كان من المقرر إقامة النهائيات بعد ثلاثة أيام.
وقد تم تحديد هذه المدة حتى يتمكن المتسابقون من التعافي والشفاء قبل المباراة المقبلة. عادةً، لم يكن المتسابقون يحتاجون إلى كل هذا الوقت للتعافي من إصابات مثل الكسور أو العظام المكسورة.
يومٌ واحدٌ كان كافيًا.
...وذلك ببساطة لأن الدواء الذي يُقدَّم للمتسابقين كان بالغ الفعالية وباهظ الثمن.
ومع العائدات الضخمة التي كانت تحققها البثوث، فقد كان هذا الاستثمار ضروريًا.
لكن لم تكن هذه هي المشكلة الحقيقية.
ما لم يكن بالإمكان شفاؤه، هو الحالة الذهنية للمتسابق. فذلك يتطلب وقتًا، ومن هنا جاءت أهمية منح عدة أيام للراحة.
في اليوم الثاني، أي قبل النهائيات بيوم واحد...
"ما هذا؟"
"ماذا يحدث؟"
أُلقي ظلٌ ضخم فوق حدود إمبراطورية نورس أنسيفا، وبدأ الناس أسفل ذلك الظل في الذعر، مشيرين نحو الجسم الضخم الذي كان يطفو في السماء، يحدّق نحو الحدود بنظرات قمعية، بينما كان علمٌ ضخم يرفرف مع الريح.
"أليس هذا...!؟"
سارع المواطنون إلى التعرّف على العلم، ولم يزد ذلك سوى من حدة الذعر.
"هل نحن تحت هجوم؟"
"هل يهاجموننا؟!"
"الجميع، عودوا إلى منازلكم! لا داعي للذعر، عودوا حالًا!"
كان من واجب الحراس تهدئة المواطنين، يصيحون بالأوامر هنا وهناك في محاولةٍ منهم لمنع الفوضى. لكن، كم من السهل أن يكون ذلك؟
...لم يكن بوسعهم فعل الكثير.
خصوصًا مع استمرار السفينة العملاقة في التحديق بهم من الأعلى.
داخل السفينة.
"ما الذي يؤخرنا؟"
جلست الإمبراطورة جوردانا في مقعدها بعدم صبر، تطل من خلال النوافذ الزجاجية للسفينة. ومن هناك، كان بإمكانها رؤية مدينة صغيرة في الأسفل، تحيط بها أسوار عالية تحمي المواطنين من أي خطر.
في الوقت الحالي، كانت عدة أسلحة موجهة نحوهم.
"هل هذه هي كفاءة هذه الإمبراطورية؟ لو كان الأمر بيدي–"
ووم–
ظهر عرضٌ مجسمٌ في وسط السفينة.
ظهر فيه شاب ذو عينين صفراوين وشعرٍ طويل أشقر. بدا عليه المرض، لكن هيئته حملت هالة من المهابة والسلطة.
"يا إمبراطور."
بدأ بتحية الإمبراطور الذي كان جالسًا إلى جانب الإمبراطورة.
ثم، وبعد أن أدار رأسه، حيّاها هي الأخرى.
"يا إمبراطورة."
"ولي العهد."
رد الاثنان بالتحية باقتضاب.
"كيف يمكنني مساعدتكما؟"
"...دعنا ندخل."
جاء طلب الإمبراطورة سريعًا. ورغم أن نبرتها كانت ناعمة، إلا أن فيها عزيمة واضحة أظهرت أن موقفها غير قابل للنقاش. لم تكن تبحث عن اعتراض.
"هل لي أن أسأل، لماذا؟"
توقف الزوجان، وتبادلا نظرات سريعة. تبادلا النظر لبضع لحظات قبل أن يومئ الإمبراطور برأسه، وتتكلم الإمبراطورة:
"صحيح، من العدل أن نوضح الأمر. لقد جئنا لنأخذ ابننا."
"ابنكما؟"
ظل تعبير غايل هادئًا.
"هل من الضروري أن تأتوا بأنفسكم لأخذه؟ البطولة قد انتهت، ورغم أنه تعرض لبعض الإصابات أثناء نزالِه، إلا أنها ليست بالخطيرة. إن أردتما، يمكننا أن نرسله إليكم–"
"لا، نحن لا نتحدث عنه."
"...هاه؟"
بدأت ملامح غايل تتغير بشكل غريب. فحسب معلوماته، لم يكن هناك أي أولاد آخرين...
"نحن نتحدث عن ابننا الآخر."
رفعت الإمبراطورة كفّها، فانبثق عرض مجسم آخر. ظهر فيه شاب ذو ملامح جذابة للغاية وعينين رماديتين حادتين. حدق غايل بالصورة للحظات قبل أن تبدأ ملامحه الهادئة بالتشقق.
