استيقظتُ فجأة.
لكنني لم أكن في سريري.
—
لم أكن في قلعة سايلوس.
—
بل كنتُ…
في مكان آخر بالكامل.
—
فتحتُ عيني ببطء، وجدتُ نفسي مستلقية على سطح ماء شفاف، لكنه لم يكن ماءً عاديًا.
كان كأنه امتداد ناعم، سائل لكنه يحمل ثباتًا غريبًا.
—
رفعتُ رأسي قليلًا، وعيني تجولان في الغرفة.
—
كانت واسعه جدا وبيضاء بالكامل، لكن ليس بياض الجدران العادية…
بل كان البياض يشبه انعكاس الضوء داخل المياه العميقة.
—
حاولتُ النهوض، لكن الماء الذي تحت جسدي تحرك بلطف، كأنه كان يحاول إبقائي مستلقية.
—
رفعتُ نظري للأعلى، ورأيتُ شيئًا جعلني أتجمد للحظات.
السقف كان شفافًا بالكامل… وخلفه، كان هناك محيط لا نهائي.
—
رأيتُ أسماكًا بأحجام ضخمة، بألوان زاهية تسبح ببطء، بعضها كانت تمتلك أجنحة مائية شفافة، وبعضها كان يشبه تنانين البحر الأسطورية.
—
مرّت عدة دقائق قبل أن أستوعب ما يحدث.
—
"أوه، أخيرًا استيقظتِ."
—
تجمدتُ للحظة، ثم أدرتُ رأسي ببطء نحو مصدر الصوت.
—
كان هناك ممر طويل متصل بالغرفة، وخطوات خفيفة كانت تتردد عبره…
—
ثم ظهر.
—
رافاييل.
—
كان يسير نحوي، بشعره الأرجواني الطويل المتمايل خلفه، مرتديًا زِيّه الملكي المزين بالشذرات المائية التي تعكس الضوء، وكأنه لم يكن كائنًا من هذا العالم.
—
عندما اقترب أكثر، رأيتُ كيف كان وجهه مشرقًا… لكنه لم يكن مشرقًا بسبب السعادة فقط.
بل كان هناك دراما واضحة في ملامحه.
—
رفع يديه للأعلى بحركة مسرحية، وقال بنبرة مملوءة بالمبالغة:
"أوه، كم عانيتُ لأصل إليكِ، كم تألمتُ، كم بكيتُ في زوايا البحر المظلمة، أبحث عن طيفكِ في الأحلام، وأنتِ هناك، تلهين نفسكِ برجل آخر؟!"
—
رمقته بلا تعبير، ثم قلتُ ببساطة:
"أين أنا؟"
—
توقف فجأة، ثم وضع يده على صدره، وكأنه تلقى طعنة في قلبه.
—
"هكذا تستقبلينني بعد كل هذا العناء؟ لا 'رافاييل، كيف حالك؟' لا 'رافاييل، هل كنتَ بخير بعد أن هربتُ مع سايلوس وتركتكَ خلفي؟'"
—
رأيتُ كيف انحنى للأمام قليلًا، ثم تمتم بصوت خافت لكني سمعته بوضوح:
"يا إلهي، البشر قساة للغاية."
—
زفرتُ ببطء.
"رافاييل."
—
رفع رأسه فورًا، عيناه الأرجوانيتان تتلألآن ببهجة مصطنعة.
—
"نعم، أميرتي المفقودة؟"
—
"أين أنا؟"
—
هذه المرة، لم يتظاهر بالدراما، بل فقط ابتسم ابتسامة صغيرة، وكأنه كان يستمتع بهذه اللحظة.
—
ثم فتح ذراعيه قليلًا، وأشار من حوله بحركة ملكية واضحة.
—
"أنتِ في مكانكِ الأصلي."
—
حدقتُ به للحظة، لكنه لم يكن يمزح.
—
"الغرفة المقدسة." تابع، صوته أصبح أكثر نعومة الآن.
