قال السائق، بصوتٍ هادئ يليق ببرودة الصباح:
> «قد وصلنا يا سيّدتي يونا.»
رفعتُ بصري من النافذة ببطء، أحدّق في مبنى المدرسة خلف الزجاج الأمامي. بدا كل شيء كما كان بالأمس: الأسوار العالية، أشجار الساحة التي تحاول أن تبدو حيّة، الوجوه المألوفة التي تتحرّك بلا اكتراث. للحظة قصيرة، راودني انطباع غريب… كأن الزمن لا يمر، كأن كل صباح هنا نسخة باهتة من الذي سبقه.
مددت يدي نحو مقبض الباب، لكن صوته أوقفني قبل أن أدفعه:
> «سيّدتي… يوم سعيد.»
التفتُّ نحوه دون وعي. كان يبتسم، ابتسامة صغيرة دافئة، لا مبالغة فيها ولا اصطناع. كلمة قصيرة، عادية في أي مكان آخر، لكنها سقطت داخلي مثل حجر في ماء راكد. يوم سعيد… لي؟ لم يقل لي أحد تلك العبارة من قبل، أو ربما لم أتذكر أن أحدًا قالها بنيّة حقيقية.
لم أجد ما أردّ به سوى ابتسامة باهتة، لكنها لم تكن مجاملة؛ خرجت مني كما لو أن الكلمة نفسها أخرجتها. في تلك اللحظة شعرت بشيء غريب يتكوّن في صدري، إحساس غير مألوف، كأن شيئًا صغيرًا ودافئًا يحاول شقّ طريقه وسط برودة اعتدت عليها طويلًا.
نزلت من السيارة ببطء، وخطوت نحو الدرج المؤدي إلى المبنى. كنت ما أزال أشعر بظل ابتسامتي على وجهي، كأنها ترفض أن تختفي. لماذا؟ تساءلت وأنا أراقب أطراف حذائي تصعد الدرجة تلو الأخرى. لماذا أبدو سعيدة بسبب كلمات قليلة؟ هل لأن أحدهم خاطبني بلطف من دون مصلحة؟ أم لأنني ببساطة لم أعتد على أن يوجَّه لي شيء جميل بلا مقابل؟
في تلك الأفكار كنت غارقة، حتى قطع الصمت صوت مختلف، صوت أنثوي واضح النبرة، يحمل شيئًا من القوة الممزوجة بالدهشة:
> «يونا! لماذا لم تتصلي بي بالأمس؟»
التفتُّ ببطء نحو مصدر الصوت. كانت فتاة تقف عند مدخل القاعة الجانبية. شعرها أصفر لامع يتدلى بخصلات مرتبة، وعيناها الخضراوان خلف نظارة صغيرة تضيف لوجهها حدة وأناقة. وقفت بثقة، كأنها تعرف قيمتها جيدًا.
تقدمت نحوي بضع خطوات، وحاجباها مرفوعان بسؤال لم يُنطق بعد:
> «ماذا بكِ؟ لماذا أنتِ باردة على غير عادتك؟»
أخذت لحظة أدرس ملامحها. لم أحتج كثيرًا لأدرك من تكون. هان سيول. الاسم تسلّل من أعماقي قبل أن أستحضره. في «القصة الأصلية» — ذلك الشيء الغامض الذي لا أستطيع تفسيره — كانت هان سيول الشخص الوحيد القادر على الوقوف إلى جانب يونا، الشخص الذي يشبهها في شيء لا يستطيع الآخرون فهمه.
لكن الآن… وأنا أواجهها، شعرت بمسافة طويلة تفصل بيني وبين ما يفترض أن أكونه معها. لم أعرف ما أقول، ولا لماذا تنتظر مني ردًّا دافئًا كما اعتادت.
أخفضت نظري للحظة، ثم رفعت رأسي ببطء، محاوِلة أن أجد في داخلي بقايا من «يونا» التي ربما عرفتها هي. لم أجد سوى هدوء بارد يغلف كلماتي:
> «لم أكن… في مزاج للاتصال.»
لمّا قالت هان سيول، بصوتٍ فيه عتاب وقلق:
> «لقد كنتُ مريضة البارحة، ولهذا غبتُ عن المدرسة. توقعت أن تتصلي بي كالعادة… في كل مرة كنتِ تفعلين ذلك. ظننتُ أن ذلك الحقير إيريك يحاول إيذاءك، لذا كنت قلقة.»
