16 - رقصة الرماد الآخيرة - نهاية آرك سقوط مقاطعة التروست

---

الفصل السادس عشر: رقصة الرماد الآخيرة.

كان ضوء الشمس خافتًا خلف الغيوم، والدخان الكثيف من حرائق تروست يتصاعد كأذرع تطوّق السماء. في الخلف، سُمعت صرخات الجنود وتأوهات الجرحى، أما في المقدمة، فقد كان رين يركض بعيدًا عن المجموعة، جسده مرهق وعضلاته تتألم مع كل خطوة، لكنه لم يتوقف.

"سأفسح لهم الطريق... لا أحتاج أن أكون قربهم، لست بحاجة لذلك... فقط دعوني أقتل."

كان إيرين يتحرك ببطء داخل جسد العملاق، وحوله أرمين وميكاسا وعدد من جنود الحامية، يحمونه من أي خطر يقترب، كل شيء بدا تحت السيطرة... حتى ظهر "هو".

عملاقٌ قصير وسريع كريشة ريح مسمومة انطلق من بين الركام، اندفع نحو عملاق إيرين، لكن ميكاسا كانت له بالمرصاد، حركتها كانت كضربة برق، قطعت عضلات ساقه وأوقعته أرضًا. هدير ميكاسا زلزل صدر الهواء.

لكن ما كاد العملاق يسقط، حتى ارتجف العالم مجددًا.

عملاق ثانٍ.

أطول... أنحف... وأسرع. عيناه تُشعان بغضبٍ كأنهما تقولان: "سأسحق كل شيء."

كان رين يراقب من السطح المجاور، عرقه يتصبب، أنفاسه بطيئة ومضطربة، عضلاته متشنجة، ثم — فجأة — تسلل الصوت... الصوت البارد من أعماق روحه.

"ستموت."

"أنت مرهق."

"إنهم لا يحتاجونك."

"في النهاية، ستظهر حقيقتك... مجرد وحش."

أغمض رين عينيه للحظة، شعر بألم في أسنانه من قوة عضّته، يديه ترتعشان، ثم بدأ النظام يظهر أمامه إشعارًا:

---

[تحذير: وضع حرج]

[تم تفعيل خيارات الطوارئ للمضيف]

[الرجاء اختيار أحد المسارات التالية]

1. الانسحاب التكتيكي: تفادي المواجهة والالتحاق بحماية إيرين.

2. الحفاظ على الطاقة: الالتزام بالدفاع فقط في موقع آمن حتى وصول التعزيزات.

3. استدعاء قوة إضافية (ثمن مرتفع).

4. التصعيد القتالي: تنشيط نمط "انفجار الهاوية" ودخول معركة الموت.

---

عبس رين وهو يتمتم:

"أي تصعيد قتالي؟ لا يوجد عملاق هنا بعد لأقاتله—"

لكنه لم يُكمل الجملة...

سبعة.

سبعة عمالقة خرجوا من خلف المباني دفعة واحدة، كأنهم نسجوا من الظلال، بأجسامهم الضخمة الملتوية وابتساماتهم المشوهة.

اتسعت عينا رين:

"هذا مستحيل...! كيف لم ألاحظ؟!"

ثم نظر إلى النظام، نظرة باردة خالية من التعجب:

"ربما هذا بسببك... أيها النظام اللعين."

استل شفرتيه ببطء، وقف على سطح البناء، ثم شهق نفسًا عميقًا حتى انتفخت رئتيه كأنهما ستنفجران.

"حسنًا... لنرقص."

---

تنفس الصخر: الشكل الأول — ثِقَلُ الجَلْمُود!

قفز رين نحو العملاق الأول، وسيفه يهوي كنيزك سقط من السماء. الضربة شطرت رأس العملاق لنصفين، وأرضيته تهتز كأنها تئن تحت وطأة الغضب الحجري.

تنفس الصخر: الشكل الثاني — رنين الهاوية!

الخصم الثاني، ضربات متعددة، سريعة، دقيقة، كمطر يضرب صخرة هشة. يداه تتحركان بسرعة الضوء، وسيفاه يغوصان في لحم العملاق ويتركانه يسقط متآكلاً.

"أنتم... مجرد حطب... لحربٍ لا ترحم."

العملاق الثالث اقترب أكثر، فتح فمه كأنما يضحك، لكن رين سبقه:

تنفس الصخر: الشكل الثالث — صدع الصفيحة!

