وجهة نظر كاراكس (بطل نمل سانجيسكريتش)
ركع كاراكس في صمت.
كان الحجر تحته بارداً، مصقولاً بسلاسة على مدى قرون.
كان يواجه قاعةً شاسعة محجوبة بستائر ذهبية. كان هناك ضوء دافئ يتسرب من الجهة الأخرى، ينبض بخفة. هناك كانت تقيم، أمهم، سيّدتهم.
ملكة نمل سانجيسكريتش.
برز صوتها من وراء الحجاب.
“هو على وشك أن يخرج من السجن اللامتناهي قريباً.”
تشنج فك كاراكس. لم يتحرك جسده، لكن عقله كان يركض.
لم يعد يفهم ما الذي يحدث.
لطالما كانت غابة الصمت الأحمر خطيرة، لكنها كانت موطناً. يمكن التنبؤ بها، بطريقتها القاسية، ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، شيء ما قد تغيّر.
في البداية، دخل كائن بشري مجهول إلى الغابة.
ذبح نخبة المستوى الخامس خاصتهم دون سابق إنذار، وكاد أن يُفني نمل المستوى الرابع أيضاً، قائلاً إنه كان يتدرب.
كان كاراكس بعيداً في ذلك اليوم، يقود بعثة أعمق في أنفاق الجذور. كان ذلك هو السبب الوحيد لكونه لا يزال على قيد الحياة.
أما الآخرون، فلم يكونوا بذلك الحظ.
ولكن، وبشكل غريب، فإن المجزرة لم تترك الصدمة المتوقعة في المستعمرة كما قد يحدث مع أنواع أخرى.
فهم نمل. مجتمعهم لطالما اعتبر موت الفرد وسيلة لتحقيق التقدم الجماعي. الخسائر لم تكن تزعجهم. النمو كان أكثر أهمية من الأرواح.
وعندما واصل الوحش البشري التوغل في الغابة الداخلية وقاتل وحوشاً أخرى، رأت النملة فرصة.
فمع زوال تلك الكائنات، أصبح بإمكانهم التوسع في أراضٍ لم يجرؤوا يوماً على الاقتراب منها.
وهذا وحده كان كفيلاً بأن يجعل الملكة تبتسم.
لكن الآن، ظهر كائن بشري آخر. مختلف هذه المرة. كان أضعف، أضعف بكثير من الأول.
بدا أنه لا يتجاوز المستوى الثاني.
ومع ذلك، كان أكثر إزعاجاً بكثير.
خدع، قدرات مجهولة، ظلام غريب، لقد وصل بالفعل إلى الطبقة الثانية من المستعمرة.
حتى السجن اللامتناهي، الذي كان بوسعه احتجاز آلهة من المستوى الخامس بسهولة، بدأ يتشقق تحت ضغط طاقته.
اشتدّ صدر كاراكس.
نظر إلى الأعلى، رغم أنه لم يتمكن من رؤيتها بعد.
“أمي،” قال. “لماذا تتحدثين وكأننا قد خسرنا بالفعل؟”
“لأننا خسرنا.”
“لا،” قال كاراكس بحزم. “لا تقولي ذلك.”
“كاراكس،” تابعت بصوت هادئ، “القدر بدأ يتغيّر. لم أعد أرى مسارات واضحة. المستقبل أصبح مظلماً.”
قبض قبضتيه. “إذن نقاتل. أليس هذا ما كنا نفعله دوماً؟”
كان هناك صمت، ثم، ضحكة خافتة، عميقة ومليئة بالمودة، ترددت.
“أنت لا تزال صغيراً،” قالت. “لكن لست مخطئاً. إن كنت ترغب بالقتال، فلي شروطي.”
تموجت الطاقة عبر القاعة.
ومن خلف الستار الذهبي، ارتفع طنين خافت.
تدفّق بطيء من الماء، نقي ومتوهج، جاء. انزلق من وراء الستار مثل شريط حي، يحيط بكاراكس.
اتسعت عيناه.
“هذا هو—”
“نبع الحياة،” قالت الملكة. “كنزنا المقدّس. أعطتني إياه إلهة الربيع والحياة، حين كان هذا العالم لا يزال يتنفس. هو السبب في أننا أصبحنا ما نحن عليه اليوم، والسبب الذي مكّننا من التطور من مجرد نمل إلى آلهة.”
واصل الماء الدوران حوله، وضوءه يتغلغل في جلده، في نواته، بذرة وجوده، وشيء أعمق بكثير.
“أمنحك إياه الآن، كاراكس. أصبح ملكك لتستخدمه.”
لم يستطع أن يتكلم للحظة.