بقيتُ صامتة للحظات، أحدّق في وجهها المشرق بعينين خضراوين خلف النظارات. كلماتها بدَت دافئة، لكنّها أثارت في داخلي موجة غريبة، شيء بين الامتنان والارتباك. في النهاية قلتُ، بصوتٍ منخفض، متردّد:
> «لقد جاء بالفعل…»
ارتسمت على ملامحها دهشة حقيقية، انحنت قليلًا نحوي وقالت:
> «ماذا؟ ماذا حدث لكِ؟»
أخفضت بصري إلى الأرض، كأنّ الحروف التي سأقولها تحمل وزنًا ثقيلاً:
> «الحقيقة… لقد هددته.»
تسعت عيناها أكثر، ثم ضحكت فجأة، هزّت رأسها وقالت:
> «هه، توقفي عن المزاح يا يونا. هيا، لنذهب إلى الصف.»
مشيتُ بجانبها عبر الرواق الطويل. كانت خطواتها واثقة، تحمل إيقاعًا ثابتًا كأنها تعرف دائمًا إلى أين تتجه، بينما كنتُ أشعر بأن كل خطوة لي مجرّد محاولة للبقاء متماسكة. هان سيول ليست كغيرها من الفتيات؛ هي ابنة أحد أغنى رجال الأعمال، صحيح، لكنها أيضًا ابنة زوجته الثالثة، لذلك كثيرًا ما يتمّ احتقارها من قِبل أبناء زوجاته الأُخريات. ومع ذلك، لم أرَ يومًا أحدًا يجرؤ على إهانتها أمام الملأ، فهي تعرف كيف تدافع عن نفسها، ولها شخصيّة حادّة تجعل الآخرين يتراجعون قبل أن يختبروها.
حين وصلنا إلى باب الصف، سبقتني بخفّة، فتحت الباب، ودخلت كأنها تملك المكان. همس بعض الطلاب باسمها، وألقى عليها آخرون التحية بابتسامات سريعة. كانت تقف في وسط موجة من الاهتمام، بينما بقيتُ أنا خلفها للحظة، أراقب كل شيء من مسافة غير مرئية.
جلست هان سيول في مقعدها المعتاد قرب النافذة، وأشارت بيدها أن أجلس بجوارها. تنفستُ ببطء وأنا أقترب. شعرت بنظرات متفرّقة من هنا وهناك؛ بعضها فضولي، بعضها يحمل لمعة استخفاف مألوفة. لم يكن أحد يتقرّب مني إلا لسببٍ ما، أو ليقول شيئًا قد يجرح. اعتدت على ذلك، لكن شعور الانفصال عن الآخرين لم يصبح أسهل أبدًا.
بينما كنتُ أفتح حقيبتي ببطء، سمعتُ صوتها القريب:
> «يونا، لماذا وجهك شاحب هكذا؟»
قبل أن أجيب، مدّت يدها بخفة ولمست جبيني بأطراف أصابع باردة، ناعمة. كانت الحركة طبيعية منها، لكنها أصابتني بتيار غير مفهوم، خليط من الدفء والقلق. بقيتُ صامتة، أراقب يدها القريبة، كأنني لا أعرف كيف يُفترض بي أن أتصرف حيال لطف بسيط.
قالت وهي تميل رأسها قليلًا:
> «أوه… أنتِ بخير على ما يبدو.»
ابتسمت بخفة، تلك الابتسامة نفسها التي تجعل العيون الخضراء تبدو أصفى، ثم سحبت يدها وجلست مستقيمة، تنشغل بترتيب كتبها.
نظرتُ من حولي، رأيت الزملاء يتحدثون، يضحكون، يتبادلون الملاحظات. في وسط كل تلك الحركة، شعرت أنني أطفو على هامش المشهد، أنني موجودة جسديًّا لكن بلا جذور تربطني بأي شيء هنا. حتى هان سيول، على الرغم من قربها، كان بيننا جدار رفيع، جدار صنعته المسافة بين ما يُفترض أن أكونه وما أنا عليه الآن.
وضعتُ يدي على سطح الطاولة، أراقب أصابعي التي تبدو غريبة في الضوء المتسلل من النافذة. حاولت أن أتنفس بهدوء، أن أستجمع شيئًا يشبه التركيز، لكن بقي في صدري فراغ واسع، ممتدّ، لا يمتلئ حتى بقلق الآخرين عليّ.
رنّ الجرس معلنًا بدء الحصة، وعمّ الصفّ صمتٌ نسبي بينما دخل المعلّم. بقيتُ أنا أراقب النقاط السوداء على السبورة، أفكّر في الكلمة التي قالها السائق صباحًا — «يوم سعيد» — وكيف ما زالت ترنّ بصوتٍ منخفض في أذني، تتصادم مع كل برودة تحيط بي، تترك أثرًا صغيرًا لا أريد أن أفقده.