---

الفصل 18: ظل من الهاوية

مر شهرٌ بأكمله منذ محاكمة الوحوش.

شهرٌ من التجارب… أُجبر فيه إيرين على اختبار حدود تحوّله تحت مراقبة فيلق الاستطلاع. أما رين… فقد كان هدفًا لاختبارات من نوعٍ آخر. اختبارات لم تكن تُقاس بجسده فقط، بل بصموده العقلي… وروحه.

لكن رغم كل شيء، لم يبدُ عليه التراجع.

جراحه التأمت بالكامل. لا أثر لضماد، لا أثر لضعف. بدا نظيفًا، مرتّبًا كما لو أنه لم يكن في قلب الجحيم ذاته. لطالما كره القذارة، وأبى أن يراها على جسده. لكن عيناه… لم تعودا كما كانتا. فيهما ظل شيء ثقيل، شيء من نوعٍ مختلف.

---

المقر الجديد لفيلق الاستطلاع كان مزدحمًا بأصوات الضحك والضجيج.

رغم التوتر، كانت هناك لحظات نادرة من السكينة.

في المطبخ، جلس رين عند الزاوية، يحتسي كوبًا من الشاي بهدوء.

ماركو اقترب منه بابتسامة خفيفة، وجلس مقابله: "كنت أعلم أنك ستصمد. أنت… لست من النوع الذي يسقط بسهولة."

لم يجب رين، لكن نظرته اللينة –النادرة– كانت كافية لتكون جوابًا.

كوني دخل الغرفة صارخًا: "رين! ماركو! لقد صنعت ساشا حساءً، وهي تقول إنه ليس سامًا هذه المرة!"

ضحك ماركو، ورين اكتفى برفع حاجبه بلا تعليق، بينما مرت ساشا بجانبهما ممسكة بالقدر وكأنها تحمل كنزًا.

كريستا ألقت تحية لطيفة، بينما وقفت يومير بجانبها بنظرة حذرة ناحية رين، كأنها تحاول تفسير ما يخفيه.

راينر وبيرتولت كانا يتحدثان مع ميكاسا وأرمين، قبل أن يوجه راينر نظرة صامتة لرين، لم تطل، لكنها كانت ثقيلة.

إيرين، الذي بدا مرهقًا من التدريبات، جلس إلى جانب رين، وقال بنبرة خافتة: "لم أعد أرى أحلامًا… فقط… ضوء… ثم صراخ."

لم يجب رين. لكن إيرين أكمل: "أحيانًا أفكر… لو لم أتحول، هل كنت سأظل كما كنت؟"

رنّ صوت ميكاسا: "توقف. لا فائدة من التفكير بتلك الطريقة." ثم جلست بالقرب، نظرتها كانت كعادتها، حادة تجاه الجميع… إلا رين.

هو الوحيد الذي لم تكن تحذره، ولا تشكك في أفعاله.

أما أرمين، فكان يحمل دفترًا صغيرًا يدون فيه ملاحظاته، قبل أن يسأل رين: "هل شعرت بأي شيء غريب عندما… استخدمت تلك التقنية؟"

رفع رين نظره إليه للحظة، ثم قال: "الزمن… كأنّه تفتت."

نظر إليه أرمين باندهاش صامت، قبل أن يهمس: "سأدون ذلك…"

---

في وقتٍ لاحق من تلك الليلة، حين خمدت الأصوات في المقر، جلس رين قرب النافذة في غرفته.

كانت السماء رمادية، والرياح تتلاعب بأطراف الستائر.

صوته الداخلي… عاد.

> "ألا ترى؟ حتى بعد أن نجوت، وبعد أن أصبحت أقوى… لا يزالون ينظرون إليك وكأنك غريب."

> "لست منهم يا رين. لن تكون أبدًا."

> "أنت تعرف ما أنا… لأنك أنا."

ظل رين صامتًا. لم يغمض عينيه. لم يرتبك.

> "يوماً ما… حين يسقط كل من حولك، ستفهم أن هذا العالم لا يُنقذ. فقط يُحكم."

قالها الصوت بخفوت، حتى بدا كأنه داخل عظامه.

رين… تنفس ببطء… ثم همس:

"…اخرس فقط."

سكت الصوت، وانطفأ الهمس.

لكن السماء… بدت أكثر ظلمة من المعتاد.

(يتبع في الفصل التاسع عشر)

امزح.

------

ركض.

تنهّد.

دماء. صرخات. قرية محترقة.

السماء حمراء، والأرض سوداء.

العمالقة يتجولون كأشباح من الجحيم، يسحقون كل شيء تحت أقدامهم.

تلك الأصوات... أنين الأطفال، صراخ الأمهات، وصوت العظام وهي تتحطم.

ركض، لكنه كان بطيئًا... قلبه يخفق، أنفاسه تتقطع، والكوابيس تطارده.

...كانت تلك ذاكرة ليست له.

استيقظ رين فجأة، يلهث وكأن قلبه على وشك التوقف، قطرات العرق تتسلل من جبينه رغم برودة الغرفة، ويداه ترتجفان بلا إرادة.

