ركضت عبر الممرات المظلمة التي حفرتها ذاكرتي خلال أربع سنوات من العبودية.
كل زاوية، كل جدار، كل صرخة محفورة في داخلي.
مددت هاكي التنبؤ إلى أقصى حدوده، أشعلت حواسي حتى شعرت بذبذبات الحياة من بعيد؛
لوكاس، سامرو، والفتيات الثلاث يركضون، قلوبهم تخفق بسرعة الرعب والحرية.
ما إن خرجت من بوابات القصر حتى مزقت السماء أصوات الانفجارات.
النار ارتفعت في الماريجوا، أصوات العبيد تصرخ، والسلاسل تتكسر.
الثورة بدأت… أخيرًا.
بدون تردد فعّلت قدرتي، الجاذبية حملتني عاليًا،
ارتفع جسدي في الهواء بسرعة هائلة، أجواء المعركة تحت قدميّ،
والسماء سوداء تتلون بلون الحرائق.
حلقت حتى لحقت بالمجموعة، وهبطت أمامهم بقوة جعلت الأرض تهتز.
توقفوا عن الركض للحظة، أنظارهم متوجسة،
لكنهم عرفوا أن وصولي يعني خطوة نحو النجاة.
ناديت: “هانكوك!”
اقتربت مني، وجهها مزيج من الخوف والاستغراب.
أخرجت من جيبي فاكهة الشيطان الزرقاء الغامقة،
ورفعتها أمام عينيها:
“كليها… ستكون قوتها طريق نجاتك.”
ارتجفت، تراجعت خطوة، رفضت بعناد:
– “لا.”
اقتربت منها بخطوات باردة، صوتي كان حادًا كالشفرة:
“إن لم تأكليها… سأقتل أختيك أمامك.”
في تلك اللحظة انفجر هاكي الملكي من داخلي، موجة قاسية دفعت الهواء من حولنا،
الأرض تكسرت تحت أقدامنا، ووجوه الجميع انحنت تحت الضغط.
هانكوك ارتجفت، الغضب يشتعل في عينيها، لكنها رضخت،
أخذت الفاكهة من يدي بأسنان غاضبة، وقضمتها رغم مرارتها.
صرخت من الألم للحظة، ثم سقطت على ركبتيها،
وموجة من الطاقة الغامضة خرجت من جسدها.
رفعت رأسها ونظرت إليّ… نظرة حقد لم أرَ مثلها من قبل.
ابتسمت ببرود. “أكرهي كما تشائين… لكن ابقي حيّة.”
تركتها، واتجهت نحو سامرو.
ناولني دن دن موشي صغير، وقال بصوت جاد:
“انتبه على نفسك.”
أومأت له، ثم نظرت إلى المجموعة لآخر مرة.
“امضوا. أنا سأكون خلفكم.”
وفعلت ما أجيد فعله…
أطلقت الجاذبية حولي، وانطلقت في السماء كالرمح،
أبتعد عنهم، متجهًا نحو الجحيم الذي ينتظرني.
دخلت وسط الانفجارات التي مزقت سماء الماريجوا،
الأرض تهتز تحت قدميّ، أصوات المعارك تعلو من كل جانب،
صرخات العبيد المختلطة بأوامر الحراس،
وفوق كل ذلك أصوات التنانين السماوية المليئة بالغطرسة والذعر،
يأمرون بإعدام العبيد بلا رحمة.
وسّعت هاكي التنبؤ إلى أقصى حد، غطيت به مساحات واسعة من المدينة،
كل حركة، كل نبضة قلب، أصبحت تحت سيطرتي.
نزلت ببطء من السماء، كأنني ملاك الموت القادم،
والجاذبية حولي تزداد كثافة مع كل خطوة.
رفعت قوتي فجعلت الحراس والتنانين السماوية ينهارون على ركبهم،
أنفاسهم تختنق، أجسادهم تصرخ من الثقل الساحق.
رفعت صوتي:
“اهربوا!”
العبيد تجمدوا للحظة، لم يفهموا لماذا شخص قوي يساعدهم.
نظرت إليهم ببرود، ثم مزقت قميصي بيدي،
وكشفت صدرًا يحمل علامة العبودية المحفورة بالنار.
ارتعشوا… لكن هذه المرة ارتعاش فرح.
أدركوا أنني واحد منهم، عبد مثلم، لكنه يقف الآن كقوة لا يستطيع أحد ردعها.
بدأوا يركضون في كل اتجاه، نحو الحرية التي لطالما حلموا بها.
أما الحراس، فقد ظلوا راكعين تحت قوتي.
سمعت صوت أحد النبلاء يصرخ:
“اقتلوه! اقتلوه حالًا!”
