الفصل 14: هوزِن
-------
في الغرفة التي كانت تحوي هدوءَ ما بعد العاصفة، تنفّست "ليزا" بعمق وهي تغطّ في نومٍ ثقيل فوق السرير، شعرها الذهبي متناثر على الوسادة مثل أشعة شمسٍ خاوية. النوم لم يكن نعمة بل هروباً مؤقتاً من الذكريات المتفجّرة، من الدخان والصرخات والدمار الذي لا يناسب عمرها ولا براءتها. ومع ذلك... لم تبكِ. لم تشتكِ. بل قاومت. وحده الصمت كان شاهداً على جوهرها الصلب.
في الجهة الأخرى من الغرفة، وقف "ويلث" أمام النافذة. كان القمر مُعلّقاً في السماء كعينٍ قديمة، تراقب العالم بصمتٍ حزين. الغيوم تعبر كأنها أطياف موتى، والنجوم تومض كأنها تحاول التذكير بأن هذا الجمال لا يعني السلام. فكر "ويلث" بسخرية:
«ما أجمل أن يكون لدي سيجارة الآن… حتى الدخان كان ليبدو منطقياً أكثر من هذا العالم!»
لكن... لحظة من الشرود تكفي لسقوط كارثة.
شعر بطاقةٍ ضخمة، تشي تتدفّق كفيضانٍ خلف جدار الواقع. عميقة، خانقة، كأنها رغبة العالم نفسه في سحق كل من تحته. كان "ويلث" قويًا، ومحبوب السماء كما يُلقّب... لكن هذه الموجة، هذه الطاقة، ليست من النوع الذي يُستشعر بسهولة. حتى هو لم يسبق له أن شعر بهذا القمع سوى مرات قليلة في حياته.
دون تردد، هرع إلى غرفة "ريو" و"مورو". لم يطرق الباب، فتحه دفعة واحدة.
كان "مورو" نائمًا، ممددًا بعمق كأن العالم لا يعنيه. أما "ريو"... لم يكن هناك. جال بصر "ويلث" في الغرفة بسرعة.
«أين ذهب؟»
ثم اتسعت عينيه... تلك الطاقة، اختفاء "ريو"، موقع التشي... كلّها تدل على شيء واحد.
أرسل دفقة من التشي إلى "مورو"، فاستيقظ هذا الأخير مباشرة وهو يعتدل بانزعاج. قال "ويلث" وهو يتجه نحو الباب:
"هناك تدفّق تشي مرعب بالخارج... و"ريو" اختفى. اعتنِ بـ"ليزا"، سأذهب."
قال "مورو" بقلق: "مهلًا—!" لكن "ويلث" كان قد اختفى من أمام الباب.
«ألا يوجد يومٌ واحد هادئ؟!»، تمتم "مورو" وهو يمسح وجهه بكفه.
...
في الخارج، تحت نور القمر الباهت، رأى "ويلث" المشهد...
"ريو" راكع على ركبتيه، أنفاسه ثقيلة، قبضته تقبض الهواء كما لو أنه يحاول الإمساك بروحه. أما الرجل الواقف أمامه...
فكان "هوزِن".
طويل القامة، لحيته الكثيفة كأنها ستار يخفي أعواماً من المعارك، عيناه مثل حدّ السيف، لا تشفق ولا ترتبك. هالته الذهبية كادت تمزق الهواء حوله، حتى "ويلث" شعر كما لو أن جسده يُسحق من الداخل رغم أنه لم يكن الهدف.
«هوزِن؟! ماذا يفعل هذا الوحش هنا؟!»
صرخ "ويلث"، فالتفت "هوزِن" نحوه. لم يتغيّر شيء في تعابيره.
"سيد "هوزِن"... ما الذي تفعله هنا؟!"
قال الرجل بصوتٍ كالرعد البعيد: "أين "ليزا"؟ قائد العشيرة أمر بإعادتها."
قال "ويلث" بثبات متماسك: "هي معي. سأُعيدها حين يحين الوقت—"
قُطع كلامه بطاقةٍ اندفعت من "هوزِن"، تشي ذهبية كسرت كل ما هو ثابت. قال: "ليس عرضًا، إنه أمر. وأنت، بذراع واحدة، لست مؤهلًا لحماية السيّدة الشابة."
كلمات "هوزِن" كانت مثل صواعق. صادقة... جارحة.
عبس "ويلث". داخله تمزّق. «هل أنا عديم الفائدة إلى هذا الحد؟»
تسلّلت الذكرى إلى ذهنه: والده، قائد عشيرة "شين"، نظر إليه يوم مغادرته وقال بجمود:
"إذا خرجت، فأنت لم تعد فردًا منّا. لا عودة."
لكن "ويلث" خرج، مؤمنًا بحريته، بحلمه، بطريقه الخاص.
والآن... يقف، بذراع واحدة، بين عشيرته القديمة وحلمه المبتور.
ابتسم. لم تكن ابتسامة سعادة. كانت تعبًا. يأسًا. لكن خلفها... شرارة. عزيمة من نوعٍ قديم، عميق.
لو كان نظام "ريو" يعمل، لقال الآن: [زراع التشي الواحدة – الجودة: ذهبية!]
ولكن هذه القدرة الجديدة لا تعني شيئًا الآن.
لن يستطيع إيقاف "هوزِن"، حتى لو وقف "ريو" معه.
لكن قبل أن يستسلم لأفكاره... وقف "ريو".
