الفصل 15 - أصداء تحت ضوء القمر

------

كان السكون يلف المكان كأن الزمن توقف.

لا أصوات، لا حركة، فقط صمت ثقيل يخترق الجلد كالإبر.

وقف ريو في منتصف هذا الجمود، قابضًا على سيفه بشدة، بينما عيناه لا تفارقان الجسد المهيب الواقف أمامه. هوزِن… ذلك الرجل، لم يكن يشبه أي خصم واجهه من قبل. بدا ثابتًا كالجبل، كأنه قطعة من الأرض نفسها.

سمع صوت ويلث يهمس من خلفه، نبرة لم يعهدها فيه من قبل: "سوف نموت جميعًا..."

ارتبك ريو. نموت؟ لماذا؟ ما الذي رآه؟

ثم… جاءت تلك الهزة. ارتجف المكان من طاقة تشي غريبة، طاقة نقية لدرجة أن الهواء ارتعش حولها. كان التشي يتغلغل في جرح هوزِن المفتوح على صدره… لكن بدلاً من أن يضعفه، كان يشفيه. لا، كان يعيده كما لو لم يُجرح قط.

تشي ذهبي؟ ما هذا بحق الجحيم؟ تساءل ريو وهو يحدّق في المشهد بعينين متوسعتين. هل هذه تقنية؟ أم قدرة فطرية؟ مستحيل… هذا شيء آخر…

في ثوانٍ، التأم الجرح تمامًا. لا أثر له، لا دم، لا ندبة. صرخ ويلث وهو يمد ذراعه: "ريو! اهرب!"

لكن الوقت لم يسعفه.

قبضة هوزِن انتفخت، التشي الذهبي تجمع فيها كالبرق. ضربة واحدة فقط، كانت كفيلة بإرسال ريو طائرًا في الهواء.

ارتطم جسده بالجدار الخلفي بعنف، خرجت الدماء من فمه وهو يفقد توازنه، ثم سقط كدمية مهترئة على الأرض، بؤبؤا عينيه تراجعَا، والبياض حلّ محلهما.

وقف ويلث في مكانه، يحدّق بالمشهد بصدمة وغضب مكتوم: "ذلك الأحمق… مهما فعل، لن يستطيع الوقوف أمام رجل في مستوى تكامل الجسد."

تكامل الجسد… المستوى الذي يتحد فيه التشي مع الجسد حتى يصيرا شيئًا جديدًا، قوة لا تقارن بأي ما قبلها. الوحوش تُهزم، الجبال تُشق، والأبطال… يُسحقون أمامها.

التفت هوزِن نحو ريو الملقى على الأرض، تعابير وجهه تحمل احتقارًا واضحًا. "هذا الوغد..." قالها بهدوء لكن بغضب مكتوم. كان يعرف أنه رغم الانتصار، مجرد خدش في جسده من شخص أدنى منه مرتبة يعد إهانة. إن انتشر الخبر… سيصبح أضحوكة.

ثم استدار نحو ويلث. الشاهد الوحيد. اذا مات ويلث لن يعلم احد بما حدث. صاح ويلث، وهو يتراجع خطوتين: "هوزِن، ألا تعتقد أنك تبالغ؟!"

لكن صوت التهديد كان واضحًا في خطوات هوزِن التالية.

ومع اقترابه، دوى صوت غريب لفت انتباهه .

دوى صوت خافت، تلاه صرير نافذة تُفتح بقوة، ثم هبوط ثقيل على الأرض المعشبة. لحظة صمت... ثم صوت ارتطام آخر، أقل رشاقة، وأكثر فوضى.

رفع هوزِن نظره، واستدار ببطء.

من بين ظلال الأشجار الملتفة على أطراف الساحة، ظهرت فتاة شاحبة الوجه، تترنح بخفة، وركضها غير متزن، وكأن قدميها لم تعتادا الأرض بعد.

"العم هوزِن! ماذا تفعل؟!" كان صوتها مهتزًا، لكنه قوي… غضب وانكسار وخوف في آنٍ واحد.

بجانبها، ظهر مورو. ملامحه ملوّثة بالتراب، شعره المائل للاسود مشعث، ثوبه ممزق من الخلف بسبب قفزته من النافذة، إلا أن عينيه كانتا متيقظتين كذئبٍ خبير.

النسيم حمل رائحة رماد خفيف، وظلال السحب انسدلت على المشهد، كأن الطبيعة نفسها حبست أنفاسها.

