رويدًا رويدًا، ومع تلاشي الصدمة الناتجة عن القتال، بدأ الجمهور في مغادرة المدرجات والعودة إلى منازلهم.
كان الهدوء غريبًا وهم يغادرون، لا أحد يتحدث أو يُبدي الحماس المعتاد بعد انتهاء قتالٍ ما.
من الواضح أن الجميع ما زالوا تحت وقع الصدمة من نتيجة القتال.
راقبت بصمت الجميع وهم يغادرون المكان قبل أن أغيّر مظهري وأتوجه نحو شقتي.
لا يمكن أن يراني الناس بوجهي الحقيقي...
سيكون ذلك مزعجًا للغاية.
"آه..."
فركت جبهتي وعبست حاجبيّ.
(…أشعر بتحسن قليل، على ما أظن).
كنت قد فقدت الوعي في غرفة تبديل الملابس لمدة ساعة.
وبحلول الوقت الذي استعدت فيه وعيي، كان الجميع قد غادروا بالفعل ساحة الكولوسيوم. بعد حمام بارد، شعرت بتحسن كبير، لكن ذهني لا يزال مشوشًا بعض الشيء.
(أحتاج إلى النوم).
والجانب الجيد أن النهائيات ستكون بعد أسبوع من الآن. وهذا يعني أن لديّ متسعًا من الوقت للراحة.
وغدًا سيكون نزال ليون.
وهذا...
كنت بحاجة لأن أراقب نزاله عن كثب. خصوصًا أن "إيفي" لم تكن على طبيعتها مؤخرًا، بل كانت تحت سيطرة "الملاك".
(الآن وقد أصبح لدي وقت، يجب أن أتعامل مع هذا الوضع بشكل أفضل).
"هوو..."
استنشقت الهواء الدافئ ورفعت رأسي أنظر إلى الشمس البيضاء الحارقة التي كانت معلقة في السماء، وأنا أدلّك وجهي.
(...لقد سئمت من هذا المنظر).
كنت أرغب في العودة إلى العالم الحقيقي.
الشمس البيضاء والسماء الرمادية الكئيبة كانت خانقة. قد تصيب الإنسان بالجنون إن طال به المقام هنا.
"اقلب السماء..."
دون أن أشعر، وجدت نفسي أتمتم بهذه الكلمات.
(حين أفكر في الأمر، لو كنت عالقًا في هذا المكان، كنت لأرغب أنا أيضًا في قلب السماء…)
هل هذا ما كان يقصده الطفل عندما قال إنه يريد قلب السماء؟
لعقت شفتي.
(أتساءل كيف ظهرت بُعد المرآة في المقام الأول؟)
للأسف، لا يوجد الكثير من المعلومات عنه.
على أي حال، لا فائدة من التفكير في هذه الأمور الآن. عاجلًا أم آجلًا، سأكتشف الحقيقة. أنا واثق من ذلك.
كليك—
غمرني الظلام فور دخولي إلى غرفتي.
نظرت حولي قبل أن أضع أغراضي على الأرض وأنزع ملابسي باستثناء الملابس الداخلية. ثم، من دون أي تردد، رميت نفسي على السرير.
بومف!
"هاه..."
شعرت باحتضان السرير الناعم، فأغمضت عيني وغرقت في أعماق وعيي.
صرير—
صرير الأرضية الخشبية أعلن عن ظهور شخصية بجانب سرير "جوليَن".
كانت "ديلايلا" تحكّ مؤخرة رأسها.
نظرة: ما الذي يجب أن أفعله..؟
كانت تنتظره في الغرفة لبعض الوقت، تنتظر لتسأله عما حدث خلال القتال. حالة "كايوس" كانت حرجة للغاية، وكانت تعلم أن الوضع قد يتعقد في أي لحظة.
أخذت على عاتقها أن تتواجد في شقته لمنع أي تهديد محتمل.
حتى الآن، لم يحدث شيء.
وربما لن يحدث شيء، لكن لا يمكن التأكد دائمًا.
ومع أنها كانت تفهم أن "جوليَن" مرهق، إلا أنها لم تتوقع أن يغط في النوم فور ملامسته للسرير.
الآن، وجدت نفسها في موقف لا تعرف كيف تتصرف فيه.
"همم..."
رفّت عينا "ديلايلا".
وقفت في مكانها ببلادة لعدة ثوانٍ، وعيناها تتنقلان بينه وبين المذكرة التي كانت في يدها.
لكنها في النهاية، تمالكت نفسها، وانجذبت نظراتها نحو "جوليَن" النائم. كان صدره يرتفع وينخفض بإيقاع منتظم، ورغم الظلام، كانت "ديلايلا" ترى كل شيء بوضوح.
