الفصل الحادي عشر: سقوط تروست وبزوغ الحجر
مرّت ثلاث سنوات منذ أن وطأت أقدام رين أرض هذا العالم…
ثلاث سنوات من الصمت، من التدريب، من النظرات الحادة التي لا تفضي إلى حديث، ومن الصراعات الداخلية التي لم يكن لأحد أن يشعر بها. ثلاث سنوات من صقل الجسد وصقل الروح، ومن مقاومة الحقيقة المرة التي التصقت بنفْسه: إنه ليس من هنا.
المعسكر تغيّر، المجندون كبروا. لم يعودوا أولئك الأطفال المذعورين الذين دخلوا فيلق التدريب رقم 104 وهم يجهلون أبسط قواعد البقاء. الآن، لم يتبقَّ سوى شهرٍ واحد على موعد انضمامهم الرسمي لأحد الفيالق الثلاثة.
طوال هذه السنوات، لم يكن رين وحيدًا، رغم كل ما بدا عليه.
ماركو، صديقه الأقرب، كان بمثابة الأخ الذي لم يحظَ به في حياته السابقة. ذلك الفتى الذي امتلك قدرة غريبة على جعل الآخرين يتحدثون، حتى الصامتين منهم. معه فقط، كان رين يسمح لقلبه أن ينبض بضعفٍ لا يراه سواه، وبدافعٍ من القلق... درّبه بنفسه.
ميكاسا، بعينيها الثابتتين ونظراتها التي تقرأ كل شيء، احترمت رين دون أن تحتاج إلى تفسير. فقد رأت بعينها كيف أنقذ إيرين أكثر من مرة، بلا طلب، بلا تردد. لم تكن العلاقة وثيقة، لكنها كانت صلبة.
إيرين، بروحه النارية واندفاعه، رأى في رين مرآةً له، مرآة أكثر برودًا، أكثر تركيزًا. كان يظنه حليفًا في معركته الأبدية ضد العمالقة، وربما… أكثر من ذلك.
هيستوريا؟ كانت ترى فيه ظلًا لشيء لم تعرفه من قبل. أخ أكبر بارد، لكن صادق. شخص لم يخدعها بنظرات أو كلمات، بل عاملها كإنسانة، لا كدمٍ ملكي. يومير لم تتقبل هذا أبدًا… رأت فيه تهديدًا لا يمكن إنكاره.
آني، تلك الغامضة، لم تكن صديقة منذ البداية، بل خصمًا قويًا. لكنها مع الوقت، وبعد قتالين شرسين وتدريبات خفية، وجدت فيه ما لم تجده في الآخرين: الهدوء القاتل. كانت تقرأه من بعيد، وتفهمه بصمت.
أما راينر وبيرتولت، فكانوا حذرين. يعرفون أن هناك شيئًا لا يُفهم في تصرفاته، في حدّته، في نظراته التي تشبه من يتوقع الخيانة في كل لحظة. بيرتولت على وجه الخصوص، لاحظ أن رين كان يراقبهم… بصمتٍ يشبه حد السكين.
جان؟ كان يسخر من رين كثيرًا، ويظن أنه يتصنع البرود ليبدو رائعًا… لكن حتى هو، في لحظات معينة، اعترف داخليًا أنه ليس مجرد متغطرس.
أما ساشا وكوني، فكانوا أصدقاء على طريقتهم. ساشا تحترمه كثيرًا… خاصة بعد أن أعطاها طعامه ذات مرة حين كادت أن تنهار. وكوني… كان يعتبره ذلك الصديق الغريب الأطوار، الذي لا تضحك نكاته، لكن لا يمكن كرهه.
حتى ليفاي… قائد الفيلق الذي لا يهتز. في يوم من الأيام، بعد تدريب تقييمي طويل، قال له بصوتٍ منخفض وهو يبتعد: "أنت قوي… لكن هذا لا يعني أني أثق بك."
رين لم يجب. فقط أومأ، لأنه لم يكن بحاجة لكلمات… لم يكن أحد يعرف عن "نظام المصير"، النظام الذي رافقه منذ استيقاظه في هذا العالم، يرشده… ويحكم عليه.
---
السماء زرقاء، الريح عليلة، والهدوء يلفّ مدينة تروست. فوق سور روز، يقف رين وإيرين متكئين على الحافة العالية، يراقبان الأفق.
"ثلاث سنين مرت، وما زلت أشعر أننا لم نبدأ بعد."
قالها إيرين وهو ينظر إلى الأفق، يده على مقبض سيفه.
ردّ عليه رين بهدوء: "لأن البداية الحقيقية تأتي فقط… بعد أول فقدان."
نظر إليه إيرين مطولًا، أراد أن يسأله عن معنى كلماته، لكنه لم يجد الجرأة.
