-ماذا يفعل هنا !!
شهق ثيودور في حين تسارعت انفاسه الخائفة وهو يحدق من بعيد في الرجل ، كان من المفترض أن يأتي هذا الشخص بعد ٱسبوع ونصف آخر تقريبا لكنه كان بالفعل هنا امامه !
تخبط وهو يرى ذكرى لكوابيسه التي استمرت لعامين تتجسد في عينيه
-يا طفل !! "
هزه شاتس من ذهوله الشارد بعد ان ناداه مرارا لينتهي بصفعه .
-هل انت بخير ؟"
سأل وهو يرى وجه ثيودور الشاحب ، كانت انتفاضته من مكانه مفاجأة حتى أن جروحه المضمدة قد فُتحت مجددا .
-علينا الخروج من هنا ! فورا ! "
نظر نحو شاتس وجر طرف ملابسه بإلحاح
إلا أن الأخير أمسك بمعصمه وأشار للأسفل ، لم يعد مختبئا مثل من قبل بل تكلم بهدوء.
-لا نستطيع حتى لو اردنا ! "
تفاجأ برده ليرى أين يشير .
في وقت ما سحب "كودا لابيلوس" أداة في شكل حلقة مستديرة طافت حول يده،
أعاد شاتس الإشارة خلفهم ولدهشة ثيودور.ليس بعيدا عنهم كان هناك حاجز شفاف واقف هناك إمتد في شكل حلقة في اتجاهين مختلفين محيطا بالجرف والوادي باكمله !
-متى !؟"
-عندما تحركت فجأة ! ، كان كودا بالفعل قد نشر إدراكه مُستفزا من قبل هذا الرجل المقنع ، لكنه وجدنا الآن ايضا.
الحلقة بيده هي أداة مختومة اشتهر بها تدعى "أبسوديا" ،لن يُكسر الحاجز ابدا حتى تُكسر الأداة ! قيل أن هذه عادته في محاصرة اعدائه قبل القضاء عليهم ... لتعتقد أننا سنشهد صحة الشائعة بأنفسنا ! "
سخر شاتس ببرود وهو ينظر للمخيم اسفله
كان الرجل المقنع لا يزال يسير بهدوء غير آبه للخطر حوله
عبس "كودا" وهو يفكر
لم يكن غبيا لكي لا يدرك أن هناك خطأ ما في الرجل ،إذ أن أي شخص عاقل لن يرمي بنفسه في مخيم مهربي البشر دون دعم خلفه لكنه لم يستطع التراجع الآن !
خاصة بعد نشر "ابسوديا"، كان يحاول كل جهده لدعم سمعته السيئة في قلوب رجاله. اراد الحفاظ على صورته في قلوبهم وان لا ينحازوا لأخيه بسبب موهبته .
لا يزال يتذكر سخرية رجال أبيه المقربين وشماتة اخيه منه بعد سماعهم بإرساله هنا . .. قرر أن فرائس اليوم ستكون موطئ قدم لبناء قواته ثم التوسع للعودة وإسقاط أعدائه ،
-من انت ؟ اسئلك للمرة الاخيرة ! ان لم تجب سأكسر ساقيك للدخول هنا دون اذن !"
كان رجاله المائة تقريبا قد وضعوا بالفعل دروعهم وهم يحاصرون الرجل ويضيقون عليه بسيوفهم منذ فترة طويلة .
عندما نفذ صبر كودا قرر الهجوم ولدهشته توقف الرجل عن الحركة .
كانت العيون الساكنة خلف القناع تنظر في اتجاه آخر عنه محدقة في الجرف بعيدا .
-لتظن أنها ستختفي لتظهر هنا ...كنت ابحث عنك .."
خرجت الكلمات الهادئة من فمه وكأنها تلفظ من بعد آخر ، كانت المشاعر بها بليدة لم تفهم نيتها او الغرض منها، إلا أن الجميع شعر بالقشعريرة في اعماق قلوبهم.
ظهرت أمام الرجل فجأة كرة فضية لتتوسع في كل اتجاه بببطئ تبتلع كل ما حولها حتى الأرض عميقا تحته .