"....."
لمعت عينا "ديلايلا" في الظلام وهي تتقدم بخفة.
كانت خطواتها خفيفة، لا تصدر أي صوت.
توقفت عند حافة السرير، وانحنت قليلًا بينما انسدلت خصلات شعرها السوداء أمام وجهها، كستار داكن.
أزاحت شعرها خلف أذنيها، وبدأت عيناها تتتبعان ملامح "جوليَن".
من شعره الأسود القاتم، إلى فكه المصقول بدقة، مرورًا بأنفه المتناسق، وحاجبيه النحيفين، وشفتَيه الضيقتين الرقيقتين... كانت ملامحه تبدو وكأنها نُحتت بعناية.
وقفت "ديلايلا" تحدق في ملامحه دون وعي.
امتدت يدها نحو وجهه دون أن تشعر...
با…
في اليوم التالي.
"....."
رمشت بعينيّ عدة مرات لأتأكد من أن ما أراه لم يكن خيالًا. ثم، عندما لم تختفِ الصورة من أمامي، فركت عينيّ.
(أبعدوها عن ناظري).
لكن...
الصورة رفضت أن تختفي.
"هاااه..."
تنهدت بعمق، وأسندت رأسي إلى الخلف وسقطت مجددًا على السرير.
(ما الذي تفعله هنا...؟)
كانت "ديلايلا" جالسة، ساقاها متقاطعتان، وظهرها مستند إلى الكرسي بينما رأسها مائل إلى الجانب.
وبناءً على عينيها المغلقتين، يبدو أنها كانت نائمة.
كان من الصعب فهم عقل "ديلايلا". في معظم الأحيان، كنت أعجز عن فهم ما تفكر به، وكانت تظهر في أكثر الأوقات عشوائية.
مثل...
الآن.
لكن، خطرت لي فكرة.
(…هل يمكن أنها جاءت لتحميني؟)
صحيح، بعد ما حدث مع "كايوس"، فهذا منطقي تمامًا. فشعب إمبراطورية "إيثيريا" لم يكونوا سعداء بما فعلته.
من المرجّح أن "ديلايلا" جاءت لتتأكد من أنني لن أُهاجَم خلال الليل.
وبهذا التفكير، شعرت بتحسن ونهضت من السرير.
"أه..."
ولكن في اللحظة التي فعلت فيها ذلك، تجمدت في مكاني.
||
نظرت إلى الأسفل وحدقت في ملابسي... أو بالأحرى، عدم وجودها، قبل أن أُدير رأسي ببطء وبجمود لأنظر نحو
ديلايلا.
(…يبدو أنها لا تزال نائمة.)
لحسن الحظ، كانت عيناها لا تزالان مغمضتين، ولا تُظهران أي إشارة على أنها على وشك الاستيقاظ.
أسرعت بجمع ملابسي وانطلقت نحو الحمام، حيث فتحت الصنبور وغسلت وجهي قبل أن أستحم بسرعة وأرتدي ملابسي.
"همم، هل يُفترض أن يكون بهذا الشكل؟"
قمت بتعديل سترتي وقميصي.
كانت هناك بعض التجاعيد هنا وهناك، وشعري احتاج إلى بعض الترتيب.
عادةً لم أكن أهتم بأمور كهذه، لكن من غير قصد، قضيت وقتًا أطول من المعتاد أمام المرآة لترتيب نفسي قبل مغادرة الغرفة.
كلانك!
كنت أتوقع أن ديلايلا استيقظت بحلول ذلك الوقت، لكنها لم تُظهر أي علامة على ذلك، بل انحنت رأسها أكثر إلى الجانب.
وبنظرة فاحصة، رأيت خيطًا فضيًا ينزل من جانب شفتيها.
دون أن أُصدر أي صوت، مددت يدي نحو حقيبتي وسحبت منها جهازًا مألوفًا كنت قد أنفقت مبلغًا لا بأس به من المال عليه.
كليك-كليك—
ارتجفت في كل مرة سُمع فيها صوت "كليك" الصادر من الكاميرا الشبيهة بالبولارويد، لكنني شعرت بالارتياح لأن نوم ديلايلا لم يتأثر.
(…يا لها من حارسة شخصية.)
بالنسبة لشخصة قوية مثلها، قد يتوقع المرء أنها ستستيقظ من أدنى صوت، لكنها كانت غافلة تمامًا عن وجودي أمامها.
كان الأمر غريبًا حقًا...
(هل من الممكن أنها مستيقظة وتتظاهر بالنوم؟)
تجمدت يدي عند هذه الفكرة بينما كنت أحدق نحو ديلايلا. لكن… عندما نظرت إلى ذلك الخط الفضي على شفتيها، تراجعت عن الفكرة.