قفزة ملتوية، ودوران كامل في الهواء، ثم ضربة قوية كسرت توازن العملاق، أسقطته أرضًا، قبل أن يغرس سيفه في قفاه بلا رحمة.

دماؤه، عرقه، وألم ساقه المتضررة، كلها لم تعنِ له شيئًا.

"صوتك بدأ يزعجني، ألن تصمت؟"

الصوت داخله لم يتوقف:

"أوه، لكنني جزءٌ منك... أنا صمتك، أنا لحظة ترددك، أنا أول جريمة ارتكبتها... لا يمكنك التخلص مني، رين."

"أعلم..."

"...لكنني أستطيع خنقك."

---

تنفس الصخر: الشكل الرابع — حافة الجرف!

مراوغة حادة كأن الرياح تدفعه، انتقل بين عملاق وآخر، يتفاداهم كأنهم بطيئون، وقبل أن يلحق أحدهم به، كان قد بتر رقبته.

تنفس الصخر: الشكل الخامس — عواء الجبال!

صرخة من أعماق قلبه، ارتدت في الأزقة، ومعها انهالت الضربات، كأن كل جبل في صدره قد انفجر غضبًا. سقط اثنان من العمالقة دفعة واحدة.

لكنه لم يخرج سليمًا.

واحدة من أياديهم ضربته في صدره، تمزقت سترته، جرح عميق قطع جلده، دم يتفجر، يده ترتعش، لكنه...

ضحك.

ضحكة باردة، كأنها لم تأتِ من هذا العالم.

"هذا كل ما لديكم؟ أنا لم أبدأ بعد."

---

لكن جسده كان ينهار.

كان يحتاج إلى شيء... دفعة نهائية...

وهنا، جاء الشكل السادس...

تنفس الصخر: الشكل السادس — انفجار الهاوية!

جمع كل ما تبقى له من تنفس، من عضلات، من عزيمة، في ضربة واحدة.

اندفع كالسهم، وسيفاه يصنعان قوسين من الدم، ضربة من اليسار... ثم من اليمين...

عملاقان ينهاران، جسدهما يتفكك قبل أن يصلا إلى الأرض.

لكن هناك شيء آخر...

---

[تم تفعيل مهارة جديدة: غضب الهاوية]

[عند اشتداد الغضب، تتضاعف قدرات الجسد مؤقتًا بنسبة 70% لمدة 30 ثانية]

عينا رين تلونتا بلون قرمزي دامي. لم يعد يهمه شيء.

كان وجهه مغطى بالدم، لم يميز أحد إن كانت دماءه أو دماء خصومه. جسده يشتعل، شفرتاه تلمعان، وصدره ينهض ويهبط كأنه بركان حي.

"أنا القاتل الذي لا يموت..."

"لكنني الآن أقتل... لأجلهم."

---

الدماء تغطي ذراعيه. أنفاسه تتقطع، وركبته بالكاد تحمل ثقله.

رين وقف بصعوبة بين جثث سبعة عمالقة سقطوا واحدًا تلو الآخر. كل نبضة في قلبه كانت تصرخ، كل خلية في جسده تطلب الراحة... لكنه بقي واقفًا، منحني الرأس، بينما نافذة ظهرت أمامه، بلا صوت، كأنها تكافئه بصمت:

> [ قالب العملاق المتفرد – التقدم: 50% ]

لكن لا وقت للفرح.

صرخة من ميكاسا شقّت الصمت.

التفت.

كانت تتراجع، متعبة، سيفها مكسور، والعملاق يندفع نحوها ونحو إيرين الذي بالكاد بدأ يتحرك بعد خروجه من جسد العملاق الغريب.

صوت مألوف تردد داخل رين...

"دورك انتهى، دعه يسقط. نم، يا رين."

لكنه تجاهل ذلك الشيطان. تنهد، ورفع عينيه الفضيتين الباردتين.

"ليس بعد."

وانطلق.

رغم الإرهاق، رغم الجروح، رغم كل شيء... ركض.

---

القتال كان أشبه بكابوس مُعاد.

كل حركة منه كانت ثقيلة.

كل خطوة كانت كأنها تسحق عظامه.

لكن العملاق سقط في النهاية، رغم أنه باغته بصفعة هائلة، رمت رين كدمية من قماش، اصطدم بجدار أحد المباني، وتحطم السطح تحت جسده.