"المكان الذي كان يجب أن تكوني فيه منذ البداية."
—
شعرتُ بقشعريرة خافتة تسري في جسدي، لكنني لم أظهر أي رد فعل خارجي.
—
"لما انا هنا؟"
—
"لأنني نجحتُ أخيرًا في التواصل معكِ." قال بفخر، وهو يضع يده على خصره.
"لقد كنتُ أحاول منذ أن هربتِ مع سايلوس من مبنى الأمن الفضائي، لكن عقلكِ كان مغلقًا… والآن، بفضل تجربتكِ الأخيرة، أصبح الاتصال أسهل."
—
لم يعجبني هذا الجواب.
—
"هذا ليس اتصالًا عاديًا." قلتُ بهدوء، وأنا أنظر إلى الماء الذي تحت قدميّ.
"هذا…" توقفتُ للحظة، ثم رفعتُ نظري إليه.
"هذا واقع."
—
رافاييل لم ينفِ ذلك.
—
بل فقط… ابتسم.
—
وقفتُ هناك، وسط الغرفة المقدسة، بينما الماء الشفاف يلتف حول قدميّ كأنه امتداد لجسدي.
لكنني لم أكن كما كنتُ قبل لحظات.
—
شعرتُ بها…
الطاقة.
—
لم تكن مجرد قوة عادية، لم تكن مثل التحكم بالماء الذي كنتُ أتدرب عليه مسبقًا.
بل كانت أعمق، أنقى، أكثر انسجامًا.
—
رفعتُ يدي ببطء، رأيتُ كيف استجابت المياه فورًا… دون مقاومة، دون جهد.
بلمسة واحدة، شعرتُ بالمحيط بأكمله خلف الجدران الشفافة.
كل قطرة… كل موجة… كل كائن يسبح في الأعماق.
—
كنتُ متصلة بكل شيء هنا.
—
وهذا… لم يكن شعورًا مريحًا.
—
لم يكن هذا طبيعيًا.
—
لكن قبل أن أتمكن من استيعاب الأمر بالكامل، سمعتُ صوت خطوات قادمة.
—
التفتُ فورًا، ورأيتهم.
—
كانوا قادمين من الممر الطويل، بملابس بيضاء ناصعة، جلدهم اللامع يعكس ضوء الغرفة مثل سطح البحر تحت أشعة الشمس.
—
تحركوا بانسيابية، كأنهم يطفون فوق الماء، ثم…
انحنوا أمامي.
—
"قديستنا المقدسة."
—
حدقتُ بهم بلا تعبير، بينما كانوا يركعون برؤوس منخفضة، وكأنهم ينتظرون مني أن أنطق كلمة واحدة لتحديد مصيرهم.
—
لكنني…
كنتُ غاضبة.
—
"ما الذي تفعلونه؟!" صرختُ، صوتي كان قوياً لدرجة أن الماء حولي اهتزّ مع كل حرف.
—
لم يتحركوا، لم يرفعوا رؤوسهم حتى.
—
"رافاييل!" التفتُ نحوه فورًا، ورأيتُه يقف هناك، يراقبني بابتسامة صغيرة… لكنني رأيتُ كيف كانت عينيه تلمعان بشيء أكثر من مجرد رضا.
—
تقدمتُ نحوه بخطوات سريعة، قبضتُ على طرف ردائه الملكي، سحبته بقوة ليقترب أكثر، وهتفتُ بعصبية:
"ما الذي تفعله؟! اتفاقنا كان أن أتحول إلى هجين، ثم تتركني وشأني! ماذا تعني هذه المسرحية السخيفة؟!"
—
رافاييل لم يتراجع، لم يقاوم، فقط أمال رأسه قليلًا، ابتسامة متكلفة ترتسم على شفتيه، ثم قال بصوت ناعم جدًا:
"أوه، أميرتي الغاضبة… ألا تعتقدين أنني أوفيت بوعدي؟"
—
شدّدتُ قبضتي أكثر على ردائه.