طوال تاريخهم، لم تشارك الملكة النبع إلا مع عدد قليل من الأبطال. وحتى حينها، كانت تسترده دائماً. أما الآن—
فهي تؤمن أن هذه هي النهاية.
شدّ كاراكس على أسنانه.
كان عليه أن يشعر بالفخر. هذه اللحظة، هذه الهدية، كان يفترض بها أن تملأه بالعزة. ولكن بدلاً من ذلك، كل ما شعر به كان المرارة.
“أنتِ تظنين أننا سنخسر،” قال.
“أظن أننا قد نفعل،” أجابت الملكة. “لقد عشت طويلاً بما يكفي لأدرك متى تنقلب خيوط القدر خارج سيطرتنا.”
وقف كاراكس ببطء.
“أنا لا أقبل بذلك،” قال.
“جيد.” كان صوت الملكة ألين الآن. “لكن استمع جيداً.”
زاد تدفق الماء سمكاً قليلاً، وتوهج ضوءه أكثر.
“إن خسرت أمامه مرة واحدة،” قالت، “عليك أن تنسحب. لا تمت بدافع الكبرياء. اترك هذه المستعمرة، وابحث عن مكان آخر، وابنِ لنا مستعمرة جديدة. أنت بطل هذا الجيل، كاراكس. ما دمت حيّاً، فلن تنقرض سلالتنا.”
لم يرد كاراكس فوراً.
كانت يداه ترتجفان من الإحباط.
“أنا لا أريد أن أهرب،” تمتم.
“ولن تضطر،” قالت. “هذه ليست استسلاماً. إنها حفاظ.”
أخذ كاراكس نفساً.
استقر نبع الحياة فيه، يتدفق عبر أطرافه ويندمج في وجوده ووعيه.
كان بإمكانه أن يشعر بالتغيير بالفعل.
وأصبح دمه أنقى، وحواسه الآن أكثر حدة.
لكن هذه لم تكن سوى أفضلية سطحية.
القوة الحقيقية لنبع الحياة كانت شيئاً آخر.
“اذهب، كاراكس،” قالت الملكة أخيراً.
لم يعد كاراكس مجرد محارب.
لقد أصبح آخر درع واقٍ.
استدار كاراكس قليلاً نحو الستار، رغم أنه لا يزال غير قادر على رؤيتها.
“سنلتقي مجدداً، أمي،” قال.
“وداعاً،” قالت بحرارة.
قبض كاراكس قبضتيه، لكنه لم يقل شيئاً آخر.
استدار ليغادر.
المحراب الداخلي أفسح المجال لقاعة هائلة خفت فيها الإضاءة وانخفضت درجة الحرارة قليلاً.
هذه كانت الطبقة الثالثة، حيث سيواجهون المتسلل.
تم سحب كامل الطبقة الثانية من المستعمرة إلى هنا. مئات من نمل المستوى الثالث كانوا يقفون في تشكيل، ومخالبهم الحادة ترتجف ترقباً.
بعض أفراد المستوى الرابع كانوا يستريحون بالقرب من الجدار البعيد. الكثير منهم كان مصاباً. أطرافهم الملفوفة بالحُزم وحركاتهم البطيئة كانت تحكي قصة لقائهم بالمتسلل السابق.
جميعهم التفتوا عندما خرج كاراكس من قاعة الملكة.
حتى في هذا الجو المشحون، فإن رؤيته جعلت القاعة تصمت.
هيئته لا يمكن أن تُخطأ. كان النملة الوحيدة في نوعهم التي تأخذ هيئة شبيهة بالبشر، امتياز لا يُمنح إلا للبطل.
على عكس الآخرين، الذين يحملون الدروع القشرية الصلبة والأطراف الشبيهة بالسرعوف من سلالة سانجيسكريتش، كان كاراكس يقف منتصباً.
كان أطول، أنحف، أكثر انسيابية في الشكل، لكنه لا يزال بوضوح نملة.
مرّ بينهم ببطء، يلمس الأكتاف، ويومئ حيثما دعت الحاجة. وعندما وصل إلى طرف وحدة، توقف وتكلم.
“لقد واجهنا ما هو أسوأ،” قال، بصوت عالٍ بما يكفي ليسمعه النمل القريب. “هذا المتسلل ذكي، لكنه ليس غير قابل للهزيمة. لقد قمتم بعمل جيد في الصمود هنا. قريباً، سيسقط. فارفعوا رؤوسكم وافتخروا، لأن الوحش يراقبنا!”
لم تكن هناك هتافات—فالنمل لا يهتف—لكن وقفتهم تغيّرت.
