الفصل الحادي والعشرون: الصدمة وما بعدها

هدير صاعقة أخيرة مزّق السماء قبل أن تهدأ الأصوات... في الأفق، عملاق راينر كان يركض مبتعدًا، يخبّئ بين راحتيه أني وبيرتولت. البخار لا يزال يتصاعد من أطرافه، وعيناه مليئتان بالذعر. لم يلاحظ أحدٌ شكل العملاق الأنثى الذي ظهر فجأة ثم اختفى، لم يدركوا أن أني كانت بين الهاربين.

ركضت أني بصوتٍ منخفض وهمس لبرتلوت: "سأعود إلى جدار روز... أو ربما سينا. سأختبئ حتى يحين الوقت." رد بيرتولت بصوتٍ مضطرب: "هل تعتقدين أنهم رأونا؟" لكنها لم تجب. كانت تنظر خلفها، إلى رين.

...

اقترب ليفاي وإيرين من المكان الذي انبطح فيه عملاق رين بعد المعركة. كان الجسد الضخم قد بدأ يتلاشى، متحولًا إلى بخار، وفي وسطه ظهر رين. لكنه لم يكن كما عهدوه.

جلده كان ذائبًا، متشققًا، يُظهر العظم في أماكن متفرقة. شعره محترق ومتقصف، ووجهه متورم بفعل الحرارة، عيناه كانتا جمرتين تشتعلان بالغضب والكراهية.

صمتٌ ثقيل خيّم، ثم همس ليفاي: "يا للفظاعة..."

لكن إيرين لم يكن يحدق في رين، بل كان ينظر إلى الفراغ، إلى الاتجاه الذي اختفى فيه راينر.

صرخ ليفاي فجأة: "إيرين! تحوّل الآن!"

ركض إيرين للأمام، عضّ يده، لكنه لم يتحوّل.

"تحوّل!" صرخ مجددًا، وإيرين يعضّ يده للمرة الثانية، فالثالثة، والدم يسيل، ولكن لا شيء يحدث. جسده كان يرتعش، وجهه ممتقع.

بدأ إيرين يصرخ، غاضبًا، يضرب الأرض ويعضّ نفسه بجنون: "لماذا؟ لماذا لا أتحول؟!"

رمقه ليفاي بعبوس. أما رين، فقد أغمض عينيه للحظة ثم قال بصوت متعب وعميق:

"إيرين... أنت لا تملك الإرادة لقتلهم."

ارتجف إيرين، نظر إليه.

تابع رين، بنبرة أكثر حدة: "ألا تصدق بعد أنهم خونة؟ ألم يكن واضحًا؟ راينر، بيرتولت، أني... كلهم كذبوا علينا، عاشوا معنا، أكلوا معنا، ثم طعنونا في الظهر."

ارتجف إيرين أكثر، وبدأت الذكريات تغزوه.

صوت والدته وهي تصرخ، ثم تُسحب من قبل العملاق ذي الابتسامة... أصوات الجنود وهم يموتون واحدًا تلو الآخر... مشهد الجدار وهو يتحطم...

صرخة رين اخترقت أعماقه:

"كم مرة عليك أن ترى الموت حتى تفهم؟ هم لن يترددوا في قتلك وقتل من تحب. إن لم تكن مستعدًا لقتلهم... فهم سيقتلوننا جميعًا."

قبض إيرين على قبضته بقوة، الدموع تسيل، قلبه ينبض بجنون، الغضب يجتاحه... لكنه رغم كل شيء... لم يتحول.

...

فجأة، تصاعد بخار كثيف من جسد رين، حرارة خانقة انبعثت منه، ليفاي وإيرين تراجعا خطوة.

أمام أعينهم المذهولة، بدأ جسده يتعافى بسرعة مرعبة، اللحم يغطي العظام، الجروح تلتئم، الشعر ينبت مجددًا، والوجه يستعيد ملامحه. بعد دقيقة واحدة فقط، كان رين واقفًا، محاطًا ببقع من الدماء، جسده متعافى بالكامل، لكنه يلهث.

قال ليفاي وهو يحدق فيه: "ما هذا بحق الجحيم؟"

رد رين ببرود: "لنذهب. يجب أن نخبر القائد إروين."

نظر إلى إيرين، ثم صفّر بصوت حاد. وبعد لحظة، ظهر حصانه من بعيد، كان يركض بسرعة، متجهًا إليه. ركب الثلاثة خيولهم، وانطلقوا بسرعة نحو موقع القائد.

...

بعد ساعات من الرحلة، وصلوا إلى حيث كان إروين مع هانجي.