"أوفيتَ بوعدك؟!"
—
"بالطبع." قال، وهو يرفع يده ببطء، ينزع أصابعي عن ملابسه بلطف لكنه كان يحمل تحذيرًا ضمنيًا.
—
ثم، بلمسة واحدة، شعرتُ بالماء حولي يستجيب له بدلًا مني.
—
"لقد أصبحتِ هجينًا." قال بهدوء.
"لقد حصلتِ على القوة التي وُلدتِ لأجلها. لقد منحتُكِ القدرة على التحكم بمحيطات العالم السفلي، وجعلتكِ جزءًا من النسيج الأزلي للمياه… تمامًا كما تم الاتفاق عليه."
—
تصلبتُ في مكاني، لكنني لم أتركه بسهولة.
—
"إذن، لماذا ينادونني بالقديسة؟"
—
رأيتُ كيف لمع شيء في عينيه للحظة، قبل أن يبتسم ابتسامته الدرامية المعتادة.
—
"لأنكِ كذلك."
—
"أنا لستُ كذلك!"
—
هذه المرة، اقترب هو، جسده أصبح على بعد بوصات مني، ثم همس بصوت خافت لكنه حمل كل خطورة البحر الهائج:
"أوه، لكنكِ كذلك، سواء أحببتِ ذلك أم لا."
—
لم أتحرك.
لم أتنفس حتى.
—
"هذه ليست لعبتي، رافاييل." همستُ، لكن صوتي لم يكن ضعيفًا.
—
"وأنا لم أضع القواعد، أميرتي." قال، وهو يبتعد ببطء، عينيه لم تفارقا عينيّ.
"لقد كُتبت منذ زمن بعيد… منذ ولادتكِ، عندما تمت مباركتكِ في الغرفة المقدسة."
—
رفعتُ رأسي قليلًا، نظرتُ حولي، رأيتُ الماء…
رأيتُ كيف كان يتحرك معي، كيف كان يستجيب لي بشكل مختلف عن أي مرة سابقة.
—
ثم نظرتُ إلى الرجال المنحنين أمامي.
—
"قفوا."
—
في اللحظة التي نطقتُ بها، رفعوا رؤوسهم فورًا، وكأنهم لم يكونوا بحاجة إلى أوامر أخرى.
—
لقد…
أطاعوني فورًا.
—
التفتُ إلى رافاييل ببطء، الذي كان يراقبني بعينين نصف مغلقتين، وكأنه كان يستمتع بكل لحظة من هذا.
—
ثم، بصوت منخفض جدًا، قال بهدوء:
"ألم أقل لكِ؟"
—
رأيتُ كيف كانت زوايا شفتيه ترتفع ببطء، وهو يضيف بصوت أكثر نعومة:
"أنتِ قديسة المحيط، تونه."
—
شعرتُ بأن الماء من حولي أصبح أكثر دفئًا، كأنه كان…
يرحب بي؟
—
لكنني لم أرغب في هذا.
—
"أنتَ تكذب." قلتُ بحدة، لكن صوتي لم يكن قويًا كفاية كما أردته أن يكون.
—
"كذب؟" ضحك، ثم رفع يده فجأة.
—
وفجأة، الماء الذي كان حولي… انفجر للأعلى، ليشكل قبة مائية ضخمة تحيط بنا بالكامل.
—
"قولي لي إذن، عزيزتي…"
—
اقترب مني، همس بجانب أذني:
"إذا لم تكوني القديسة… فلماذا الماء لا يعصي أوامركِ؟"
—
.
.
.
أرفض.
أرفض كل شيء.
أرفض المياه التي أحاطت بي كأنها جزء مني.
أرفض الألقاب التي بدأوا ينادونني بها، وكأنني أصبحتُ شيئًا أعظم مما أريد أن أكون.
أرفض هذا الدور… وهذه السلطة التي لم أطلبها أبدًا.
—
"لا أريد هذه المكانة." قلتُ، وعينيّ تحدقان في رافاييل بلا أي تردد.
