---

الفصل الرابع عشر: صرخة من جدار روز

كانت الريح تهبّ ببطء فوق سور روز، تحمل معها رائحة الدم والدخان والخوف. المدينة التي كانت قبل ساعات فقط تعجّ بالحياة، تحوّلت إلى حلبة للموت، تسير فيها العمالقة كأنهم رسل نهاية العالم.

على الجدار، وقف رين بصمت، كتفاه مغطّاتان بغبار المعركة، وعيناه لا تنفكان تراقبان الدمار الممتد أمامه. خلفه وقف إيرين وميكاسا وأرمين، وبينهم القائد الأعلى لفيلق الحامية، دوت بيكيس، رجل ذو ملامح هادئة رغم معرفته بأن العالم ينهار من حوله.

رفع أحد الضباط صوته من بين الحشود:

"هل جُننّا؟ نطلب المساعدة من شيطان؟! هذا الفتى تحوّل إلى عملاق! من يضمن لنا أنه لن يهاجمنا؟!"

تحركت عيون الجنود نحو إيرين، الذي جلس بصمت داخل بقايا عملاقه السابق، عرق يتصبب من جبينه ونظراته شاردة. كان صامتًا، مرتبكًا، غارقًا في داخله.

لكن رين، لم يتزحزح.

"إيرين ليس عدونا."

قالها بصوت بارد، واضح، لا يحمل أي تردد.

التفتت الأنظار إليه.

"إن كان هناك شيء واحد يمكننا الوثوق به الآن، فهو هذه القوة. لا لأننا نفهمها... بل لأننا لا نملك بديلًا."

تقدّم بيكيس بخطوة، عاقدًا يديه خلف ظهره. "وما الذي تقترحه يا فتى؟"

"نستخدم إيرين لسد الفتحة في الجدار. سأكون معه، خطوة بخطوة. إذا فقد السيطرة... سأقتله."

صمت الجميع.

تابع رين:

"لكن إن لم نحاول، فستموت المدينة. سيموت كل من تبقّى خلف هذا الجدار. بمن فيهم أنتم."

ضحك أحد الجنود بسخرية، "ومن تظن نفسك لتقود هذا؟ مجرد متدرب!"

نظر رين إليه مباشرة، بعينين لا تحملان حياة ولا موتًا، بل شيئًا ثالثًا لا اسم له.

"أنا شخص لا يملك شيئًا يخسره... ولهذا، أنا أكثر من مستعد لأموت هنا. ولكنني، قبل أن أموت، سأحاول إنقاذ من لم يمت بعد."

لم تكن كلماته صاخبة، لكنها اخترقت قلوب الموجودين كطعنة هادئة. التفت بيكيس إليه، وبدا في عينيه بريق غريب… فضول، ربما؟ أو إعجاب مكتوم.

"هممم... تذكّرني بشخص أعرفه. مهووس بخلاص البشرية أيضاً."

ثم رفع صوته مخاطبًا الجميع:

"أيها الجنود! سأقولها بوضوح: الخطة هي أن نعيد سدّ الفتحة في الجدار باستخدام العملاق إيرين. إن نجحنا، سنستعيد المدينة. وإن فشلنا... فسنموت بشرف، لا هربًا."

ساد الوجوم.

ثم أضاف، بابتسامة مائلة:

"وأتفهّم تمامًا أن البعض لا يريد هذا الشرف."

وبينما يتراجع البعض بالفعل، مترددين وخائفين، خطا رين للأمام فجأة.

"انتظروا."

رفع صوته، وكانت تلك المرة الأولى التي يفعلها منذ بداية سقوط تروست. حتى الجنود انسحبوا من ضجيجهم لينصتوا.

"هل تعرفون ما هو الشعور بأن تكون عاجزًا؟ أن ترى الناس تُلتهم أمامك، ولا تستطيع فعل شيء؟"

كان صوته مشحونًا، خاليًا من الغضب، لكنه مملوء بشيء آخر… كأن الكلمات تخرج من قاع روحه.

"لقد جربته. في ذلك اليوم، حين سقط الجدار، كنت هناك. لم أتمكن من إنقاذ أحد. لم أتمكن حتى من إنقاذ نفسي."

نظر إلى السماء، ثم إلى الجنود:

"لكننا الآن نملك فرصة، ولو ضئيلة، لنغير ذلك. لنجعل خوفنا مفيدًا. لا تتركوا موت أحبائكم يذهب هباءً."

كان الصمت مؤلمًا… حتى بدأ البعض يهمس، ثم آخرون يرفعون رؤوسهم، ثم صوت ضحكة ساخرة انقطع فجأة.

أحد الجنود صاح: "هذا الفتى على حق… إن كنت سأموت، فسأموت وأنا أقاتل!"

صرخ آخر: "من معي؟!"

وانطلقت الهتافات.

**

بينما الجنود يستعدون، التفت بيكيس إلى رين وقال بهدوء:

"لست متأكدًا إن كنت قائدًا بالفطرة، أو مجرد يائس بارع في الكلام… لكنك فعلت ما لم أستطع فعله."

رد رين دون أن يلتفت: "لا أريد قيادة أحد. فقط لا أريد تكرار نفس المشهد."

ثم همس النظام في أذنه:

[تم تحديث التقدير العام: 17%]

[تقدم في قالب العملاق المتفرد: +3%]

**

بداية الخطة.

إيرين، بتردد، عضّ يده مجددًا. ووسط ساحة المعركة، انفجر من داخله العملاق الضخم مجددًا، يزأر بوحشية. لكن شيئًا لم يكن على ما يرام... لم يتحرك. سقط على الأرض، ثم هاج، وبدأ يضرب الجدران دون وعي.

صرخت ميكاسا: "إيرين فقد السيطرة!"

تحرك رين فورًا، وقفز نحو الجسد العملاق، متسلقًا كتفه، حتى وصل رأسه.

"إيرين... إيرين استيقظ." همس.

الزئير مستمر، لكن رين لم يتوقف.

"قلت لي أنك ستسحق العمالقة... فابدأ الآن. لا تهاجمنا... لا تجعل موت أمك عبثًا."

فتح عينيه ببطء داخل العملاق، ثم ارتجف. زأر مرة أخرى… لكن هذه المرة، الزئير كان مختلفًا.

**

نهض العملاق، وسار نحو الصخرة. الجنود تحركوا لحمايته، وعلى رأسهم رين، الذي ظل يراقب بحذر، عيناه لا تفارقان الهدف.

[تقدم القالب: 20%]

وهكذا، بدأ الهجوم المعاكس…

وكل خطوة للعملاق كانت كأنها تدوس على اليأس.

---

الفصل الخامس عشر: "درع في وجه العاصفة"

2025/04/16 · 30 مشاهدة · 675 كلمة
نادي الروايات - 2025