.
استمتعو ~~
---
الفصل الثامن – صراع الدم ... و فتي اكل البضاعه !!
------
ساد التوتر المشهد كأن الأرض تحبس أنفاسها. الحراس وقفوا مرتبكين، يتصببون عرقاً أمام شيبوكي، الذي صدرت منه هالة "تشي" طاغية، تكاد تسحق الهواء من حوله.
ضحك شيبوكي، وعيناه تتوهجان باللون الأزرق، وابتسامته الواسعة كشفت عن أسنان بيضاء كأنها أنياب ذئب في قمر مكتمل.
قال بنبرة مفعمة بالحماسة:
"الآن، قيثير... استمتع!"
أومأ قيثير، وتقدّم بخطى هادئة نحو الأمام.
نظر الحراس لبعضهم بدهشة، وكأنهم لا يصدقون ما يرون.
"هل... هل يستهزئون بنا؟!" تمتم أحدهم.
"يرسلون فتى صغيراً؟!"
"هؤلاء الأوغاد... سنريهم!"
اندفع خمسة من الحراس وهم يصرخون، سيوفهم تلمع تحت أشعة الشمس الحارقة.
"أيها اللصوص، ستموتون!"
"لا عجب أنكم حثالة، ترسلون طفلاً إلى ساحة الموت!"
اقترب أحدهم من قيثير، محاولاً الإمساك به.
"لا تقلق، سأنهي الأمر بسر—"
لكن الكلمات قطعت فجأة، حين شعر الحارس أن العالم انقلب رأساً على عقب... لأنه فعلاً كان مقلوباً. رأسه انفصل عن جسده في لحظة، وطار في الهواء.
بُهت الحراس من المشهد، وذهل كل من رأى ما حدث. لم يُتح قيثير لهم فرصة حتى ليفهموا، تحرّك بسرعة مرعبة، وانقض عليهم كالشبح. في غضون ثوانٍ، كانت رقاب الأربعة الآخرين مفصولة، وسيوفهم ساقطة، وأجسادهم تنهار على الأرض.
عمّ الصمت، حتى الهواء بدا وكأنه تجمّد. الجمهور ارتجف من الصدمة... لم يتوقع أحد أن يقوم طفل بهذا.
باستثناء شخص واحد: ويلث.
راقب ويلث الفتى بعينين ضيقتين، ملامحه جادّة بشدة.
"هذا الفتى ليس طبيعياً... إنه مستخدم تشي، رغم صغر سنه، وتشِيه... غريب."
في الجهة الأخرى، كان شيبوكي يضحك وكأنه يشاهد مسرحية هزلية.
"هاهاهاها! هذا دائماً الجزء الأفضل."
وقف يراقب ما يحدث بانبهار، بينما كان قطاع الطرق من حوله يحتفلون، يصرخون فرحين، يلعقون سيوفهم، ويتحرّشون بالنساء.
بدأ الركاب يرتجفون، بعضهم اختبأ داخل العربات، والآخر لم يتمالك نفسه من الرعب.
قيثير، الآن، أصبح الموت مجسداً. تقدّم بخطوات واثقة، عيناه تلمعان بلون أسود قاتم، ويده تهتز بقوة التشي المتدفقة.
اندفع بسرعة خاطفة نحو بقية الحراس، لكن—
طااانغ!
نصل لامع قطع طريقه.
تراجع قيثير قليلاً، ناظراً إلى من أوقفه. كان ويلث واقفاً أمامه، واضعاً سيفه على كتفه بابتسامة باردة.
"آسف، فتى، لا يمكنني السماح لك بفعل ما تشاء هنا."
استجاب قيثير بصمت، وأطلق العنان لهالته المتصاعدة... يبدو أنه قرر استخدام كامل قوته.
ضحك شيبوكي بصوت عالٍ:
"استعدوا للهجوم!!"
صاح قطاع الطرق بحماسة، واندفعوا كالعاصفة.
استعد الحراس بدورهم، واندلعت المعركة في لحظة.
ركض الركاب مذعورين، مختبئين بين العربات والخيل. في إحدى العربات، كانت ليزا تراقب من نافذتها بقلق شديد.
"عمي..." همست.
طمأنها كبير الخدم قائلاً:
"لا تقلقي سيدتي، السيد ويلث لا يسقط بسهولة."
لكن ليزا لم تستطع السيطرة على قلقها، فتحت باب العربة بعنف، ونزلت.
