الفصل 11 - "مَن يُنقذ العالم؟ بالتأكيد مش ريو"
---
وسط حطام القافلة المحترقة، وقف مورو يتنفس بصعوبة، بينما لا تزال رائحة الخشب المحترق والدم تملأ الجو. الشمس كانت تغرب ببطء، تلون السماء بلون برتقالي حزين، وكأنها تشهد على الكارثة بصمت.
التفت مورو بوجه متعب إلى ريو، الذي كان يتمايل كأنه شجرة على وشك السقوط. قال بصوت ملئ بالقلق:
"الوضع سيء جدًا... القافلة انتهت بالكامل... ماذا سنفعل الآن؟"
لم يأته الرد إلا بعد لحظات من التثاؤب.
تمدد ريو فجأة على الأرض بجانب عربة مقلوبة، وغمغم وكأنه طفل صغير:
"أنا... رايح أنام شوي... بس شوي."
ثم أشار بيده بخفة نحو مورو وقال بصوت شبه نائم:
"أنت... اعتنِ بكل هذا، حسناََ؟"
"مهلًا، ماذا؟!" رمش مورو بدهشة، ثم صرخ بصوت مرتفع: "يا ابن الراحة! نحنا في وسط كارثة وانت قررت تنام؟!"
لكنه لم يجد ردًا، فقط صوت شخير ريو بدأ يتصاعد، كأن جسده قرر تجاهل العالم وكل مشاكله.
تنهد مورو طويلًا، وبدأ يحدّث نفسه وهو يرفع ذراعيه: "طبعًا! مَن غيري؟ دايمًا أنا! أنظف، أقاتل، أداوي، أطبخ، وأطبطب كمان! وهو؟ ياكل وينام!"
ركل حجرًا صغيرًا بغضب، فرشق به في الهواء واصطدم بجدار عربة محترقة، فأحدث صوتًا خفيفًا كأنّه تصفيق ساخر. قال مورو مقلدًا صوتًا دراميًا: "والآن نقدم لكم البطل العظيم... مورو، حارس الكسلان الأعظم!"
---
قرب إحدى العربات المنهارة، جلست ليزا تعتني بعمّها الجريح، ويلث، الذي كان يتنفس بصعوبة. كانت ملابسها ممزقة، ووجهها متسخًا بالدموع والتراب، لكنها ما زالت تقاوم الانهيار.
اقترب مورو منها، وابتسم برقة حين التقت عيناها به.
"أنت بخير؟" سألها بصوت هادئ.
أومأت، ثم نظرت إلى ريو الملقى أرضًا على بُعد خطوات، وقالت ساخرة: "هل... نام مجددًا؟"
رد مورو وهو يجلس بجانبها: "بل عاد إلى حالته الطبيعية."
ابتسمت ليزا رغم كل شيء، ثم نظرت إلى عمّها بقلق وهمست: "أعتقد أن حالته مستقرة، لكننا بحاجة إلى مكان آمن."
قال مورو وهو يفرك عينيه: "هناك قرية صغيرة على بُعد ساعات قليلة من هنا... إذا تمكّنا من إصلاح إحدى العربات، يمكننا الوصول إليها."
سكت لحظة، ثم التفت نحوها: "ليزا... هل ستسافرين معنا؟"
نظرت إليه بدهشة، ثم قالت بابتسامة خفيفة: "وهل أتركك وحدك في خدمة الملك الكسول؟"
ضحك مورو للمرة الأولى منذ المعركة، وقال: "على الأقل هناك من يفهم معاناتي."
وقف مورو ، سألته ليزا "ماذا سوف تفعل ؟"
رد مورو "سوف اذهب لرؤيه اذا كان هناك احد يحتاج للمساعده "
أومات ليزا "حسناََ"
---
بينما كان مورو يتجول بين الحطام، رأى رجلاً مسنًا يحاول سحب صندوق ثقيل من تحت بقايا عربة. كان يلهث، ووجهه مليء بالغبار والعرق.
اقترب مورو وقال: "تحتاج مساعدة؟"
رفع الرجل نظره نحوه، ثم قال بنبرة خشنة: "لا، لا، لا تلمس شئ! هذه صناديق التوابل خاصتي... سنين وأنا أجمع فيها! لو راحت، راحت دنيتي!"
