الفصل 35: في مرآة الهاوية

الريح تهب فوق السهل العشبي الواسع، والسماء ملبدة بالغيوم الرمادية، كأنها تنتظر انفجارًا جديدًا.

الدماء تنزف من كتف رين، شقوق على صدره وركبتيه، وجسده مغطى بغبار المعركة…

حول قدميه جثث سبعة عمالقة، تقطعت أطرافهم وتناثرت جماجمهم.

ورغم كل شيء، كان واقفًا.

يده ترتجف وهي تمسك بمقبض النصل، لكنه لا يُفلت.

على بُعد أمتار، كانت أني تقاتل زيك كعملاقة…

صوت هديرها، وضربات قبضتها، وتكتيكها البارد، يلتقي بعنف زيك وحِيلة العملاق القرد.

رين لم يكن يتحرك.

كان ينظر… يراقب… ثم رفع عينيه للسماء.

لحظة قصيرة، وسط الجنون.

"منذ متى… بدأتُ أعتبر هذا العالم عالمي؟"

"كيف وصلت إلى هنا؟"

"وأين اختفى الصوت الذي كنت أسمعه كل ليلة؟"

أغمض عينيه، والضباب داخل رأسه تراجع قليلًا…

عاد إلى البداية.

إلى اليوم الذي فُتح فيه بصره على هذا الجحيم المغلق داخل جدران.

إلى أول لحظة… قال فيها النظام:

"مرحبًا بك… يا من اختير من بين المصائر."

---

أصداء المصير – ذكريات الأرك الأول

ركض الحصان بخطى ثابتة فوق العشب المبتل بندى الفجر، بينما جلس رين فوقه بصمت. عينيه كانتا على الأفق، لكن تفكيره كان غارقًا في الأعماق، في مكان أبعد من هذا السهل... في البداية.

"عندما استيقظت، لم أكن أملك اسمًا... فقط برد غريب في صدري، ونظاماً يخبرني بأن عليّ النجاة."

كان ذلك اليوم الأول. داخل عنبر الجنود، بين وجوه مألوفة من شاشة، لكنه لم يكن يشاهدهم هذه المرة. كان معهم. يتنفس بجانبهم، يسمع أنفاسهم الثقيلة، وتنهيدات الخوف.

ماركو... أول من ابتسم له.

ذلك الفتى الذي لم يرَ فيه وحشًا، بل شريكًا. كان يتحدث كثيرًا... عن الأخلاق، عن أهمية حماية الضعفاء. وكان رين يصغي، لا لأنه يوافق، بل لأنه كان يشعر بشيء غريب... الطمأنينة.

"أنت بخير، أليس كذلك؟ حتى لو كنت بارداً، فأنا أراك إنساناً."

صوته لا زال يتردد في رأسه.

ثم كان ليفاي.

ذلك القائد الذي رأى فيه قوة... أو تهديدًا. لم يكن يثق به، لكن في عينيه احترام صامت. أول اختبار جمعهما في ساحة التدريب، نظرة ليفاي لم تفارقه منذ اللحظة الأولى.

"أنت لا تتصرف كمجند عادي... من أين أتيت بحق الجحيم؟"

وفي الخلف... كانت ميكاسا. تلك العيون الثابتة التي شعرت نحوه بشيء أقرب إلى الاحترام. ربما لإنقاذه لإيرين، أو لطريقة قتاله التي تشبهها. لم يقولوا الكثير، لكن نظراتهم تكلمت.

ثم ظهرت آني.

قتالات كثيرة. نظرات صامتة. تقارب يشبه رقصتين على طرفي جليد. شيء غامض ربط بينهما.

هل كانت تشعر؟ هل رأت فيه شيئاً مألوفاً من عالمها الذي تخفيه؟

وفي الخلف، النظام…

تلك النافذة التي فتحت ببرود، تعطيه المهارات، المهام، الخيارات. لم تكن حياة بل لعبة، لكن برهانات دم حقيقي.

“تنفس الصخر – الشكل الثالث”

أول مرة استخدمها. أول مرة شعر بقوته تتعدى جسده، تتصل بشيء... أكبر.

تلك الليلة، جلس بجانب ماركو قرب النار. قال له ماركو بصوت خافت:

"رين... حتى لو كان مصيرك مختلف، فأنت لازلت تملك قلباً. لا تنساه."