لكن الجاذبية كانت قد سحقت أصواتهم كما سحقت أجسادهم.
تقدمت خطوة للأمام وبدأت أعدهم، واحدًا تلو الآخر:
واحد…
اثنان…
ثلاثة…
أربعة…
خمسة…
ستة…
سبعة…
ثمانية…
تسعة.
ابتسمت، ابتسامة مكسورة لكنها مليئة بالغضب المكبوت.
“تسعة نبلاء… جيد جدًا.”
زادت الجاذبية عليهم حتى التصقت وجوههم بالأرض.
ثم التفتُّ إلى الحراس، وقلت بصوت هادئ لكنه يحمل الموت في داخله:
“لديكم خياران…
إما الموت دفاعًا عن القمامة…
أو ترك القمامة تموت والهرب مع بقية العبيد.”
أردت أن أمنحهم فرصة، ولو كانت الأخيرة.
النبلاء كانوا يختنقون من شدة الضغط، عاجزين عن الكلام،
أما الحراس، فقد صمتوا جميعًا.
إلى أن رفع الأكبر بينهم رأسه بصعوبة وقال بصوت مبحوح:
“الحياة ستكون السبب في موت عائلاتنا…
أما الموت، فسيكون نجاتهم.”
تجمدت للحظة، شعرت بشيء ينكسر بداخلي.
ابتسمت ابتسامة حزينة:
“ما تطلبه… هو الموت.”
أومأ برأسه دون خوف.
اقتربت منه ببطء، ثم همست:
“سأمنحكم موتًا سريعًا.”
رفعت سيفي عبر الجاذبية، وبدأت…
واحدًا تلو الآخر، قطعت حياتهم بلا ألم، بلا صراخ.
كل ضربة كانت تحمل ثقل السماء نفسها.
كانوا بشرًا… لكل واحد منهم اسم، وعائلة تنتظره.
لكن من هذه اللحظة، ستختفي أسماؤهم من هذا العالم.
أما أنا، فسأحمل ذنبهم معي إلى الأبد.
اقتربت من النبلاء ببطء، وخففت ضغط الجاذبية عنهم تدريجيًا، لأترك لهم وهمًا بأنهم قد يستطيعون النجاة.
أول ما فعلوه بعد أن تمكنوا من التقاط أنفاسهم هو شتمي وتهديدي، أصواتهم ممتلئة بالغطرسة المعتادة.
لم أكترث لكلماتهم… كانت مجرد أصوات جوفاء لن تغيّر شيئًا.
تقدمت نحو الأول منهم، نظرت في عينيه الفارغتين من أي إنسانية، ثم أمسكت سيفي.
في لحظة، قطعت يده، فانطلقت صرخة حادة مزقت الهواء واخترقت أذنيّ، لكنها لم تهز قلبي.
تابعت بقطع يده الثانية، ثم رجليه، والدم يتفجر من جسده مثل نافورة حمراء.
لم أسمح لصرخاته أن توقفني، بل كانت وقودًا لغضبي.
مع كل نبيل، كنت أشعر بمشاعرهم تتغير بوضوح عبر هاكي التنبؤ:
من الغطرسة… إلى التوتر… إلى الخوف… وأخيرًا إلى اليأس.
هذا الشعور… اليأس الحقيقي، لم أحبه يومًا، إلا عندما يأتي منهم.
وقفت أمامهم جميعًا، والدماء تغطي وجهي وثيابي.
قلت بصوت منخفض لكنه اخترق أرواحهم:
“ما أنتم إلا مجموعة نكرات… لا يجب أن يُسمح لكم بالعيش.
لا يجب أن يكون لكم وجود.”
واصلت معاقبتهم، واحدًا تلو الآخر، قطعت أطرافهم دون أن أمنحهم الموت.
تركتهم ينزفون، أجسادهم ترتجف من الألم، وعيونهم تصرخ طلبًا للرحمة التي لن تأتي أبدًا.
رفعت رأسي، والسيف يقطر دمًا، وصحت بكلمات تزلزل المكان:
“أنا العبد الذي أصبح ملكًا!
أنا من كتب الموت لكم!
أنا من سيكون سبب نهايتكم!
أنا من سينهي إرثكم!
أنا وريث الـ(D)… ملك الموت الذي جاء ليحطم عروشكم!”
زادت قوة الجاذبية عليهم فجأة، حتى سحقت عظامهم الداخلية، وكسرت أعضاءهم التناسلية بلا رحمة، لأجعلهم يذوقون ألمًا يفوق الموت.
تقدمت نحو أحدهم، كان يلهث محاولًا البقاء حيًا.
أمسكت قطعة معدنية حامية من النار وكيّت جروحه، لأوقف نزيفه بالقوة.
