الفصل 43 – هل فزت؟

لم يكن هناك صوت، سوى زمجرة الحريق التي كانت تلتهم الهواء من حولهم. الحرارة كثيفة، خانقة، كأن العالم انكمش إلى جحيم أحمر يُبيد كل ما ينبض بالحياة.

وقف رين بثبات على سطح مبنى متشقق، أنفاسه بطيئة وثقيلة، ووجهه نصف مغطى ببقع الدخان. من خلفه، كانت مقاطعة شينغاشينا تشتعل، تذوب، تتفتت تحت أقدام العملاق الهائل.

"تلك الحرارة..." تمتم وهو يرفع يده ليحجب عينيه عن الضوء المتوهج من جسد بيرتولت. "إنها مثل لهيب الجحيم نفسه."

ركبته انثنت قليلًا، ثم استقام جسده مجددًا. تأمل العملاق، ولم يكن في عينيه أي تردد. كان يعلم أن الدخول إلى هذا الجحيم لن يكون مجرد مخاطرة... بل انتحارًا شبه مؤكد.

"ذلك الأحمق... سحقًا لك يا بيرتولت، أنت لا تدرك حتى ما تفعل." قالها وهو يفتح الحافظة الأخيرة في حزامه، يسحب منها خطافًا صلبًا مخصصًا للحالات القصوى. "لكن لا بأس... إن لم يكن هناك من يوقفك، سأكون أنا."

صوت خطوات خلفه.

"أنت جاد بشأن هذه الخطة؟" سأل ليفاي، واقفًا خلفه، يراقب المشهد بعينين ضيقتين.

التفت إليه رين، وابتسامة ساخرة تتسلل إلى وجهه رغم العرق والرماد. "هذه خطة انتحارية، أليس كذلك؟"

"تمامًا. خطة انتحارية... غبية."

"إذن سأحبها."

ضحك ليفاي بهدوء، تلك الضحكة التي لا تدوم أكثر من لحظة.

"أنت لا تتغير... من كان يظن أنني سأثق بمجنون مثلك."

رين لم يرد. بل أغلق عينيه للحظة، وفي تلك الثواني القصيرة... مرّ شريط حياته أمامه.

ذكرى حياته الأولى… وهو طفل ضعيف، منسي في زاوية العالم. ثم الثانية… حيث وجد نفسه يمتلك نظامًا، يمتلك قوة، يمتلك "فرصة".

لكنه في كلتا الحياتين... لم يشعر يومًا أنه حر.

حتى الآن.

فتح عينيه، وأطلق الخطاف.

اندفع في الهواء كالسهم، والحرارة تمزق ملابسه قبل أن يصل حتى إلى منتصف المسافة. لكن الخطاف أصاب هدفه.

الأسنان.

تعلّق الخطاف بين الفكين، يغرز نفسه في عظم حاد لا ينكسر بسهولة. ثم شدّ رين نفسه للأمام، يقتحم الغلاف الحراري المحيط بجسد العملاق، وكل خلية في جسده تصرخ.

[تحذير: مستوى الحرارة تجاوز حدود التحمل البشري.] [النظام يقوم بتقليل الشعور بالألم بنسبة 60%.] [تنبيه! مستوى الضرر الداخلي: حرج.]

لكن رين لم يتوقف. لم يرتجف. بل ابتسم، ووجهه يذوب تحت وهج اللهب.

"أنا..." همس وكأن صوته يتلاشى مع كل نفس. "أنا لست آلة قتل. لست عبثًا أو أداة انتقام."

وهو يندفع عبر الهواء الملتهب، شعر كأن تلك الأحمال السوداء التي كانت تثقل صدره... قد بدأت بالتبخر.

"أنا... فزت."

وفي اللحظة التي اخترق فيها حرارة الجحيم، سقط.

لم يُصدر صرخة. لم يقاوم.

جسده اشتعل، ثم فقد الوعي.

---

صمت ثقيل بعد سقوط رين من السماء، كأن العالم توقف عن التنفس. جسده المحترق ظل يتدلّى من فكي العملاق، كقوس مشدود على وشك الانكسار.

ثم...

هبط ليفاي من أعلى المبنى كصاعقة تمزق السكون.

لم يكن هناك صوت سوى حفيف الريح الحاد، وكأن الهواء نفسه تنحى جانبًا احترامًا لقدومه.

بضربة واحدة، مزّق ظهر العملاق، فتصاعدت رائحة الحديد المحترق.

عاود الهجوم مرارًا، كل ضربةٍ تُسقِط جزءًا من جسد بيرتولت، حتى بدأ جسده يتداعى ويتلاشى، كتمثال تآكل تحت المطر.

حين هدأ كل شيء، وقف ليفاي وسط البخار الكثيف.

لم يقل شيئًا، فقط نظر إلى رين المعلّق، ثم تقدّم بهدوء، وفك الخطاف من فك العملاق.

حمله كما يُحمل صديق سقط في طريقٍ لا عودة منه.

رفعه على كتفه، وسار به عبر بقايا الدمار.