"لا أريد هذه القدرة. كان يجب أن أختار الحرب. كان يجب أن أرفض هذه الصفقة منذ البداية."
—
رأيتُ كيف رفع حاجبه قليلًا، كيف مالت شفتيه بابتسامة جانبية لم تعجبني، كيف كان يستمتع بهذه اللحظة أكثر مما ينبغي.
—
"أوه؟ إذن، تفضلين الفوضى والدمار على القوة والسلام؟"
—
"أفضل أن أكون حرة." قلتُ بصوت حاد، وأكملتُ ببطء:
"لأنني أعرف شيئًا واحدًا… سايلوس لن يقف مكتوف اليدين عندما يعلم بما فعلتَ."
—
في اللحظة التي نطقتُ فيها اسمه، توقعتُ أن أرى تغييرًا في ملامحه.
لكن ما لم أتوقعه هو أن يبدأ…
بالضحك.
—
لم يكن مجرد ضحكة خفيفة.
بل كان يضحك كما لو أنني قلتُ شيئًا مضحكًا للغاية.
—
"سايلوس؟" كرر اسمه بين ضحكاته، ثم وضع يده على صدره، وكأنه بالكاد يستطيع السيطرة على نفسه.
"أوه، تونه… أنتِ حقًا رائعة."
—
لم أتحرك، فقط انتظرتُ أن ينتهي من سخريته.
وعندما فعل، تقدم خطوة واحدة، ثم همس بصوت خافت لكنه اخترقني كالسكين:
"أخبريني، عزيزتي… أين هو سايلوس الآن؟"
—
شعرتُ بتوتر خافت يسري في ظهري، لكنني لم أظهر أي رد فعل.
"سيأتي." قلتُ بثقة.
—
"أوه، بالطبع." قال بابتسامة واسعة، لكنه لم يكن مقتنعًا.
—
ثم، فجأة، رفع يده ببطء، وحرك أصابعه في الهواء، وكأنه كان يرسم شيئًا لا أستطيع رؤيته.
—
وفي لحظة…
ظهرت أمامي مرآة مائية ضخمة، تعكس انعكاسي أولًا، ثم تشوهت الصورة لتكشف شيئًا آخر.
—
رأيتُ سايلوس.
—
رأيتُه جالسًا في قلعته، رأسه مائل للخلف، كأس من النبيذ الأسود في يده، نظراته ضائعة في السقف، بينما ظلال خافتة تحيط به.
—
كان يبدو…
هادئًا.
—
هادئًا جدًا.
—
لم يكن غاضبًا، لم يكن يبحث عني، لم يكن يشن حربًا على البحار، لم يكن حتى يبدو مختلفًا عما كان عليه دائمًا.
—
فقط… كان هناك.
—
نظرتُ إلى رافاييل، الذي كان يراقب تعابيري باهتمام واضح، ثم قال بصوت ناعم لكنه كان كفخ محكم:
"أنتِ هنا منذ أربعة أيام، تونه."
—
شعرتُ بأن الهواء أصبح ثقيلًا حولي.
—
"أربعة أيام، ولم يأتي 'عزيزكِ' سايلوس. لم يقتحم أبواب البحر، لم يدمر المدن للبحث عنكِ، لم يشعل العالم السفلي بأكمله غضبًا عليكِ."
—
اقترب أكثر، صوته أصبح أخف، لكن كلماته أصبحت أكثر خطرًا.
—
"في الواقع… لم يتحرك على الإطلاق."
—
لم أصدق ذلك.
—
"أنت تكذب." قلتُ، لكنني لم أكن واثقة كما أردتُ أن أكون.
—
"أنا؟ أكذب؟" قال بنبرة مدهشة، وكأنه صُدم باتهامي له.
ثم أشار إلى المرآة المائية مجددًا، التي لا تزال تعرض صورة سايلوس.
—
"ها هو أمامكِ، قديستي."