تراجع مورو قليلاً، ورفع يديه باستسلام: "تمام، تمام... التوابل مقدسة واضح."
ثم أضاف بفضول: "لكن ... وسط كل الخراب هذا، الم تفكر بالهرب أو على الأقل تنقذ نفسك؟"
رد العجوز وهو ينفخ من أنفه: "أنا لا أهرب يا فتى! عندي قَسَم... التوابل أولًا، ثم الباقي."
ضحك مورو وقال ساخرًا: "جميل... يعني حتى في نهاية العالم، لا يزال يوجد احد مخلص للبهارات."
ثم ساعده رغم رفضه الأول، وبعد دقائق قال العجوز وهو ينظر إليه: "أنت ولد طيب... مش زي اللي فرّوا."
ابتسم مورو بخفة، وشعر، ولو للحظة، أن كل شيء سيء مر به لم يذهب هباء.
---
كانت السماء قد بدأت تمطر خفيفًا حين انتهى مورو من ترتيب بقايا إحدى العربات التي لم تلتهمها النيران بالكامل. جَمَع قطع القماش، وأعاد تركيب العجلات بمعونة أحد الركّاب، ثم ربط حبالاً مرتجلة بين الأخشاب ليصنع سقفًا مؤقتًا.
وفي الوقت نفسه، كانت ليزا تتفقد حالة عمّها ويلث للمرة الأخيرة، تمسح على جبينه وتحاول تثبيت الضمادات حول ذراعه. كانت نظراتها أكثر صمتًا من قبل، لكنّها تحمل في داخلها عزيمة جديدة.
اقترب مورو منها وقال: "العربة جاهزة. لن تكون مريحة، لكنها ستوصلنا."
رفعت رأسها إليه وابتسمت: "هذا أكثر من كافٍ. شكرًا لك."
ثم نظرت حولها، إلى الركّاب المتفرقين، بعضهم يغادر وحده، وبعضهم يتجادل بصوتٍ عالٍ على الطعام أو الماء.
قالت وهي تراقبهم: "لم يتبقَّ شيء من القافلة... ولا من الناس."
أومأ مورو، ثم تنهد وقال: "كلٌّ منهم قرر النجاة بطريقته. لن يلومنا أحد إن اخترنا نحن أيضًا طريقنا."
سكت لحظة، ثم أردف: "ما دمنا معًا... لن تكون الرحلة ميؤوسًا منها."
كان هدف مورو من هذه الرحله هوا العوده للتحالف الغير تقليدي و يصبح نجم . لكن الان يبدو انه وجد شئ افضل ..
نظرت ليزا إليه نظرة خفيفة، مختلفة هذه المرة. كان في عينيها امتنان صامت... وربما أكثر من ذلك، لكنها لم تقل شيئًا.
---
على الجانب الآخر، ما زال ريو نائمًا فوق كومة من القماش، قد لفّ عباءة حول جسده وغطّى وجهه بنصفها. اقترب منه مورو ببطء، ثم رفع قدمه وركله ركلة خفيفة على خاصرته.
"انهض أيها البطل، انتهى وقت الاستراحة."
تمتم ريو دون أن يفتح عينيه: "خمس دقائق إضافية..."
"لقد مرّت خمس ساعات!" قالها مورو بضيق، ثم انحنى وأمسك بطرف عباءته وسحبها بقوة، كاشفًا وجهه النائم.
فتح ريو عينيه أخيرًا، وحدّق بمورو قليلاً قبل أن يتثاءب قائلاً: "هل رتّبت كل شيء؟"
"نعم، رتّبت العربات، وأصلحت العجلات، ووزّعت الطعام، وأحضرت الماء، وأرضيت الراكب المجنون المُحبّ للتوابل... وكل هذا وأنت نائم!" ثم أشار إليه بعين ضيّقة: "هل تود أن أفرش لك السرير في العربة أيضاً؟"
جلس ريو ببطء وهو يفرك عينيه، وقال مبتسمًا: "أنت تقوم بالأمر جيدًا... لذا أتركه لك. التنظيم ليس من مهامي."
نهض ريو أخيرًا، ومدّ ذراعيه بتكاسل ليتثاءب، ثم قال:
"هل ليزا بخير؟"
"بخير... قوية كما هي دائمًا."