شعر "كودا" بالخطر الشديد الذي يداهمه في هذه المرحلة ليرفع صوته آمرا
-انتم !! اقتلوه الآن ماذا تنتظرون !! "
بعد تردد اندفع رجاله نحو المقنع بسيوفهم إلا أنهم اختفوا مائن وصلوا محيط الكرة.
شاهد الباقي في أعين مفتوحة بقايا جلد ومعدن على أطرافها وكأن الاشخاص الذين وصلوا نحوها قد تم فرمهم في قطع.
-ماهذا !! هل ماتوا بالفعل؟"
-انه وحش !!
-اهربوا !!
حاول الباقي الفرار إلا أن كودا استعاد حاجزه ليحيط بنفسه وقام ببناء سد طويل يمنع الباقي من العبور .
-قاتلوا ايها الاغبياء الآن !! لن يكون لنا فرصة للفرار ان تحرك الرجل ! "
دفع برجاله للأمام في حين حاول الهرب ، لقد علم منذ رؤيته الكرة ان الشخص كان اقوى من ان يستفزه .
لم تنتهي محاولة فراره لتثمر اذ أن الكرة الفضية توسعت فجأة لتبتلع جميع رجاله والمخيم حولهم مانعة حتى النحيب من الخروج من حلقهم .
وصلت نحوه ليختفي هو ايضا بعد انكسرت حواجزه كالزجاج . صامت وخانق هذا كان آخر ما لمح بعقل كودا قبل ان يختفي وعيه .
استمرت الكرة في الزحف نحو الجرف وكأنها تقضم المساحة نفسها .
-طفل !!"
جر شاتس الصبي المذهول من يده وهو يركض للنجاة بحياتهما .
كان من حسن حظهم ان كودا قد سحب حاجزه سابقا ليدافع عن نفسه .
لم تساعده حالة ثيودور في الركض بعيدا اذ أن الصبي تجمد وكأنه في غيبوبة منذ ان نطق الرجل كلماته ،
كانت أعينه ضبابية وحتى بعد صراخه باسمه عدة مرات لم يستجب له ، لم يستطع تحمل الهرب وترك الطفل وحده ليواجه الموت .
شد على يده وغير طريقه لليمين بعد قفزه فوق أحد الشجيرات، غير انه تفاجأ برؤية مخالب فضي تتجه صوبه .
عاد للخلف ليرى آخر هناك
-مهلا ألم يكن شكلكي دائريا لماذا تتجعدين في كل الاتجاهات فجأة ؟"
ارتجفت أطراف فمه يسأل باستهزاء وعجز.
حاول تغيير طريقه إلا انه ادرك في وقت ما انه محاصر بالفعل
-يا فتى استيقظ قد نموت هنا حقا ! اخبر صديقك اننا نستسلم واطلب منه ان يبعد كرته الغريبة"
همس بقلق نحو ثيودور بجانبه ،كان يدرك أن الاثنين كانا يعرفان بعضهما وأن الرجل يلاحقه ، لكن على ما يبدو فإن المقنع اراد موتهما هنا مثلما فعل بالبقية.
-انا لم أنتقم لموت أبي بعد ! لا استطيع الموت هنا "
رفع يده بغية صفع ثيودور في أمل أخير الا انه توقف عندما لاحظ الهالة الفضية التي غلفتهما فجأة بعد ان ابتلعتهم الجدران الفضية للكرة تماما .
امسك ثيودور بيد شاتس متمتما في حالته شبه النائمة
-تمسك.."
شدت يد شاتس على ثيودور اكثر وابتلع بخوف ينتظر القادم
وبالفعل لم يلبثى حتى اندفعت امواج مشوهة نحوهما وفي كل مكان في هذا العالم الرمادي وكأن الكرة قد انفجرت من الداخل .
دفعهم الزخم للخلف مئات الأمتار ولم يستطع شاتس تحديد مكان وجودهم ،كان كل ما يستطيع رؤيته هو ازياد الجروح على اجسادهم الصغيرة وأن الصبي قد تحمل جل العبئ عليهم ،
وفي لحظة إدراك او شؤم تساءل بضعف عما اذا كانا سيخرجان من هذا أحياء !
