الدوامة الفضية فوق السيارة تبدأ بالتوسع. ما بدأ كاهتزاز خفيف في الهواء أصبح الآن شقاً مرئياً في نسيج الواقع نفسه. الضوء الذي يتسرب منه ليس من هذا العالم - أبيض ومتقد، لكن بطريقة تجعل العيون تدمع عند النظر إليه مباشرة.
يشعر حسون بجسده يرتجف. ليس من البرد هذه المرة. الأرض تحت قدميه بدأت تهتز بإيقاع غير منتظم، كنبضات قلب عملاق يحتضر. الأرصفة التي عاش عليها طوال حياته، التي مشى عليها آلاف المرات، بدأت تتنفس.
نعم، تتنفس.
يراقب بذهول وهي ترتفع وتنخفض بحركة عضوية مخيفة، كأن شيئاً هائلاً تحت المدينة بدأ يستيقظ من سبات عميق.
الشقوق تبدأ من نقطة واحدة في الدوامة وتنتشر عبرها مثل شبكة عنكبوت مضيئة. من كل شق يتسرب هواء ساخن يحمل رائحة الكبريت والدخان المعدني. الرائحة الحلوة اختفت، واستبدلت برائحة أعمق وأكثر قدماً - رائحة شيء عاش في ظلام دامس لألف عام.
ثم يحدث الانشقاق.
الضوء ينفجر كالبرق المحبوس، والشق يتمزق ليكشف عن ظلام مطلق وراءه. من هذا الظلام، يبرز شيء يجعل عقل حسون يتوقف عن محاولة فهم ما يراه.
رأس.
رأس بحجم سيارة صغيرة، مغطى بحراشف سوداء تلمع بوهج بنفسجي خافت كالأحجار الكريمة في الظلام. كل حرشفة بحجم كف اليد، منحوتة بدقة تجعلها تبدو وكأنها مطروقة من معدن أسطوري. العينان - عينان صفراوان متقدتان كالشمس المحتضرة - تتحركان ببطء لتسح المكان، وعندما تمر نظرتهما عبر الشرفة حيث يقف، يشعر بالبرد يخترق عظامه.
الفك يفتح ببطء، كاشفاً عن أسنان بيضاء كالثلج، كل سن بطول ساعد رجل بالغ. اللسان الذي يتحرك خلفها أحمر قاني، يقطر بسائل يدخن عندما يلامس الأسفلت.
عندما يزأر، لا يكون الصوت مجرد صوت. إنه موجة صادمة تضرب صدر حسون كمطرقة عملاقة، تدفعه خطوتين للخلف، وتجعل الزجاج في النوافذ المحيطة يرقص في إطاراته. أسنانه تطقطق، وأذناه تصفران برنين حاد يستمر لثوان طويلة.
الناس في الشارع - الذين كانوا يمشون بهدوء قبل دقائق، منهمكين في أحاديثهم اليومية ومشاغلهم الصغيرة - تجمدوا في أماكنهم. بعضهم صرخ، صرخات قصيرة ومختنقة كأنها تُقطع من حناجرهم قسراً. بعضهم بدأ يركض، أقدامهم تتعثر على الأرض المهتزة. لكن أكثرهم بقي واقفاً، مشلولاً بخوف أقدم من الكلمات، خوف محفور في عمق الجينات البشرية من المفترسات التي اعتقدنا أنها اختفت من العالم.
الأجنحة تنبسط.
أجنحة سوداء هائلة تمتد عبر عرض الشارع كله، تلامس المباني على الجهتين. الجلد المطاطي بينها رقيق لدرجة تظهر معها الأوعية الدموية كخيوط بنفسجية متوهجة. عندما تخفق مرة واحدة، الرياح التي تنتجها تقتلع أوراق الأشجار وتقذفها في دوامات صغيرة عبر الشارع.
على الزعنفة الأمامية اليسرى، محفور بعمق في الجلد السميك، ختم معدني متوهج باللون الأحمر الدموي. الحرف "S" محاط بدائرة من الرموز الغريبة التي تؤلم العيون عند النظر إليها مباشرة.
تنين من الرتبة S.
المعرفة تأتي إلى عقله من مكان لا يعرفه، كأن شخصاً آخر يهمس في رأسه. الرتبة S - أعلى تصنيفات الخطر للكائنات فوق الطبيعية. كائنات قادرة على تدمير مدينة كاملة إذا تُركت بلا رقيب.
يلتفت نحو نافذة عمو كريم، يتوقع أن يرى الرجل يركض أو يختبئ أو على الأقل يبدو خائفاً. بدلاً من ذلك، يرى تحولاً كاملاً.
