الفصل 304

ظل آلبرت يحدّق أسفل تلك الطاولة البيضاء الطويلة، قلبه يخفق بشدة كأن شيئًا داخله يعرف ما سيلقاه هناك قبل أن تراه عيناه.

اقترب بخطوات بطيئة، حذرة، حتى صار قريبًا بما يكفي ليرى بوضوح…

كان هناك كائن حي، ممسوخ الشكل، لا يغطي جسده جلد، بل بدا كأن جسده قد احترق تمامًا، متفحمًا متقرحًا.

كان يتنفس بصعوبة، يتلوى كما لو أن الألم هو كل ما يعرفه، وكانت ملامحه… نعم، كانت تشبه بشكل مرعب ملامح لورد فولدمورت.

اتسعت عينا آلبرت في صدمة، ثم التفت ببطء نحو أمه ميلاندا، ليجدها تنظر إليه بعينين تغشاهما الحزن العميق.

قالت بصوت منخفض كأنه حكاية محرمة:

"لقد كان هذا الشيء بداخلك منذ سنوات، يا بني…"

تقدم نحوها أكثر، ووجهه مشوش بين الدهشة والإنكار، وانتظر منها أن تتابع…

أخفضت ميلاندا عينيها، ثم رفعت رأسها لتحدق في عينيه بصدق مؤلم، وقالت:

"لقد بدأ كل شيء… في ذلك اليوم المشؤوم."

---

قبل 14 سنة من الآن

في منزل عائلة بلاك .... الليل

كان الليل هادئًا داخل منزل عائلة بلاك… بشكل مريب.

جلس كبار العائلة حول مائدة العشاء، الأطباق الفضية تتلألأ بنور خافت من ثريا معلقة فوقهم.

أورايون بلاك، الأب العجوز، يجلس بصمت متوتر، زوجته والبورغا تُحدق في طبقها ببرود الأرستقراطيين، وميلاندا، الزوجة الجديدة، تجلس في الطرف البعيد من الطاولة، تحتضن الطفل الذي بين يديها

كان الغائب الوحيد… هو سيريوس.

زوجها، المسجون ظلمًا في أزكابان.

ورغم الهدوء الظاهري، كانت عيون ميلاندا تلمع بالقلق. كانت تشعر بوجود شيء خاطئ، شيء يقترب.

وفجأة…

دَوِيٌّ عنيف هزّ أركان القصر.

ارتعدت الجدران، وانفجر الباب الأمامي بشظايا سحرية رمادية، تهاوت الستائر وسقطت قطع الزينة من الحائط.

صرخت والبورغا وهي تنهض صارخة:

"من تجرأ على دخول منزل آل بلاك بهذه الطريقة؟!"

لكنها لم تلبث أن أُسكتت.

من وسط الدخان والغبار…

دخل شخص يرتدي رداءً أسود داكنًا، ووجهه مغطى،

أما ميلاندا… فقد سقطت على الأرض وهي تمسك بإبنها.

صرخ أورايون:

" فولدمورت لا يُرحب به هنا! هذا انتهاك لاتفاق قديم !"

لكن القادم لم يعبأ بكلماته، بل رفع يده… وأطلق تعويذة صامتة.

"كروتشيو!!"

ارتج جسد أورايون على الأرض، يتلوى في ألم لا يُحتمل، وعيناه تصرخان دون صوت.

أزال القادم قناعه… وكان هو…

اللورد فولدمورت بنفسه.

اقترب منها، وحدق بعينيه الحمراء إلى أيدي ميلاندا، ثم همس بصوت بارد:

"إنه ابن سيريوس… الفتى الذي دكر في النبرة ... لكنك ساحرة نادرة… روحك نقية. سأجعل منه حاوية… نعم… هذا الطفل سيكون وعائي في حال فشلت كل مخططاتي."

مدّ عصاه… وضع طرفها نحو جهة ايدي ميلاندا، التي بدأت تصرخ بشدة، والضوء الأخضر يتغلغل داخلها.

