"أين هو...؟"
كان القاعة ممتلئة عن آخرها بالناس. الجميع كان يرتدي ملابس تناسب المناسبة، وقد رأيت العديد من الوجوه، منها ما هو مألوف ومنها ما لم أره من قبل. كان البعض يرمقني بنظراتهم، لكن لم يبدُ أن أحداً يرغب في الاقتراب مني.
فوجئت قليلاً بهذا الوضع، لكنني لم أكن من النوع الذي يشتكي.
... بل بالعكس، أعجبني الأمر هكذا.
’لا، لكن بجدية. أين ليون؟‘
كنت بحاجة إلى التحدث معه حول ما حدث. ظهور والد جوليان لم يكن مفاجئًا تمامًا، لكنه لم يكن ضمن حساباتنا.
ويرجع ذلك أساساً إلى أن ليون أخبرني بأن والد جوليان لا يحب هذا النوع من التجمعات الاجتماعية.
"أعتقد أني أرى شيئاً."
في أقصى القاعة، لمحتُ ظلًا مألوفًا. شعرت بشيء من الارتياح، لكن خطواتي توقفت سريعًا عندما عبستُ قليلاً.
’ما هذا بحق...؟‘
وضع ليون...
كان من الصعب وصفه.
على عكسي، كان محاطاً بعدد من النبلاء. كلهم كانوا يحملون كؤوساً زجاجية أنيقة مليئة بالنبيذ، وكانوا يتبادلون الأحاديث معه فقط.
ليون كان يبتسم لهم، ويبدو عليه السعادة من الموقف.
شعرتُ بالذهول.
’هل تم تسريب النتائج أو شيء من هذا القبيل...؟‘
وإلا، فلماذا كانوا يحاصرونه هكذا؟
وبوجهٍ عابس، اقتربت منهم. لكن بعد خطوات قليلة، توقفت مرة أخرى. "هاه؟"
استمعت إلى محادثاتهم، ولم أكن أعلم كيف يجب أن أتفاعل.
"ما رأيك أن تنضم إلينا؟ سنقدم لك ثلاثة أضعاف ما تتقاضاه في منزل إيفينوس. وستحصل على منصب أعلى أيضاً."
"انسَ عرضهم. أنا على استعداد لتبنيك وجعلك ابناً بالتبني. ستصبح نبيلاً ويمكنك التنازل عن لقبك كفارس!"
"سأدفع لك وأجعلك ابني بالتبني!"
"انضم إلى بيتنا!"
"نحن أعلى بيت نبيل هنا. يمكننا توفير الموارد اللازمة لنموك. السبب الوحيد لكون المبارزة متقاربة هو أنك لم تحصل على موارد كافية. موهبتك بوضوح أعلى من جوليان."
شعرت بشفتي ترتجف من بعض ما قيل.
’... انتظر حتى يعرفوا أنني لحقت به تقريبًا خلال أقل من عام.‘
أتساءل كيف ستكون وجوههم حينها...؟
لكن هذا لم يكن الأهم الآن.
"هؤلاء... إنهم يحاولون سرقة ليون!"
لم يكن غريباً أن لا يقترب أحد مني.
... لأني أنتمي فعلاً إلى بيتٍ نبيل، ووريث مباشر له. وفوق هذا، بما أن والدي كان موجوداً، لم يكن هناك داعٍ للتحدث إليّ مباشرة.
’الآن وأنا أنظر إلى ليون... ابتسامته تبدو متكلفة بعض الشيء.‘
ظننت سابقًا أنه يستمتع، لكن يبدو أن الوضع كان عكس ذلك تمامًا. لقد بدا عليه الانزعاج الشديد.
... وكأنه شعر بوجودي، استدار ليون ناحيتي.
التقت أعيننا، وهبط قلبي بعد تلك النظرة.
’لا، لا تفعلها...‘
تحولت ابتسامته إلى طبيعية فجأة، ثم أشار نحوي وقال:
"سيكون من الوقاحة أن أتخذ قرارًا دون إذن سيدي. ما رأيكم بهذا...؟ إن تمكنتم من إقناعه، فسأكون أكثر من سعيد بالانضمام إليكم."
ذلك اللعين...!
ما إن قال كلماته، حتى التفتت إليّ أكثر من عشرة أعين كأنها أعين ذئاب جائعة.
لم يضيعوا ثانية، واندفعوا نحوي.
"ما هو سعرك؟"
"....كم ترغب مقابل التنازل عنه؟"
"لا تكن خجولاً. أنا مستعد لدفع مبلغ جيد مقابله."
"عقارات؟ أموال؟ يمكنني أن أعطيك أي شيء. فقط قل ما تريد! أعدك باسمي أنني سأفي بوعدي."
"هاه..."
