26 - العرش والدماء : الحقيقة تظهر - نهاية المجلد الأول

---

الفصل السادس والعشرون: العرش والدماء

الهدوء كان خادعًا... سكون ثقيل يتسلل عبر جدران الكنيسة العتيقة المدفونة تحت الأرض، يُخفي وراءه توترًا مكبوتًا يكاد ينفجر. كان المكان بأكمله ينبض برائحة التاريخ الدموي، عبق الخيانة القديمة، والتضحية التي لم تُسجل في كتب.

خطى بطيئة تقطع ذلك السكون. رين يسير بجانب ليفاي، ظلهما يمتد على جدارٍ حجري أكلت الرطوبة أطرافه. لم يتبادلا كلمة منذ دخول النفق المؤدي إلى الأعماق. التفاهم بينهما لم يكن بحاجة للكلمات. الخطة كانت واضحة، والأدوار موزعة، ولكن ما خفي كان أكبر من كل المخططات.

رنّ في أذن رين صوتٌ ضعيف، يكاد لا يُسمع لولا هدوء المكان... أنفاس متقطعة، وحشرجة خافتة، مشوبة بالندم. ارتخت نظراته قليلاً، وتوجه ببطء نحو ثغرة صغيرة في الجدار المُهترئ، نظر من خلالها إلى ما خلفه... واتسعت عيناه قليلاً.

إيرين.

كان مقيّدًا بسلاسل فولاذية، ذراعيه متدليتين، رأسه مطأطأ وكأنما العالم بأكمله قد انهار فوقه. كانت الكدمات تزيّن وجهه، والدماء تجف حول معصميه من فرط التقييد. إلى جانبه، وقفت هيستوريا، شاحبة، يداها ترتجفان وهي تحدق في زجاجة صغيرة مملوءة بسائل غامق.

وأمامهما، رود ريس، يتحدث بصوت هادئ مريب. كانت كلماته أشبه بالسم، مغلفة بعاطفة زائفة:

"أنتِ الوحيدة القادرة على إنقاذ هذا العالم يا هيستوريا... عندما تتحولين وتأكلين هذا الفتى، ستستعيدين إرثنا، ذاكرة عائلتنا، قوتنا التي سُرقت... وستصبحين الملكة التي يحتاجها البشر."

هيستوريا لم ترد. نظراتها كانت معلقة على إيرين، وعيناها تنبضان بالتردد. كانت قد سمعت كل شيء: الحقيقة عن والد إيرين، عن سر العمالقة، عن الماضي الذي حُجب قسرًا... لكن عقلها لا يزال يرفض أن يُسلّم قلبها لهذا القدر.

وفي الجهة المقابلة، استند كيني أكرمان إلى عمود حجري، يتأمل المشهد وكأنه يُشاهد مسرحية ساذجة لا تثير اهتمامه. لم يكن يعنيه من سينتصر، فقط أراد أن يرى كيف ينتهي العرض.

ثم، وبلا إنذار، تحرّك.

شقّ طريقه نحو إيرين، انتزع خنجرًا صغيرًا من خاصرته، واقترب ببطء. ركع بجانب الصبي المقيّد، وحدق فيه للحظة. إيرين لم يتراجع، لم يتوسل، بل رفع رأسه ونظر إليه بعينين متعبتين، ثم همس:

"افعلها... إن كان هذا سيُنهي الأمر."

كان ايرين يريد الموت ولكن لم يكن سيعطيه ما يريده…

كيني لم يتردد، شقّ ساعد إيرين بجرح سطحي. الدم تقاطر على الأرض ببطء، نقطة تلو الأخرى، كشاهد على قرب الكارثة. ثم وقف، وتوجه إلى رود ريس وقال ببرود:

"أوفيت بوعدي. ساعدتك... كما وعدت أخاك. هذا الدين انتهى الآن.ريس اتمنى ان تنجو على الاقل"

استدار كيني، وسار مبتعدًا نحو الظلال.

لكنّ عينين راقبته في صمت... عينان فضية باردة خاليتان من الاندهاش.

"إنه ينسحب." تمتم ليفاي.

"أجل، لأنه يعرف ما سيأتي لاحقًا." قالها رين، ثم تحرّك بخفة، واختفى في الممر الآخر.

---

على سطح الكنيسة، كانت الأرض تهتز تحت وقع أقدام فرقة الاستطلاع.

كوني، ساشا، هانجي، أرمين، وميكاسا كانوا قد وصلوا إلى الموقع، يحيطون برجال كيني الذين انسحبوا من الأعماق. الاشتباك كان عنيفًا في البداية، لكن عددهم بدأ يتناقص بشكل غريب. جثث رجال كيني تملأ الأزقة والسطوح، جثث قُتلت بسيف واحد... حاد، دقيق، بلا رحمة.

ساشا بصقت الدم من فمها، وقالت وهي تلهث:

"هذا ليس أسلوب ليفاي... هذا أسلوبه."

كوني نظر حوله، وجسده يرتجف من التعب:

"رين مر من هنا... قتل معظمهم وحده."

وفي قلب الساحة، وقف كيني محاصرًا، يداه معلقتان في الهواء، وجهه مغطى بالخدوش والتراب. نظر إلى ميكاسا ثم إلى هانجي، قبل أن يضحك بخفة، تلك الضحكة المريرة التي تحمل قهرًا لا يقال.

"ذاك الفتى..." تنهد ببطء، "ليس بشرًا... إنه شيطان متنكر في هيئة إنسان."

---

في الداخل، ما يزال رود ريس يهمس بكلمات مخنوقة، محاولة أخيرة يائسة لدفع ابنته نحو الجريمة.

"إنها مشيئة الدم... الدم وحده سيحرر العالم!"

لكن الصوت التالي لم يكن صوت هيستوريا... بل صوت النصل وهو يخرج من غمده.

في لحظة خاطفة، ظهر رين خلفه، وضع سيفه البارد على عنق ريس. لم يكن في وجهه غضب، ولا حتى ازدراء. فقط برود مرعب، كأنما قرر للتو أن هذا الكائن لا يستحق الحياة.

"كفى عبثًا."

ارتجف ريس، والتفت بعينين مذعورتين.

"م-من…؟!"

"أنا من سيكسر هذه الحلقة المريضة."

تقدّم خطوة، جعل النصل يلامس الجلد، ثم نظر إلى هيستوريا.

"اذهبي… حرّري إيرين."

ترددت هيستوريا لوهلة، ثم رأت عين رين. لم تكن تأمرها… بل كانت تقول لها: "هذا اختياركِ، لكني سأحميه."

تقدّمت بخطوات ثقيلة، تركت زجاجة السائل تسقط وتتحطم على الأرض، وركعت إلى جانب إيرين. بدأت تفك قيوده بيدين مرتجفتين.

رين لم يزح سيفه، ولم يُبعد نظراته عن ريس.

ولم يكن بحاجة لذلك.

---

نهاية الفصل ، تفلسفت كثير في هذا الفصل..احم.

نهاية المجلد الأول بعنوان : جدران المصير : بزوغ العملاق المتفرد

ونهاية الارك الثاني من الرواية بعنوان :

العرش والدماء : الحقيقة تنكشف

2025/04/16 · 49 مشاهدة · 709 كلمة
نادي الروايات - 2025