العنوان: نظام المصير - الفصل الثاني والعشرون: سقوط الملاك
كانت الليالي الأخيرة باردة في جدار سينا، وكأن الهواء نفسه يتهيأ لحدثٍ عظيم. شوارع المدينة مزدهرة كعادتها، غير أن التوتر يختبئ في الزوايا وبين أعمدة الضوء. بعد أن نجا الفيلق من مهمة تروست، وبعد أن هرب العملاق المدرع والضخم برفقة مجهولة الهوية، بدأ الشك يتسلل بين الصفوف. شيء ما لم يكن على ما يرام.
خلال الاجتماعات المتكررة التي عقدها القائد إروين، بدأ رين يشارك ملاحظاته، بهدوئه المعتاد ونظرته الثاقبة.
"تحركات أني ليوينهارت خلال فترة التدريب كانت دائمًا... حادة. دقيقة بشكل لا يصدق. لم أكن ألاحظ، ولكن بعد القتال مع العملاق الأنثى، بات من السهل رؤية الأنماط."
أرمين أضاف: "هناك تشابه كبير بين أسلوب قتالها وأسلوب العملاق الأنثى... حتى طريقة حماية الرأس."
ليفاي، بصوته الحاد، سأل: "هل لديك دليل؟"
رد رين: "الدليل سيأتي، إن أوقعناها في الفخ."
وهكذا، تم التخطيط لكل شيء. خطة لاستدراج أني في قلب الجدار، حيث لن تتمكن من الفرار بسهولة، حيث الحلفاء مستعدون، وحيث سيسقط الملاك.
...
بعد أسبوع، في أحد ممرات الجدار العليا، وقف رين بجانب أني. نظر إليها بعينيه الداكنتين وقال بصوت منخفض:
"إيرين... نخطط لتهريبه، أعتقد أنه في خطر. الشرطة العسكرية بدأت تتحدث." كان صوته هادئًا، لكن بين كلماته وميض حذر.
أني نظرت إليه، وعيناها مليئتان بالشك، ثم ابتسمت تلك الابتسامة الغامضة: "ما زلت تحاول، رين؟"
وفي الأسفل، في نفق مظلم تحت الممر، وقف كل من إيرين، ميكاسا، وأرمين، ينتظرون مجيء أني. كانت الخطة واضحة: المواجهة، وكشف الحقيقة.
لكن شيئًا في قلب إيرين لم يكن مستعدًا. لم يستطع التصديق أن أني، تلك الصديقة الصامتة، هي من قتلت عشرات الجنود. رغم أدلة أرمين، ورغم نظرات رين التي لم تعرف الخطأ يومًا.
ثم ظهرت أني عند باب النفق، وجهها هادئ كالبحر الذي يسبق العاصفة. نظرت إليهم وقالت بسخرية:
"كنتم تنتظرونني؟"
قال أرمين بصوت مرتجف: "أرجوكِ، تعالي معنا. لا نريد القتال."
أني وضعت إصبعها على شفتيها، ابتسامة حزينة: "أهذا فخ؟"
أرادت عض إصبعها.
في تلك اللحظة، همس رين من خلفها:
"تجمد الهاوية: إيقاف الزمن."
...
كل شيء تجمد. العالم تحول إلى لوحة رمادية. الهواء جامد، الأصوات صامتة. شعر رين بنبضات قلبه تتردد في الفراغ. الزمن توقف.
تقدم بخطوات سريعة حتى وقف أمام أني. كانت واقفة كما هي، في لحظة ما قبل الحركة.
ظهر صوت النظام: "تبقى ثانيتان."
تنهد رين. تذكر الليلة السابقة، عندما استخدم أحد أذونات المتجر. في ذلك المتجر العجيب، بين أطنان من العناصر، اختار شيئًا غير متوقع: نسخة معدلة من عيون الهيوغا، البياكوقان، محسنة.
بفضلها، رأى خطوط القوة في جسد أني، مراكز الطاقة، وأماكن الضعف.
بسرعة خاطفة، وجّه ضربات دقيقة إلى نقاط عصبية تعيق الحركة مؤقتًا. ضربة تحت الأذن، خلف الركبة، بين الكتف والرقبة. وأخيرًا، ضربة في نقطة خلف الرأس تُفقد الوعي، اسمها العلمي: النتوء القذالي.
انتهى الزمن.
انفجار من الهواء. وميض فضي وأسود.
أمام أعين إيرين، اختفى رين.