الرجل الستيني الذي كان يبتسم له قبل ثوان اختفى. مكانه يقف رجل ذو وضعة عسكرية صارمة، عيناه تقيسان التنين بنظرة محترف يحسب زوايا الهجوم ونقاط الضعف. وجهه لم يعد يحمل أثراً للدفء الجدّي المعتاد، بل صلابة الصخر وبرود المعدن.
يتحرك كريم بخطوة واحدة واثقة نحو النافذة، يضع يده على الحاجز المعدني. لثانية واحدة، يلتقي نظرهما. في عيني كريم، يرى حسون شيئاً لم يتوقعه: اعتذار صامت، وحزن عميق، وقرار اتخذ منذ زمن طويل.
"اهتم بنفسك، حسون." صوته هادئ لكنه يحمل وزن السنين. "وتذكر... بعض المعارك لازم نخوضها، حتى لو كنا خايفين."
ثم يقفز.
يقفز من النافذة إلى الشارع - خمسة طوابق - بخفة رجل يهبط من كرسي. أقدامه تلامس الأسفلت بصوت خافت، وحوله تتطاير دوائر من الغبار كأن الأرض نفسها تحيي وصوله.
في يده، كانت هناك عصا خشبية قصيرة. ليست عصا عادية - الخشب أملس كالحرير، بني غامق مع خيوط فضية تتخلله كأعصاب حية. وعندما يرفعها، ضوء أزرق باهت يبدأ بالتصاعد منها، خيوط ضوئية ترقص حول سطحها مثل البرق المصغر.
التنين ينتبه إليه.
الرأس الهائل يتحرك ببطء، العينان الصفراوان تتجهان نحو الرجل الصغير الواقف أسفله. في تلك النظرة، هناك شيء أشبه بالفضول - كيف يجرؤ كائن ضعيف كهذا على الوقوف أمامه؟
كريم يرفع العصا فوق رأسه بحركة واحدة حاسمة. الهواء فوقه يتشقق حرفياً، خطوط كهربائية بيضاء تنتشر عبر السماء كشبكة عنكبوت مضيئة. الرعد ينحني ليخدمه، والبرق يلتف حول ذراعيه مثل الأفاعي الطائعة.
العصا تمتد.
في أقل من ثانية، تتحول من عصا قصيرة إلى رمح معدني طوله ثلاثة أمتار، حافته الأمامية متوهجة كنجمة صغيرة. السطح المعدني منقوش برموز تتوهج وتخفت بإيقاع نبضات القلب، وعندما يحركه كريم، يترك خيوطاً من الضوء في الهواء.
التنين يزأر ويقذف لهباً.
ليس لهباً عادياً. إنه نار بنفسجية اللون، كثيفة لدرجة أنها تبدو سائلة، تنساب عبر الهواء كالحمم المتدفقة. الحرارة تصل إلى حسون في الطابق الخامس، تلسع وجهه حتى يضطر لحماية عينيه بذراعه. الرائحة - رائحة المعدن المنصهر والكبريت المحترق - تملأ أنفه وتجعله يسعل.
كريم لا يتراجع.
بدلاً من ذلك، يقفز للأمام، مباشرة نحو النار. الرمح في يده يدور بسرعة خارقة، يخلق حاجزاً دائرياً من الضوء الأزرق حوله. النار البنفسجية تصطدم بالحاجز وتتناثر في كل الاتجاهات، تترك ممراً ضيقاً من الهواء البارد خلفه - ممراً يستغله كريم للوصول إلى التنين.
الاصطدام الأول يهز الأرض.
الرمح يغرس في الفك السفلي للتنين، يخترق الحراشف السوداء ويدفن رأسه المتوهج عميقاً في اللحم. الدم الذي يتدفق ليس أحمر كدم البشر، بل أزرق مضيء كالكهرباء السائلة، يسيل على الأسفلت ويترك أثراً مضيئاً.
التنين يصرخ - صرخة مختلفة هذه المرة، ممزوجة بالألم والغضب. يضرب بجناحه الأيمن ضربة عمياء، لكن كريم ينحني في اللحظة الأخيرة، الجناح يمر فوق رأسه بسنتيمترات قليلة.
لكن الضربة الثانية تصيبه.
مخلب هائل - أسود كالفحم وحاد كالشفرة - ينطلق من الجناح الأيسر ويخترق خاصرة كريم. صوت تمزق القماش واللحم يختلط مع صرخة الألم المكتومة. الدم - دم أحمر عادي هذه المرة - يتفجر من الجرح ويسيل على ملابسه.