ظهورهم استقام، حركاتهم أصبحت أكثر ثباتاً، وقرون استشعارهم ارتعشت بتركيز متجدد.
انتقل إلى مجموعة أخرى.
“لا تخافوا مما سيأتي. لقد نجوتم من معارك لا تُعد ولا تُحصى. وهذه ليست سوى واحدة أخرى.”
“كاراكس،” سأل أحد أفراد المستوى الثالث، “هل يمكننا أن ننتصر؟”
“سننتصر،” قال كاراكس ببساطة. “ما دامت بركة الأم تتلألأ فوقنا، فسوف نقف منتصرين.”
وجوده منحهم راحة، وثقة. ما دام البطل موجوداً، فالمستعمرة لا تزال تملك فرصة.
لكن بعد ذلك جاء أول مؤشر على الانهيار.
أنين مفاجئ تردد من الخلف. أحد أفراد المستوى الثالث الذين كانوا يحافظون على السجن اللامتناهي انهار، وزَبَد يتدفق من فكيه.
تلاه آخر بعد قليل. ثم ثالث. أجسادهم بدأت ترتعش على الأرض، وفي ثوانٍ، بدأ المزيد يسقطون.
تغير تعبير كاراكس.
“أوقفوا السجن،” أمر على الفور.
“لكن—” بدأ أحد النمل.
“لا لكن،” قال كاراكس بحدة. “إن سقط أحد منكم قبل أن تبدأ المعركة، فقد خسرنا قبل أن تبدأ. افصلوا السجن.”
بدأ أفراد المستوى الثالث المتبقون، رغم إنهاكهم، في تفكيك المفهوم.
لكنهم تأخروا.
فقط عندما بدأ السجن اللامتناهي في التفكك، بدأ العديد من النمل يبصقون الدم.
أحدهم صرخ قبل أن ينفجر صدره في رشقة مبتلة. تبعه اثنان آخران. اهتزت الأرض بينما أجزاء من أجسادهم انفجرت بلا إنذار.
اندفع كاراكس إلى الأمام. “ما الذي حدث؟”
رفع أحد القلائل الذين بقوا واعين رأسه، بالكاد يستطيع البقاء واقفاً.
“هو… هو فجّر كل شيء.”
“ماذا؟”
“المتسلل. لقد كان يخلق الدم طوال هذا الوقت، وكل الدم الذي خلقه… فجّره. داخل السجن. دفعة واحدة. دمّره من الداخل.”
توقفت أفكار كاراكس للحظة.
حتى هو كان قد قلل من تقدير إلى أي مدى قد يذهب هذا المتسلل.
تفجير كل شيء دفعة واحدة؟
من خلال التقارير التي تلقاها، فإن المتسلل قد خلق كمية من الدم تعادل ما تنتجه المستعمرة في سنوات.
تلك الكمية من الدم… تلك القوة… لم تكن مجرد خطوة طائشة. لقد كانت انتحارية.
لكن بعد ذلك، شيء ما تحرك في العمود العلوي.
وعيٌ باهت انجرف في النفق الرأسي الذي يربط الطبقة الأولى بالثانية.
سادت القاعة صمت تام. شعر جميع النمل بإحساس عميق بالخطر.
بدأ الموت المجهول يولّد كميات هائلة من الطاقة.
ثم، ببطء، بدأ جسده بالتجدد مع كل شيء آخر.
نظر المتسلل حوله لبرهة، ولاحظ أن القاعة كانت فارغة، ومن دون أن ينبس بكلمة، استدار وقفز في العمود المؤدي إلى الطبقة الثالثة.
“اثبتوا في مواقعكم.” صدى صوت كاراكس دوّى عبر القاعة في الطبقة الثالثة.
لم يعصِ أحد.
وقفوا بثبات، يراقبون العمود بينما تتلاشى آخر أصداء نزول الموت بلا اسم.
أحد أفراد المستوى الثالث الأصغر سناً تحرك بعدم ارتياح.
لم يقل كاراكس شيئاً، لكن عينيه ضاقتا.
كان يستطيع رؤية المتسلل بوضوح الآن.
الوحش البشري كانت عيناه حمراوين كدم طازج.
جسده مغطى بعدد لا يحصى من الندوب.
وخلفه، كانت ست كرات تدور في تشكيل دائري مثالي.
كان النمل قادراً على معرفة أنه لا يتعدى المستوى الثاني، لكنهم شعروا بذلك.
الخطر.
لا، بل أكثر من ذلك. غرائزهم كانت تصرخ. الوحش أمامهم كان الموت نفسه.
***
ماهو رايكم بترجمة فصل هل لذيكم ملاحظات