أما ميلاندا، فبقيت في مؤخرة الغرفة، تجلس على الأرض تحت ضوء خافت، تضم طفلها الرضيع آلبرت إلى صدرها.

رغم ما يحدث، ورغم القلق الذي يسري في عروقها، كانت تبتسم وهي تنظر إلى وجه ابنها.

لكنها كانت تظن أنه لا يدرك شيئاً…

ويا ليتها كانت محقة.

لأن عينَي آلبرت، رغم براءته، كانتا تتأملان المشهد حوله بيقظة غريبة…

وفجأة…

ارتفعت أصوات … صراخ… تعاويذ.

ثم شيء أقرب إلى الانفجار.

فقط… رفع فولدمورت عصاه ... ووجّهها مباشرة نحو الطفل آلبرت بعد ان قضى على اورايون و والبورغا

"أفادا كيدافرا!"

وهنا…

انفجر الضوء الأخضر في الهواء.

لكن قبل أن يصل، ظهر شبح بشري بجانب ميلاندا، التقطها هي وطفلها، واختفوا في لمح البصر إلى زاوية من المقصورة ذاتها.

ظهر الشاب، الشجاع، الحزين… ريجولاس بلاك.

"أنت…!" قالت ميلاندا، والدموع في عينيها من المفاجأة.

كان ريجولاس يرتجف، يحدق نحو فولدمورت، الذي استدار نحوه ببطء وقال، بصوت منخفض كالرعد:

"ما الذي تظنه أنك تفعله… ريجولاس؟!"

ريجولاس لم يتكلم، فقط وقف كحائط دفاع أمام ميلاندا ورضيعها.

لكنه كان يعلم…

يعلم أن ما فعله للتو… خيانة لا تُغتفر.

ميلاندا، بعينيها الدامعتين، عرفت ما سيأتي.

قالت بصوت متهدج:

"لن يدعك تعيش يا ريجو… ولا أنا أيضاً. لكنه… سيبقى. الفتى… ابني…"

اقتربت من ابنها، قبّلت لآلبرت في جبينه، وهي تكتم دموعها التي بدأت تهرب من عينيها.

ثم أمسكت ريجولاس من ذراعه، وقالت برجاء:

"خذ ابني… واهرب."

عاود ريجولاس إلقاء تعويدة الجدب ليجدب تمثال سحري امامه الذي كان امام باب مقصورة و تصدى لتعويدة فولدمورت القاتلة

رفع ريجولاس حاجبيه في صدمة:

"ماذا؟! تتركينني أذهب وتبقين أنت؟! أتراكِ جُننتِ؟"

هزت رأسها بإصرار:

"نحن لا نملك الوقت، يا ريجو… لو هربنا نحن الثلاثة، فسيجدنا. العالم كله تحت قبضته الآن. لكن إن أنقذت الطفل، وأخفيته… فربما، فقط ربما، سيبقى بصيص من الأمل."

ثم اقتربت منه، وهمست في أذنه:

"ارسل آلبرت إلى سيريوس… أخبره أنه ابنه .. هو سيحميه، حتى من الظل نفسه."

ريجولاس كان يواجه أعظم قرار في حياته.

وعندما نظر إلى آلبرت… رآه يضحك.

ضحكٌ بريء وسط كل هذا الدمار، وكأن الطفل يعلم من ينقذه، وكأن قلبه يعرف.

أمسك ريجولاس بالطفل، والدموع تتلألأ في عينيه، لكنه لم يسمح لها بالسقوط.

ثم نظر إلى ميلاندا…

كانت تبتسم له.

"شكراً، ريجولاس… أنا على يقين أن ابني سيجعلني فخورة… لهذا أنا سعيدة."

وفي اللحظة التي انهار فيها التمثال تحت تعويذة "أفادا كيدافرا" الجديدة، صرخت ميلاندا:

"فـيـبـرا شوكوس !"

