25. نزهة مع التوأمين (3)
شارفت مسرحية الدمى على نهايتها.
اقتربت كتلة صفراء من أخرى حمراء مائلة على جنبها.
[حزن ملك الأحلام حزنًا عميقًا على وفاة ملك النار ،فبالرغم من أنهما أصبحا خصمين، فقد كانا يومًا رفيقين في معركة واحدة ضد عدو مشترك. ، لذا قرر أن ينعى موته البائس على يد المحارب الشرير.]
لماذا انتهت القصة بهذا الشكل؟
من هم أولئك الذين كانوا يتقاتلون حتى الموت؟
وأين ذهب المحارب؟
[نادى ملك الأحلام اسم صديقه، ونعى رحيله الحزين.]
كان الصوت الذي يسرد القصة هادئًا، لكنّه مشبع بحزن عميق لا يمكن إخفاؤه.
قبل أن يدرك الأمر، كان الأطفال قد أمسكوا بأيدي بعضهم البعض وبدؤوا يذرفون الدموع.
هل هذا نوع من التنويم الجماعي؟
بينما راوده هذا الشعور الغريب، شعر سونغجين أيضًا وكأن شيئًا ما يلامس ركنًا من قلبه.
كأن هناك ما يحفّز دماغه مباشرة، ويستحثّ فيه تغييرًا نفسيًا يُشبه التأثر العاطفي.
يمكنه فقط أن يخمّن أن صوت محرك الدمى هو ما يسبب ذلك، لكنه لا يملك وسيلة للتأكد.
ثم أعلن الصوت المليء بذلك السحر الغريب بهدوء:
[وداعًا إلى الأبد، يا آلفاهاس، يا سيد النار.]
ززز -
في تلك اللحظة، انتشر صوت طقطقة في رأس سونغجين.
"……؟"
[ارقد بسلام، يا آلفاهاس الناري.]
ززز.
شعر سونغجين بدوار خفيف مع الصدمة الصغيرة التي ترددت من جديد.
"، يا سيد النار آلفاهاس!"
"ارقد بسلام، يا آلفاهاس!"
هتف الأطفال بصوت واحد
"وداعًا إلى الأبد، يا آلفاهاس الناري!"
شعر بالغثيان.
وبينما كان يحاول تهدئة قلبه الذي ينبض بعنف،
' هناك شيء خاطئ... وخاطئ جدًا '
هيرنا وقاديس لم يتبعوا الأطفال في الهتاف أو ترديد الشعارات.
بل تمسّكا بذراعي سونغجين وكأنهما يسندانه، ورفعا أعينهما التي يملؤها القلق الخافت نحوه
عرض الدمى، الذي بدا بلا سياق واضح قصة ثيمة متماسكة، انتهى فجأة بنهاية دافئة بشكل غريب.
الأطفال الذين كانوا يبكون ويهتفون معًا لوداع سيد النار، بدأوا يغادرون واحدًا تلو الآخر،
ولم يبقَ على المسرح المرتجل سوى لوح خشبي مهترئ وستارة سُحبت للأسفل
وشمعة قصيرة محترقة لم يبقَ فيها سوى وهج خافت.
يبدو أن العرض والسرد كانا من فعل شخص واحد،
إذ شوهد شخص واحد فقط يجمع الدمى ويُنزل الستارة،
جسده نحيل ويرتدي رداءً طويلًا واسع الأكمام،
ويصعب تمييز إن كان رجلاً أم امرأة.
يضع نصف قناع رثّ يكشف عن نصف وجه سفلي نحيل،
وشعره الفضي الطويل معقود ويتدلّى حتى ما دون خصره.
بمجرد انتهاء العرض، وهدوء حالة سونغجين فجأة كما لو كان الأمر بفعل سحر
حاول أن يقترب من محرك الدمى الذي كان ينظف الخشبة.
كان من المستحيل ألا يشعر أن الظاهرة الغريبة التي مرّ بها، وقصة الدمى، لهما علاقة ما بملك الشياطين في جهنم.
لكن زوجين من الأذرع أمسكتاه من الخلف وجذبته بعيدًا.
"لا ينبغي لك أن تقابل الراوي الآن، موريس."
"الراوي لن يخبرك بشيء، موريس."
لكن... ألم تكونا أنتما من أحضراني إلى هنا؟
حاول سونغجين أن يتابع السير دون أن يُعر اهتمامًا لكلامهما
لكن هيرنا وقاديس أسرعا إليه، وتعلّقا بذراعيه بكل ثقلهما.
"لن يرضى والدي إذا علم أنك هنا."
" موريس ، لا يجب أن نُسبب لوالدي جلالته مزيدًا من المتاعب."