---
ما إن بدأت العربة تتحرك على الطريق الضيق المتعرّج بين الأشجار، حتى جلست ليزا بجوار مورو، بينما اختار ريو الجلوس على طرف العربة، قدماه تتدليان خارجها، ورأسه مائل كأنه سيغفو في أي لحظة.
نظر مورو إلى الأمام وقال: "إن سرنا بهذا النسق، سنصل إلى القرية قبل الغروب. نأمل أن نجد فيها مكانًا نحتمي فيه الليلة."
سألته ليزا بصوت هادئ: "هل زرتها من قبل؟"
"نعم، منذ عامين تقريبًا كنت وقتها في مهمه. . قرية صغيرة، يسكنها مزارعون وأناس طيبون، لكنها ليست معتادة على الغرباء."
أضاف بعد لحظة: "سنعتمد على حسن الحظ، كما هو حالنا دائمًا."
---
لم تمرّ دقائق كثيرة، حتى قطع صوتٌ حادّ الصمت: "ماء! ماء! من سرق قربة الماء؟!"
اوقف مورو العربه والتفت، فوجد أحد الركّاب – شاب نحيل بملابس ممزقة – يلوّح بعصا في الهواء، ويصرخ بغضب.
اقترب منه مورو وقال: "اهدأ، لن تحلّ شيئًا بالصراخ."
"لقد سرق أحدهم الماء من حقيبتي!" صرخ الرجل بعينين يملؤهما الشك.
نظر مورو نحو الركّاب الذين تبقوا معهم، ورفع صوته:
"من لديه الماء الزائد فليتقدّم الآن. نحن لسنا قطاع طرق."
لم يجب أحد.
مرت لحظات من التوتر، قبل أن يسعل ريو بخفّة، ثم يسحب قربة ماء من بين طيات عباءته، ويرفعها قائلاً: "هل هذه لك؟ وجدتها قرب العربة المقلوبة... ظننتها مهجورة."
هرع الرجل نحوه وانتزع القربة، ثم تراجع دون أن ينطق بكلمة شكر.
قال مورو وهو ينظر إلى ريو: "أخيرًا فعلت شيئًا مفيدًا."
رد ريو بابتسامة ناعسة: "أنا أقاتل، أنقذ الأرواح، وأوزّع المياه... أليس هذا كافياً لبطل؟"
نظر إليه مورو بنصف ابتسامة وقال:
"البطل النائم... نعم، ربما."
---
---
كان الطريق يمتد كجرح قديم بين الأشجار الكثيفة، والعربة تهتز فوق الحصى والعشب اليابس. كانت الغيوم لا تزال تحجب الشمس مع بعض قطرات المطر ، والهواء مشبع برائحة المطر الأولى.
داخل العربة، جلست ليزا ممسكة بيد عمّها، ويلث، الذي ما يزال فاقدًا للوعي منذ نهاية المعركة. كانت عيناها تتنقل بين وجهه ويديه المضمّدتين، كأنها تخشى أن يغيب مجددًا إلى الأبد.
وفجأة... ارتعشت يد ويلث.
تشنّج جسده لوهلة، ثم صدر عنه أنينٌ خافت، قبل أن يفتح عينيه ببطء، كمن عاد من عُمق ظلام طويل.
"عمي!" صرخت ليزا وهي تندفع نحوه. "أنت مستيقظ!"
نظر إليها بثبات، ثم همس بصوت أجشّ، وكأن كل نفسٍ يتطلب منه جهداً: "أين... نحن؟"
"في الطريق إلى قرية قريبة. لقد نجونا." ثم صمتت للحظة قبل أن تضيف: "بفضلك... وبفضله."
نظرت إلى ريو، الذي ما زال جالسًا على طرف العربة، يحدّق في الأشجار بنصف وعي، وذقنه مستند إلى يده.
رمق ويلث الشاب الغامض للحظات طويلة. ثم قال بصوت أثقل:
"ذلك الفتى..."
قال مورو من الخارج وهو يسمع الحديث: "ريو؟ نعم، ذاك الفتى أنقذ حياتك قبل أن تفقد وعيك. تدخل حين كان القائد شيبوكي يهمّ بقتلك."
تقلّصت ملامح وجه ويلث، وتغيرت نبرة صوته: "شيبوكي.... ذلك الوغد لا يموت بسهولة."