راح ينظر بين الشخصين أمامه، ثم رفع إصبعه وقال:
"أمهلاني لحظة."
تلاشت صورته، وعمّ الصمت في الغرفة لبضع دقائق، ثم ظهر من جديد.
"...حسنًا."
أومأ غايل برأسه، وقد بدا عليه الجديّة بشكل غير معتاد. نظر إلى الاثنين، ثم انحنى برأسه قليلًا.
"لديكما الإذن بالدخول."
"رائـ–"
"لكن!"
قاطعهما غايل قبل أن يتمكنا من الاحتفال.
ومد يده ليُظهر عرضًا مجسمًا للسفينة، ثم قال بهدوء:
"أنتما الاثنان فقط من يمكنه الدخول. السفينة تبقى في الخارج."
فورًا، خيم التوتر على الغرفة. عبس الإمبراطور والإمبراطورة عند سماعهما هذا الشرط. الدخول بمفردهما سيجعل الأمور معقدة، إذ سيتركان خلفهما الحماية والحرس.
وسيبدو الأمر وكأنهما رهينتان في دولة أجنبية.
لكن، في النهاية، كان هذا قرارهما الشخصي. علاوة على ذلك، فهما قويّان للغاية. إلا إن قرر جميع حكّام إمبراطورية نورس أنسيفا الاتحاد ضدهم، فهما يملكان الثقة الكافية للهروب.
وليس من المتوقع أن يحدث ذلك...
فمقتلهما سيعني حربًا شاملة مع إمبراطورية نورس أنسيفا.
وليسوا حمقى إلى هذه الدرجة.
خاصةً مع وجود إمبراطوريتين أخريين تراقبان الوضع كصقورٍ جائعة.
وبعد أن وصلا إلى هذه الأفكار، تبادلا النظرات وأومآ برأسيهما.
"حسنًا."
وقف الاثنان، ولوّحا بأيديهما، فبدأت ملامحهما بالتغيّر.
"سنلتزم بطلبك."
"...شكرًا جزيلاً."
ابتسم غايل وانحنى برشاقة احترامًا لهما.
"أرحب بكما رسميًا في إمبراطوريتنا."
***
"هوو."
أطلق غايل زفيرًا خفيفًا بعد أن أغلق جهاز الاتصال. كانت الموقف مفاجئًا للغاية، ولم يكن لديه الوقت الكافي للتعامل معه.
كان كيانان من مستوى الملوك على وشك عبور الحدود، وهذا عادةً يتطلب الكثير من التحضيرات المسبقة.
كونهما جاءا بهذه الطريقة المفاجئة كان مدعاةً للقلق.
في الظروف العادية، كان سيرفض استقبالهما، لكن بعد سماع السبب الذي دفعهما للمجيء، وجد صعوبة في الرفض.
إذا كان ليون حقًا ابنهما...
'يالها من ورطة.'
فرك غايل جبينه قبل أن يدير رأسه وينظر إلى الفتاة التي كانت تستلقي بهدوء على السرير، تحدق في السقف بنظرة شاردة.
'آويفا؟ هل استيقظتِ؟'
'همم.'
أجابت بصوت منخفض.
مرّ بضعة أيام منذ خسارتها، ولا تزال متأثرة بذلك حتى اليوم.
'لقد قاتلتِ ببراعة. فاقت قوتكِ توقعات الجميع.'
'...'
ظلت آويفا صامتة.
وكأن كلمات أخيها وقعت على آذان صمّاء.
بقيت مستلقية على السرير، بوجه شاحب، تحدق في السقف وكأنها مريضة في أيامها الأخيرة.
كان هذا مدعاةً لقلق غايل، الذي اقترب منها بخطى حذرة.
لكن، وما إن خطا خطوة نحوها ليواسيها، حتى أدارت رأسها نحوه، محولةً انتباهها إليه.
تألقت عيناها الصفراوان بألوان متعددة.
كان ذلك كافيًا ليوقف غايل في مكانه، بينما رفعت آويفا يدها لتُظهر شعلة.
فوش!
تراقصت الشعلة للحظات، ثم انطفأت، مخلفةً وراءها كرة ماء سرعان ما تحولت إلى كتلة ظل. كانت يدا آويفا ترتجفان وهي تحدق بالعناصر المتحولة، وعيناها ترتعشان قليلًا بينما فتحت شفتيها ببطء.
'مفهومي...' تمتمت بصوت منخفض، لتتحول الكتلة المظلمة إلى عاصفة قوية من الرياح اجتاحت الغرفة، وجعلت ملابس غايل ترفرف بشدة.
'...هذا هو.'
سيادة العناصر.
كلانك-
حدقت في الإسقاط أمامي بينما تطايرت الشرارات في الهواء وظهرت شخصيتان.
لم يكونا سوى ليون وآويفا.
'إذًا هذا ما حدث في القتال.'