توقّف سونغجين عن المشي هذه المرة.
عينا التوأمين، اللتان اعتاد رؤيتهما هادئتين، بدتا الآن جادتين بشكل غير مألوف.
وقف هناك، متأملًا
' ما الذي يعرفه هذان الطفلان بحق السماء؟ وإلى أي حد؟'
قد يكون من غير الحكيم أن نثق بنصيحة التوأمين،
لكن ما مدى احتمال أن يحصل سونغجين على أي معلومة إضافية لو تجاهلهما وتحدث إلى محرّك الدمى؟
وفوق ذلك، حين ذُكر اسم الإمبراطور ، تذكّر كلماته الأخيرة قبل أن يذهب للصلاة
" تدرب فقط ولا تفتعل المشاكل ."
حين يفكّر في الأمر... ربما كان هذا اليوم حقًا هو اللحظة التي عصى فيه الإمبراطور بحق.
صحيح أن التوأمين الغامضين هم السبب الرئيسي، لكن لا مفر من الإحساس بالذنب
وقبل كل شيء، حدسه – ذاك الذي يظهر فجأة في أكثر اللحظات غرابة – كان يصرخ داخله
'ليس الآن ..! '
وبعد أن ألقى نظرة أخيرة على محرك الدمى، الذي كان لا يزال منشغلاً في لملمة الخشبة
استسلم سونغجين بهدوء، وترك التوأمين يقودانه إلى العربة.
شعر محرك الدمى بنظرة غريبة تراقبه من مكان ما، فالتفت خلفه.
لكن لم يكن هناك من يهتم به، سوى نظرات عابرة من المارة المشغولين.
وفي البعيد، كانت عربة صغيرة تبتعد عن الساحة، بينما كانت الشوارع تخلو تدريجيًا مع حلول الغروب.
هل كنت أتخيل ذلك؟ أمال رأسه باستغراب.
حواسه، التي باتت خاملة بوضوح، لم تعد موثوقة كما كانت.
***
"كنت أتساءل أين اختفيت في هذا الوقت... وما الذي تفعله مع الأطفال؟"
من الطرف الآخر للساحة، اقترب منه رجل طويل البنية، عريض الكتفين، يلوّح له بيده.
كان شابًا وسيمًا للغاية، بشرته لوّحتها الشمس، وشعره الأسود يلمع كأجنحة الغراب.
ثيابه، التي لم يُغلق منها سوى زر واحد، كانت أنيقة وفاخرة،
وكانت هناك ابتسامة واثقة على ذقنه القوي، ابتسامة يبدو أنه وُلد بها.
انحنى مُحرّك الدمى برأسه بأدب نحوه.
"الأمير ليونارد."
"قلت لك أن تناديني ليو. هذه زيارة غير رسمية، يا رومان."
"حسنًا، ليو."
اقترب ليونارد بخطى واسعة، ووضع ذراعه براحة على كتف مُحرّك الدمى الصغير.
"بالمناسبة، اسمع يا رومان. مضت أيام منذ قدومي إلى العاصمة وطلبي لقاءً غير رسمي، وهؤلاء الأوغاد اللعناء لم يُبدوا أي رد حتى الآن."
"أهكذا الأمر؟"
"ألا يُثير هذا غضبك؟ كنت أحاول التواصل معهم منذ شهور لأحصل على بعض الادلة ، لكنه تجاهل كل محاولاتي."
تمتم ليونارد وهو يحدّق في الفراغ بتعبير ساخط على وجهه.
"إن كان الأمر بهذا القدر من الأهمية، فلم يفعل ذلك لي ؟ انا شخص عظيم، و عال المكانة."
بالطبع، لم يكن ليونارد يعلم أن هذا الرجل لم يكن راضيًا عنه منذ البداية — لكونه الأحمق الذي اهتمت به ابنته.
والآن، بعد أن سقط تمامًا من شرف الإمبراطور... لأجل أمور لم يقترفها بعد.
"طلبك للقاء، على الأرجح لن يُقبَل."
أجاب رومان بهدوء. كان صوته ذكوريًا رقيقًا، عاديًا، دون ذلك الصدى الغريب الذي يستخدمه في عروض الدمى.
"ما امره بحق الجحيم! ولماذا؟"
"ليس الأمر أنه لن يُقبل، بل أعتقد أننا لا نستطيع لقائه ، يا ليو. فمنذ البارحة، بدأت الحماية التي تحرس ديلكروس تضعف بشكل ملحوظ. لعل حارس ديلكروس قد غادر العاصمة."
إذن، أصبح بالإمكان تنفيذ مثل هذه الخدع أمام القصر مباشرة.