صرخ الخادم خلفها: "سيدتي لااا!"
لكنه تعثر وسقط.
ركضت ليزا بين العربات والخيول، تبحث بجنون. وحين وصلت إلى مركز الفوضى، ارتجفت.
"عمي!" نادت بصوت باكٍ.
لكن بدلاً من ويلث، جذبها صوت غليظ:
"يا حلوة... تعالي!"
كان أحد قطاع الطرق يحدّق بها بشهوة، ضاحكاً كوحش مريض.
"هيهيهي!!"
صرخت ليزا:
"لااا!!"
وفجأة...
"خمس قبضات نيفرلاند – القبضة الأولى: الموت للجميع!"
جاءت الضربة كنيزك. ظهر مورو، ولكمة واحدة منه أطاحت بقاطع الطريق بعيداً.
فتحت ليزا عينيها المبللتين بالدموع، ورأته يقف أمامها.
ابتسم قائلاً:
"ما الذي تفعله آنسة جميلة مثلك هنا؟"
قالت ليزا وهي تنهض:
"أنا... أبحث عن شخص."
وقبل أن تكمل، حاول أحد قطاع الطرق الهجوم على مورو. لكن الأخير ألقاه بعيداً بضربة أخرى.
قال وهو ينظر حوله:
"علينا الخروج من هنا أولاً."
أومأت ليزا، فمدّ يده لها، ترددت لحظة، ثم أمسكت بها، وجهها متورد من الخجل.
تحرّكا بين العربات إلى أن وصلا لمكان آمن.
"هنا جيد مؤقتاً." قال مورو وهو يتفحّص المكان.
قالت ليزا بصوت خافت:
"شكراً لك."
ابتسم: "لا داعي."
ثم فكر: "أين ذاك الكسول ريو؟!"
قاطعته ليزا:
"هل هذا هجوم من قطاع الطرق؟"
أومأ مورو.
"هل رأيت عمي؟ شعره أحمر، طويل ويحمل سيفاً؟"
تفاجأ مورو:
"آه... نعم. رأيته، كان يقاتل بشراسة."
"عمي!!" قالت ليزا بقلق.
طمأنها:
"لا تقلقي، لا يبدو أنه سيخسر بسهولة..."
لكن وجهه أصبح أكثر جدية:
"لكن هذا لن يدوم طويلاً... سيخسر في النهاية. إلا إذا..."
"إلا إذا ماذا؟!" سألت ليزا بقلق.
قال مورو وهو يحدق في الأرض:
"...إلا إذا استيقظ ذاك الكسول."
"ماذا؟!"
---
في ساحة القتال، كان ويلث يتبادل الضربات مع قيثير، الاثنان يقاتلان بكل ما أوتيا من قوة.
لكن مع الوقت، بدأ ويلث يشعر بخلل.
"هذا الفتى... يبدو أنه يستخدم تقنيتين؟ جسدية وسيف؟! مستحيل..."
في عالم الفنون القتالية، كان الشائع أن يتخصص المقاتل في تقنية واحدة. التنقل بين تقنيات كثيرة كان مضيعة للوقت والمجهود. لكن ما يفعله قيثير الآن، هو ببساطة... خارجة عن المألوف.
تقنية تصلّب الجسد، وتحفيز التشي، مع مهارات سيف دقيقة؟! لم يسمع بها أحد من قبل.
اندفع ويلث للهجوم، لكن تنوّع حركات قيثير جعل من الصعب إصابته.
"تباً... بهذا الشكل، سأخسر!"
نظر نحو شيبوكي، الذي راقبه بابتسامة باردة، مما زاد الضغط عليه. أصبح عليه أن يحذر من خصمين في وقت واحد.
"هل يعاملني كدمية؟!" تمتم.
تراجع ويلث، وقال:
"أنت قوي يا فتى... لذا، لن أبخل عليك بشيء!"
اندفعت من جسده هالة حمراء، امتزجت بالتشي، فغمر الضغط كل من في الساحة.
شعر قيثير بالخطر، تعابير وجهه تغيّرت.
لوّح ويلث بسيفه المغلف بالتشي الأحمر، واندفع في هجوم هائل.
حاول قيثير المراوغة، لكن نطاق الضربة كان واسعاً... اضطر إلى صدها.
"آغغغ...!"
ضغط الهالة تسبب بإصابة داخلية لقيثير، بدا واضحاً عليه الألم.
استعد ويلث لضربة أخرى، لكن—
طاااانغ!