لكنه نسي.

حتى جاء سقوط تروست.

الدم. الصراخ. العمالقة.

وهو... في المنتصف، سيف في يده، وقناع على وجهه.

"أوقفهم، أيها النظام."

لكن النظام لم يوقف شيئًا. هو من كان عليه أن يقرر.

رأى إيرين يُبتلع. رأى أصدقاءه يسقطون. رأى دماء ماركو تغرق حائطًا.

وبينما الآخرون بكوا، هو وقف، عينيه ميتتان، لكن قبضته تنزف من شدة الضغط.

"قالب العملاق المتفرد"...

كلمة لم تُنطق. قوة لم تُفهم.

شيء ما في داخله تغير. لم يعد مجرد لاعب في هذا العالم... بل شيء بدأ يتغير في نسيجه ذاته.

وبعد أن خرج عملاق إيرين من جسده... تغير كل شيء.

ذلك اليوم، وقف رين خلف ميكاسا، والدماء على سيفه.

قال بصوت بارد:

"العدو... بدأ بالكشف عن وجهه. لم نعد في مرحلة الدفاع."

وبتلك الجملة... انتهى الأرك الأول.

لكن الحقيقة لم تكن سوى بداية الاكاذيب.

---

تمام، الآن أُكمل لك الدفعة الثانية من فصل "في مرآة الهاوية"، حيث يبدأ رين في استرجاع ذكرياته من الأرك الثاني، لحظات الحقيقة والانكشاف، بداية الحرب الباردة بين العمالقة والبشر، ونقل ماركو.

---

العرش والدماء – ذكريات الأرك الثاني

ركب رين حصانه بهدوء، وسحب عباءته بإحكام مع نسيم الصباح الحاد.

نظره مرّ على الأفق حيث يتصاعد الدخان من بعيد، من جهة الجدار الذي قاتل عنده يومًا…

الآن فقط، بدأ يسترجع ما جرى بعد سقوط تروست.

ماركو…

آخر نظرة تبادلاها كانت على سرير طبي.

صدره مضمد، شاحب، لكنه حي.

”لقد أنقذتني يا رين… لكن هذه النهاية بالنسبة لي هنا، أليس كذلك؟”

كان صوته متحشرجًا، عينيه لا تزالان تلمعان بالحياة، رغم جسده المهشم.

نُقل ماركو بعد ذلك إلى الشرطة العسكرية في العاصمة، لتلقي العلاج بعيدًا عن الخطوط الأمامية.

رحيله ترك فراغًا. ليس فقط في ساحة المعركة... بل في رين.

"هل كنت بحاجة إلىه... أم أنه كان حاجزًا يمنعني من السقوط؟"

السؤال ظل معلقًا في داخله.

وفي الوقت ذاته...

بدأت الأسرار تتشقق.

هيستوريا. يومير. راينر. بيرتولت.

الابتسامات التي كان يراها يومًا على طاولة الطعام، كانت قناعًا هشًا.

رين لم يواجههم، لكنه راقب.

كان يراهم يتهامسون، يختفون فجأة، يعيدون ترتيب خطواتهم وكلماتهم.

"أنتم لستم منّا... أليس كذلك؟"

كان يعلم، لكن النظام لم يعطه خيارًا بعد.

ثم كانت مهمة استعادة القبو.

لحظة حاسمة. الكل تحرّك، ليس فقط بالسلاح، بل بالشّك.

رين شعر بالضغط يتضاعف.

صراعات داخلية:

هل يتبع النظام؟

أم يختار طريقه، مهما كان الثمن؟

كان يلتقي بـ أروين أكثر، وكان الأخير يحدّق فيه كما لو كان لغزًا.

"هل أنت أمل البشرية… أم نهايتها؟"

سؤال لم يُسأل بصوت عالٍ، لكن رين قرأه في عينيه.

وفي ساحة التدريب، تكرر لقاؤه مع آني.

لم تكن كلمات بينهما. لكن هناك شيء ما كان يشتعل في نظراتها كلما التقيا.

ندم؟ أم حنين إلى زمن لم يعد له وجود؟

ثم… زيك.

العدو الذي تكلم.

العملاق القرد. خطابه. تحركاته. كلماته الغامضة.