لكن رومان لم يجد فائدة في التصريح بذلك علنًا.
"هممم."
قال ليونارد بتعبير جاد، وقد أسند ذقنه إلى ذراعه المسترخية على كتف رومان.
"لم يتبقَ سوى سبيل واحد الآن. إنه الوسامة."
"...ماذا؟"
…إلى من تتحدث؟
ضحك ليونارد من صميم قلبه حين لاحظ ملامح النعاس على وجه رومان تحت القناع.
"ألا تعرف؟ في ذلك القصر، ثمة وردة جميلة لم تتفتح بعد. ويُقال إن الامبراطور يحب ابنته حدّ الجنون، أليس كذلك؟"
"أنت واثق بنفسك أكثر مما ينبغي."
عقد رومان ذراعيه، وبدأ يدفع بكتفيه للخلف وقد أثقلتهما ذراع الأمير.
"كان عليك أن ترى نظرة الأميرة إليّ في حفلة عيد الميلاد العام الماضي… ، كانت نظرة فتاة مسكينة وقعت في الحب للمرة الأولى."
عند إعلان الأمير ذلك بفخر، ازداد عمق النظرة خلف قناع رومان.
ليونارد أشبه بشبح حين يتعلق الأمر بالنساء. وإن كان ما يقوله صحيحًا، فقد تسير الأمور بسهولة أكبر من المتوقع.
طريقة بسيطة للضغط بفعالية على أكثر أناس ديلكروس إزعاجًا، وتقييد أيدي الإمبراطور المقدّس.
"لذا، يا رومان . يجب أن تتوقف عن القيام بأمور عديمة الفائدة مثل اللعب مع الأطفال، وتركّز على ان تجد طريقة لنا للتواصل مع الأميرة."
لعب مع الأطفال ؟
ربت ليونارد على كتف رومان بابتسامة عريضة، ثم استدار ولوّح له مودعًا.
"ساتجه إلى حانة قريبة. وبما أن طلبي للقاء لن يُقبل على أي حال، فيبدو أنه ينوي الاستراحة من الحفلات حتى عيد ميلاده."
أما رومان، الذي ظل يحدّق بصمت في ظهر الأمير المغادر، فقد تمتم فجأة لنفسه:
"ملك الأحلام الشيطاني الذي لا يمكننا أن نتحدث عنه لم يستطع أن يقضي عليه لا المحارب ولا ملك الشياطين . و الطريقة الوحيدة المتاحة له كانت هذه الأمور عديمة النفع."
صوت لم يسمعه أحد، تردّد مجوّفًا في الساحة الخالية.
* * *
الأرض كانت مظلمة، وقد حل الظلام في كل مكان.
سونغجين، الذي قضى فترة بعد الظهر وهو يُسحب هنا وهناك دون أن يعرف ما الذي يجري، بات يواجه الآن وجهته الأخيرة.
برج القردة للمراقبة. حانة صغيرة يرتادها العديد من الزبائن الدائمين من الحرس.
"لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا هنا، موريس."
"فقط ألقِ التحية على المالك وامضِ، موريس."
هيرنا وقاديس، اللذان أوصلاه إلى ساحة النافورة، لم ينزلا من العربة هذه المرة.
لوّحا لسونغجين وماسين بمودة، واللذان كانت تعلو وجهيهما علامات الحيرة، ثم أغلقا باب العربة بعنف.
"……."
"أولًا… فلندخل، سيدي ماسين؟"
"…نعم، جلالتك. لم أعد أفهم شيئًا بعد الآن."
قرر الاثنان أن يمضيا قدمًا قدر استطاعتهما.
سارا بخطى واهنة نحو الباب الخشبي الصغير للحانة. ومن خلف الباب، كان يمكن سماع ضجيج الزبائن السكارى بالفعل.
صرير. عندما فُتح الباب الخشبي المهترئ، اندفع الهواء الساخن من الداخل مصحوبًا برائحة الخمر النفاذة.
الخارج كان صغيرًا، ولكن الداخل كان أضيق كذلك. لم يكن هناك من الأثاث سوى خمس طاولات خشبية خشنة تقف أمام جدار خشبي عارٍ من الزينة.
بشكل مفاجئ، كان هذا المتجر المتواضع مزدحمًا بالزبائن، كل واحد منهم يحمل كأسًا خشبيًا كبيرًا، ويضحك أو يتحدث بحماسة عن أمر مثير.
'سمعت أن أسعار الخمر في هذا المكان رخيصة للغاية. بالطبع، لا يُقدّمون سوى البيرة السوداء السيئة.'
عندما دخل سونغجين ورفاقه المدخل، نظر إليهم السكارى نظرة سريعة، لكنهم لم يتعرفوا عليهم، ولم يبدُ أنهم يهتمون بهم كثيرًا.
