الفصل العشرون: نيران الجحيم - سقوط الجبابرة
كان الهواء مشبعًا برائحة الحديد المحترق. الأرض اهتزت تحت أقدام العملاق المتفرد الذي ظهر وسط وميض صاعقة ذهبية، هالة من اللهب القرمزي المشتعل تدور حول قبضاته المتفحمة. على مرأى من راينر وآني، تجمّدت خطوات العملاق المدرّع والعملاقة الأنثى للحظة، إذ لم يشاهدا شيئًا كهذا من قبل.
كان عملاق رين مختلفًا تمامًا… شعرٌ فضي يتطاير خلفه، عيون كالجمر، ولهيب أسود يتراقص حول مفاصله. القوة التي بثها جسده كانت خانقة. شيء بدا كأن الأرض نفسها ترفض أن تلمسه.
أطلق راينر زئيرًا واخترق الأرض مندفعًا، درعه اللامع يحطم الصخور والأشجار القليلة في السهل. رفع قبضته وهبط بها تجاه العملاق المتفرد. ولكن في لحظة، اختفى رين من أمامه. انحنى، لف جسده بحركة أشبه برقصة قتال تايجي الصينية، ثم ارتد كالسهم نحو راينر، وضرب ركبته بقوة.
انفجرت الركبة بدرعها وتهاوت قدم العملاق المدرع.
صرخت آني وتحركت بخفة غير متوقعة، استدارت خلف رين محاولة ضرب عنقه. لكن رين أدخل ذراعه المشتعلة بين قبضتها وجسده، وانفجر اللهب السوداوي من ساعده. ارتدت آني للخلف، وهي تصرخ من الألم والصدمة.
تحرك الثلاثة في رقصة من الغضب والدمار. راينر يهاجم بجنون، وآني تحاول التسلل بضربات قاتلة، لكن رين كان أشبه بظل مشتعل لا يمكن إمساكه.
انقضّ رين على عملاق راينر المدرع واطلق جسمه حرارة هاىلة ودارت النيران حوله وبدا جسم العملاق يتفحم ويتجدد وألم رين وارهاقه يزيد وتزيد قوة العملاق المتفرد.
ركلة جانبية من ساقه المغلفة باللهب اخترقت دفاع راينر المدرع، ودفعت به إلى الوراء كدمية حديدية. صرخة صامتة انطلقت من فم راينر، وقطعة من درعه سقطت على الأرض وتبعتها أخرى.
ثم دار رين على عقبيه، واندفع نحو آني التي استعدّت للقتال، لكن قبضته المغطاة بالجمر ارتطمت بصدرها مباشرة، مزّقت اللحم الصلب للعملاق الأنثى وسقطت على الأرض بعد انزلاق عدة أمتار.
صرخ راينر وهو ينهض، وانقضّ نحو رين، محاولًا الإمساك به من الخلف. لكن رين، وكأنه كان يقرأ أفكاره، انخفض بجسده، ثم انقلب على يده وركل راينر للأعلى بقوة. الهواء تمزق، وراينر طار لأمتار قبل أن يرتطم بجدار صخري وتتشقق قشرته المدرعة.
بدأت ألسنة اللهب تنتشر على ظهر رين، وعضلاته تنبض بطاقة مشتعلة.
كلما تألم… كلما اشتعل.
اندفعت آني من الجانب محاولة تثبيت ذراعه. نجحت مؤقتًا، لكن رين داس على قدمها، وصرخ جسدها العملاق من الألم. ثم بكل وحشية، استدار وضرب فكها الأيسر بكوعه، لتسقط نصف وجهها على الأرض وهي تترنح.
"هذه ليست قوتك فقط، رين..." قال الصوت في رأسه. "هذا... هو الجحيم الذي عشت فيه."
تقدم راينر، محاولًا أن يُمسك برأس رين بين قبضتيه، لكن رين لم يمنحه الفرصة. أطلق زئيرًا اخترق السماء، وزادت شعلته حتى بدت كأن النار خرجت من عموده الفقري، ثم ضرب راينر بكامل جسده كقذيفة حمراء، ليحفر به حفرة في الأرض.
كانت كل ضربة… تحمل غضب ثلاث سنوات. كل ركلة… تحمل خيبة الأمل، الخيانة، الوحدة.
راينر حاول النهوض، لكن ساقه سُحقت، حرفيًا، تحت قبضة مشتعلة من عملاق رين.
آني نهضت أخيرًا، محاولة إنقاذه. هجمت نحو رين من الخلف، غرزت أصابعها في كتفه الأيسر، لكنه لم يتحرك. استدار ببطء… عيونه تحترق أكثر مما تنزف.
"آني…" كان صوته ميتًا. "...انتهيتم."
قبضته ارتفعت.
ثم… هوت كنيزك على رأس آني، تشتّت جزء من جمجمتها، وسقط جسدها على الأرض بقوة، بينما انفجرت موجة ضغط أحرقت العشب المحيط.
الاثنان، راينر وآني، سُحقا، تحطما… لم يكن قتالهما ضد عملاق، بل ضد غضب متجسد، ضد ماضٍ تمنى ألا ينهض مجددًا.
ووسط الركام والدخان، وقف عملاق رين شامخًا، اللهيب ما زال يتراقص على جسده، أنفاسه كالمحرقة.
"أين… بيرتولت؟" سأل وهو يزمجر، صوته يُزلزل المكان.
---
صاح صوت في السماء:
"رين!!"
كانت ميكاسا، تراقب من بعيد فوق التلال، فيما كان ليفاي وإيرين يتقدمان نحو الساحة.
قال ليفاي بعبوس: "تأخرنا... لكنه لا يبدو أنه بحاجة للمساعدة." لكن عينيه لم تفارقا المشهد.
أطلق رين زئيرًا جعله يبدو شيطانًا في جسد عملاق. جسده بدأ يتوهج بلون قرمزي داكن، كأن حممًا تسيل في عروقه.
تحرك مجددًا. قبضته اندفعت نحو راينر، وسحق صدر العملاق المدرّع حتى انكسر الدرع. راينر سقط أرضًا، عاجزًا عن التجدد بسرعة.
استدارت آني لتهاجمه من الخلف، لكنها لم تجد إلا اللهب. رين استدار بسرعة خيالية، قبض على رأسها، ثم سدد لها لكمة في البطن جعلت جسدها ينثني ويسقط على الأرض.
كان يتنفس بقوة، صدر العملاق يصعد ويهبط، واللهب الأسود يتصاعد من مفاصله.
وفجأة…
سُمع صوت صاعقة أخرى.
"لا... لا تخبرني أنه…" همس إيرين.
ارتفعت سحابة من البخار الأحمر، تغطي المكان.
ظهر راينر بجسد محطّم، يزحف نحو آني وبيرتولت، الذي خرج من مكان اختبائه.
"بيرتولت، الآن!" صرخ راينر.
قفز بيرتولت، ووقف على كتف راينر، بينما الأخير رفع يده لحماية رفيقيه.
صرخ رين من داخل عملاقه: "لا!"
لكنه كان متأخرًا… راينر بدأ بالركض بعيدًا، حاملاً آني التي لم يراها احد ليكتشف انها العملاق الانثى وبيرتولت في حماية ذراعيه، يتراجع نحو الغابة.
وقف رين وسط الدمار، جسده ينبض بالغضب، باللهب، بالحزن.
قال بصوت خافت، بالكاد يُسمع:
"اللعنة…"
كان اللهب لا يزال يشتعل من قبضتي عملاقه.
وساد الصمت..