الفصل 13 - نزل ضوء القمر
--------------
"تحت ضوء القمر، حيث يلتقي السكون بالسخرية، يسير الجميع في طريقهم وكأنهم يعرفون إلى أين يذهبون، لكنهم في الحقيقة لا يعرفون."
---------------
عاد مورو بخطوات ثابتة، يحمل مفتاحين صغيرين في يده بينما وجهه مزيج من الإنهاك العقلي و... الغضب الصامت. وقف أمام العربة، يرمق ريو الذي كان قد تمدّد على الأرضية الخشبية كأنما يخوض عطلة صيفية لا معركة مجهولة الوجهة.
قال مورو بتهكم، وهو يرمي أحد المفاتيح باتجاهه: "استمتعنا بالنوم والراحة، سيد البطل، أليس كذلك؟"
التقط ريو المفتاح في الهواء، تمطّى كقطة كسولة، ثم قال دون أن يفتح عينيه: "بكل تأكيد. لقد نام ضميري أيضًا."
غمغم مورو لنفسه وهو يركب العربة: "لو امتلكتُ نصف هذه اللامبالاة، لصنعتُ السلام العالمي."
ضحكت ليزا بخفة وهي تراقب التلاعب اللفظي بين الاثنين، بينما جلس ويلث على مقعده بهدوء، يتابع المشهد بعين مراقب لا تفوته التفاصيل.
قال مورو وهو يستدير إليهم: "وجدت نُزلاً سيئ السمعة، أسعاره تعادل إيجار قلعة، وصاحبه يفرض ضرائب على الهواء والأرضية وحتى النظرات!"
رد ريو وهو يشبك يديه خلف رأسه: "أرجو فقط أن لا يكون قد فرض عليك ضريبة التنفس، فأنت تتنهد كثيرًا."
"قارب على ذلك..." تمتم مورو بعبوس، ثم أشار برأسه نحو النزل: "على أية حال، لليلة واحدة فقط. سنرتاح ونغادر عند الفجر."
تبادل الثلاثة نظرات قصيرة، قبل أن ينهضوا واحدًا تلو الآخر، ويبدأوا بالتحرك نحو النُزل.
...
داخل النُزل، كانت الأجواء مختلفة. المكان بدا وكأنه يرفض وجودهم. الجدران المتشققة، الضوء الخافت الذي يتمايل على وقع لهب شموعٍ مهزوزة، والرائحة الغريبة التي لا يمكن تحديد مصدرها.
قالت ليزا وهي تُغلق الباب خلفها: "هذا المكان... يبعث على القلق."
رد مورو بنبرة ثقيلة: "أعلم. كأن الحيطان تتنصت."
أما ريو، فقد دخل غرفته دون أن يقول شيئًا، ثم أطل من خلف الباب وقال بنبرة ساخرة: "لو متّوا في الليل، فقط اتركوا لي المفاتيح. لا أحب أن أُكسر الأبواب."
غمغم ويلث وهو ينظر إليه بريبة: "هل هذا حس فكاهة... أم تهديد؟"
ابتسم ريو وأغلق الباب خلفه بصمت.
عندها صرخ مورو وهو يذهب خَلف ريو: "مهلاً انا معك في الغرفة!"
....
دخل الاثنان إلى الغرفة المخصصة لهما بصمت. كانت الجدران مشققة، والهواء مُحمّل برائحة الخشب العتيق والرطوبة. دخل ريو أولًا، وألقى نفسه على السرير، وكأنه عاد إلى كهف نومه الخاص، بينما مورو دخل خلفه بتأنٍّ وأغلق الباب خلفه بحذر.
جلس مورو على الكرسي بجانب النافذة، فتحها قليلًا ليسمح للهواء الليلي بالدخول، ثم قال بنبرة هادئة:
"أتعلم، لا أفهم كيف تنام بهذه السرعة، حتى حين نكون في قرية مهجورة ونُزل مشبوه."
رد ريو، وهو يضع ذراعه خلف رأسه:
"لأني أعلم أن هناك شخصًا يُفرط في التفكير بدلًا مني."