توقّف هوزِن، جسده الصارم متيبس للحظة. قتل ويلث امامها لن يكون جيدا!. "سيدتي... جدّك أمرني بإعادتك،" قال بصوت هادئ، كأن الكلمات تحمل أمرًا غير قابل للنقاش.

لكن ليزا لم تُجب مباشرة. كانت تحدّق... في جسد ريو الملقى على الأرض، وجهه مغطى بالدماء، لا يتحرك.

كأن الدنيا توقفت حولها.

ركضت نحوه فجأة، وركعت على الأرض بجانبه، يدها ترتجف وهي تلمس جبينه. "ريو... أجبني... أنت بخير، أليس كذلك؟" صوتها كان مكسورًا.

مورو وقف خلفها، نظر إلى ريو وتمتم ساخرًا رغم الألم في صدره: "هاه، من كان يظنه ينهار بهذا الشكل؟ الوغد أُعجب بنفسه كثيرًا على ما يبدو..."

لكنه لم يضحك.

كان يرى يد ليزا ترتجف، دموعها تتساقط كأنها تخترق الأرض، ووجهها الذي لا يظهر سوى اللامبالاة عادة… قد انكسر.

ثم تقدّم خطوة، وانحنى ببطء، صوته هادئ: "ليزا... نحن لسنا في أمان هنا."

رفعت رأسها ببطء، تنظر إليه… عيناها مليئتان بالخوف والقلق والغضب.

"لماذا فعل هذا؟ لماذا هاجمه؟! لقد أنقذني!" نظرتها تحولت إلى هوزِن: "ريو لم يخطفني! ولا مورو! لقد حموني، كلاهما!"

كان صمت الليل قد عاد.

هوزِن ضيّق عينيه، وبنبرة باردة قال: "إذن، من كان يحتجزك؟" ومد يده فجأة نحو عنق مورو.

لكن ليزا صرخت: "توقف!!"

بصوتٍ حادٍ يشبه السكين.

لم يتحرك هوزِن… لكنه لم يضغط أيضًا. نظرة عينيه تحمل تهديدًا خفيًا. مورو سعل بصوت خافت، وارتج جسده قليلًا.

قالت ليزا وهي تنهض بسرعة: "لقد أنقذاني… ألا ترى؟! ألا تفهم؟!"

لحظة صمت… ثم قال هوزِن ببطء: "أنتِ مرتبكة، يا سيدتي. دعينا نعود، وسيتم التحقيق في الأمر."

رفعت رأسها، شفتيها ترتعشان، لكنها لم تُجب.

عندها، ابتسم مورو رغم التعب، ونظر إليها بعينين تحملان سخرية وشيئًا آخر… حزن خفيف لا يُقال.

"لا بأس… عودي معهم، هذا ما يليق بكِ."

"مورو..."

"يومًا ما... سأقف أمامك مجددًا. لكن حينها، لن أكون مجرد ضعيف في عينيك." ابتسم، ثم أغلق عينيه، وأدار وجهه.

في داخله، اشتعل شيء… لم يكن يعرفه. ربما… غيرة. أو غضب. أو شيء أعمق… يشبه الحب الأول حين يُجرَح.

اذا كان نظام ريو يعمل الان لكان اصدر اشعار!. [الحب الاول ـ جوده ذهبيه]

!!!

ليزا تمتمت بصوت يكاد يُسمع: "سأنتظرك."

بعد مغادره ليزا ، ظل مورو يحدق في الهواء لبرهة ، ثم نظر الي ويلث الذي كان يتفحص جسد ريو . "هل مات ؟" "لا يبدو انه فاقد الوعي" "تباا !!"

---

في الصباح شمس جديدة أشرقت على القرية... تسلل الضوء الذهبي عبر الأفق، يغمر الأكواخ الخشبية والطرق الضيقة بطبقة ناعمة من الدفء. كأن الحياة انفجرت من رحم السكون، فخرج الناس من بيوتهم كأنهم تخلقوا من النور ذاته.

في الأزقة المتعرجة، علت أصوات النجارين يطرقون الأخشاب، والحَدَّادِين يُشكّلون الحديد تحت لهيب الأفران، وروائح الطعام تتسلل من نوافذ المطاعم الصغيرة المختبئة بين الزوايا.

وفي زاوية بعيدة عن الزخم، وقف نزل "ضوء القمر" القديم، مائلًا بعض الشيء، بواجهته المتآكلة ونوافذه التي تصفر مع الرياح.

في الداخل، وقف ويلث ومورو قرب النافذة المفتوحة. قال ويلث بصوتٍ منخفض: "سأغادر." هز مورو رأسه: "أتمنى لك التوفيق."