سعل دمًا.

جسده كان يرتعش. الدم يسيل من فمه، من جنبه، من جروحه المفتوحة.

جلس هناك، فوق سطح المبنى المهدّم، محاطًا بالغبار والرماد، وهو ينظر بعين نصف مغلقة نحو الفتحة التي تقترب من الإغلاق.

رأى إيرين... يرفع الصخرة.

ويضعها في مكانها.

صمت.

لا ابتسامة.

لا كلمة.

فقط تنهد ثقيل.

"لقد فعلها..." همس.

لكنه لم يقم. بقي جالسًا. الرأس مائل، والدماء تغسل شعره الفضي الذي تلطخ كاملاً بالأحمر.

لأول مرة، ظهرت على وجهه علامات واضحة للإرهاق.

لكنه لم ينم.

كان خائفًا... خائفًا من أن يغفو فلا يستيقظ أبدًا.

خائفًا من أن يرحل عن هذا العالم الذي، رغم كل شيء، وجد فيه أناسًا يهتمون لأمره.

---

رغم الأنين في صدره، ابتسم بتعب وهو يتذكر ضحكات جان وسخافاته...

ماركو وهو يشاركه الطعام رغم الجوع...

هيستوريا تناديه "أخي" بصوتها الهادئ...

نظرات يومير المزعجة...

ميكاسا تقاتل بجانبه، بصمت يشبه صمته...

إيرين يصرخ بأحلامه...

وأخيرًا...

عينا القائد إروين سميث... الممتلئتان بإرادة لا تهزم، ورغبة مجنونة بكشف الحقيقة.

"بقي القليل... يمكنني فعلها."

---

نهض.

ببطء. بألم. بمساعدة جندي كان قد أنقذه في وقتٍ سابق.

اتكأ عليه، وسار بتعب حتى وصل إلى حيث كانت ميكاسا، أرمين، وإيرين.

إيرين كان متعبًا، بالكاد يتنفس، لكنه بخير. لم يصب بأذى كبير.

كان يقف أمام الصخرة، بينما يتحدث إلى ميكاسا وأرمين عن شيء لم يسمعه رين.

لكن حين وصل رين، وصمته القاتل طغى على الأجواء...

سكت الجميع.

نظراتهم اجتمعت عليه.

وجوههم تغيرت.

أدركوا حينها ما فعله من أجلهم.

ما فعله من أجل البشرية.

صمتهم لم يكن خوفًا... بل احترامًا، وتأنيب ضمير.

حتى إيرين... اقترب بخطى ثقيلة. كان وجهه مزيجًا من الحزن والغضب، وقال بصوت منخفض:

"رين... أنا آسف، لقد..."

لكن رين لم ينظر إليه.

نظر إلى الصخرة... بعينين هادئتين، لا غضب فيهما... فقط تعب لا نهاية له.

وصوت الشيطان داخله عاد:

"أنت قفزت هذه المرة، يا رين..."

"لكن... هل ستكون موجودًا دومًا؟"

لم يُجب.

تنهد فقط.

ثم رفع نظره إلى السماء للحظة، قبل أن يلتفت إلى صوت خطوات تقترب.

كان قائد الحامية — بيكيس، أو بيكسيز.

وجهه الصارم عادة بدا هادئًا، محترمًا، مليئًا بالإعجاب.

توقف أمام رين، نظر إليه طويلاً، ثم قال:

"شاب مثلك... لا يُولد كثيرًا."

ثم... انحنى.

انحنى أمامه، أمام الجميع.

"شكرًا لك، رين. باسم البشرية... شكرًا لك."

صمت رين.

لم يجب.

بل رفع رأسه نحو السماء، والدماء لا تزال تغطي وجهه، وقال بصوت متعب، شبه هامس:

"أشعر... أنها البداية فحسب."

بيكسيز سمع كلماته، ورفع رأسه باهتمام.

ثم التفت إلى إيرين، وميكاسا، والبقية، وأعلن:

"رين، وإيرين ييغر... سيتم استدعاؤكما للمحاكمة العسكرية."

وأسدل الصمت على المدينة التي نجت... مؤقتًا.

---

نهاية الفصل 16 ونهاية آرك التروست

2025/04/16 · 30 مشاهدة · 1260 كلمة
نادي الروايات - 2025