سرعان ما أدارت الرؤوس مرة أخرى، وراحوا يضحكون أو يصرخون.
ماسين أيضًا لم يكن لديه القلب ليأمر المالك بخدمته في هذا الجو، لذا التزم الصمت وتبع سونغجين عن قرب.
كان صاحب المتجر رجلاً مسنًا، ذا بنية قوية، يرتدي سترة جلدية قديمة ومئزرًا، وكان رأسه المستدير واللامع يلفت الانتباه بشدة.
كان يضع رقعة سوداء على عينه اليمنى، وبالنظر إلى الندبة الطويلة التي تبرز من تحت الرقعة، يبدو أنها كانت ضربة سكين.
انتظر حتى اقترب سونغجين، ثم بصق غليونه الخشبي السميك وسأل بصوت خشن:
"ما الذي جاء بك إلى هنا؟"
"جئت فقط لأُلقي التحية."
أجاب سونغجين بأدب. لماذا استخدم كلمات الاحترام مع هذا العجوز تلقائيًا؟
"هممم……."
مضغ العجوز غليونه، وراح يتفحص سونغجين بعناية.
وفي اللحظة التي بدأ فيها الشك يتسلل إليّ أنه يعرف من أكون، مسح الرجل العجوز تاجه الخالي مرتين وقال:
"ما زلت صغيرًا لتشارك الشراب. لكنك تأخرت قليلًا في تبادل التحية."
"……."
"اسمي بريمان. شكرًا على تحيتك. سأرد لك الجميل قريبًا."
ما هذا؟ اليست هذه طريقة غريبة للرد على زبون ؟
بينما كان سونغجين يفكر بقلق ، أصدر بريمان أمرًا بخدمة الزبائن .
"نخبك ."
تبادل سونغجين ماسين النظرات.
"سيدي، كأس آخر لكل واحد!"
"أعطني بعضًا هنا أيضًا!"
في تلك اللحظة، بدأت الطلبات تنهال. أردت أن أطرح المزيد من الأسئلة، لكن الجو لم يكن مناسبًا للوقوف هناك.
استدرت وخرجت من الباب، ولكن قبل أن أغلق الباب الخشبي، صاح بريمان نحونا.
"على أي حال، احذر! بما أنه غادر الان ، فقد بدأت الذبابات تحوم حولك كما لو كانت بانتظارك !"
نظر سونغجين إلى الوراء، لكن صاحب المكان كان قد أدار ظهره بالفعل ووقف هناك يملأ كأسًا جديدًا من البيرة.
عندما وصلنا إلى قصر اللؤلؤ ، كان الظلام قد خيّم تمامًا.
كان سونغجين شبه فاقد للوعي. لقد حدث الكثير خلال نصف يوم فقط، وتدهورت حالته بسرعة بعد مشاهدته لمسرحية الدمى.
أولًا، كنت جائعًا حقًا. بينما كنت مستلقيًا في المقعد أشعر بالضعف، جاء إليّ هيرنا وقاديس وتحدثا إليّ بنبرة وكأنهما يشعران بالأسف.
"لقد عملت بجد طوال اليوم، موريس."
"لقد قضيت وقتًا رائعًا. أنت رائع، موريس."
بالطبع، التوأمان كانا يتناولان الوجبات الخفيفة في العربة كلما غاب سونغجين ورفاقه. وكان ذلك أكثر إزعاجًا.
"إذًا، تصبح على خير، موريس."
"أحلامًا سعيدة، موريس."
لوّح سونغجين بيده للتوأم اللذين جاءا لتوديعه بوجوه مشرقة، وراح يترنح داخل ردهة القصر، يسحب قدميه المتثاقلتين.
وصُدمت للحظة بما رأيته يتكشف أمام عينيّ.
ردهة قصر اللؤلؤ كانت مليئة بصناديق الهدايا التي لا تُعد ولا تُحصى، بأحجام مختلفة، وعدد من الخدم يحملونها.
على جانب من الردهة، كانت القطع الفنية والتحف مكدسة بلا ترتيب، وعبوات الزهور التي لم تجد لها مكانًا كانت متناثرة هنا وهناك على الدرج.
وكانت الرسائل مكدسة مثل جبل على الصينية. عدد هائل من الدعوات التي تدعو الأمير الثالث إلى التجمعات الاجتماعية كانت بانتظاره.
إنه أمر هائل لدرجة يصعب معها تصديق أن كل شخص في العاصمة كتب له رسالة.
يوم واحد فقط.
كل هذا حدث بعد يوم واحد فقط من دخول الإمبراطور للصلاة مغلقة .