حسون يصرخ من الشرفة: "عمو كريم!"
الرجل يترنح، يضع يده على الجرح، لكنه لا يسقط. بدلاً من ذلك، ينظر إلى يده المضرجة بالدم، ثم يبتسم ابتسامة مريرة.
"هاي مو أول مرة..." يتمتم لنفسه، ثم يرفع الرمح مرة أخرى.
التنين، غاضباً الآن أكثر من أي وقت مضى، يحاول أن يعضه. الفك الهائل ينفتح، والأسنان البيضاء تنحدر نحو كريم. لكن الرجل يتدحرج جانباً، والأسنان تعض الأسفلت بدلاً منه، تتحطم قطع من الطريق وتتطاير في كل الاتجاهات.
في تلك اللحظة، بينما فم التنين محشور في الأرض، كريم يرى فرصته.
يقفز على رأس المخلوق، أقدامه تجري فوق الحراشف السوداء كرجل يركض فوق سطح منزل. التنين يحاول أن يهز رأسه ليطرحه، لكن كريم يتمسك بالحراشف بيد والرمح في الأخرى.
يصل إلى العنق - النقطة التي تتصل فيها الرأس بالجسد، حيث الحراشف أرق والجلد أكثر نعومة.
يرفع الرمح عالياً، والضوء الأزرق يشتعل أقوى من أي وقت مضى. لحظة واحدة من الصمت المطلق، وكأن العالم كله يحبس نفسه.
ثم يضرب.
الرمح ينزل كالصاعقة، يخترق جلد العنق ويدخل عميقاً في الأنسجة الداخلية. لكن هذه المرة، الضوء الأزرق لا يبقى في الرمح. ينتشر عبر جسد التنين كالعدوى، يتسلل عبر الأوعية الدموية والأعصاب، يضيء المخلوق من الداخل.
التنين يرفع رأسه في صرخة أخيرة، وحسون يرى شيئاً لم يتوقعه في عينيه الصفراوين: خوف. خوف خالص وبدائي من الموت.
الضوء يتفجر.
انفجار صامت من الضوء الأزرق الخالص ينتشر عبر جسد التنين، يتسلل تحت كل حرشفة، يضيء كل عرق. لثواني قليلة، يصبح المخلوق الهائل مجرد شكل مضيء في الظلام، جميل ومرعب في آن واحد.
ثم يبدأ بالتفتت.
يبدأ من الأطراف - نهايات الأجنحة، أطراف المخالب - حيث تتحول الحراشف السوداء إلى غبار فضي يذروه الهواء. التفتت ينتشر مثل النار في القش الجاف، يصعد عبر الأجنحة والأرجل والجسد، حتى يصل إلى الرأس.
في النهاية، لا يبقى شيء سوى كومة من الرماد الفضي تتناثر مع أول نسمة هواء.
كريم يسقط على ركبتيه، الرمح يعود إلى شكله الأصلي كعصا خشبية قصيرة ويسقط من يده. الدم لا يزال يسيل من جرحه، ولكن هناك شيء في عينيه - راحة مختلطة بإرهاق عميق.
يلتفت نحو الشرفة حيث يقف حسون، ويبتسم ابتسامة متعبة:
"لسه... ما خلصناش، يا حسون..."
ثم ينهار.
حسون ينطلق من الشرفة، يجري نحو الدرج وهو لا يدري لماذا يتحرك. عقله يصرخ به أن يبقى بعيداً، أن ما حدث ليس من عالمه، أن عليه أن يختبئ ويتظاهر أنه لم ير شيئاً. لكن شيئاً أعمق منه - شيء في أعماق روحه - يسحبه نحو الشارع.
عندما يصل إلى كريم، يراه يتنفس بصعوبة، عيناه مفتوحتان لكنهما لا تركزان على شيء محدد.
"عمو كريم!" يركع بجانبه، لا يعرف ماذا يفعل أو كيف يساعد.
الرجل يدير عينيه نحوه ببطء، ويبتسم ابتسامة ضعيفة:
"أحسنت... أجيت."
"شلون أساعدك؟ شلون...؟"
"هسه... تعرف." كريم يشير بإصبع مرتجف نحو شيء فوق رأس حسون. "كان لازم تشوف هاي..."
حسون يرفع نظره، ويرى شيئاً يجعل عقله يتوقف عن العمل للحظة.