كليك. كليك. كليك.
لم أكن متأكدًا لماذا، لكن إصبعي استمر في الضغط على زر الالتقاط.
(هذا سيء...)
عضضت شفتي وتوقفت في منتصف الطريق.
بادم—ثُمب!
مع إحساسي بضربات قلبي، أدركت أنني كنت أعبث بالنار. فديلايلا لا تزال ديلايلا...
من تقبع تحت مراتب حكام القمم.
صفعة واحدة منها قد ترسلني طائرًا إلى حيث أتيت.
(آه…)
هززت رأسي لطرد الفكرة وتهيأت لوضع الكاميرا جانبًا.
لكن في تلك اللحظة، وقعت عيناي على الطاولة... حيث كان هناك قلم ظاهر.
توقّف نفسي، وبدأت يداي بالارتجاف.
(لا، لا…)
مررت لساني على شفتيّ الجافتين.
ثم تراجعت خطوة إلى الوراء وابتلعت ريقي.
(…لا تفعلها.)
ارتجفت ذراعاي بينما كنت أُجبر نفسي على إدارة وجهي بعيدًا.
لكن... صورة القلم عادت لذهني مجددًا.
هيكله الأنيق والناعم...
ملمسه الخفيف والرقيق...
ذلك الـ...
"!"
كلانك—
بمجرد أن خرج جوليان من نطاق استشعار ديلايلا، فتحت عيناها.
"همم...؟" مسحت زاوية فمها ونظرت حولها. كانت الغرفة فارغة، وكل شيء في مكانه. من الواضح أن جوليان قد نظّف قبل أن يغادر.
لقد كانت نائمة بعمق لدرجة أنها لم تلاحظ ذلك.
ورغم قوتها، فهي أيضًا بحاجة للنوم. كما أنها قد وضعت حاجز حماية حول المكان. ما دام شخص مجهول يدخل النطاق، كانت ستشعر بذلك.
وفي الوقت نفسه، إذا خرج جوليان من النطاق، فسيُنبهها الحاجز، ولهذا استيقظت.
|| ||
ومع ذلك، كان بإمكانه إيقاظها...
لوّحت ديلايلا بيدها، فظهر كتاب؛
[مفكرة مراقبة جوليان]
فتحته، ومدّت يدها نحو القلم بجانبها وبدأت في الكتابة.
[⚫ إنه مُنظّم.]
كانت تعلم هذه النقطة بالفعل.
خصوصًا بعد ما فعله بمكتبها سابقًا.
"همم؟"
توقفت يد ديلايلا عندما التقطت رائحة غريبة. حبر…؟ عبست حواجبها وهي تفكر في مصدر الرائحة وخفّضت رأسها لتنظر إلى قلمها.
رفعته إلى أنفها، وشمتّه عدة مرات.
(نفس الرائحة...)
وقفت ديلايلا، وازداد عبوسها. لمست وجهها، فظهر لطخٌ أسود على أصابعها.
أمالت رأسها، وكأن علامة استفهام ظهرت فوقه. ضيّقت عينيها وسارت نحو الحمام وتوقفت أمام المرآة.
"آه."
تجمّد تعبيرها عند المشهد الذي رأته في المرآة. هل ذلك شارب مرسوم على وجهها؟ لا، ماذا عن خدها؟ يبدو أنه رسم لقط! لم يكن سيئًا... هم؟ هل هذا لوح شوكولاتة؟ ليس جيدًا كثيرًا...
دون أن تدري، بدأت تقيم الرسومات على وجهها.
زاوية شفتيها ارتفعت بلطف وهي تنظر إلى الخربشات المتعددة على وجهها.
قط، لوح شوكولاتة، شارب، سحابة، و...
كانت كثيرة جدًا...
"هيه."
صدر صوت غريب من فم ديلايلا بينما ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها.
لكنها لم تدم سوى للحظة وجيزة قبل أن يعود تعبيرها للجمود. عندها فتحت الصنبور ولوّحت بيدها. ارتفعت المياه وطفَت نحو وجهها، لتغسل كل الحبر عن بشرتها.
وفي لحظات، عاد وجهها إلى حالته النظيفة والمعتادة.
أومأت برأسها بهدوء، ثم أغلقت الصنبور وعادت إلى الغرفة حيث كانت المفكرة موضوعة.
فتحتها وبدأت في الكتابة مجددًا.
[⚫ يحب لمس وجهي.]
فلماذا قد يرسم على وجهها غير ذلك؟
ضغطت ديلايلا القلم على الورقة، بقوة أكبر هذه المرة، وتوقفت.
لم تكن تلومه حقًا.
فهي أيضًا تحب...