ابتسم مورو ابتسامة باهتة، وهز رأسه، ثم قال:
"لو كنتَ خصمي، لكنت قتلتك وأنت نائم دون أن تُدرك ذلك حتى."
رد ريو بنفس ابتسامته المعتادة:
"ولأني أعلم ذلك... فأنا أختار أن أنام."
صمت مورو قليلًا، ثم أغمض عينيه للحظة، قبل أن يهمس:
"غدًا... نتحرك شمالًا. اتحاد الطوائف الغير تقليدية ، وهناك، لن تكون الأمور بنفس هذا الهدوء."
فتح ريو إحدى عينيه ونظر إليه دون أن يرفع رأسه:
"ومتى كانت الأمور هادئة من الأصل؟"
...
في الغرفة الأخرى، جلست ليزا على حافة السرير، تنظر إلى يديها بصمت. الجو في الغرفة كان أهدأ من اللازم، والسكون يُشبه سكون ما قبل العاصفة. بجانبها، جلس ويلث على الكرسي، يربط الضمادة حول بقايا ذراعه المبتورة.
قالت ليزا بصوت خافت:
"هل... تفكر في العودة؟ للوحدة الخاصة؟"
لم يُجب في البداية، فقط أكمَل لف الضمادة، ثم قال:
"أفكر في أن أفعل شيئًا يجعلني أستحق النجاة."
نظرت إليه ليزا بعينين قلقتين، لكنها لم تجب. فقط خفضت رأسها وقالت:
"أنا آسفة لما حدث في القتال الأخير. لو أنني—"
قاطعها بلطف:
"ليزا، لا تحمّلي نفسك شيئًا ليس بيدك. لقد كنتِ شجاعة. لا تنسي ذلك."
سكتت للحظة، ثم قالت بنبرة خافتة:
"ذلك الفتى... ريو، هل تثق به؟"
رفع ويلث نظره إلى السقف، ثم قال بهدوء:
"لا أعلم... لكنه يملك شيئًا خاصًا. شيئًا لا يمكن تجاهله."
...
في الخارج، كان القمر مُعلّقًا في السماء، يُلقي بضوئه على سطح النُزل القديم. الرياح تمر بين الزوايا، تحرّك الستائر، وتُصدر أصواتًا خافتة... كأن أحدًا ما يتنفس في الظل.
....
في قلب الليل، حين يذوب الضجيج في ظلال السكون، انفتح وعي ريو فجأة.
جلس ببطءٍ على السرير الخشبي، حاجباه يقطّبان بانزعاجٍ خفيف، كأن أحدًا عبث بحلمه.
إلى جانبه، كان مورو يتوسد ذراعه، غارقًا في نومٍ عميق، يتنفس بانتظام كطفلٍ وادع.
رمقه ريو بنظرة طويلة، ثم همس بابتسامة باهتة:
"إنظرو الي هذا ، نجم الطوائف الغير تقليدية ، ينام وكأنه شرب قارورة حليب كامله."
مدّ يده يزيح خصلةً من شعره الأسود الطويل عن وجهه، ثم نهض.
كان يرتدي رداءً أسود بسيطًا من الكتان الخشن، بلا زينة، بلا نقوش، بلا رفاهية. يُشبه أولئك المتجولين من عالم الموريوم، القتلة الصامتين الذين لا يترك الزمن على أكتافهم إلا الغبار.
أكمام الرداء تتلوى مع خطواته، وسيفٌ بسيط معلّق بحبلٍ جلديٍّ يترنح على خاصرته، يكاد يخفيه الرداء الفضفاض.
توقف عند النافذة، وجال ببصره في عتمة الخارج...
شيءٌ غريب يُخترق الأفق — طاقةٌ كثيفة، مندفعة كنيزكٍ هائل، تقطع المسافات بصمتٍ مريب.
"هاه... لا بد أني أصبحت جذّابًا جدًا ليرسلوا صاروخًا لأجلي."
قالها ساخرًا وهو يشد رداءه جيدًا ويُحكم عقدته.
