---
"أجل، لكنه لم يعد يتذكرني. أنا متأكدة أنه كان أخي إيلان. لا يمكن أن أكون مخطئة." قالت إيليش وهي تصرّ على أسنانها، وكان الإحباط واضحًا في صوتها.
"حسنًا... أخبريني بما حدث. كيف تعرفتِ على أخيك هنا؟" قال سوتا. كانت نبرته فضولية، لكنه في داخله كان يبحث عن الحقيقة. حقيقة إيليش.
ترددت إيليش في البداية، ثم فتحت فمها ببطء وقالت:
"أعلم أننا عانينا من خسائر فادحة، وأدرك أنني لا أستطيع البقاء على هذه الحال، لكن لا يسعني سوى أن أعلق في هذه اللحظة. لم أستطع التركيز… كلما أغمضت عيني، كان هذا المشهد يعود إليّ."
"لا بأس، أفهمك. لكلٍّ منا مشاكله الخاصة، وأعتقد أنكِ ما كنتِ لتتبعيني دون سبب واضح. فقط أخبريني كل شيء، عبّري عن مشاعرك." قالها سوتا بنبرة هادئة.
نظرت إيليش للأسفل لبضع ثوانٍ، ثم أغمضت عينيها وتحدثت بصوت منخفض:
"إيلان… هو سبب رغبتي في القدوم إلى إمبراطورية العالم الإلهي. لقد كان الهدف الوحيد من رحلتي ومغامرتي."
قبل عشر سنوات...
في منزل خشبي بسيط، فُتح الباب ودخلت فتاة شابة ذات شعر أزرق قصير وبشرة ناعمة. كانت جميلة، وابتسامة لطيفة تزين وجهها.
ذهبت إلى المطبخ، وأعدّت حساءً ساخنًا، ثم حملته نحو إحدى الغرف. كان وجهها مشرقًا، وعيناها مليئتان بالحنان.
في الغرفة، كان هناك سرير عليه طفل نحيل يرقد بهدوء. بدا هزيلاً ومنهكًا، وقد جفّت ملامحه من المرض.
فتح الصبي عينيه عندما سمع صوت دخولها، وقال بصوت واهن:
"أختي... إيليش..."
"كُل هذا، إيلان. سيكون الأمر سيئًا لجسمك إن لم تأكل شيئًا." قالت إيليش بلطف وهي تضع الحساء بجانبه.
"أنا بخير يا أختي... لا داعي للقلق عليّ." تمتم إيلان مبتسمًا بسخرية خفيفة، رغم ضعفه.
"بل أنا من يجب أن يقلق. سأجد طريقة لعلاج مرضك مهما كلّف الأمر." ردّت إيليش بعزم وهي تحاول إخفاء ألمها.
"سأكون بخير..." كررها الصبي وهو ينظر إليها بثقة.
ابتسمت إيليش ابتسامة حزينة، ثم ساعدته على تناول الحساء ببطء.
كانا يعيشان بمفردهما. والدهما قد توفي منذ سنوات، ووالدتهما تبعته بعد فترة قصيرة. لم يتبقَّ لهما إلا بعضهما البعض.
رغم الفقر، استطاعت إيليش الاعتماد على نفسها بمساعدة أصدقاء مخلصين. لكن منذ أربعة أشهر، شُخّص إيلان بمرض غريب مجهول لا يُعرف له دواء.
ومنذ ذلك الوقت، وهو طريح الفراش.
بعد أن نام، جلست إيليش بصمت تراقبه، ثم خرجت من الغرفة. غسلت الصحون، ثم جلست تقرأ كتابًا عن الأعشاب الطبية. كانت تأمل أن تجد نبتة قد تنقذ شقيقها.
"سأساعد أخي مهما كلّفني الأمر..." أقسمت على نفسها.
في تلك الليلة، قرأت إيليش عن أسطورة "العالم الإلهي" – عالم يعيش فيه الحكام، وتوجد فيه مخلوقات أسطورية، وأعشاب طبية خارقة.
أضاء هذا بصيصًا من الأمل في قلبها.
إن كان هذا العالم حقيقيًا... فقد تجد علاجًا لمرض إيلان.
المشكلة الوحيدة كانت... من أين تبدأ؟
أغلقت الكتاب، ثم خرجت من المنزل. جمعت كل الكتب في قريتها التي قد تحتوي على معلومات عن "العالم الإلهي"، لكنها لم تجد شيئًا باستثناء الكتاب الذي كانت قد قرأته بالفعل.
"أنتِ تقرئين عن الأعشاب مجددًا؟" جاءها صوت من خلفها.
استدارت إيليش لتجد فتاة صغيرة، في السادسة عشرة من عمرها تقريبًا، بشعر أسود وعينين سوداويين فيهما وهج أحمر.
"لا، لست كذلك، فريس." قالت إيليش وهي تهز رأسها بابتسامة.
كانت فريس إحدى صديقاتها المقربات.
"إذًا، ما هذا الكتاب؟" سألت فريس.
رفعت إيليش الكتاب وأظهرت عنوانه لها.
"أسطورة العالم الإلهي...؟" تمتمت فريس بدهشة، ثم نظرت إلى صديقتها قائلة:
"أليس هذا من قصص الأطفال؟"
"أوه، إذًا تعرفينه؟" رفعت إيليش حاجبيها باستغراب.
