الفصل 27: قناع في الظلال
***
البرد في الجدار الداخلي كان يختلف عن برد الجدار الخارجي. ليس أكثر قسوة، بل أكثر خفوتًا… كالخداع.
تسللت أشعة الصباح عبر النوافذ المتشققة، لتضيء وجوهًا اعتادت الانتظار. لكن أحد الوجوه اليوم لم يكن مألوفًا.
"أني ليونهارت، مجندة من الدفعة 104. انضمت مؤخرًا إلى فيلق الاستطلاع بطلب خاص."
قالها القائد المساعد بصوت رتيب، قبل أن يتراجع جانبًا.
تقدّمت أني بخطوات ثابتة وسط النظرات المتباينة.
نظرات بعضها مشوب بالريبة، وبعضها يتجنب النظر تمامًا.
كوّنت ساشا فمها كما لو كانت ستهمس شيئًا لكَوني، لكن الأخير سبَقها:
"من بين كل المجندين، اختاروا… هذه؟"
أما ميكاسا، فلم تتحدث. عيناها فقط تلاحق أني كما يفعل الذئب حين يلاحظ غريبًا يدخل منطقته.
جلست أني على المقعد الخشبي في الصف الثالث، قرب نافذة مغبرة.
وضعت كفيها بهدوء على ركبتيها. تنفّست ببطء، ولم تنطق بكلمة.
وقف رين قرب الخريطة المعلقة على الجدار. لم ينظر إليها، لم يتحدث عنها. كأنّ وجودها لم يكن جديدًا.
لكنه، للحظة، رفع عينيه من الورق ونظر إليها مباشرة… نظرة واحدة فقط. لكنها كانت كافية.
"المهمة القادمة ستتطلب أفرادًا قادرين على الصمود في عمق العدو. القتال لن يكون ضد عمالقة فقط، بل ضد ما لا نفهمه حتى الآن."
قالها بهدوء، دون أن يرفع صوته.
تابع:
"لهذا… نحن لا نحتاج لمن نثق بهم فقط، بل لمن نستطيع المراهنة على قوتهم، حتى في أشد الظلال غموضًا."
نظر حينها إلى الجميع، ثم أشار بأن الاجتماع انتهى.
---
بعد نصف ساعة، في ساحة التدريب المؤقتة خلف القاعدة، كانت أني تقف وحيدة.
تراقب سيفًا تدريبًا في يدها، تدور به ببطء. بدا كأنها تتذكر شيئًا… أو تحاول نسيانه.
"لن تبقي قناعك طويلاً، أليس كذلك؟"
قالت ميكاسا، وقد ظهرت خلفها بهدوء.
أني لم تلتفت.
"الناس عادةً لا يخلعون أقنعتهم إلا عندما ينهار كل شيء."
تقدّمت ميكاسا خطوة.
"رين يثق بكِ… على طريقته. لا تخيّبيه."
نظرت إليها أني حينها، بعيون زرقاء باردة… لكن فيها ارتعاشة خفيفة، لحظة قصيرة من التردد.
"سأفعل ما يجب فعله. لا أكثر، لا أقل."
---
من شرفة فوق الساحة، كان ليفاي يتكئ على السور، يُراقب كل شيء.
"هل هذا قرارك؟"
سألت هانجي بجانبه، وهي تضع دفتر ملاحظاتها جانبًا.
ردّ دون أن يرفع نظره:
"ليس قراري. لكنه يثق بها، وهذا كافٍ الآن."
ثم أضاف:
"لكن إن تحرّكت في الاتجاه الخاطئ… سأقطع ساقيها قبل أن تكمل خطوة واحدة."
---
في تلك الليلة، جلس رين على سطح المبنى، وحيدًا.
خطوات ناعمة خلفه، وأني تظهر.
"شكرًا لأنك لم تطرح أي سؤال."
قالتها وهي تقف بجانبه.
"ليس لأنني لا أشك… بل لأنني لا أحتاج للإجابات الآن."
ردّ دون أن ينظر إليها.
سكتا. فقط صوت الريح.
ثم سألها، فجأة:
"هل ستبقين معنا… حتى النهاية؟"
أجابت دون تردد:
"طالما النهاية لم تأتِ بعد."
---
نهاية الفصل 27