انفجار ضوء مائل إلى البنفسجي ملأ المقصورة…

وهي تعويذة نادرة، تعويذة "الصدمة العكسية"، تقطع التيار السحري وتؤثر حتى على أعظم السحرة، لكن بثمن…

من يلقيها… يخسر جزءًا من عمره.

ترنّح فولدمورت من التأثير…

وفي لحظة تشوش قصيرة، خرج شعاع أخضر من جبهته، متوهجًا بقوة غريبة، اندفع نحو آلبرت بسرعة لا تُصدق.

صرخت ميلاندا:

"لاااا !!"

لكن الشعاع… اخترق الظلال…

ودخل في جسد آلبرت…

توهج جسد الطفل للحظة، ثم اختفى الضوء، كأن شيئًا لم يكن.

شهقت ميلاندا، وعيناها تشتعلان بالغضب والقهر.

"تبا لك، يا وضيع !"

صرخت وهي تتراجع، " حتى بعد أن فشلت، لا تزال تحاول زرع نفسك داخل ابني؟!"

لكن فولدمورت لم يجب… فقط ابتسم.

ريجولاس لم يتوقف. أمسك الطفل، واستخدم تعويذة انتقالية أخيرة.

واختفى…

ظلّ الصمت يخيّم على المكان…

ذاك الفضاء الأبيض السرمدي الذي يشبه الحلم، لكنه أشبه بالكابوس حين تُقال فيه كلمات الحقيقة.

كانت الأم ميلاندا قد أنهت للتو سرد القصة ، قصة الألم والتضحية، والخوف والحب.

أما آلبرت، فكان لا يزال ينظر الى الطاولة الغريبة التي رأى تحتها ذاك الكائن الممسوخ...

ذو الجلد المحترق، الملتوي الملامح، الشبيه بفولدمورت…

ولكنه لم يكن يهتم للكائن الآن.

بل وضع يديه على رأسه، وعيناه تتسعان شيئًا فشيئًا، وشفاهه ترتجف.

كان في حالة صدمة.

ليس من الحادثة نفسها.

بل من شيء أبعد… أعمق… أكثر ظلمة.

قال مع نفسه • مستحيل.. •

همس بصوت مبحوح.

• ذلك لم يكن مجرد حلم... ! •

في أعماق ذاكرته، بدأ ضوء صغير ينبض… يتسع… يفتح الأبواب المغلقة منذ سنين.

تلك الليلة…

منذ أربعة عشر عامًا.

كان يظن أنه فقط كان رضيعًا لا يعي شيئًا.

لكنه يتذكّر الآن…

كان هناك "ملاك".

نعم…

ملاكٌ لا وجه له، لا اسم له، أعطاه شيئًا ... قوة مطلقة. موهبة سحرية بلا حدود. "الملطقة" كما يسميها ألبرت.

ثم فجأة…

استيقظ داخل أزكابان.

كيف؟ لماذا؟ من فعل هذا؟

من أزال تلك الذكريات عن ما حدث لامي و عمي من رأسي؟

هل كان أبي؟

ربما فعل ذلك بدافع الحب، لحمايتي من ألم الذكرى…

أم أنه أراد إخفاء حقيقة ما؟

هل كان يخشى أن يؤثر تذكّر الليلة المشؤومة علي ؟

أم أن هناك شيئًا أسوأ…؟

كل هذه الأسئلة تحاصره، تخنقه.

رفع رأسه ببطء نحو أمه، التي كانت تقف قريبة، تحدّق به بنظرة عميقة ممتزجة بالحزن والحنان.

قالت بصوت هادئ، ولكنه ممزوج بالألم:

" هل تتذكّر المتاهة؟ قبل عام؟ "

أومأ ألبرت ببطء، وعيناه تتسعان.

"كنت أسمع صوت امرأة… كانت تناديني… تبكي… تستغيث… كنت أظن أنني أتخيل…"

قالت ميلاندا وهي تبتسم:

"كنتُ أنا. جزء مني… بقي بداخلك… يحرسك… يهمس لك في الخفاء. كنت خائفة عليك في تلك الليلة من أن تموت، لقد استجبت لندائي، دون أن تدري من أنا…"

شهق ألبرت وهو يتذكّر.