كان جسده متعبًا، لكنه يقف. شعره يتدلّى فوق عينيه، ويده على مقبض سيفه. كأن العالم كله يتوقّف لحظة وقوفه.
في لحظةٍ خارج حدود الفهم، ساد الصمت. الهواء توقّف، والنجوم كأنها تراجعت خطوةً للوراء. القمر... خفّ ضوؤه كمن يغلق عينيه ليرى بشكلٍ أعمق.
"ريو" لم يتحرّك، لكنه لم يكن هناك أيضًا. لم تكن هناك خطوة، ولا همسة. فقط فراغٌ تمزّق...
ثم ظهر خلف "هوزِن". لا كظل، بل كقصيدة موت كُتبت بسيف.
“تقنية: سيف الدم الأسود!!”
لمع السيف في يد "ريو" كجمرة نُسجت من الرماد والنسيان. لم يكن الضوء فيه... بل الظلمة، ذلك النوع من الظلام الذي يبتلع النور ولا يعيده أبدًا.
ضربة واحدة. هادئة... لكنها كانت إعلان نهاية.
من عنق "هوزِن" إلى كتفه الأيسر، شُقّ اللحم، وتفتحت الدماء كزهرةٍ في ليلة قمرية. انسكب الدم، لا كصوت، بل كرائحة. كان الهواء نفسه يبدو وكأنه أصيب بشقٍ عميق.
عندما راي ويلث هذا اتسعت عيناه: "اوه لا .. لقد متنا جميعاً!!"
-----
في الجهة الاخري
داخل غرفة ساكنة، مضاءة بخفوت ضوء القمر المتسلل من النوافذ...
كانت ليزا واقفة عند أحد أطراف الغرفة، عيناها الزرقاوان تلمعان بانعكاس الضوء، تشبهان محيطًا هائجًا يخبئ تحت سكونه العاصفة. كانت تتأمل المكان في صمت قبل أن تلتفت إلى مورو، الذي جلس على كرسي خشبي بجوار الحائط، يحاول فهم ما يحدث.
قالت ليزا، بصوت ملئه التوتر: "ماذا تفعل هنا؟"
رد مورو، وهو يرفع حاجبه في ارتباك حقيقي: "حتى أنا لا أعلم..."
نظرت حولها بقلق متزايد، ثم تمتمت: "أين عمي؟"
أجاب مورو وهو ينظر إلى الأرض، كأن كلماته ثقيلة لا يريد إخراجها: "قال شيئًا عن طاقة غريبة... ثم اختفى ريو، وفجأة، اندفع عمك خارجًا دون أن يشرح شيئًا... لا أعلم، الأمور تخرج عن السيطرة."
ليزا ضغطت شفتيها، لم تكن معتادة على الشعور بالعجز. "يجب أن نبحث عنهم!" قالتها بشدة.
هز مورو رأسه ببطء، صوته صار أكثر هدوءًا، وكأنّه يُقنع نفسه: "لكن... ماذا سنفعل؟ لستِ فنانة قتالية، وأنا لم أصل حتى لمستوى مستخدم التشي. إذا كان ريو وعمك يعتبران الأمر خطيرًا، فوجودنا هناك لن يكون سوى عبء."
صمت ثقيل خيم على المكان، ثم تمتمت ليزا، وهي تشد قبضتيها: "أعلم أن كلامك منطقي... لكن كيف لي أن أبقى هنا، مكتوفة الأيدي، بينما من أحبهم قد يكونون في خطر؟"
قبل أن تفتح الباب، وقف مورو فجأة أمامها، يمنعها من الخروج. "قال لي عمك أن أعتني بك. ولن أسمح لك بالمغادرة، آسف."
نظرت إليه بعصبية، وجهها يزداد احمرارًا مع كل ثانية تمر، وقالت بصوت مرتجف: "ستفعل هذا بي حقًا؟"
كان مورو يشعر بتأنيبٍ داخلي، فهو لا يريد الوقوف في طريقها، بل كان جزءًا منه يريد القفز خلفهم، حتى ولو إلى حتفه... لكنه كان قد قطع وعدًا. نظرات ليزا المرتجفة، وعيناها المبللتان، جعلت قلبه يرتجف، لكنه حافظ على ثباته، ولو ظاهريًا.
نفت وجهها بنفور، ثم جلست على السرير، تشبك ذراعيها كطفلة غاضبة، تنفخ الهواء من أنفها بقوة.
تنهد مورو، وابتسم ابتسامة صغيرة في قلبه. هذه الفتاة... حتى في غضبها، تسرق لحظات السكون من داخله.
لكن قبل أن يطيل النظر، وقفت ليزا فجأة، بخطى خفيفة اقتربت من النافذة. "ليزا؟ ماذا تفعلين؟" سألها بقلق.
نظرت إليه نظرة سريعة، ثم همست: "أحيانًا، لا تنتظر الأقدار من يمتلك القوة... بل من يمتلك الشجاعة."
ثم، بدون إنذار، قفزت من النافذة، تاركة مورو يتجمد في مكانه.
"ماذاااا؟!" صرخ مذهولًا، قبل أن يركض خلفها.
وبدون تفكير، قفز هو الآخر، قلبه يخفق بعنف، لا يعرف إلى أين سيقوده هذا القرار، لكنه يعرف شيئًا واحدًا... لن يتركها وحدها.
---
تعويضاً عن عدم وجود فصول امس ، سوف ارفع الفصل 15 , 16 اليوم