الفصل 305
في الجانب الآخر من ذلك العالم الغريب، داخل غرفة خافتة الإضاءة تغلب عليها الظلال الحمراء والبنفسجية من ضوء المشاعل السحرية المتراقصة على الجدران، عاد لورد فولدمورت إلى وعيه.
كان جالساً على كرسي حجري أسود كبير، منحوت من صخر ناعم وبارد، عند طرف طاولة طويلة بدت وكأنها تمتد إلى اللانهاية في ضباب الليل الكثيف.
أنفاسه كانت متقطعة، وصدره يعلو ويهبط بقوة، وقد غطت الجروح العميقة جسده النحيل. رداءه الأسود الممزق يكشف عن آثار طاقة سحرية لا توصف، أما وجهه، فكان شاحباً أكثر من المعتاد، وعيناه الحمراوان كانتا مشوبتين ببريق فوضوي غريب.
وفجأة، دخل إلى الغرفة كل من بيلاتريكس، دولوهوف، ولوسيوس مالفوي، يسيرون بخطى مترددة لكن ثابتة.
عيونهم كانت تراقب سيدهم بحذر بالغ، فقد رأوه في حالة لم يروه فيها من قبل، حتى خلال أضعف لحظاته.
الثقب العميق في صدره، الذي ما زال يتصاعد منه دخان خافت، كان يشير إلى أن شيئًا هائلًا قد حدث.
لكن بيلاتريكس، رغم توترها الداخلي، لم تستطع كتم فرحتها وهي تركع أمامه قائلة:
" سيدي... لقد جئناكم بأخبار... ستسركم كثيراً !"
رفع فولدمورت رأسه ببطء نحوها، صوت أنفاسه يملأ المكان بينما يراقبها بنظرة باردة، قبل أن يهمس:
"ما هي؟"
رفعت بيلاتريكس رأسها، نظرتها تتلألأ بالفرح، وقالت باندفاع جنوني:
" الفتى آلبرت... لقد مات !"
سادت لحظة من الصمت، كانت كأن الزمان توقف، قبل أن يتدخل دولوهوف ليؤكد ما قالته:
"نعم، يا مولاي. لقد رأينا ذلك بأعيننا. جسده سقط دون حركة. لم ينجُ من تلك التعويدة العظيمة الخاص بك يا مولاي !! "
تبادل لوسيوس وبيلاتريكس النظرات، كلاهما يحاول إخفاء الشك في أعماقه، فحتى في موته، كان آلبرت مختلفاً.
نهض فولدمورت من مقعده بصعوبة، صرير العظام يُسمع من مفاصله، لكنه لم يهتم. لقد وقف بشموخ، رغم الألم، وعيناه تشعان بنور شرير.
"هل مات حقًا؟"
لم يرد أحد مباشرة، فقط أومأ الثلاثة برؤوسهم.
للحظة، بدا على فولدمورت شيء من النصر، ذلك النوع الذي لا يأتي بسهولة. ارتسمت ابتسامة باهتة على وجهه الأبيض البارد، وقال بنبرة هادئة مخيفة:
"وأخيراً... سقط ذلك المزعج."
سار قليلاً في الغرفة، خطواته تُحدث صدى، وكل خطوة كانت تقول: "لقد فزت". لكنه توقف فجأة، وتلك الابتسامة بدأت تختفي شيئًا فشيئًا.
مرت لحظات قبل أن يتكلم مجددًا بصوت مغمغم، وكأنه يخاطب نفسه:
• ... لكن لماذا؟ لماذا شعرت بتلك الصدمة... لماذا فقدت وعيي؟ •
استدار فجأة نحو مساعديه، وصوته ارتفع بشكل مفاجئ:
"أتعلمون ما الذي يعنيه ذلك؟!"
نظروا إليه بدهشة، فأكمل بعينين متسعتين:
" ذلك الفتى... كان يحمل قطعة من روحي !"