"نعم، قرأت أحد تلك الكتب في المدينة." أجابت فريس، ثم أضافت: "ما الخطب بهذا الكتاب؟"
"أريد أن أجد العالم الإلهي." قالت إيليش بجدية.
"هاه؟!" صُدمت فريس من كلماتها. "أليس هذا مجرد خرافة؟ شيء غير حقيقي..."
تنهدت فريس، ثم وضعت يدها على جسر أنفها. كانت قد نسيت أن إيليش لم تزر المدينة من قبل، فقد كانت تقيم طوال حياتها في هذه القرية ولم تغادرها إلا لجمع الأعشاب من الجبال.
"من يدري... لكن، ماذا لو كان العالم الإلهي حقيقيًا فعلاً؟" قالت إيليش وهي تحدق في السماء الواسعة بنظرة حالمة.
"لحظة!" رفعت فريس يدها لتوقف إيليش عن الكلام، ثم قالت: "دعيني أستدعي البقية أولًا."
"ح-حسنًا." أومأت إيليش برأسها.
بعد نصف ساعة...
اجتمعت خمس فتيات تحت ظل شجرة ضخمة. الثلاث الأخريات كنّ في عمر إيليش وفريس.
الأولى كانت تدعى "غريسا"، ذات شعر أسود قصير مربوط من الخلف، وبشرة سمراء، وعينين سوداويين داكنتين.
الثانية "آيلين"، فتاة بيضاء البشرة ناعمة، ذات شعر وردي مربوط على شكل ذيلين، وتملك أذنين وذيلًا يشبه الثعالب.
أما الأخيرة، فكانت "جابي"، فتاة طويلة ذات شعر بني قصير، وعينين بنيتين، وبشرتها داكنة وبها بعض الندوب الظاهرة.
كنّ جميعًا صديقات منذ الطفولة، فتيات من القرية، لكنهن يحملن طموحات عظيمة. لم يكنّ يرغبن بالبقاء في القرية لبقية حياتهن.
"إيليش، أخبريهن بما قلتِ لي." قالت فريس.
نظرت الفتيات الثلاث إلى إيليش، التي ابتسمت ورفعت الكتاب أمامهن.
"أسطورة العالم الإلهي؟ أليست تلك مجرد قصة خيالية؟" بدت علامات الحيرة على وجوههن.
"ماذا لو كانت هذه القصة حقيقية؟ ماذا لو كان هناك عالم حقيقي فيه علاج لمرض إيلان؟ ألن يكون ذلك رائعًا؟" قالت إيليش بعزم.
"هل أنتِ جادة؟" سألت آيلين بدهشة.
"نعم." أومأت إيليش بقوة.
تبادل الثلاث نظرات قلقة. لم يكنّ يعرفن كيف يرددن على صديقتهن.
"وماذا تنوين أن تفعلي؟" سألت فريس.
"أريد أن أبحث عنه. طالما أن هناك أملاً، فسأتبع هذا الأمل لعلاج إيلان." قالت إيليش وقد رفعت يديها بعزم.
"حتى لو كان ذلك العالم حقيقيًا، كيف ستصلين إليه وحدك؟ من الواضح أن فيه مخلوقات أسطورية قد تقتلك بسهولة." سألت فريس مرة أخرى.
"أنا..." خفضت إيليش رأسها، ثم بعد لحظات رفعت رأسها مجددًا وقالت:
"لهذا السبب... سأصبح أقوى. سأُقوّي نفسي حتى أتمكن من علاج إيلان وحمايته من أي خطر. سأفعل كل ما بوسعي."
عندها، أدركت الفتيات أن إيليش لا تمزح. وقررن مرافقتها في رحلتها.
ذهبت الفتيات إلى المدينة لأول مرة، وتعلّمن العديد من الأشياء. بدأن يتدرّبن بجد على فنون القتال، وفي غضون ستة أشهر فقط، تعلّمن الأساسيات بشكل ذاتي.
وفي العام التالي، أصبحن مغامرات رسميًا.
أسسن فرقة، وبدأن باستكشاف أماكن عدة للبحث عن أي أدلة تقود إلى العالم الإلهي. ولم ينسين أبدًا أن يبحثن عن علاج لإيلان خلال مغامراتهن.
وعندما بلغت إيليش العشرين من عمرها، أصبحت مجموعتهن من أشهر المجموعات في المدينة. جمعن ثروة لا بأس بها، لكن لم يجدن أي علاج للمرض المجهول. وكأن المرض لا علاج له في هذا العالم...
...
استمع سوتا إلى قصتها بصمت دون أن يقاطعها. كان يعلم أنها صادقة.
إذًا، إيليش لم تكن من العالم الفرعي الذي التقاها فيه لأول مرة. ربما تقطعت بها السبل هناك ولم تجد وسيلة للخروج من ذلك الكوكب.
كانت في مرتبة "قيود واحدة" حينها، وقادرة على النجاة في الفراغ الكوني، لكن جسدها لم يكن مكتفٍ ذاتيًا بعد. كانت بحاجة للطعام والنوم، ولهذا لم تستطع السفر في الفضاء الواسع وحدها.
غالبًا، كان هدفها هو مجلس العوالم العليا، لتحصل على معلومات توجهها نحو وجهة محددة.
لكن... أين هنّ صديقاتها؟
في قلبه، بدأ سوتا يدرك ما حدث...
---____________________________
ترجمة=الفارس الملعون