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان…
رأى رين، من موقعه المرتفع، شخصًا مألوفًا يقف أسفل الجدار.
بيرتولت.
كان يحدق إلى الأعلى، عينيه مليئتين بالحزن… ثم عضّ يده.
في أقل من ثانية، تمددت الصدمة، وتبعها انفجار مدوٍّ.
"بوووووووم!!"
صوت تحطم شيء إلهي، ووميض نار، وبخار كثيف يغمر السماء… عملاق يلوح وسط الدخان، عملاق… يبلغ ارتفاع الجدار ذاته.
صرخ رين: "إيرين!"
دون تفكير، أمسكه بيد واحدة وقفز إلى الخلف، مستخدمًا العدة بكفاءة مدهشة. اندفعت موجة من البخار الساخن نحوهما، لكنه لفّ جسديهما بحركة بارعة من الحبال وانطلق نحو برج مراقبة جانبي.
سقطا على الأرض، يلهث إيرين مذهولًا، بينما ظل رين واقفًا.
"ما… ما الذي… بيرتولت…! هل هذا كان…؟!"
إيرين بالكاد استطاع نطق الكلمات.
لكن رين لم يجب، كانت عيناه تراقبان العملاق الذي بدأ يُطلق بخارًا كثيفًا، مانعًا اقتراب أي شخص منه. لم تكن نيته القتال… بل الانسحاب.
وبالفعل… وسط الدخان، رآه.
بيرتولت، يتسلل من فتحة الجدار، وقد غطى جسده برداء طويل، يركض بسرعة مذهلة.
عبس رين. وظهر إشعار شفاف أمامه:
[النظام يُفَعِّل تنبيه خاص]
[تحديث النظام: نتيجة لتغيير في مسار الأحداث الأصلية، تمت ترقية النظام. تم فتح ميزة: "المخزون"]
لكن لا وقت للتفكير.
عمالقة… يتدفقون.
---
في الساحة، الفوضى كانت قد بدأت. صرخات المدنيين، الجنود يركضون، بوابة تروست مكشوفة. كان السقوط رسميًا.
ركب رين العدة، ضغط على الزناد، وانطلق.
"تنفس الصخر - الوضع الأول: ثقل الجلمود."
لم يكن تنفسًا كتنفس النار أو الماء كما في قصص "قاتل الشياطين"، بل أسلوب صُمم خصيصًا له من النظام. نمط يُعزز الكتلة العضلية والصلابة، يجعل كل حركة أكثر وزنًا، كل ضربة أكثر ثقلًا… وكأن جسده من صخر.
اندفع كقذيفة حجرية نحو أول عملاق.
ضربة… الرأس يُشطر.
ثانٍ، ثالث، رابع…
كل عملاق يسقط بضربة واحدة.
المدنيون يركضون في فزع، ثم يرونه… مجندٌ واحد، يتنقل بين العمالقة كظل، يقطع الرقاب بسيوف مشتعلة بالحسم.
ساشا، من موقعها، شهقت: "إنه رين… هذا لا يُصدق!"
جان، يصرخ من برج مراقبة: "متى تعلم هذا الجنون؟!"
هيستوريا تمسك يدها على صدرها، وقلبها ينبض بالخوف… والخجل.
لكن رين لم يتوقف.
في عينيه… هدوء العاصفة.
[تم القضاء على: 14 عملاقًا]
[تم إنقاذ: 36 مدنيًا]
[تم منحك مكافأة: "نصل الهاوية"]
ظهر إشعار جديد.
[نصل الهاوية: تقنية تزيد حدة السيف بنسبة 300% لمدة 10 دقائق، دون استهلاك للطاقة]
فعلها.
اندفع نحو عملاق كان يوشك على ابتلاع طفلة صغيرة.
نزل عليه من السماء، وسيفاه يخترقان مؤخرة عنقه بلمسة واحدة.
صمت… ثم انفجار لحم وسقوط عملاق.
---
الليل بدأ يسقط، والجنود بدأوا يستعيدون السيطرة.
رين وقف أخيرًا، فوق جثة عملاق، يحدّق في الدخان.
كان وجهه مغطى بالدماء، ملابسه ممزقة… لكنه واقف، كالصخر.
إيرين اقترب منه، مذهولًا.
"رين… لقد… لقد أنقذت الجميع. مرتين."
رنّت كلمات إيرين في أذنه كأنها اعتراف.
ثم اقتربت هيستوريا، خائفة، لكنها تبتسم بخجل.
"لقد حملتني… كنت أظن أنني سأموت، لكنك…"
رين لم يجب، فقط أشاح بوجهه، وبدأ يسير نحو الظلال.
في داخله، كان يعلم…
سقوط تروست لم يكن النهاية.
بل… البداية فقط.
[نهاية الفصل]