ضحكتُ بسخرية، وبدأتُ أُجبر ابتسامة على وجهي.
لكن تلك الابتسامة تجمدت حالما التفت لأنظر إلى ليون وهو يشير إليّ بينما يصفق على فخذه من شدة الضحك.
ذلك الشخص...
كان يضحك عليّ.
قبضة.
أبعدت عيني عنه وركّزتها على أولئك الذين يتزاحمون وهم يتسابقون في عرضهم السخي.
"همم."
سعلتُ بصوت خافت لجذب انتباههم.
عمّ الهدوء من حولي وتركّزت كل الأنظار عليّ. تنهدت في داخلي، متفكرًا في مدى الإزعاج الذي ستسببه تبعات رفضي، لكن لم يكن لدي خيار آخر.
ليون كان مهمًا بالنسبة لي.
ليس فقط لأنه الوحيد الذي يعرف سري، بل لأني... حسناً، لم يكن من السيئ التواجد معه.
رغم أنه أحياناً كان مزعجًا، مثلما فعل الآن، لكنني أيضاً لم أكن بريئاً تمامًا.
هو فارسي، ولا يوجد سعر يمكن أن يجعلني أفرط به.
"أعتذر مقدماً، لكن ليون ليس—"
"عشرون مليون! أعرض عشرين مليون مقابله!"
"...."
جفّ حلقي فجأة.
عشرون مليون...؟ هل قال عشرين مليون حقاً؟
"خمسة وعشرون مليون! وسأمنحه عقاراً تقدر قيمته بعدة ملايين أيضاً!"
خمسة وعشرون مليون وعقار...؟
فجأة شعرت وكأن كل رطوبة في فمي قد اختفت. كأنني ابتلعت رملاً. هل... هل ليون حقاً يستحق هذا المبلغ؟
"ثلاثون مليون!"
"....آه."
أنا بحاجة للماء فعلاً.
"خمسة وثلاثون مليون...!"
وضعت يدي على صدري، وشددت عليها بصمت. هذا... عضضت شفتي ورفعت رأسي لأقابل عيني ليون الذي لم يكن يضحك بعد الآن. في الواقع، بدا عليه القلق الشديد، وكانت عيناه ترتجفان.
’أنت، لا تخبرني بأنك تفكر بالأمر فعلاً؟‘
"أربعون مليون!"
لحست شفتي.
’أربعون مليون...‘
’لا تجرؤ...‘
’لكن...‘
’سأسحبك معي إلى الجحيم!‘
عضضت شفتي بقوة. بقوة تكاد تنزف منها الدماء.
"هل هناك خطب ما؟"
ربما شعروا بترددي، فبدأت العيون التي كانت كعيون النسور تنظر إليّ بقلق. لم أكن أعلم ما هو شكلي، لكنه حتماً لم يكن جيداً، فقد خفضت رأسي واعتذرت.
"ل-لنتحدث في وقت لاحق. أ.. الحفل على وشك البدء."
"أوه، حسنًا!"
"رجاءً أخبرنا لاحقاً."
"ن-نعم..."
قبضة.
أخذت كأس ماء من أحد النُدُل المارّين، ونظرت داخله لأرى انعكاسي.
كما توقعت... وجهي لم يكن جميلاً. عيناي محمرتان، وقطرة دم تنزلق من جانب شفتي.
... لم يكن غريبًا أن لا يوقفني أحد وأنا أغادر.
كنتُ أبدو مرعبًا.
"هل كنت تنوي فعلاً بيعي؟"
وصلني صوت ليون بعدها بلحظات. ألقى نظرة سريعة على الكأس في يدي قبل أن ينظر إليّ.
"... أخيراً شكلك الخارجي يعكس قلبك الأسود."
"أربعون مليون... لقد خسرت للتو أربعين مليون."
شربت الكأس دفعة واحدة، وسلمته لأحد النُدُل، ثم أمسكت برأسي بكلتا يديّ.
"يا له من هدر..."
ليون وقف بصمت، ووجهه يرتعش.
"....أنت فعلاً كنت تفكر في الأمر، أليس كذلك؟"
التفتّ إليه بسرعة.
ورغم أن الأمر لم يحدث، إلا أنني تخيلت نوافذ إشعار وهمية تظهر أمام عيني.
"هل تعرف كم يمكنني أن أفعل بتلك الأموال؟"
"إذاً كنت تفكر بذلك..."
***
في نفس الوقت
||
||
حدقت "إيفي" في الرسالة التي بين يديها. كانت بسيطة في تصميمها، لكن الحدود الذهبية والختم الأحمر من الشمع، الذي يحمل شعار عائلة "ميغريل"، أضفى عليها هالة من الأهمية.
وكانت كذلك فعلاً... مهمة.
