حينها توقّف الضابط أمامنا، أخرج من جيبه جهازًا صغيرًا لقياس نسبة الكحول في الدم. كان وجهه جامدًا، نظراته صارمة، صوته يخلو من أي رحمة وهو يقول:

"ضع فمك على هذا الجهاز… تنفّس بعمق."

تنهد بعد لحظات من الانتظار، ورفع رأسه قائلًا:

"كفى. لقد تأكدنا من النتيجة… تعالوا معنا إلى مركز الشرطة."

تجمّد شاب في مكانه، وكأن الزمن توقف. عقله يدور بسرعة: ماذا فعلت؟ لماذا استمعت إلى فتاة غريبة داخلي؟ لماذا وافقت على الدخول؟ لماذا جلست على تلك الطاولة؟ لماذا…

لكن صوتًا خشنًا قطع أفكاري:

"هيا… انزلي من السيارة."

فتحت عيناي بدهشة:

"ماذا؟ لماذا؟"

أجاب الضابط بصرامة:

"لقد تم إلقاء القبض عليكما. أنتِ كنتِ في حالة سُكر علني، وهو كان يقود تحت تأثير الكحول. الاثنان مسؤولان."

التفت إلى الشاب، وصوتي متقطع:

"لكن… لكنك أنت الذي كنت تشرب وأنت تقود، ما علاقتي أنا؟"

رمقني بنظرة غاضبة، صوته حاد كالسيف:

"أنـتِ قاسية! أنزلي فقط ولا تجادليني!"

حينها انفتحت الأبواب، وتم إنزالنا جميعًا. مشينا بخطوات ثقيلة حتى وصلنا إلى أحد المكاتب في مركز الشرطة. المقاعد المعدنية كانت باردة، والجو الداخلي محاط برائحة الورق القديم والعرق والصدأ. جلسنا هناك، فيما أخذ الضباط يملؤون أوراقًا على مكاتبهم.

الجو كان خانقًا. نظرت إليه، الشاب الذي بدأ يفرك جبينه بيده، ثم قال غاضبًا:

"الإجراء… اللعنة! سوف أخسر عملي بسببك، أيتها المجنونة! لمَ طلبتِ زجاجتين دفعة واحدة؟"

خفضت رأسي، لكن شيئًا من داخلي كان يرفض تحمّل اللوم. أنا… لست مذنبة وحدي. أنت من أخذني إلى هناك. أنت من قاد السيارة. أنت من سمح لي أن أغرق في هذه الفوضى.

وقفت أمامنا شرطية شابة ذات ملامح صارمة، رفعت رأسها من على الورق، ونادت بصوت رسمي:

"الاسم."

رفع شاب رأسه بتردد:

"ماذا؟ أتسألينني؟"

أجابت بلا مبالاة:

"نعم. الاسم."

تنفّس الشاب بعمق، وقال:

"اسمي جي هون."

دوّنت الشرطية الاسم، ثم رفعت نظرها مجددًا، وقالت:

"كم عمرك؟"

أجاب وهو يتنهّد:

"اثنان وعشرون."

ثم أضاف بانفعال، وكأنه يحاول استعادة السيطرة:

"هي، أيتها الشرطية! متى ستعيدين إليّ مفاتيح سيارتي؟"

رفعت الشرطية حاجبها، وقالت ببرود:

"لن تحصل عليها الآن."

ارتفع صوته، كاد يصرخ:

"ماذا؟ لماذا؟ إنها سيارتي الخاصة!"

صرخت بحدة:

"اصمت! أنت متهم، وستُبقي هنا حتى ننتهي من التحقيق!"

ساد الصمت للحظة. ثم التفتت إليّ، نظرت في وجهي، وسألت:

"والآن… ما اسمك يا آنسة؟"

كنت في حالة سيئة، وجهي أحمر من أثر الكحول، وقلبي يخفق بجنون. الكلمات خرجت متلعثمة:

"هل… هل أنتِ أمي؟ أم ماذا؟ لماذا تسألينني؟"

تبادلت الشرطية النظرات مع زملائها، ثم قالت بسخرية ممزوجة بالجدية:

"يبدو أنها ثملة تمامًا. حسنًا… لعلنا نجد شيئًا في سترتها. دعوني أفتشها."

اقتربت بخطوات هادئة مني، مدت يدها لتفتح جيبي.

في تلك اللحظة، انتفض شيء في داخلي. شعور بالرفض، شعور بالتمرد. لم أرد أن يعبث أحد بجسدي أو أشيائي.

فجأة، أمسكتُ معصمها بقوة، رفعت يدها إلى الأعلى، ثم التفتّ بجسدي وأطحت بها على الأرض!

ارتطم جسدها بالأرضية الحديدية، وارتفع صوت سقوطها في الغرفة، لتسود لحظة صمت مروّع.

تسمرت العيون نحوي.