يطفو في الهواء أمامه مستطيل شفاف مضيء، كأنه شاشة مصنوعة من الضوء الصلب. الكلمات عليها تتوهج بلون أزرق ناعم:
تم اختيارك لتصبح مضيف نظام لورد الكلاوجية
[قبول] – [رفض]
يحدق في الشاشة، قلبه يخفق بقوة لدرجة أنه يسمع صوته في أذنيه. الخيارات تطفو أمام عينيه، واضحة وبسيطة، لكنه يعرف أن ما سيختاره الآن سيغير حياته إلى الأبد.
ينظر إلى كريم، الذي ينزف على الأسفلت.
ينظر إلى الرماد الفضي المتناثر حيث كان التنين يقف قبل دقائق.
ينظر إلى الناس الذين بدأوا يخرجون من مخابئهم بحذر، وجوههم شاحبة من الخوف.
شيء في عمقه يهمس له أن هذا ليس الوحش الوحيد. أن هناك المزيد قادم. وأن أحدهم يجب أن يقف في وجههم.
دون تفكير، يده تتحرك وحدها وتضغط على [قبول].
الضوء يبتلع رؤيته فجأة، أقوى من ضوء الشمس، يخترق عينيه المغلقتين ويصل إلى أعماق دماغه. حرارة باردة - إحساس متناقض لا يمكن وصفه - تبدأ من أطراف أصابعه وتنتشر عبر جسده كالكهرباء الهادئة، تتسلل عبر الأوردة والأعصاب حتى تصل إلى قلبه وتستقر هناك.
تحميل الحزمة الأساسية...
تفعيل بروتوكول الاستيقاظ...
الصوت في رأسه ليس صوتاً حقيقياً - إنه أشبه بالتفكير، لكنه ليس تفكيره. كأن شخصاً آخر يتكلم داخل عقله بصوت معدني هادئ وغير مألوف.
ثم يبدأ الألم.
يبدأ من فروة رأسه، كأن آلاف الإبر الصغيرة تخترقها في آن واحد. يصرخ ويضع يديه على رأسه، لكن الألم لا يتوقف. بدلاً من ذلك، يزداد قوة، ويشعر بشعره - شعره الأسود العادي الذي ورثه من أمه - يتغير.
كل شعرة تسقط، لكنها لا تسقط على الأرض. بدلاً من ذلك، تذوب في الهواء كخيوط من الدخان الأسود. ومكانها، ينبت شعر جديد - فضي اللون، لامع كالمعدن السائل، حي ويتحرك وحده كأنه كائن منفصل.
قدرة مكتسبة: الشعر الكلاوجي
شعر حي، يتفاعل مع النية، يمتد ويقطع ويخترق.
الألم يتغير فجأة، ينتقل من رأسه إلى عموده الفقري. قوة غريبة تصعد من أسفل ظهره، تتسلل عبر الفقرات واحدة تلو الأخرى، كأن نهراً من الكهرباء يجري عبر عظامه. عندما تصل إلى رقبته، يشعر بالأرض تحت قدميه تستجيب لشيء في داخله.
نبضة واحدة.
نبضة عميقة تصدر من أعماق الأرض، تمر عبر جسده وتنتشر في كل الاتجاهات. الأسفلت حوله يتشقق في دوائر منتظمة، والغبار يتطاير كموجة صادمة صغيرة تدفع أوراق الأشجار وقطع الورق المتناثرة.
قدرة مكتسبة: هزة العطواني
نبضة أرضية صادمة، تكسر الدفاعات وتكشف نقاط الضعف.
لكن قبل أن يتمكن من فهم ما يحدث له، الشاشة تعود، وهذه المرة الكلمات عليها تتوهج بلون أحمر تحذيري:
المهمة الأولى: القضاء على الكائن – تنين التصنيف S
المهلة: 00:00:15
العقوبة: إلغاء المضيف
عداد تنازلي يبدأ في الزاوية اليمنى من الشاشة: 14... 13... 12...
يحدق حسون في الشاشة بذعر. "بس التنين مات! عمو كريم قتله!"
لكن عندما ينظر إلى حيث كانت كومة الرماد الفضي، يراها تتحرك.
الرماد يتجمع، حبة تلو حبة، كأن مغناطيس خفي يسحبها نحو نقطة واحدة. الذرات الفضية تتراقص في الهواء وتتصل مع بعضها البعض، تشكل أولاً خيوطاً، ثم أشكالاً، ثم كتلاً أكبر.
10... 9... 8...
التنين يعود إلى الحياة، لكنه أصغر هذه
المرة - بحجم كلب كبير بدلاً من الحجم الأصلي الهائل. عيناه لا تزالان صفراوين ومتقدتين، لكن هناك شيء مختلف فيهما - غضب أعمق، وجوع أشرس.
7... 6... 5...
حسون يريد أن يهرب، يريد أن يترك كل شيء ويجري