سكت الجميع، حتى بيلاتريكس بدت مرتبكة للحظة.
"لقد زرعت فيه جزءاً من روحي قبل أربعة عشر عامًا... في تلك الليلة... حين حاولت قتله... لكنه نجا... وقطعة من نفسي بقيت فيه." كان فولدمورت لن يخبر اي احد بهذا الامر ... لكن بما ان الثلاثي الذين امامه من اكثر اتباع اخلاصا و وفاء مع بارتي كراوتش فكان من سهولة ان يخبرهم بدالك
ابتلع لوسيوس ريقه، بينما دولوهوف قال بتردد:
"وهل... هل هذا يعني أن موته...؟"
"موته... حررني، نعم... لكنه أيضاً كاد يُفنيني! الألم الذي شعرت به... كان موت تلك القطعة... ."
اقترب من الطاولة، وراح يتأمل السطح الرخامي وهو يتحدث مع نفسه :
• كان ذلك الفتى خطراً علي أكثر مما تخيلت... تلك النظرة، تلك القوة التي راكمها... إنها ليست طبيعية. من أين جاء بكل هذا؟ من ؟•
نظرت بيلاتريكس إليه، وخطرت في عقلها فكرة، لكنها لم تجرؤ على التفوه بها.
أما فولدمورت، فقد عاد إلى مقعده، جسده منهك، لكنه بدا وكأنه استعاد وضوحه أخيرًا. قال بنبرة منخفضة لكنها تقطر تهديدًا:
"ابحثوا عن الجثة. تأكدوا من موته... بالكامل. لا أريد أي بقايا. إن كان فيه حتى رمق من الحياة، فاقطعوا قلبه بأيديكم."
أومأ الثلاثي سريعًا، وانحنوا أمامه، ثم غادروا. رغم أنهم لم يكونوا يريدون ان يقولوا لزعيمهم انه غالبا سيكون جثة البرت قد تم اخدها من طرف الاعداء و اعادوها الى هوجورتس
في الغرفة المظلمة، بقي فولدمورت وحده، لكن عينيه لم تكونا مطمئنتين.
لأن في قلبه، في أعماقه المظلمة، كان هناك شيء لا يرتاح له... وكأن الفتى لم ينتهِ بعد.
.
.
.
في أعماق قلعة هوجوورتس، تحت أعمدة الحجارة القديمة التي شهدت أجيالاً من السحرة والساحرات، كانت ليلة الشتاء باردة بشكل غير مألوف.
غطت الثلوج نوافذ الجناح الطبي بطبقة كثيفة، تعكس ضوء الشموع الخافتة المعلقة في الهواء، مانحة المكان هالة من السكون المقدس.
فتح الباب الخشبي الثقيل للجناح الطبي فجأة، ودخل سيريوس بلاك مسرعًا، يحمل بين ذراعيه جسد ابنه، آلبرت، الذي بدا كأنه فقد كل قوة الحياة. وجهه شاحب، جفونه مغلقة كأنها أُحكمت إلى الأبد، ويداه مرتخيتان كأن لا روح فيهما.
كانت خطوات سيريوس ثقيلة، كل خطوة كانت تثقل قلبه أكثر، لكنه كان مصرًّا على الأمل.
ركضت مدام بومفري نحوه ما إن رأته، وهي تمسك بعصاها بإحكام. قال لها بصوت متحشرج:
"ساعديه... أرجوك... إنه ابني..."
وضع آلبرت على أحد الأسرة البيضاء في نهاية الجناح، قرب النافذة الباردة.
بدأت مدام بومفري فورًا بفحصه بتعاويذ طبية متقدمة، تعاويذ لم تكن تُستعمل إلا في أخطر الحالات.
فيما وقف سيريوس إلى جانب السرير، عاجزًا عن قول أي شيء آخر.
كان المشهد صامتًا بشكل غريب، كأن الزمان توقف عند هذه اللحظة.