ضربة صدّت الهجوم.
ظهر شيبوكي، جسده الضخم واقف وسط الغبار، وقد صدّ الهجمة بيديه العاريتين.
وضع يده على صدر قيثير ليفحص إصابته.
قال الفتى بصوت باهت، وقد تلون فمه بالدم:
"آسف... معلمي."
رد شيبوكي بنبرة هادئة، لكنها تحمل فخراً:
"لا بأس... لقد فعلت ما يكفي."
ثم وجّه عينيه نحو ويلث، وقال بنبرة منخفضة مليئة بالتحدي:
"دعنا نرَ الآن... هل سيُرسل والدك جيشاً للانتقام إذا قتلتك؟"
أجابه ويلث ببرود قاتل:
"لا."
ضحك شيبوكي بصوت عالٍ:
"هاهاها، أنت حقاً بارد... يعجبني ذلك."
واندفع الاثنان في معركة عنيفة، الأرض تهتز تحت أقدامهم، والهواء ينفجر من حولهم.
---
في الجهة الأخرى...
وقفت ليزا بجانب مورو، عند إحدى العربات المقلوبة التي كانت تحوي الفواكه والخضروات.
لكن ما رأوه أمامهم لم يكن متوقعاً.
العربة كانت في فوضى عارمة... الفاكهة متناثرة، القشور والبذور ملأت المكان. بدا واضحاً أن أحدهم أكل كل شيء.
وفي وسط هذه الكارثة، كان ريو... نائماً بسلام، على ظهره، ذراعيه ممدودتين، فمه مفتوح قليلاً، وكأنه طفل شبع لتوّه ونام.
تجمّدت ملامح مورو وهو يصرخ:
"هل... هل أكل كل البضاعة؟!"
حدّقت ليزا في المشهد، ثم نظرت إليه بدهشة شديدة:
"هل أنت متأكد... أن هذا هو الشخص الذي سينقذنا؟!"
ضحك مورو بخجل، وحكّ مؤخرة رأسه:
"آه... نوعاً ما..."
نظرت ليزا مرة أخرى إلى ريو، ثم تنهدت، وأبعدت نظرها قليلاً وهي تهمس:
"لكنك... أنقذتني."
التفت إليها مورو، وقد خفّ ضحكه.
تابعت بصوت منخفض:
"لو لم تكن هناك... لا أعلم ما الذي كان سيحدث لي."
أطرق مورو رأسه لثوانٍ، ثم نظر إليها بنظرة خفيفة، لكنّها كانت صادقة:
"أنا فقط فعلت ما يجب فعله."
نظرت إليه ليزا، للحظة طويلة. عيناها العسليتان كانت تحاولان قراءة ملامحه.
"لا... لم يكن عليك. لم تعرفني حتى." قالت بصوتٍ مهتز.
أراد أن يرد، لكنه تردد، ثم قال بهدوء:
"لكنني رأيتك خائفة... ولم أحتمل ذلك."
تسارعت أنفاسها قليلاً، وأخفضت عينيها. بدا عليها الارتباك، ولم تعرف بماذا ترد.
كانت تلك المرة الأولى منذ بداية الهجوم التي شعرت فيها بالأمان.
مدّ مورو يده نحوها مجدداً، هذه المرة بلطف أكبر.
"هل أنتِ بخير؟"
نظرت إلى يده، ثم إليه، كانت خديه تتوردان بخفة.
أومأت ببطء، ثم مدت يدها نحوه، يدها الصغيرة دخلت في قبضته الدافئة.
قالت بصوت خافت:
"أنت... مختلف عن أي شخص التقيته من قبل."
ضحك بخفة، وهو يساعدها على النهوض:
"أعني... هذا أفضل من أن أكون غريب الأطوار، أليس كذلك؟"
ضحكت هي الأخرى، وكانت تلك أول مرة تبتسم منذ بداية الفوضى.
سار الاثنان معاً، بينما كانت خطواتهما تتقاطع بين العربات المحطمة.
نظرت ليزا نحوه مرة أخرى، بنظرة أطول هذه المرة. ملامحه لم تكن وسيمة بالمعنى التقليدي... لكنها شعرت بالأمان معه. بالأمان والدفء.
قالت بنبرة ناعمة:
"مورو... هل... هل تبقى معي قليلاً؟"
نظر إليها، وابتسم:
"طالما أن هذا سيجعلك تشعرين بتحسن... بالتأكيد."