ترجل ليفاي بسرعة، توجه نحو إروين، وأخبره بكل شيء.

وقف القائد إروين بصمت، عينيه ثابتة على رين، وكأنما يقرأ ما خلف وجهه. قال أخيرًا:

"إذا ما تقوله صحيح... فقد تجاوزنا حدود ما كنا نظنه ممكنًا."

كانت نبرته هادئة، لكن فيها شيء غريب، كأن عقله يدور بسرعة، يُفكر، يُحلل، يُخفي.

أما هانجي... فقد كانت قد بدأت فعليًا في فقدان عقلها.

"هل يمكنه التحكم الكامل بالتحول؟ ماذا عن البخار؟ هل هو نتيجة لاستجابة الخلايا؟ أو ربما هناك محفز داخلي خاص؟ ماذا لو—"

صرخ ليفاي: "كفى، هانجي!"

تجاهلها رين، ونظر لإروين.

قال إروين: "سنعود إلى القاعدة. علينا أن نعيد التقييم الكامل للوضع."

...

بينما كانوا في طريق العودة، ظهر إشعار في عقل رين:

[تم التعافي الكامل. نسبة قالب العملاق المتفرد: 20%]

ثم ظهر إشعار آخر:

[لقد هزمت العملاق المدرع والعملاق الأنثى. لقد حميت الفيلق من الخطر، وتم تثبيت نقاط القدر.]

تبعها همسات خافتة، مألوفة ومزعجة، "...أيها المتفرد... قاتل، دمّر، مزّق..."

ثم ظهرت نافذة جديدة:

[مكافأة: 5 أذونات استخدام متجر النظام.]

فتح رين نافذة المتجر... عالم آخر أمامه:

مسحوق شفاء بسيط (1 نقطة مصير)

خنجر سام من عالم الظلال (8 نقاط مصير)

تقنية سرية من مدرسة التنين (17 نقطة مصير)

نصل الهاوية (45 نقطة مصير)

قلب الغضب (120 نقطة مصير)

وفي الزاوية السفلية...

[عدد نقاط المصير: 365

اذونات الشراء : 7]

تأمل رين العناصر... فكر، وزن خياراته، ثم أغلق النافذة مؤقتًا.

نظر للأمام، إلى ليفاي الذي يركب أمامه، إلى هانجي التي لا تزال تهذي، إلى إيرين الصامت...

تنهد، ثم همس:

"الحرب لم تبدأ بعد... وما زال لدي الكثير لأحميه."

دفع بحصانه للأمام، متجاهلًا هانجي، ولحق بليفاى نحو المصير القادم.

---

"رين؟" سأل ليفاي بنبرة منخفضة، وهو يتطلع إليه من فوق كتفه بينما كانت الرياح تهب، تحمل معها رائحة الرماد والدم.

كان رين صامتًا، يحدّق في نافذة النظام أمامه. لم يُجب، فقط أخذ نفسًا طويلًا من الهواء المحترق ثم تمتم بصوت بالكاد يُسمع:

"لقد رحلوا... لكنهم لم ينجوا."

ظهر إشعار جديد في نافذة النظام:

> [النسبة الحالية لقالب العملاق المتفرد: 20%

خاصية فريدة مفعّلة: "الشفاء المطلق عند الحافة"

تم فتح ميزة جديدة: إذن الشراء من متجر النظام.]

ثم همسات منخفضة بدأت تزحف إلى أذنه، كأنها صادرة من جوف الأرض:

> "كنت وحيدًا... وما زلت كذلك..."

"أنقذت الجميع، لكن من سينقذك أنت؟"

"كل شيء هشّ، إلا الألم..."

"استمر... استمر في القتل... ستفهم في النهاية..."

تلاشت الكلمات كالدخان، وفتح النظام نافذة جديدة أمامه:

[متجر النظام]

انقسمت الشاشة إلى قسمين؛ أحدهما لعناصر بسيطة، أعشاب طبية، رقع إصلاح، سكاكين حادة، وتكتيكات قديمة. والآخر كان غريبًا، موحشًا. ظهرت فيه تقنيات مقفلة، أنفاس قتالية بأسماء غريبة، وحتى نصل لونه كالحمم، مرفقًا بوصف:

> "نصل الجحيم: يكشف جوهر الكائنات الذكية ويغمرها بنيران المصير."

ظهر في الأعلى رقم:

> [عدد نقاط المصير: 365

أذونات الشراء المتوفرة حاليًا: 7]

ضغط رين على زر "إغلاق"، وأغمض عينيه.

"رين، هل أنت بخير؟" سأل ليفاي بعد لحظة.

