ارتجف چون وقال ببطء: "لن أنجب أبناء غير شرعيين أبدا»، ورمق عمَّه مكرّرًا الكلمة كأنه يَبصُق سُمَّا من فمه: «أبدًا!».
لاحظ فجأة أن الجالسين إلى المائدة قد لاذوا بالصمت جميع ويُحَدِّقون فيه، وشعرَ بالدَّموع تتجمع في عينيه، فدفع نفسه ناهضا من مكانه.
أستأذنكم»، قال بما تبقّى لديه من كرامة، ودار على عقبيه واندفع مغادرا قبل أن يروه يبكي. لكن يبدو أنه شربَ نبيذا أكثر مما حسب، فقد اشتبكت قدماه تحته وهو يُحاول الانصراف، وترنّح جانبا ليرتطم بواحدة من الخادمات ليَسقُط إبريق النبيذ المتبل الذي تحمله ويتحطم! على الأرض, دوّت الضحكات من حوله، وشعرَ چون بالدموع الساخنة تسيل على وجنتيه, حاول أحدهم مساعدته على الوقوف، لكنه تملص منه بعنف وركض دون أن يرى تقريباً نحو الباب، وتحرّك جوست في أعقابه ليَخرُج معه إلى ظلام الليل.
كانت الساحة خالية هادئة، ووقف حارس وحيد عاليا في شرفة حصن الجدار الداخلي، وقد ضَمَّ معطفه حول جسده بإحكام ليتقي البرد. بدا ضَجِرًا بائسا وهو رابض هناك وحده، لكن چون كان ليتبادل الأماكن معه في غمضة عين. فيما عدا ذلك كانت القلعة مظلمة مهجورة. كان چون قد رأى قلعة مهجورة ذات مرَّة، مكانًا كئيباً موحشًا لا يتحرَّك شيء فيه غير الرياح ولا تُفصح فيه الحجارة عن شيء عن كل من عاشوا هناك, الليلة ذكرته وينترفل بتلك القلعة.
جاءَت أصوات الموسيقى والأغاني من النافذة من ورائه، وكانت آخر ما يرغب چون في سماعه مسح دموعه بكُم قميصه شاعرًا بالغضب الشَّديد لأنه تركها تسقط، واستدار ليُغادر المكان.
- أيها الصبي»، ناداه الصوت فالتفتَ چون کان تيريون لانستر جالسًا على الإفريز فوق باب القاعة الكبرى، ليبدو كالكراجل من مكانه هذا.
( الكرجل حيوان أسطوري تم تصويره في منحوتات عدة، وبالأخص على الجدران الخارجية لعددٍ من كنائس العصور الوسطى على شكل ميزاب)
ابتسم القزم وهو يرمقه من أعلى قائلا: «هذا الحيوان، أهو ذئب؟».
قال چون: «ذئب رهيب اسمه جوست ونظر إلى الرجل الصغير وقد نسي خيبة أمله فجأةً، وسأله "ماذا تفعل عندك؟ لماذا لست مع الآخرين في المأدبة؟».
أجابَ القزم" الكثير من الحر والكثير من الضوضاء، كما أني شربت الكثير من النبيذ, لقد تعلمت منذ زمن طويل أن من الحماقة أن تتقياً على الملك أمام الجميع، هل تسمح أن ألقي نظرةً أقرب على ذئبك ؟ »
تردد ،چون، ثم هَزَّ رأسه ببطء وقال:" هل تستطيع النزول أم أحضر لك سُلَّمًا؟"
قال الرجل الصَّغير :* لا عليك بهذا السُّخف"، ودفع نفسه من مكانه على الإفريز في الهواء المفتوح فشهق چون وشاهد بانبهارٍ إذ دار تيريون لانستر كالكُرة ثم هبط بخفَّةٍ على يديه، قبل أن يثب إلى الخلف ليستقر على قدميه وتراجع جوست مبتعدا عنه بتوثر.
نفض القزم الغبار عن نفسه وضحكَ قائلا:" أعتقد أني أخفتُ ذئبك تقبل اعتذاري".