ابتسمت، واستمرّا بالسير حتى وصلا لمكان أكثر هدوءاً.
وبينما كان مورو يحرس المكان بعينيه، كانت ليزا تنظر إليه خلسة... تتأمل ملامحه، نظراته، طريقته في الوقوف، وحتى طريقة تنفسه.
ربما لم يكن الوقت مناسباً للحب، لكن البذور... قد زُرعت.
في هذه اللحظة، كان الهدوء يخيّم على الزاوية التي لجأ إليها مورو وليزا.
لكن ذلك لم يدم طويلاً.
اهتزت الأرض تحت أقدامهم فجأة، ودوّى صوت انفجار في السماء، وكأن البرق قد ضرب الأرض.
نظرت ليزا نحو مصدر الصوت، وقد غطّت أذنيها من شدّته:
"ما الذي... كان ذلك؟!"
حدّق مورو إلى الأفق، حيث ارتفع عمود من الدخان الأحمر الداكن، وهالة قاتمة بدأت تلتف في السماء فوق ساحة المعركة.
قال بقلق لم يستطع إخفاءه:
"ذلك... تشي شيبوكي. يبدو أنه قرر القتال بجدية."
ثم تابع وهو يحدّق في ذلك الدخان المتصاعد:
"إذا لم يتحرك ريو الآن... سنخسر الجميع."
اقتربت ليزا منه خطوة، ثم قالت بخوف:
"لكن... هل يستطيع إيقافه؟ وحده؟"
لم يرد مورو مباشرة. نظر إليها، في عينيها الواسعتين الممتلئتين بالخوف، ثم نظر نحو ريو النائم خلفهم، ما زال يغطّ في نوم عميق وسط القشور والفوضى، وكأنه في عالم آخر.
"هو يستطيع..." تمتم مورو.
"...لكن المشكلة، أن ريو لا يقاتل إلا إذا شعر بأن هناك من يستحق أن يُقاتل لأجله."
سكت قليلاً، ثم التفت إليها بنظرة هادئة، لكنها عميقة:
"أحياناً... الأمر لا يتعلق بالقوة، بل بالسبب."
شعرت ليزا بقشعريرة خفيفة تمرّ في جسدها، لم تعرف إن كانت من كلماته... أم من نظراته.
قالت بصوت خافت:
"هل تقصد... أن عليّ أن أكون ذلك السبب؟"
لم يجب مورو. اكتفى بالنظر إليها للحظة، ثم قال:
"ربما..."
ثم ابتسم ابتسامة صغيرة، ورفع حاجبه:
"أو ربما علينا فقط أن نسحبه من نومه ونرميه في ساحة القتال."
ضحكت ليزا، رغم الخوف. تلك الضحكة كانت أشبه بأشعة شمس اخترقت غيمة سوداء.
وفجأة، ارتجّت الأرض مرة أخرى، لكن هذه المرة، لم يكن الصوت من بعيد.
كان شخصٌ ما يقترب...
من بين العربات المحطمة، خرج ظل طويل، خطواته ثقيلة، عيناه تتوهجان بلون أحمر غامق، وفي يده سيف ضخم يجرّه على الأرض، يصدر منه صوت كشّررر الحديد على الحجارة.
ليزا تراجعت خطوة للخلف، عيناها اتسعتا، وارتجف صوتها:
"مورو... مَن هذا؟!"
نظر مورو نحو القادم الجديد، وحدّق به لثوانٍ، ثم تضاعف التوتر في وجهه.
"تبا..." تمتم بصوت منخفض.
"ذلك... أحد هو النائب الخاص لشيبوكي. لم أكن أعلم أنه معهم ، لم أراه في اي مكان من قبل ."
كان مورو يعرف الكثير عن شيبوكي بسبب كونه كان في ذالك الوقت الذي اصبح به شيبوكي خائن كان هو مجرد تلميذ وقتها .
انحنى قليلًا، ودفع ليزا بلطف خلفه.
"ابقي خلفي... ولا تتحركي."
أومأت برأسها بصمت، يداها ترتجفان، لكنها نظرت إليه بثقة غريبة بدأت تنمو في قلبها.
ومع اقتراب الخطر...
في الخلف، فتح ريو إحدى عينيه ببطء.
تثاءب، وتمطّى كسولًا، ثم همس:
"هل بدأ القتال أخيرًا؟"
ابتسم، ثم أغمض عينيه مجددًا.
لكن تلك الابتسامة... لم تكن لكسول. بل لمحارب.