جلس على السرير، جسده عارٍ من الأعلى وقد لُف ببعض الضمادات المتبقية، رغم أن الإصابات قد شفيت منذ أسابيع.

لكن الكابوس كان أعمق من الجراح الجسدية، كان شيئًا يسكن داخله، يُهمس له.

"تلك الأرض، تلك النار... رأيتها، أليس كذلك؟"

رنّ الصوت في داخله، ليس كالسابق، بل مشبع بالغضب المقيّد.

أدار رين رأسه ببطء نحو النافذة، الزجاج انعكس عليه ضوء القمر، فبدت عيناه الفضيتان باهتتين:

– "أنا رأيت ما لا يجب أن يُرى... والآن، لا يمكنك الصمت، أليس كذلك؟"

ظل الصوت ساكنًا للحظة، ثم همس مجددًا:

"ستفهم لاحقًا. أنت لست مجرد شبح في هذا العالم. هناك ماضٍ يرقد في دمك، كما في دمائهم..."

نهض رين من سريره ببطء، تنفّس بعمق ليتخلّص من أثر الكابوس، وغسل وجهه بماء بارد.

---

في صباح اليوم التالي، جلس رين مع بقية أعضاء فريق ليفاي في قاعة صغيرة مخصصة للاجتماعات.

كان الجو مشحونًا، فاليوم هو إعلان المهمة الأولى خارج الجدران.

إلى يمينه، كان "جان" يراقبه بعيون ضيقة، ذاك المجند الذي كان يعض لسانه مرارًا في التدريبات، بدا وكأنه يشعر بالغيرة من رين.

همس لنفسه:

– "حتى وهو مصاب يبدو وكأنه خرج من لوحة فنية..."

ثم عبس وقال بصوت خافت:

– "تفو..."

ضحكت ساشا بصوت مكتوم وهي تلتهم قطعة خبز، وقالت:

– "هل ما زلت تشعر بالغيرة منه يا جان؟"

– "لست غيورًا!"

– "طبعًا، بالطبع..." قالت يومير بسخرية، مستندة على الحائط.

ماركو اقترب من رين بابتسامة دافئة، وضرب كتفه برفق:

– "أهلاً بعودتك يا رين. الجميع افتقدك."

التفت إليه رين، وابتسم بخفة نادرة:

– "أنا لم أرحل في الحقيقة."

ضحك كوني:

– "صحيح، لكنك كنت نائمًا أكثر مما توقعت. هل كنت تحلم بالفوز على ليفاي؟"

رين اكتفى بنظرة جانبية جعلت كوني يتراجع وهو يضحك.

هيستوريا اقتربت منه بخجل، وأعطته قطعة من الفطائر التي أعدّتها:

– "لقد... صنعت هذه خصيصًا لك. أنت دائمًا تنقذنا."

نظرت يومير إليها بغضب، لكن لم تقل شيئًا.

– "شكرًا." قالها رين بهدوء، ثم أكل منها دون تعليق إضافي.

قاطع اللحظة دخول إروين سميث، وخلفه الكابتن ليفاي، بعيونه المتعبة المعتادة.

– "أيها الجنود." قال إروين بصوته العميق والحازم، "استعدوا. مهمتكم الأولى خارج الجدران تبدأ قريبًا. هذه ليست مجرد رحلة، إنها بداية الكشف عن الحقيقة... عن العالم خارج هذا السجن الحجري."

نظر المجندون إلى بعضهم، الحماسة والخوف يتصارعان في عيونهم.

ثم نظر الكثير منهم إلى رين، الواقف بهدوء في زاوية القاعة، نظيفًا، شعره الفضي يرتفع مع نسيم النافذة.

هو الذي لم يتردد أمام العمالقة، هو الذي عاد من الموت سبع مرات، هو الذي جعلهم يؤمنون أن الصمت قد يكون أحيانًا أقوى من كل صراخ.

"إذا كان بإمكانه فعلها... فربما يمكننا نحن أيضًا." قال أحدهم بهمس.

---

اقترب ليفاي من رين بعد انتهاء الاجتماع، وألقى عليه نظرة سريعة.

– "هل عدت لعادتك في التحديق دون سبب؟"

– "ربما." قالها رين.

ثم التفت إليه وأضاف:

– "كم المدة حتى نخرج؟"

– "أسبوعان. استعد، فالخارج... ليس كما تتخيل."

– "أنا لا أتخيل." قالها بنبرة شبه باردة.

– "جيد، لأن التردد يقتل."

غادر ليفاي بخطوات ثابتة، تاركًا رين يتأمل ظله على الأرض.

---

في تلك الليلة، بينما كان الجميع نائمين...

جلس رين على سطح أحد المباني، يحدّق في السماء.

صوت الشيطان داخله لم يكن صاخبًا هذه المرة، بل أقرب إلى همسات هادئة.

– "أنت تقترب، شيئًا فشيئًا... هل أنت مستعد؟"

أغمض رين عينيه، وتنهّد بصمت دون أن ينبس بكلمة.

---

نهاية الفصل ، اتمنى تتفاعلو ولو شوي.

2025/04/16 · 33 مشاهدة · 1046 كلمة
نادي الروايات - 2025