كلها كانت تشير إلى حرب قادمة، ليست ضد العمالقة، بل ضد ما خلفهم.

ورين بدأ يرى ما خلف الجدران.

تطور النظام.

ظهور المخزون.

فتح ميزة نادرة لم تُسمّ، تظهر فقط على هيئة شريط يتقدم كلما واجه الموت.

"أنت تُصقل يا رين… إلى شكل جديد."

ومع هذا التقدم، بدأ يشعر بالثقل.

كأن ماضيه، وحاضره، وألمه، ومصيره، كلها تتلاقى في نقطة واحدة…

نقطة الانفجار.

ومع بداية الهجوم لاستعادة جدار ماريا،

حين سقط أول صاروخ من العمالقة، عرف رين أن كل الذكريات، كل الأصدقاء، كل الخيارات…

أوصلته إلى هنا.

إلى لحظة لا عودة منها.

وها هو الآن، في قلبها.

---

وقف رين عند حافة السهل، الريح تعبث بخصلات شعره، والصمت يُخيّم كستار مسرحي قبل العرض الأخير.

عيناه كانت تُحدّقان في الأفق، لا تبحثان عن شيء… بل تستعدان لكل شيء.

كل خطوة سلكها، كل اسم نطقه، كل وجه خسره…

نُقش في داخله كأن النظام لم يكن يقوده، بل كان يُصهره.

"ماركو… هل كنت أنا من نجا، أم من فُرض عليه أن يظل حياً؟"

سؤال لن يجد جوابه في صوت، بل في الدم والنار التي تنتظره.

العشب كان يتمايل برفق تحت نسيم بارد، لكن رين لم يشعر بشيء سوى الدم الذي غطّى نصف جسده، وسيوفه المهشّمة بين يديه. سبعة عمالقة سقطوا خلفه، أشلاء متفحمة وصرخات خافتة تتلاشى مع الريح. أنفاسه تتسارع، وعيناه معلّقتان على ما يحدث أمامه—أني بعملاقها الأنثوي تتصارع بشراسة مع زيك، العملاق الوحش.

"لماذا كل هذا…حقًا؟" تكلم بارهاق بتعب بعزيمة مهتزة ولكن ما زالت ارادة القتال موجودة.

هدير حوافر الخيول اخترق الأفق، تلاه صوت حاد مألوف:

"أنت ما زلت واقف؟ جيد... كنت سأغضب لو متّ قبل أن أصفعك."

استدار رين ببطء، ليرى ليفاي، يقف بثبات فوق أحد التلال الصغيرة، فرقة كاملة من فيلق الاستطلاع خلفه، ووجهه لا يظهر سوى الغضب المكتوم.

تقدم ليفاي نحوه، سيفاه ملطخان بالدم، لكنه لم يبدُ عليه التعب.

"أني؟ وزيك؟... أخبرني أنك لم تُسقط سبعة عمالقة لتُقتل بين اثنين من أقوى الوحوش على قيد الحياة."

لم يجب رين، فقط نظر إليه بنظرة خاوية، وعيناه تعودان نحو القتال الدائر.

ليفاي اقترب منه حتى صار على بُعد خطوات:

"ابقَ حيًا، رين. لأننا سنحتاج لكل إجابة تملكها، وكل قطرة قوة ما زالت في جسدك... الحرب بدأت فعلاً."

ثم التفت نحو السماء، حيث كان الدخان الأسود يتصاعد، والسماء تبدأ في التوهج بلون الغروب الحارق.

"والوقت لا يكفي..." قالها ليفاي بنبرة حادة، قبل أن يلوّح لفرقته:

"استعدوا، الدعم سيبدأ من هذا الجانب!"

ورين، ما زال ينظر بصمت... لكنه أخيرًا، يشعر بشيء حي في صدره.

إرادة.

"إن كنتُ سأسقط، فسأسقط واقفًا، بلا ندم."

"وإن عشت... فلن أكون الظل الذي دخل هذا العالم أول مرة."

رفع ناظريه نحو السماء الرمادية، وتنفّس بصمت.

الدم قادم،

لكن هذه المرة… لن يكون دمي وحدي.

---

حبيت نستعيد الاحداث شوي ، وكيف التفاعل بين ليفاي ورين.

2025/04/17 · 24 مشاهدة · 1306 كلمة
نادي الروايات - 2025