°°°°°°°°°
في مكان آخر في اعماق الارض في غرفة سرية
فُتحت عينان ذهبيتان مغلقتان بغتة وهما يحدقان بعبوس بشيئ ملقى بجانبهما .
امتدت اليد النحيفة للشابة ذات الشعر الذهبي الطويل والرداء الأبيض لتلمس الرمح الذي يهتز باستمرار وكأنه يناديها .
-ما الأمر "كالساديان" ؟
سألت الفتاة وكأنها تعلم أن السلاح يفهمها ،
لم تلبث بعدها إلا لبضع ثوان قبل ان تتسع حدقتاها قليلا ثم تلمس العقد برقبتها لتختفي فجأة !
°°°°°°°°
داخل قصر ضخم يطوف في الجو،
ظهرت على احدى قاعاته الداخلية عدة قطرات من الماء لتتجمع بسرعة مشكلة بركة هلامية .
امتدت منها يد شبيهة بجلد السمك المائي، ليرتفع بعدها شكلٌ لوجه بشري شبه شفاف بحراشف زرقاء
-لقد ظهر ! "
قال دون مقدمات او تحيات نحو رجل يجلس في مقدمة قاعة طويلة امتلئت بعدة شخصيات مهيبة تنظر نحوه .
لم يعقبو على سلوكه غير المحترم وبدى انهم معتادون عليه .
كان الرجل ذو الشعر الأزرق المائل للسواد الذي يجلس على رأس الطاولة في تفكير عميق لينطق بعدها .
-توجه هناك ! "
لم يرد الرجل الهلامي بكلمة بل تشتت في قطرات مائية ليختفي بين الشقوق في الجدار
°°°°°°°
على قمة احد الجبال التي كادت تخترق السماء
جلست فتاة ترتدي درعا تقليديا بسيطا وهي تلعب "سكاكي" وهي لعبة حرب مشهورة قديمة وقد دفعت بآخر قطعها لتخترق جيش خصمها قاطعة رأس جنرالهم .
-يا معلم لقد فزت مجددا "
تمتمت بهذا بانزعاج وهي تقلب افكارها
-لقد مضت مدة طويلة ،اريد الخروج من هنا "
تذمرت وقد رفعت رأسها لتقابل تلك العيون الحازمة.
-مستحيل "
أجاب بهذا دون ان يرف له جفن وهو يرتب القطع المتناثرة .
ارادت أن تطلق نوبة غضب ٱخرى عدى أن رؤية أحد الفؤوس على ظهر معلمها يهتز جعلها تضحك بشدة وهي تنهض فجأة .
-وهاقد اتت فرصتي دون حتى ان اعيد طلبها ! "رابتور" دعنا نذهب !!"
تحول الفأس بظهر معلمها لسلسلة ضوئية قبل ان يظهر على يدها .
لوحت به بفرح وكأنه ريشة رغم وزنه الثقيل مقارنة بجسدها. القت به على ظهرها ثم انطلقت بفرح نحو اسفل الجبل دون توديع معلمها حتى !
لم يمنعها الرجل بل رتب قطع السكاكي وهو ينظر بشكل غريب نحو الٱفق الضبابي في تفكير .
°°°°°°°°
- لقد عاد "
ابتسم شخص بغموض ومكر ينظر نحو الرجل الجالس على عرشه .
فُتحت الأعين الباردة للرجل ذو الشعر الاسود كالليل وهو يحدق بهدوء بإثنى عشر شكلا امامه .
-سأذهب .."
-مستحيل !! "
أجاب أربعة اشخاص من المتواجدين بالقاعة الضخمة الرجل بصدمة وتسرع ،في حين انفجر الآخر من السابق الذي بجانب العرش في ضحكة مكتومة ينظر للجميع بتسلية .
تجاهله الجميع ليتقدم أحد الاشكال نحو المقدمة ويرفع قبضته نحو صدره متحدثا بعد برهة
-جلالتك اتمنى ان تدعني اذهب هذه المرة ! "
صمت الامبراطور طويلا ليتكلم بعدها
-لكي هذا .."
رسمت على شفتيها ابتسامة منتصرة ومرتاحة لتنطق بعدها
-لا تقلق جلالتك ..لن اخيب ظنك ..."