ذلك الصوت الذي بدا له مألوفًا جدًا، ولم يعرف يومًا لمن ينتمي…

كان صوت أمه.

تمتم بصوت منخفض:

"ولكن… كيف؟ كيف أستطيع التحدث معك الآن؟ كيف ظهرتِ لي بهذا الشكل؟!"

ضحكت ميلاندا بخفة، ثم اقتربت، ووضعت يدها على قلبه:

"بسبب الحب."

رفع آلبرت حاجبيه، لم يفهم.

لكنها تابعت، بنبرة هادئة كالماء:

"قبل تلك الليلة، كنت أعلم أن شيئًا سيئًا سيحدث لا محالة. لذلك… ألقيت عليك تعويذة الحماية الأسمى: الحب المطلق. إنها تعويذة لا تستطيع أي قوة ظلامية اختراقها بسهولة، وخاصة تعاويذ القتل."

تقدمت خطوة أخرى، وأكملت:

"فحتى لو صوّب إليك فولدمورت تعويذة الموت… لم تكن لتنجح. فلقد كانت تستنزف تلك التعويدة حياتي كلها بعد مرور فترة كثيرة .. لكني لم أكن أعلم أنه سينحدر فولدمورت إلى مستوى أكثر خبثًا…

لم أكن أعلم أنه سيحاول غرس جزء من روحه بداخلك."

شهق آلبرت، وأدرك الآن لمَ كان يشعر دائمًا بشيء غريب داخله… ظلام غامض يتلوى في أعماقه.

كان الظل… جزء من روح فولدمورت.

تابعت ميلاندا، وهي تنظر نحوه بنظرة حزينة:

"ذلك الضوء الذي دخل جسدك لم يكن تعويذة فقط…

بل كان نصلًا مسمومًا من روحه…كان يعلم أنه لا يستطيع قتلك… فقرر أن يغرس شيئًا منه داخلك…

شيئًا ينتظر… ينمو… يراقب."

تجمد ألبرت.

ارتعش صدره…

كأن الهواء في صدره انكمش.

كان كل شيء الآن واضحًا.

هو ليس فقط ضحية…

هو مستودع. وعاء لجزء من أكثر الأرواح فسادًا في العالم.

ولكن رغم كل شيء…

لم تكن أمه تنظر له بخوف.

بل بفخر.

مشَت ميلاندا بعيدًا عنه قليلًا، التفتت بنصف وجهها، وعيناها تلمعان بالدموع، وقالت:

"في الاخير ... كنت على حق…

أنا فخورة أنك ابني… يا عزيزي."

توقف الزمن.

الدموع بدأت تسقط من عيني ألبرت، حارة، صافية، تنهمر على وجنتيه مثل المطر.

لم يكن يستطيع الصراخ.

كان الصوت يخنق حنجرته.

ثم…

بدأ جسد ميلاندا يضيء… يتفتت.

جزيئات من الضوء الأبيض بدأت تتطاير من أطرافها، وكأنها تتحول إلى طيف من الذكريات.

اقترب منها خطوة، ثم خطوتين، وهو يهمس:

"أمي… لا… لا تذهبي بعد… ليس بعد…"

لكنها ابتسمت له ابتسامة ناعمة، ورفعت يدها للمرة الأخيرة:

"لا تبكِ يا عزيزي…

فالأم… لا تريد أن ترى ابنها يبكي."

ثم تلاشت.

تمامًا.

كأنها لم تكن.

ظل ألبرت واقفًا وسط الفراغ الأبيض، يداه تتدليان، ودموعه تسيل، وهو يمسحها بأنامله المرتعشة.

كان وحده…

لكن في قلبه، كانت أمه ما تزال هناك.

يتبع ...

2025/05/01 · 35 مشاهدة · 1542 كلمة
نادي الروايات - 2025