فالرسالة كانت تحتوي على نتيجة النهائيات. هي، مثل الآخرين في الخارج، لم تكن تعرف النتيجة، وكانت شديدة الفضول لمعرفة من فاز.
"...لا أستطيع رؤيتها." رفعت الرسالة نحو ضوء الثريا، محاولة أن ترى من خلالها اسماً أو شيئاً، لكن الأمر كان بلا جدوى.
لم تستطع رؤية أي شيء.
كان فضولها يلتهمها من الداخل.
"آه، تباً..!"
في النهاية وضعت "إيفي" الرسالة على الطاولة.
لم يكن بوسعها سوى الانتظار.
ولحسن الحظ، لن يطول الانتظار. كان عليها فقط أن تنتظر قدوم شقيقها لاصطحابها. رفعت رأسها ونظرت إلى المرآة الواقفة أمامها.
نظرت إلى شعرها المضفور بعناية في ضفيرة طويلة واحدة، تتدلى على كتفها الأيمن المكشوف، بسبب الفستان الأحمر الأنيق الذي ترتديه. الفستان أبرز لون شعرها الأحمر الطبيعي الغني بشكلٍ رائع.
"تبدين مذهلة." استدارت برأسها فرأت شقيقها يبتسم لها وهو يحدّق بها.
كان وجهه شاحبًا، لكن ذلك لم يُخفِ ملامحه الوسيمة وسلوكه الأنيق، الذي زاد وضوحًا بفضل البدلة البيضاء التي كان يرتديها.
مدّ يده نحوها.
"هل نذهب...؟ الجميع ينتظر النتائج. والدنا لن يكون حاضرًا، لكني واثق أنه يراقب من مكانٍ ما."
"أمم."
وقفت "إيفي" أخيرًا من مقعدها وأخذت الرسالة معها.
شبكت ذراعها بذراع شقيقها، وسار الاثنان معًا خارج الغرفة متجهين نحو المنصة المرتفعة التي تطل على القاعة الرئيسية. وكان في استقبالهم درج طويل يقود إلى تلك المنصة.
سادت القاعة فجأة لحظة من الصمت، وجميع الأنظار توجهت نحوهما.
ابتسم "غايل" عند رؤيتهم، وجعل عينيه تتجولان في القاعة ليرى العديد من الوجوه المألوفة.
"سعيد لرؤية العديد من الوجوه المعروفة. يبدو أن الجميع حضر لمراسم الختام اليوم." كان "كارل" و"جوهانا" أيضًا من المدعوين إلى الحدث، وكانت هناك العديد من أجهزة التسجيل موزعة في أنحاء القاعة، تسجل الأمير و"إيفي" وهما يقدمان خطابهما الختامي أمام الحضور.
حاول "غايل" جاهدًا أن يجعل الخطاب غير ممل، لكن في نهاية المطاف، بقي خطابًا رسمياً.
لم يكن أحد هنا حقًا ليستمع إليه.
فالجميع كان لديهم هدف واحد فقط.
"هيا..."
"أخبرونا بالنتيجة بالفعل."
"توقفوا عن المماطلة!"
سواء من في الخارج أو من داخل القاعة، كان الجميع يفكر في شيء واحد فقط.
من هو الفائز النهائي؟
هل كان "ليون"؟... أم "جوليان"؟
"...كانت المعارك من بين الأشد والأكثر إثارة التي رأيتها منذ وقتٍ طويل. لقد شاركتُ فيها سابقًا، وأستطيع أن أخبركم كم هي صعبة ومرهقة. صدقوني..."
كان "غايل" يدرك ما يريده الجميع.
كان يعرف، ومع ذلك، لم يكن بمقدوره سوى إكمال خطابه كاملاً. كان ذلك أمرًا إلزاميًا.
لكن، وبفضل بعض التعديلات، استطاع إنهاء الخطاب أسرع من المتوقع، ليترك المنصة لـ "إيفي" التي تقدّمت إلى الأمام حاملةً الرسالة في يدها.
"........"
"...."
عمّ القاعة صمتٌ ثقيل حين وقفت "إيفي" في المقدمة.
سقط توتر شديد على القاعة وهي تمسك الرسالة بين يديها. وتحت أعين الجميع، قامت بفتح الختم الشمعي ببطء وأخرجت الورقة من داخل الرسالة.
حاول الجميع أن يلمح ما كُتب فيها، لكن الورقة كانت سميكة جدًا بحيث لا يمكن رؤية شيء من خلالها.
وفي النهاية، لم يكن أمامهم سوى التحديق في "إيفي" وهي تقرأ النتيجة بصمت.
تغيرت ملامح وجهها قليلًا وهي تقرأ الاسم، وهزّت رأسها بخفة.
"الفائز هو..."
أدارت الورقة نحو الحضور، وأعلنت:
"جوليان داكري إيفينوس."