اقترب ويلث، ووضع يده على كتف مورو في حركة أخوية، بدا فارق الطول واضحًا، كأن الأخ الأكبر يترك وصيته للأصغر.

"مورو، أنت موهوب. شجاعتك ومهارتك ملفتتان. استمر في التدريب... وإذا احتجتني يومًا، ابحث عني." ابتسم مورو، تأثر واضح في نبرته: "وقتها... أنت من سيطلب مساعدتي."

ضحك ويلث، وغادر بخفة. ظل مورو واقفًا، يراقب ظهره وهو يبتعد، ثم نظر الي ريو الذي كان نائم مثل الطفل، ثم تمتم في نفسه: "ألم يكن من الأفضل... لو مات؟"

---

عشيرة أركن... من القوه الكبيره داخل التحالف الغير تقليدي . تتوزع مبانيهم على الطراز الصيني القديم، بأبراج شاهقة وسقوف منحنية تُغطى بالبلاط الأزرق، يعلوها قصر مركزي مهيب تحيط به الحدائق والجدران المزخرفة.

في قلب هذا القصر، كانت ليزا واقفة أمام عائلتها.

صرخت والدتها، ملامحها مشتعلة: "أيتها الحمقاء! تهربين دون أن تخبرينا؟ هل تظنين أن بإمكانك التصرف كما يحلو لك؟!" حاول والدها تهدئة الموقف، صوته ناعم وقلق: "عزيزتي، اهدئي قليلاً..." لكنها قاطعته بنظرة نارية: "أنت! أنت السبب، لطافتك الزائدة جعلتها تتمرد!"

لم يجد والد ليزا ردًا… فصمت. ثم دوّى صوت آخر، عميق وقاطع.

"كفى."

كان إدغارد أركن، كبير العشيرة، العجوز ذو الشعر الأبيض، والتجاعيد التي لم تخفِ الصرامة في عينيه.

قال بصرامة: "زوجتك على حق. ليزا أصبحت جريئة و متمرده… ويجب أن تُعاقب." "جدي!" صرخت ليزا، لكن دون فائدة. أمر إدغارد الجنود: "خذوها إلى قاعة العقاب."

بينما كانت تُسحب من ذراعها، بدا للحظة أن والدتها تأثرت… قالت بصوت خافت: "ألن يكون العقاب قاسيًا؟" رد إدغارد دون تردد: "أنا أفعل الصواب."

تنهد لينهوا، والد ليزا: "لحسن الحظ كان معها ويلث... وإلا من يعلم ما كان سيفعله قطاع الطرق بها؟" "وهل هزم شيبوكي حقًا؟" سؤال خرج بقلق، لكن عند سماع اسم ويلث… عبس إدغارد، وغادر الغرفة دون رد. تمتم لينهوا وهو ينظر للأرض: "ما زال يحمل حقدًا تجاه أخيه…" حاولت زوجته أن تواسيه، لكنه قال: "لقد سمعت أن ويلث خسر يده… من أجل إنقاذ ابنتنا." شهقت: "حقًا؟!" أومأ، وصوته مكسور: "أشعر بالذنب."

---

عودة إلى القرية…

في أحد المطاعم الريفية الصغيرة، جلس ريو يلتهم الطعام كمن قضى أعوامًا في صحراء. قال وهو يلوك الطعام بسرعة: "تبا لذلك الرجل… فقط لو… لو…" اختنق، وسعل بعنف.

رفع مورو حاجبًا: "لو ماذا؟ سمعت من ويلث أنه كان في مستوى تكامل الجسد. ماذا كنت ستفعل ضده؟" همهم ريو دون أن يرد… كاد يقول "لو كان النظام يعمل"، لكنه كتمها.

عاد لمضغ الطعام وقال بتبرم: "تبا لك، مورو." رد الأخير، وهو يواصل أكله بهدوء: "ما ذنبي؟"

وفجأة…

[تم تحديث النظام — الإصدار 2.0]

جاء الصوت المعدني داخل رأس ريو، واضحًا كأنه سُمِع من السماء. شهق، وبصق جزءًا من طعامه في وجه مورو.

"ما بك، بحق الآلهة؟!" صرخ مورو، يمسح وجهه. لكن ريو قفز على الطاولة، ثم خرج من النافذة صارخًا: "سأعود بعد قليل!!"

تنهد مورو، نظر إلى الأفق قائلاً: "تبا… لحياتي."

----

اذا كان هناك تفاعل سوف اقوم برفع الفصل 16

2025/04/23 · 38 مشاهدة · 1355 كلمة
نادي الروايات - 2025