في الثانية التالية، اهتزت الأرض تحت موجات الهواء. رياح عاتية هبت داخل النفق. أني، التي كانت واقفة، ظهرت عليها آثار ضربات مفاجئة. ثم انهارت أرضًا، فاقدة الوعي.
صدمة صامتة.
أرمين يهمس: "ماذا... حدث للتو؟"
إيرين شهق: "ر... رين؟"
ظهر إشعار النظام:
تم هزيمة العملاق الأنثى.
تمت مكافأتك بقدرة التصلب [مستوى مبتدئ].
وقف رين أمام جسد أني الفاقد للوعي، أنفاسه بطيئة، عينيه شبه دامعتين.
في عقله، بدأت همسات الشيطان:
"اقتلها، التهمها، احصل على قوتها، قوتهم جميعًا..."
لكن رين، بابتسامة حزينة وعيون مغمضة، همس:
"اخرس."
تلاشت الهمسات.
استدار لينظر إلى إيرين وأرمين وميكاسا الذين كانوا ما يزالون في صدمة.
"لقد كانت صديقتي... وراينر كذلك. لم أكن أعلم. لكن هذا لا يبرر خيانتهم. سأجعلهم يتذوقون الألم... مثلي."
صمت ثقيل ساد المكان.
...
في وقت لاحق، وعندما تم نقل أني إلى العمود السري تحت الأرض، تحدث رين إلى إروين عن التفاصيل. ليفاي كان صامتًا، لكن احترامه لرين بدا واضحًا. أما هانجي، فكانت تتفوه بنظريات غريبة، عن ارتباط رين بعوالم موازية وعيون غريبة، تجاهلها الجميع.
---
...
الظلام كان يلف الغرفة كستار ثقيل، لا يقطعه سوى نور خافت متراقص ينبعث من مصباح زيتي عُلّق على الجدار. الهواء بارد، خانق، ورائحة الحديد والعرق تعبق في المكان.
تحت وهج المصباح، ظهر وجه مألوف... وسيم، جامد، شاحب كالحجر، وبارد كأن لا شيء في هذا العالم يمكنه أن يحرّكه. كان رين جالسًا على كرسي خشبي أمام السرير المعدني.
لم تنبس أني ببنت شفة، ولكن جسدها ارتجف لا إراديًا حين التقت نظراتها المتعبة بعينيه المتوهجتين كجمرة هادئة. حاولت أن تتحرك، أن تتكلم، لكن لا شيء استجاب. أطرافها لا تزال مشلولة بالكامل.
عيناها تزلّقتا ببطء خلف رين... فرأت ظلال شخصين واقفين في العتمة، لم يظهر منهما سوى أطراف معاطف عسكرية ثقيلة. كانت تعرف أنهما يراقبان... لكنها لم تتعرف عليهما.
رنّ صوته أخيرًا، هادئًا، عميقًا، يحمل في نبرته جليدًا لا يرحم:
"لقد حان وقت الحقيقة… يا أني."
ببطء، مد رين يده إلى رأسها... لمس جبهتها براحة كفه، وأغمض عينيه.
لم يكن ينوي شيئًا فعليًا.
كل ما كان يدور في ذهنه: "سأتظاهر بأنني أقرأ ذكرياتها... أكشف أكاذيبها أمام ليفاي وأروين. لا أكثر."
خدعة ذكية. مجرد تمثيلية.
لكن حين أغمض عينيه...
انفتح باب لم يقصده.
تدفقت الصور، المشاعر، الأصوات... كأن كل شيء بداخل أني قد انسكب دفعة واحدة في ذهنه.
طفولة موحشة.
تدريب قاسٍ.
أوامر لا إنسانية.
أب يركع لها باكيًا ويقول: "عودي لي..."
دموع مخنوقة.
كراهية... وندم.
تردد... وصوتها تخاطب بيرتولت: "لن أعود."
رنّ صوت داخلي في عقل رين:
"هذه ليست أني القاتلة... هذه أني الإنسانة."
فتح رين عينيه ببطء، نظراته متسعة، متجمدة.
تعبير لم يكن من المفترض أن يظهر على وجهه:
صدمة.
ثم همس بصوت منخفض، مرتجف، كما لو أن كلماته تخونه:
"أني... أنتِ..."
انتهى الفصل عند ذلك.
لحظة صمت معلقة بين الظلمة والنور... بين الخداع والحقيقة... بين ماضٍ ينهار، ومستقبل يتصدع.
---