كنت أعيد مشاهدة القتال مجددًا لأنني كنت قد فاتتني المشاهدة الأولى.
وبما أن ليون هو خصمي التالي، كان عليّ أن أتعامل مع الأمر بجدية. بما أنه وصل إلى هذه المرحلة، فلا شك أنه أصبح قويًا للغاية.
ليس أنني لم أكن أعلم.
'لقد كان قويًا دائمًا.'
كلانك!
كان التبادل القتالي بين ليون وآويفا ممتعًا، حيث أظهر كلاهما بعض الحركات المبهرة.
'هه.'
لم أستطع إلا أن أطلق سخرية خفيفة عندما رأيت آويفا تستخدم تعويذتي.
بدا الأمر خاطئًا.
'همم، الآن بعد أن فكرت في الأمر... كيف حالها؟'
لم أعر الأمر اهتمامًا كبيرًا منذ أن تم نقلها إلى المشفى. فكرت أن أزورها عندما تخرج، لكن يبدو أنه لا توجد أي مؤشرات على مغادرتها حتى الآن.
هل كانت إصاباتها بهذه الشدة؟
'لا، أكثر من ذلك... كيف ستشرح قدراتها؟'
'مفهومها'، أو القدرة التي أظهرتها... لم تكن شيئًا يمكنها تكراره.
ففي النهاية، تلك القدرة كانت ملكًا للملاك الذي امتص قوى جميع المستضيفين الذين امتلكهم. ونفس الأمر ينطبق على طاقته السحرية.
'أوه، اللعنة.'
بالفعل شعرت بصداع نيابةً عنها.
وزيادةً على ذلك، وأنا أعرفها، فهي على الأرجح لن تقول أي شيء عن كل ما حدث، وستحتفظ بالأمر لنفسها.
على الأقل، هذا ما أتمناه...
سأحتاج للتحدث معها لاحقًا.
'هم؟'
فجأة، انتقل انتباهي إلى الإسقاط. عندها لاحظت تغيرًا طرأ على ليون بينما بدأت آويفا تسعل دمًا.
كانت شاحبة الوجه، وكنت أعلم أن هذه هي اللحظة التي أكملت فيها إيفلين مهمتها.
لكن هذا لم يكن ما لفت انتباهي.
لا، بل ليون.
|| ||
بدأت عيناي تضيقان دون وعي بينما تغيّر سلوك ليون بالكامل، واتخذ وضعية غريبة. خيّم الصمت على المدرج بأكمله إثر حركته، بينما ضيّقت نظري أكثر وراقبت كل تفصيلة من تحركاته.
'لماذا يبدو هذا مألوفًا...؟'
خطا خطوة للأمام، مما جعل سيفه يهبط للأسفل.
تلك الخطوة وحدها كانت كافية لأفهم، وشعرت أن تعابير وجهي تتغير.
'هذا...'
انتهت المباراة مباشرة بعد هذه الحركة.
|| ||
جلست بصمت في غرفتي، أحدّق في الإسقاط دون أن أقول أي شيء، بينما أعادت ذاكرتي المشهد الأخير مرارًا وتكرارًا.
رسمت تحركات ليون في ذهني ثم أغمضت عيني.
'نعم، هذا هو.'
عندما وضعت حركة القدم التي التقطتها من ليون، ودمجتها مع ما أظهره في القتال، استطعت أن أدرك أنهما متطابقان تمامًا. رغم أن ليون لم يُظهرها بوضوح نظرًا لانسيابية حركته، إلا أن هناك بعض العيوب الطفيفة.
وربما كان ذلك بسبب أن التقنية غير مكتملة.
'صحيح، ليس من الغريب أنه لا يستخدمها.'
رغم قوتها، إذا كان أحدهم يعرف ضعفها، فسيكون مصيره الهزيمة لا محالة.
'من المحتمل ألا يستخدمها ضدي.'
حسنًا، آمل ذلك.
أنا حقًا لا أريد مواجهتها.
'هاه.'
ماليت إلى الوراء في كرسيي، وحدّقت بسهو نحو السقف.
خطرت لي فكرة.
'صحيح، أنهيت المهمة. أين علامة الإنجاز؟'
عادةً ما تظهر في هذا الوقت بالضبط. لكن هذه المرة، بدت أبطأ من المعتاد.
'ستكون دفعة جيدة بما أن ليون لا يزال أقوى مني من حيث الترتيب.'
كونها لم تظهر بعد كان أمرًا مقلقًا بعض الشيء.
لكن، لم يكن أمامي سوى أن أتجاهل تلك الأفكار الآن. لم يتبقَ سوى يوم واحد حتى النهائيات.
عليّ أن أكون مستعدًا.
'هوو.'
أغمضت عينيّ، وغصت في وعيي الداخلي وبدأت بتفعيل الكرات العائمة أمامي.
'...دعونا نكتشف ما تفعله الثلاث الأخرى.'