لكن ما إن مرّت ثوانٍ، حتى حدث ما لم يكن متوقعًا.
شهقت هيرميون فجأة وهي تشير بيدها نحو وجه آلبرت وتقول:
"انظروا... إنه... إنه يدمع !!"
ركضت نحوه، ثم همست بدهشة:
"إنه يذرف الدموع... إنه حي ! لا يزال على قيد الحياة !"
كلماتها كانت كالسحر الحقيقي، فقد تحركت القلوب قبل الأقدام. هرع الجميع نحو السرير، هاري، رون، جيني، نيفيل، وحتى دمبلدور الذي دخل بصمت منذ لحظات ووقف عند الباب بهدوء، اقترب، وعيناه تحدقان في آلبرت بتفحص عميق.
رأوا جميعهم تلك القطرة الباردة تنحدر ببطء من زاوية عينه، تلمع تحت ضوء الشموع، كأنها لؤلؤة مكسورة تحمل في داخلها ألم الكون كله.
لم يكن أحد يدري، لكن تلك الدموع كانت وداعًا. وداعًا لروح أم رافقته للحظات، لحنانٍ لم يشعر به منذ وُلد، لدفء افتقده دومًا دون أن يعلم حتى أنه ينقصه.
كل من في الجناح شعر بثقل اللحظة. بعضهم لم يفهم سبب بكائه، لكنه كان بكاءً نقيًّا، إنسانيًّا، ساحرًا في صمته.
صوت بومفري انطلق حاسمًا فجأة، وهي تلوّح بعصاها لتنشر حاجزًا سحريًا شفافًا يفصل السرير عن الجميع:
"كفى ! الجميع خارج الجناح فورًا ! حالته حرجة، ويحتاج إلى هدوء تام !"
تردد البعض، لكن لم يكن هناك مجال للمقاومة. حتى دمبلدور أومأ برأسه احترامًا لقرارها، وأشار للطلبة والأساتذة بالخروج.
واحدًا تلو الآخر، خرجوا من الغرفة، والقلق يغمر وجوههم.
توقف سيريوس عند الباب، ونظر لابنه نظرة طويلة، قبل أن يُغلق الباب ببطء على نفسه من الخارج.
عاد دمبلدور الى مكتبه الموجود في طابق العلوي من اجل ان يرتاح
عمّ الهدوء المكان، وكانت أضواء الشموع تتمايل بهدوء، كأنها تعزف أنشودة نوم هادئة في أروقة الجناح الطبي. كل شيء كان ساكنًا، الصمت يلف الغرفة كغطاء مخملي.
ثم... تحرّك جفن.
فتح آلبرت عينيه ببطء، نظر حوله وهو يرمش مرتين في محاولة لفهم ما يحدث.
سقف الجناح الطبي فوقه، والجدران البيضاء المألوفة تحيط به.
استدار برأسه قليلاً، وأدرك أنه مستلقٍ على سرير داخل الجناح، وحين حاول الجلوس، تهاوى بثقله لكنه قاوم، واضعًا يده على رأسه.
ألمٌ عنيف اخترق جمجمته كرمحٍ صامت ، شهق من الوجع، وعضّ شفته السفلى، محاولًا استيعاب ما يحدث. لماذا أشعر بهذا الألم؟ ومتى... عدت إلى هنا؟
بينما كان يحاول الوقوف، اقتربت منه خطوات خفيفة، رقيقة، مألوفة.
التفت ليرى مدام بومفري تقترب نحوه، وجهها يشع بالراحة، وابتسامة صغيرة ترتسم على ملامحها المتعبة.
"أنت استيقظت أخيرًا..." قالت، وصوتها بدا كهمسة مليئة بالحنان.
لكنها لم تكمل جملتها.
فجأة... توقفت.
تجمدت في مكانها، كأن الزمن أمسك بأنفاسها.