"ولا تلميذه قيثير." قالت ليزا وهي تنظر إلى جرح في ذراع عمّها.
أغمض ويلث عينيه قليلاً، كأنه يسترجع ما حدث، ثم قال: "كنت أقاتل قيثير، وكان غريباً رغم سنه فا مستواه في الشكل الاول من التشي اضف الي ذالك ان لديه تقنيه عجيبه ، لكن يمكن السيطرة عليه. حتى ظهر شيبوكي لقد وصل الي ذروه مستخدم التشي، لولا تدخّلكم، لما كنت هنا."
أدار رأسه ببطء، وحدّق في ريو مجددًا. قال وهو يتأمل: "هذا الفتى... قاتل شيبوكي نفسه؟"
رد مورو وهوا ينظر الي ريو للحظة: "نعم. تدخل في اللحظة الأخيرة. لقد واجهه وجه لوجه في البدايه لكن تم دفع ريو الي الزاويه اعتقدنا انه خسر .. لكن بعدها ظهرت طاقه هائله جعلت كل شئ يهتز ،و بعد دقائق... كان شيبوكي مطروحًا أرضًا، وقيثير قد فرّ هاربًا."
سكت الجميع، بينما بقي ريو على حاله، لا يعلّق بشيء، ولا يظهر أدنى اهتمام بالحديث. فقط رفع تفاحة كانت في يده، وعضّها ببطء، وكأنه لم يكن محور الكلام.
--- اوقف مورو العربه قليلا لسبب ما .
بعد دقائق، صعد أحد الركّاب – الشاب الذي كان يبحث عن قربة مائه – إلى العربة، وجلس بقرب ريو. تردّد قليلاً، ثم قال: "أنت... قاتلت شيبوكي؟"
لم يرد ريو.
كرر الرجل، بصوت أخفّ هذه المرة: "أعني، الجميع كان يقول إن هزيمته مستحيلة. لقد قَتل قادة قوافل وأحرق بلدات بأكملها."
رد ريو أخيرًا، وهو ينظر إلى التفاحة: "كان مزعجًا... وصوته عالٍ جداً."
رمش الراكب بدهشة: "هذا... كل ما في الأمر؟"
قال ريو وهو يتثاءب: "كنت أريد النوم، وهو لم يصمت."
ضحك مورو من الخارج ضحكة قصيرة وقال: "أجل، هذه أعظم دوافع ريو لإنقاذ العالم: النوم بسلام."
لكن رغم السخرية، كان في أعين الجميع شيءٌ مختلف حين ينظرون إلى ريو. شيءٌ من الغموض... الاحترام... وربما الخوف.
---
اقتربت ليزا منه بعد لحظات، وجلست بقربه، وقالت: "هل تؤلمك جروحك؟"
"أي جروح؟" رد ببساطة.
نظرت إلى يده، ولاحظت بضع كدمات قديمة وحديثة، لكنه لم يكن يبدو مهتمًا بها. قالت بصوتٍ منخفض: "شكراً... لما فعلته من أجل عمي."
أومأ ريو ببطء، ثم قال وهو ينظر إلى الأفق: "لا بأس... عمّك كان مقاتلاً شرسًا. أدهشني حقًا."
---
في مؤخرة العربة، جلس ويلث مستندًا إلى الوسائد، يتأمل الغابة بصمت. ثم قال بصوت منخفض لمورو: "ذلك الشاب... هل تعرف من أين جاء؟"
أجابه مورو وهو يسحب زمام الحصان: "أعرفه منذ بضع اشهر لقد سافرنا معا... لكن لا، لا أعرف من أين جاء حقًا."
هزّ ويلث رأسه وقال: "أعرف هذا النوع من الوجوه... هذا الشاب يتصرف مثل هولاء الوحوش ، وكأن كل شئ في العالم تحت سيطرته... انتبه له."
نظر إليه مورو وقال: "أفعل هذا دائمًا... صدقني."
ابتسم ويلث، ثم أغلق عينيه ليستريح، فيما العربة واصلت سيرها ببطء، نحو المجهول الذي ينتظرهم.
----------- "في نهاية القصة، قد لا تتذكر من طبخ، ومن قاتل… لكنك حتمًا ستتذكر من نام في وسط الحريق." – مورو، في لحظة تأمل ساخرة بعد كل شيء ------------