اعتقد ريو ان الشخص القادم يبحث عنهم ، حيث انه ينطلق وكأنه يعرف اين طريقه و ليست من مصادفه بتأكيد
---
في بهو النزل،
لم تكن الأنوار قد خمدت تمامًا، وكانت موظفة الليل جالسةً تقاوم النعاس.
وحين رأت ريو يهبط الدرج بخطى واثقة، انتفضت وسألته بقلق:
— "سيدي، هل من شيءٍ تحتاجه؟"
أجابها وهو يمر بجانبها، لا ينظر إليها بل إلى البعيد:
> "نعم… ربما درعًا ضد الصواريخ . هناك واحدٌ يتجه إلى هذا المبنى بسرعةٍ مزعجة."
ثم التفت نحوها للحظة وأضاف بخفة:
"على كل حال، لا تقلقي. إن كنتِ محظوظة، سيحطم السقف فقط."
وتركها متجمدة، فمها نصف مفتوح وعقلها يحاول فهم ما قاله للتو.
---
في الساحة الخارجية، وقف ريو.
ليلٌ هادئ، بارد، وريحٌ خفيفة تعبث بأطراف ردائه الأسود، تجعل هيئته تبدو كطيفٍ آتٍ من قصيدة قديمة. لا سحر، لا لمعان… فقط سكون وهيبة غامضة.
ومع اقتراب تلك الطاقة، ازداد الضغط في الهواء.
ريو، الذي بلغ عنق الزجاجة في المرحلة الثالثة من تشكيل التشي، شعر بها — طاقة خصمٍ لا يقل خطرًا عنه، وربما يتجاوزه.
رنَّ شعار النظام داخل ذهنه، وظهرت شاشةٌ خضراء باهتة في الفراغ:
> [جاري التحديث... 65٪ | الوقت المتبقي: 27 ساعة | لا يمكن إيقاف التحديث.]
تنهد ريو، ونظر إلى الشاشة ببرود:
"حقًا؟ الآن؟ أنتم تعرفون توقيت الكوارث كما أعرف توقيت نومي بالضبط."
---
ثم ظهر القادم.
هبط كما تسقط الريشة...
لكن الأرض ارتجّت. لم يكن هناك صوتٌ عالٍ، بل هيبة خرساء تسحق الهواء.
كان رجلاً في منتصف العمر، ذو لحيةٍ كثيفة وعينين لا تُظهران رحمة. مظهره بسيط، لكنه يُشبه من تجلّت عليه فوضى العالم، وخرج منها باردًا كجبلٍ من الجليد.
نظر الرجل حوله ببطء، وكأن لا أحد يستحقّ التركيز... حتى توقفت عيناه على ريو.
قال بصوتٍ كالحجر:
— "اركع."
لم تكن الكلمة أمرًا… بل قنبلة.
اجتاح التشي المكان، ضاغطًا على كل ذرة هواء. شعر ريو بقوته تتفتت، وركبته تهتز، تكاد تخونه.
"أوه… رائع. حتى الهواء اليوم ضدي."
قالها بين أسنانه وهو يقاوم.
لكن داخله، حيث تتلاقى طاقة العقل مع طاقة الجسد، حدث ما لم يتوقعه.
بدأت تتناغم، جوهر العقل النقي اندمج مع صلابة الطاقة الأساسية، وولد قوة جديدة — هالة خافتة، لا تتوهج، بل تتحدى.
ارتجفت أهداب الرجل، وقد لاحظ صموده.
ابتسم بخفة، ثم فجأة تغيّر كل شيء.
تحول تشيه إلى تشي ذهبي، ينبض بي اشكَال التنانين الذهبية، وظلالها تتراقص حول جسده.
ريو، الذي بالكاد استوعب التغيير، لم يصمد هذه المرة.
ركع على الأرض، وجهه يتصبب عرقًا، لكنه لم يصرخ.
قال الرجل بنبرةٍ فيها مزيجٌ من الفضول والملل:
— "عنيد... صغير السن، لكن تحمل هذا التشي؟ هاهاها ... كم هذا ممتع."
فكر ريو، وهو يُحني رأسه في مقاومةٍ خافتة:
"أريد فقط أن أنام… هل هذا كثيرٌ من الطلبات؟"
---
يتبع...