الشرطيون اندهشوا، أحدهم رفع حاجبيه مصدومًا، آخر ترك قلمه يسقط على المكتب.

أما الشاب جي هون، فقد فتح فمه غير مصدّق، وقال بصوت مرتجف:

"مستحيل… ماذا فعلتِ؟ لقد… لقد أطحتِ بشرطية!"

انطفأ الضوء شيئًا فشيئًا أمام عيني، وبدأت الدنيا تدور كعجلة لا تتوقف. جسدي لم يعد يحتمل المزيد، الكحول تسلّل إلى كل عصب من أعصابي، وأخمد وعيي كما تُطفأ شمعة في ليل عاصف. سقط رأسي على الطاولة ثم انزلقت ببطء، حتى وجدت نفسي غارقة في ظلام حالك.

أُغمي عليّ.

في تلك اللحظة، علت أصوات متداخلة من حولي، خطوات سريعة، وأوامر متلاحقة. الشرطة التفّت حولي، بينما كان جي هون يعضّ على شفته، يحاول جاهدًا أن يفسّر ما لا يُفسَّر.

إحدى الشرطيات انحنت لتتأكد من أنفاسي، ثم رفعت رأسها وقالت:

"إنها لا تزال تتنفس… فقط فقدت وعيها من أثر الكحول. جسدها ضعيف، ربما قاصر."

رفعت نظرها نحو جي هون، وصوتها صارم:

"أنت. من تكون بالنسبة لها؟ هل تعرف من هي؟ من عائلتها؟"

ارتبك الشاب، وكأنه أُمسك في جريمة لم يرتكبها، رفع يديه ونفخ الهواء من صدره محاولًا أن يماطل:

"أنا… آه… يعني… لا أعلم من تكون، صدقوني."

ضيّقت الشرطية عينيها، ورفعت يدها لتمسك بذراعه المصابة من حادثة السابقة، شدّتها بقوة حتى تألم، وقالت بصرامة:

"لا تحاول المراوغة. هذه الفتاة لا تبدو عادية. مرارتها لاتوحي بأنها مجرد طالبة مراهقة، بل أشبه بأحد أفراد العصابات. أخبرنا الحقيقة: من هي؟"

صرخ جي هون متألمًا:

"قلت لكم… لا أعرف! التقيت بها صدفة، لا أعرف شيئًا عن عائلتها، ولا عن اسمها حتى!"

لكن الشرطية لم تقتنع. تبادل الضباط النظرات، وبدأت الأسئلة تنهال عليه:

– "إذن هل هي حبيبتك؟"

– "ماذا؟ لا!"

– "إذن صديقتك؟"

– "أيضًا لا!"

– "زميلة دراسة؟"

– "قلت لا أعرفها!"

ارتفع حاجب أحد الضباط، ثم قال ببرود:

"عجيب… إن لم تكن حبيبتك، ولا صديقتك، ولا حتى زميلتك… فلماذا هي معك؟ لماذا كانت في سيارتك؟"

أجاب جي هون بسرعة، محاولًا التخلص من الفخ:

"لقد استقلت سيارتي بنفسها… لم تكن تعلم طريق العودة، فوافقت أن أوصلها. أقسم أنها هي من طلبت ذلك!"

ضحك أحد الضباط بسخرية:

"قاصرا… غريبة المظهر… لا تعرف طريق بيتها… تركب مع شاب لا يعرفها… وتشرب الكحول حتى الإغماء؟"

اقتربت الشرطية التي كانت تحقق معه، وضربت بيدها على الطاولة قائلة:

"هذا يعني شيئًا واحدًا… أنتَ خاطف!"

تجمدت ملامح جي هون، وكاد قلبه يتوقف.

"ماذا؟! خاطف؟ أنتم مخطئون! لم أخطف أحدًا! أقسم لكم أنها ركبت معي بإرادتها!"

لكن كلمات الدفاع بدت واهية، لم يستمع له أحد. الشرطيون اقتربوا منه، أمسكت يداه بالأغلال، وصوت المعدن يرنّ في أذنيه.

صرخ يائسًا:

"تبا! هذا جنون! أنتم لا تفهمون…! أنا مجرد سائق! كل ما حدث أنني قُدت السيارة بعد أن شربنا قليلًا… لا علاقة لي بها!"

غير أن الشرطية دوّنت في تقريرها ببرود:

"مشتبه به: شاب في الثانية والعشرين، يُدعى جي هون. التهمة المبدئية: خطف قاصر، والسُكر العلني."

بينما كان الضباط يجرّونه إلى غرفة أخرى، كانت عيناه ترتجفان من الرعب. نظر إلى يونا المغمى عليها، همس بين أسنانه:

"أيّتها الغبية… لقد دمرتِ حياتي… وأنتِ حتى لا تعرفين اسمي."

2025/09/06 · 32 مشاهدة · 922 كلمة
Ahmdd Ahmed
نادي الروايات - 2025