---

الفصل 31: حين تتكلم الذاكرة، ويسكت الزمن

كانت السماء ملبدة بالغيوم، ونسيم الصباح يحمل رائحة الدم والرماد.

جلس رين على حافة صخرة منخفضة، يداه متسختان، وسيفاه موضوعان إلى جانبه.

هدأ قلبه بعد المعركة، لكن عقله ظل مشتعلاً، يدور في حلقة مفرغة من الأسئلة.

"رين…"

صوت مألوف، لكنه كان يحمل ترددًا لم يعهده فيه من قبل.

التفت ببطء، فرأى إيرين واقفًا خلفه، نظرته حادة، لكنها خافتة بعض الشيء، كأنه يبحث في عيني رين عن شيء ضاع منه.

"هل يمكنني الجلوس؟" سأل بصوتٍ خافت.

أومأ رين.

جلس إيرين إلى جانبه، ببطء، كأن الأرض لم تعد مأمونة.

مرت لحظة صمت طويلة، قُطعت بأنفاس إيرين المتثاقلة وهو يهمس:

"هل… هل تظن أنني كنت دائمًا هكذا؟"

لم يجبه رين.

فأكمل:

"عندما تحولت أول مرة… شعرت كأنني أعود إلى شيء قديم… قديم جدًا، لا يمكنني تذكره، لكنه كان هناك.

كأن هناك... شخصًا آخر، يتحرك داخلي. شخص غاضب… مكسور… لكنه ليس أنا."

أخفض رين رأسه، ثم قال بهدوء:

"الشعور نفسه… رافقني لسنوات.

صوت لا يُسمع… وذاكرة لا تُرى، لكنها تجرّني نحو المجهول."

نظر إيرين إليه ببطء، ثم قال:

"أحلم بأشياء لا أفهمها. من أنا؟ من كنا؟ ولماذا نحمل هذا الألم؟

هل نحن أدوات؟ أم أننا كنا شيئًا آخر… قبل أن يُجردونا من ذواتنا؟"

رفع رين بصره إلى السماء الرمادية، وشعر كأن الهواء من حوله يضيق.

قال بصوتٍ عميق، وكأنما يستخرج الكلمات من صخر:

"لا نعرف ماضينا، ولا نعرف مستقبلنا… لكننا نعرف لما نقاتل… ولماذا نعيش."

توقفت الريح…

وبدا وكأن الأرض قد سكنت.

التفت إيرين إليه، وفي عينيه بريق نادر، بريق فهم، بريق احترام.

مد يده ببطء:

"حين يحين الوقت، لن أقاتل وحدي، أليس كذلك؟"

نظر رين إلى تلك اليد للحظة… ثم صافحه.

لكن في لحظة التقاء الأيدي… حدث شيء.

---

توقّف الزمن.

تجمدت كل الأصوات، وتلاشت الألوان، وسقط الجسد في مكانه، بينما ارتفع الوعي إلى… مكان آخر.

عالم بلا جدران… بلا أرض.

سماء سوداء، وبقع ضوء تسبح في الفراغ، كأنها بقايا حلم قديم.

هذا لم يكن واقعًا… بل وعيًا آخر، فضاء أثيريًا يمتد إلى ما لا نهاية.

كان الاثنان واقفين فيه، بجسديهما الكاملين، لكن لا ظلّ ولا حرارة، فقط الشعور.

"أين… نحن؟" سأل إيرين، وهو ينظر حوله في ذهول.

أجابه رين بصوتٍ منخفض، عينيه تدوران في الفراغ الغريب:

"... عالم الاتصال. بين الوعي والذاكرة. بين العملاق… والمضيف."

وفجأة، تهادى في البُعد شخصٌ جالس على عرش حجري، تتصاعد من حوله الظلال.

كارل فريتز.

ملك إلدويا الأول، أو ربما آخر من بقي له الوعي في ذاكرة العمالقة.

كان جالسًا بتصلب، كأنما تجذّر في العرش، عيناه مغلقتان، والظلام يحيط به، كأن العالم يخشاه.

جسده كان نحيفًا، مُسالمًا بشكل مخيف، ووجهه خالٍ من الحياة.

ثم… على بعد خطوات، وقف رجل آخر.

لا يتكلم، لا يتحرك.

عينيه شاحبتان، وملامحه ضبابية، كأن الوعي نفسه لم يقدر على رسم صورته كاملة.

لكن الظلام حوله كان مختلفًا… أكثر كثافة، أكثر برودة.

كل شيء فيه ينذر بالخطر.

رنّ شيء في وعي رين… همسٌ بعيد… شيء يشبه:

"العائد من الظلال... من نام في العرش، واستيقظ خارج الزمن."

اقترب الاثنان خطوة من ذاك الظل… لكن رين توقف فجأة.

وجهه تغيّر… توتر، ثم ذهول، ثم خوف خافت لأول مرة.

إيرين رأى ذلك، فشهق:

"رين؟ ما بك؟"

لكن رين لم يجب.

نظر إلى أمامه… ثم تجمّدت عيناه على شيء ما.

إشعار…

لم يظهر، لكنه رآه داخل نفسه.

كان يعرف ما يعنيه.

همس رين، ووجهه شاحب، صوته مشروخ:

"... إنهم ليسوا مجرد ذكريات…

إنهم… عمالقة قدامى…

يستيقظون."

وهنا… اختفى الضوء.

وعاد الزمن يتحرك.

---

نهاية الفصل 31.

2025/04/17 · 27 مشاهدة · 547 كلمة
نادي الروايات - 2025