تركته بلا ذراعين، بلا قدمين، مجرد بقايا مخلوق.
انحنيت بجانبه وهمست:
“أنت ستعيش… لتكون رسالتي إلى باقي التنانين السماوية.
أخبرهم… أن ملك الموت قد وُلد من العبودية.”
تركتهم جميعًا يتلوّون من الألم، ثم أدرت ظهري ورحلت، تاركًا خلفي صرخاتهم التي ستظل تلاحقهم… حتى النهاية.
تركت النبيل المغمي عليه يتلوّى في ألمه، ثم رفعت جسدي باستخدام الجاذبية. صعدت إلى السماء، والدماء والرماد يلتصقان بي، بينما الريح الباردة تضرب وجهي. من الأعلى رأيت ماريجوا تغرق في الفوضى، ألسنة النار ترتفع، والعبيد يركضون في كل اتجاه، والصرخات تتلاشى مع دقات قلبي المتسارعة.
بينما أطير، لمحت مجموعة صغيرة من الأطفال—خمسة فقط، فتاتين وثلاثة صبية، أعمارهم لا تتجاوز العاشرة—يتجمعون بجانب أحد الجدران المحترقة. كانوا يرتجفون، عيونهم غارقة في الخوف، ودموعهم تختلط بالرماد على وجوههم.
هبطت أمامهم ببطء، وابتسمت رغم التعب الذي ينهش جسدي.
قلت بصوت هادئ:
“لا تخافوا… لن تقلقوا بعد اليوم.”
لكنهم ازدادوا خوفًا، تراجعوا خطوة للخلف، وكأنهم لا يصدقون أن أحدًا سيحميهم.
مددت يدي نحوهم.
“امسكوا بيدي… لكي ننجو معًا.”
لم يتحركوا، الشك يسيطر عليهم. لكن فجأة، الفتاة التي كانت تقف في المقدمة لاحظت وشم العبودية على صدري.
نظرت إليّ بعينين دامعتين وقالت للبقية:
“لنثق به… هو مثلنا.”
اقتربوا ببطء، ثم أمسكت الفتاة بيدي أولًا، تبعها الآخرون واحدًا تلو الآخر.
ما إن التحموا بي حتى شعرت بأن التحكم بالجاذبية صار أسهل؛ أصبحنا كتلة واحدة في الهواء.
ارتفعنا ببطء، والريح تلفح وجوههم الصغيرة. الخوف بدأ يتبدد، وحل محله شعور آخر… الأمل ، ثم السعادة .
سمعت ضحكات مكتومة منهم وهم يطيرون، شعور الطيران حررهم من كوابيسهم للحظات.
ابتسمت لهم، تذكرت طفولتي… كنت أحلم بالطيران.
واليوم، وأنا أحمل هؤلاء الأطفال، حققت حلمي في أسوأ مكان على وجه الأرض.
اتجهت نحو سور ماريجوا العملاق. خلفه، كانت المصاعد المخصصة للتنانين السماوية، لكن العبيد سيطروا عليها بالكامل.
لم يتبقَّ لنا سوى الهبوط مباشرة من السور إلى الأرخبيل شابوندي.
حملت الأطفال بقوة، وشددت قبضتي عليهم.
قلت بصوت حازم:
“لا تتركوا يدي… ولا اليد التي تمسكونها.”
أومأوا برؤوسهم بصمت، وعيونهم تلمع بالخوف والإصرار.
خففت الجاذبية تدريجيًا، وبدأنا ننزل ببطء شديد نحو الأسفل.
كانوا يشعرون وكأنهم في نزهة سماوية، لكن داخلي كان عاصفة؛ كل عضلة في جسدي تصرخ من الإرهاق.
لم أستخدم هذه الفاكهة من قبل… واليوم هو أول يوم أكسر فيه قيودها.
واصلنا النزول، والوقت يمر ببطء قاتل.
وأخيرًا، بدأ منظر الأرخبيل شابوندي يظهر من تحتنا.
في تلك اللحظة، وسعت هاكي التنبؤ لأقصى مدى، أردت أن أشعر بالرفاق، أن أعرف أين ذهبوا.
شعرت بوجود لوكاس أولًا، ثم بجانبه هاكي قوي … لا، اثنان قويان.
لم أفكر كثيرًا، كل ما أردته هو الوصول إليهم.
دفعت نفسي والأطفال نحو اتجاهه بأسرع ما يمكن.
وما إن لمست أقدامنا الأرض…
انهارت قواي بالكامل.
تلاشى كل شيء من حولي، وصوت الأطفال يصرخون باسمي كان آخر ما سمعته قبل أن أغيب عن الوعي.