ظلت واقفة، يدها ممدودة قليلًا للأمام، وعيناها تنظران نحوه، دون رمشة أو حركة.
"بروفيسور؟" همس آلبرت، ثم قال بصوت أعلى: "بروفيسور بومفري؟! هل أنتِ بخير؟!"
اقترب منها خطوة، ولكنها لم تتحرك.
كان الأمر مريبًا.
اقترب أكثر، مدّ يده ببطء، ووضعها على كتفها... لا رد.
شيء ما خطأ.
نظره انجذب فجأة إلى ساعة الحائط القريبة، وعيناه اتسعتا...
العقارب... توقفت.
كانت الساعة تشير إلى الثامنة تمامًا، لكنها لم تكن تتحرك. الوقت ذاته ظل ثابتًا. وكأن العالم بأسره قد جُمد في لحظة واحدة.
تراجع خطوتين.
ركض نحو الباب، قلبه ينبض بسرعة. دفعه بقوة وخرج إلى الممر.
لكنه لم يجد الراحة هناك.
في الخارج... لم يكن الأمر أفضل.
كان سيريوس يقف عند الحائط، ينقر بأصابعه على ذراعه بقلق، ولكن... متجمّد. ساكن. دون حركة، كأنه تمثال من لحم.
أما هيرميون، فكانت ترفع بصرها نحو السقف، نظرة أمل في عينيها، لكنها متوقفة أيضًا، متجمدة في تلك الوضعية.
هاري كان قد استدار ليتحدث مع جيني، نصف ابتسامة مرسومة على شفتيه، لكن كل شيء بدا كأنه لوحة زيتية كبيرة... لا حياة فيها.
هل... هل أنا ميت؟ هل هذا هو العالم الآخر؟ فكّر آلبرت، وهو يشعر بقشعريرة تسري في عموده الفقري.
استدار بسرعة نحو باب الجناح الطبي، وفي اللحظة التي فعل فيها ذلك...
توقف.
هناك... عند سريره.
كان يقف.
الشخص المجهول.
نفسه، الذي رآه مرتين من قبل — مرة في منزل آلبرت، ومرة أخرى خارج قطار هوجوورتس.
لكن هذه المرة... كان أوضح، أقرب، وأكثر واقعية من أي وقت مضى.
شعر آلبرت بأن روحه تقفز من مكانها، كيف؟ قبل ثوانٍ كان المكان خاليًا... كيف دخل؟ وكيف؟...
الرجل المجهول لم يتحرك كثيرًا.
فقط وقف هناك... ينظر نحوه.
ملامحه مختفية خلف القبعة السوداء العريضة التي تخفي جزءًا من وجهه، ورداؤه الأسود ينسدل حتى الأرض، كظلّ طويل.
لكن فجأة... رفع يده.
أمسك بالقبعة.
ببطء شديد، أزاحها عن رأسه.
ظهرت ملامحه.
وتجمّد آلبرت.
كان يشبهه... كثيرًا.
نفس لون الشعر، نفس عظام الوجه، نفس العينين اللامعتين. لكن هناك تفصيلة صغيرة...
شامة سوداء صغيرة تحت عينه اليسرى، تُضفي عليه طابعًا من الغموض والوسامة.
اقترب منه الغريب بهدوء، ونبرة صوته كانت هادئة، لكنها ممتلئة بقوة غريبة:
"لا تهلع... أنا لا أشكل خطرًا عليك."
آلبرت حاول الحديث، لكن صوته خرج مبحوحًا، كأن الهواء لا يريد أن يخرج من رئتيه:
"من... أنت...؟"
توقف الغريب، ثم وضع يده على صدره، كمن يعرّف بنفسه في طقوسٍ قديمة.
"اسمي... روبرت بلاك. ابنك."
تجمّد الزمن مرة أخرى.
لكن هذه المرة... كان التجمّد في قلب آلبرت.
ابني...؟
يتبع ...