---

في الأسفل، كانت أني تجلس على الأرض، تستند إلى جدار محطم، تتنفس بصعوبة، عيناها تتبعان السماء كما لو أنها لا تزال غير قادرة على التصديق.

بيك كانت تمسح جبينها الملطخ بالدماء، تحدق بذهول في جثة العملاق المتفحمة، بينما جلس زيك بصمت، ينظر إلى يديه وكأنها تلطختا بما لم يكن يريد الاعتراف به.

قالت أني بصوت خافت:

> "كان ذلك مجنونًا… حتى بالنسبة لرين."

رد زيك ببطء، دون أن يرفع عينيه:

> "لقد أصبح أكثر من مجرد جندي… أصبح شيئًا لا نفهمه."

اقتربت هانجي، تتفقد الجرحى وتصدر أوامر لفريق الإسعاف، قبل أن تشير للطائرات الصغيرة التي تحوم فوق المكان:

> "تأكدوا أن لا أحد آخر في الأفق. أريد تقريرًا كاملاً خلال عشر دقائق."

---

وقف ليفاي عند الحافة، ونظر إلى جثة العملاق، ثم دفعها بقدمه إلى الأسفل، وقال بنبرة خالية من المشاعر:

> "انظر… لم يبقَ من هذا الوحش إلا رماد."

ثم جلس بجوار رين، أسنده على الجدار، ورفع يده المتفحمة، ووضعها على صدره.

تأمل وجهه المحترق، ثم همس:

> "أيها الأحمق… أبهذا الشكل تنوي الانتصار؟"

رنَّ الصمت من جديد.

ثم… تحركت شفتا رين.

ببطء، فتحت عيناه، نظر إلى السماء الباهتة، وابتسم.

> "لقد فزت، أليس كذلك؟"

نظر ليفاي إليه، ارتبك للحظة، ثم سأل:

> "هل تشعر بالسعادة لهذا؟"

رين لم يجب مباشرة. عيناه لم يكنتا كما عرفهما أحد من قبل.

لم تكن فيهما تلك القسوة، أو الألم، أو الرغبة في الانتقام.

كانت فيهما… راحة، غريبة، كأن روحه وجدت أخيرًا طريقًا إلى الصمت.

ضغط على يد ليفاي، همس بشيءٍ غير مسموع… ثم أغمض عينيه مجددًا، لكن هذه المرة… دون قلق.

---

تبدّل المشهد، وانفتح عالم رمادي، خافت، كأن الضباب يغلفه منذ بداية الزمان.

وقف رين وحيدًا، يرتدي ملابس سوداء بسيطة، وجهه خالٍ من الحروق، لكن تعبه ما يزال ظاهرًا على جسده.

أمامه، ظهر تجسيد العملاق المتفرد.

يشبهه تمامًا، لكنه أكثر إشراقًا، أكثر نقاءً.

وجهه مليء بالسكينة، وعيناه تضئان بنورٍ أبيض هادئ.

قال بصوت دافئ:

> "لقد عبرت الألم… وصرت أقرب لما كان يجب أن تكون عليه منذ البداية."

استدار رين قليلاً، ليجد جانبًا مظلمًا منه جالسًا بهدوء على حافة الظلام، مائل الرأس، بعينين قرمزيتين لامعتين، يعكس فيهما نعاس ثقيل يشبه الملل.

> "مللت كل هذا…"

قال بصوت منخفض، متهكم.

"الضوضاء، المعارك، الصراخ… حتى موتك لم يكن مفاجئًا."

رمقه رين بنظرة صامتة، ثم تنهد ببطء:

> "أنت الجزء الذي أردت نسيانه… لكنك ما زلت هنا."

رد الجانب المظلم بابتسامة باهتة:

> "وأنت أيضًا… ما زلت هنا."

فجأة، ظهر أمامهم إشعار شفاف في الهواء:

[تحذير: جسد المضيف متضرر بشدة.]

[جاري دمج قوة "العملاق المتفرد" مع جسد المضيف لإتمام عملية الشفاء...]

[شريط التقدم: 1٪]

[المدة المقدّرة: سنوات من الزمن الخطي.]

نظر رين إلى الإشعار، ثم إلى نفسه، ثم إلى الاثنين بجانبه — وجهه المشرق وظله النعسان.

فجأة، ابتسم ابتسامة غريبة...

كانت مزيجًا من سخرية، وراحة، وتقبّل.

> "سنوات؟ …"

"على الأقل لن أكون وحيدًا."

وقف بينهم، متقاطع الذراعين، وعيناه تتطلعان إلى الأفق المجهول.

---

نهاية الفصل 43

وصلت للنهاية؟ رهيب!

اكتب تعليق بسيط أو حتى "متابع معك" وخلني أعرف رأيك!

إذا وصلنا 10 تعليقات، أنزل فصل إضافي هدية لكم!

تفاعلكم هو وقودي!

2025/04/20 · 20 مشاهدة · 997 كلمة
نادي الروايات - 2025