كل ما في الأمر...

— "لكنني لا أستطيع فعل ذلك مجددًا. لا أريد أن أعيش كشريرة أخرى. لقد سئمت."

…… لم أكن أعلم أن عدم تلقي الامتنان على كل ما قدمته سيكون مؤلمًا إلى هذا الحد.

أي نوع من الامتنان كنت أرجوه من الأطفال؟ كلمة شكر؟ احترام؟ مودة؟

— "هل تعلم؟ كنت أريد حقًا أن أشهد زفاف جيريمي..."

ومع انحنائي، انسدل شعري الوردي الطويل على التابوت بشكل فوضوي. وإحساس الدموع وهي تنساب على خدي كان واقعيًا بشكل لا يُمكن أن يكون حلمًا.

وإن كنتُ قد عدتُ حقًا إلى الماضي، فهل يعني ذلك أن الله يمنحني فرصة لاتخاذ خيار مختلف؟ وإلا... فلا تفسير آخر لهذا الأمر.

لا أعلم كم من الوقت ظللت على هذه الحال، مستندة إلى النعش، أرتجف بصمت.

لكن، في النهاية، رفعت جسدي ببطء.

وداعًا، يوهان... لعلها تكون الوداع الأخير.

وبمجرد أن استدرت مبتعدة، شهقت دون وعي، إذ وجدت نفسي أمام آخر من توقعت رؤيته.

خفق قلبي كأرنب صغير يواجه وحشًا مفترسًا.

كم من الوقت كان واقفًا هناك؟

الصبي الواقف على بُعد خطوات قليلة لم يكن سوى جيريمي. ليس الرجل القوي في الحادية والعشرين من عمره الذي اعتدت رؤيته، بل جيريمي الشاب، الذي لا يزال على حافة الطفولة والرجولة.

وحين تراكبت صورة الصبي أمامي مع صورة الشاب الذي في ذاكرتي، اجتاحتني مشاعر غريبة لا يمكنني وصفها.

— "جيريمي؟ لماذا أتيت إلى هنا؟"

مسحت دموعي سريعًا بظاهر كفي وسألته. لم يجبني.

نظر إليّ بعينيه الخضراوين الداكنتين، تلك النظرة التي كانت تحمل اضطرابًا لا يُقال، نظرةٌ مسحت وجهي المبلل في صمت.

---

2025/07/30 · 6 مشاهدة · 850 كلمة
روبي
نادي الروايات - 2025