قال چون: «إنه ليس خائفًا»، وركع ونادی: «جوست، تعال، تعال هنا، هيا».
اقتربَ الذَّئب الصَّغير منه وحَكَ أنفه بوجه چون، لكنه ظَلَّ يُراقب تيريون لانستر بعينين حذرتين، وعندما مَدَّ القزم يده ليُداعبه، تراجع وكشف عن أنيابه مُطلقا زمجرةً صامتة، فقال لانستر: «يبدو أنه خجول أليس كذلك؟».
قال چون آمرا «جوست، اجلس نعم هكذا، اثبت في مكانك"، ثم رفع عينيه إلى القزم
وقال :" يُمكنك أن تلمسه الآن. لن يتحرك حتى آمره. إنني أدربه منذ فترة".
غمغم لانستر: «مفهوم»، وداعب الفرو الأبيض كالثلج بين أُذني جوست وقال: «ذئب لطيف».
قال چون: «لو لم أكن هنا لمزَّق عُنقك». لم يكن هذا صحيحًا بعد في
الحقيقة، لكنه سيكون كذلك،
قال القزم من الأفضل أن تبقى قريبًا إذن في هذه الحالة»، وحنى رأسه الكبير إلى الجانب ورمق چون بعينيه غير المتماثلتين
وقال: «أنا تيريون لانستر».
«أعرفُ»، قالها چون .ونهضَ كان أطول قامةً من القزم وهو واقف على قدميه، ما جعله يشعر بشعور غريب.
-" أنت نغل ند ستارك، أو هاكذا يزعمون؟" .
شعر چون ببرودة تسري في جسده، فضغط شفتيه معا ولم يقل شيئًا.
قال لانستر: «هل ضايقتك؟ معذرةً ، لكن ليس من الضروري أن يكون الأقزام لبقين. أجيال من المهرجين المتواثبين في ثيابهم متنافرة الألوانذ منحتني الحقِّ في أن أرتدي ملابس غير لائقة وأقول أي شيءٍ يَخطر على بالي، وابتسم مُردِفًا: «لكنك نغل رغم كل شيء».
قال چون بجمود: «اللورد إدارد ستارك أبي».
تطلع القزم لانستر إلى ملامحه وقال: «لست متأكده من دالك، لكن أستطيع أن أرى فيك من الشمال أكثر من باقي إخوتك».
«إخوتي غير الأشقاء». كان مسرورًا من تعليق القزم الأخير، لكنه أخفى شعوره هذا.
قال لانستر: "دعني أعطيك نصيحةً صغيرةً أيها النغل، إياك أن تنسى ماذا تكون أبدًا، لأن العالم بكل تأكيد لن ينسى، اجعل من هذا قوَّتك،فلا يكون نقطة ضعف لك أبدا، درّع نفسك بهذه الحقيقة ولن تستخدم لأذيتك أبدا».
لم يكن چون في مزاج لأي نصائح من أحد، وقال بحدة: «ما الذي تعرفه عن كون أحدهم نغلا؟».
-"كل قزم في العالم نغل في عيني أبيه" .
- «لقد ولدتك أمك ابنا شرعيا لعائلة لانستر».
قال القزم بتهكُم: «اوه.. هل انا كذلك ؟إذن من فضلك حاول أن تقول هذا لأبي.. لقد ماتت أمي وهي تلدني، وهو لم يثق قطُّ بكوني ابنه».
قال چون: «أنا لا أعرفُ من كانت أمي أصلا».
- "كانت امرأة ما لا شك فيه، معظمهنَّ كذلك" ، ورمق چون بابتسامة حزينة وقال: «تذكَّر هذا أيها الصبي، قد يكون كلُّ قزم نغلّا، لكن ليس من المحتم أن يكون كل نغل قزما" قالها واستدار واتَّجه متهاديًا صوب المأدبة وهو يُصَفِّر لحنا ما عندما فتح الباب، ألقى الضوء القادم من الداخل ظله على الساحة، وللحظة عابرة وقف تيريون لانستر مديد القامة كأنه عملاق .