ردّ بصوت خافت، لكنه كالسيف:

"أنا... على ما يرام. لكن كلما ازداد الألم... أصبحتُ أقرب لفهمهم."

صمت ليفاي، ثم أومأ برأسه، وتبعاه بعد لحظة على الأحصنة.

**

حين وصلوا إلى المعسكر، كان القائد إروين واقفًا بجانب هانجي، يحدّق في الأفق، كأنه ينتظر نبأ لا يتمنى وصوله.

"قائد إروين!" نادى ليفاي، ونزل من حصانه، ثم تبعه رين وإيرين، الذي كان قد تمالك نفسه بصعوبة.

نظر إروين إليهم، ثم توقفت عيناه على رين. لم يتكلم، فقط راقب جسده المتعافي وعينيه الثابتتين، قبل أن يقول:

"... لم أركَ هكذا من قبل."

رد رين بهدوء، لكن عينيه كانتا تحملان أكثر مما يُقال:

"ربما لأني لم أكن هكذا من قبل."

أما هانجي، فلم تتمالك نفسها، اقتربت من رين وكأنها وجدت كنزًا حيًا.

"جسدك! كيف شُفي بهذه السرعة؟ ما هذه البخار؟ هل تحوّلت؟ لا، لا يبدو كذلك! هل هو نوع من التحوّل الجزئي؟ هل–"

"كفى، هانجي." قطعها ليفاي ببرود، ثم أدار رأسه نحو إروين.

"هربوا. راينر، برتولت،. العملاق الأنثى لا نعرف هويتها، إيرين لم يستطع التحوّل، وكاد يموت من الألم. رين كان في حالة مأساوية، لكنه نهض وحده... وقاتلهم جميعًا."

لم يتكلم إروين، فقط ظل يحدق في رين كما لو كان يرى شيئًا آخر. ثم قال بصوت خافت:

"بدأت أظن أني لا أفهم شيئًا... لكنك، رين... أنت مختلف."

نظر إليه رين للحظة، ثم أشاح بوجهه دون أن يرد.

أما هانجي، فبدأت تهذي:

"ماذا لو كانت خلايا العمالقة تندمج مع خلايا البشر؟! هل هناك سلالة متحوّلة؟ رين قد يكون تطورًا جديدًا... مزيجًا بين الإرادة والقدرة–"

"عودوا للقاعدة." قال إروين أخيرًا، بعبوس واضح. "لدينا تقارير لنكتبها، ونظريات علينا أن نتجاهلها."

ابتسم رين بمرارة وهو يسمع كلمات القائد. ثم ضغط على زر في النظام، وأغلق الواجهة.

في داخله، لم يكن الصمت... بل العاصفة.

"خمسة أذونات فقط..." تمتم بصوت خافت، وهو ينظر في الظلام من حوله.

**

حين ابتعدوا عن أنظار القادة، نظر إليه ليفاي وسأله:

"ما الذي حصل لجسدك؟ لقد كنت شبه ميت، ثم فجأة..."

رد رين بصوت منخفض، لم يُرِد أن يسمعه إيرين:

"أنا... لست بشريًا بالكامل، على ما يبدو."

رفع ليفاي حاجبه، لكنه لم يستفسر أكثر. فقط قال:

"ابقَ حيًا، هذا كافٍ."

**

حين خيّم الليل، كان الجميع نائمًا أو شبه نائم. إلا رين، الذي جلس بعيدًا عن الخيمة، قرب النار التي بدأت تذبل.

فتح النظام، ونظر إلى المتجر مجددًا. كانت الخيارات كثيرة... بعضها تافه، بعضها مرعب.

> "7 أذونات فقط... لو استخدمتها الآن، قد أندم لاحقًا."

لكنه لم يكن نادمًا. لقد تغيّر شيء في داخله. لم يعد يركض وراء الأجوبة... بل خلف شيء أعمق، شيء لم يسمّه بعد، لكنه يشعر به.

"الكل يبحث عن الخلاص بطريقته... لكنني سأخلق طريقي بنفسي."

نظر إلى السماء، ثم أغلق النظام، وألقى غصنًا في النار.

"غدًا... سيبدأ كل شيء من جديد."

وصمتت الريح، كأنها احترمت قراره.

نهاية الفصل الحادي والعشرين.

قد تجدون تناقض في جزء ما من الفصل ، وسبب هذا ان كنت اكتب الجزء الثاني من الفصل بشكل منفرد ، اسف عدلتها بقدر المستطاع.

---

2025/04/16 · 60 مشاهدة · 1360 كلمة
نادي الروايات - 2025