—
رأيته يأخذ رشفة من شرابه بهدوء، دون أي اهتمام واضح بما يحدث.
—
"هل يبدو لكِ كمن يبحث عنكِ؟"
—
لم أتكلم.
—
"هل يبدو لكِ كمن فقد شيئًا لا يستطيع العيش بدونه؟"
—
أغمضتُ يدي ببطء، وشعرتُ بالألم الذي لم يكن جسديًا، بل كان شيئًا أعمق… شيء لم أكن مستعدة للتعامل معه الآن.
—
لكن رافاييل لم يرحمني.
—
"أوه، وتذكير بسيط آخر…" قال بصوت منخفض، وكأنه كان يلقي القنبلة الأخيرة.
—
"كايلب لم يبحث عنكِ أيضًا."
—
رفعتُ عيني نحوه فورًا، لكنني لم أجد أي أثر للكذب في تعابيره.
—
"لقد اختفيتِ لمدة أربعة أيام، وتوقعتُ أن يرسل أحدهم جيشًا لإنقاذكِ، أن يهتز العالم لغيابكِ، أن أجد القلاع تنهار بحثًا عنكِ…"
—
ثم ابتسم ابتسامة بطيئة، وأكمل بصوت أكثر نعومة:
"لكن لا شيء من هذا حدث، أليس كذلك؟"
—
كانت هذه اللحظة التي أدركتُ فيها شيئًا…
أنني وحدي هنا.
—
لكن......
—
لم أكن بحاجة إلى سايلوس.
لم أكن بحاجة إلى كايلب.
—
لم أكن بحاجة لأحد لينقذني.
—
رافاييل كان مخطئًا… إن كان يعتقد أنني سأقبل بهذه المكانة فقط لأنني تُركت هنا وحدي.
إن كان يظن أنني سأستسلم لمجرد أن العالم لم يتحرك للبحث عني.
إن كان يظن أنني سأصبح قديسة المحيط… لمجرد أن الماء استجاب لي.
—
"تبدين شاحبة، عزيزتي."
—
كان لا يزال يقف هناك، ينظر إليّ بتلك النظرة المتعالية، كأنه واثق من أنني لن أقاوم.
—
لكنني كنتُ قد اتخذتُ قراري بالفعل.
—
أنا لا أنتمي لهذا المكان.
—
وقبل أن يتمكن من قول أي كلمة أخرى، رفعتُ يدي.
—
وانفجر الماء من تحتي بقوة.
—
الموجة التي أطلقتُها لم تكن عادية، لم تكن مجرد ماء يتحرك…
بل كانت إعصارًا مائيًا انفجر من الغرفة المقدسة، جارفًا كل من كان فيها، حتى رافاييل نفسه.
—
رأيته يطير للخلف، قبل أن يصطدم بجدار مائي آخر، لكنه لم يسقط بسهولة.
كان لا يزال واقفًا هناك، بين الضباب الناتج عن الدمار الذي سببته.
—
ثم…
ضحك.
—
"أوه، كم أنتِ رائعة." قال، بينما كان يمرر يده في شعره الأرجواني المبلل.
"هل هذا هو ردكِ على كرم الضيافة؟"
—
لم أجب.
لم أكن بحاجة إلى ذلك.
—
بل فقط، تحركتُ.
—
تحركتُ أسرع مما توقعتُ أن أتمكن من الحركة.
—
رأيتُ الحراس الذين بدأوا في التحرك لإيقافي، لكنني لم أعطهم الفرصة.
—
انطلقتُ نحوهم، ليس فقط بالماء… بل بجسدي.
—
ركلتُ الأول بقوة جعلته يطير للخلف، قبضتي اصطدمت بالثاني قبل أن يتمكن حتى من استيعاب ما يحدث، قذفتُ الثالث بموجة مائية حطمت الأرض تحته.
—
كنتُ أقضي عليهم واحدًا تلو الآخر، بسرعة، بقوة، بلا رحمة.
—
لم يكن هناك شيء يمنعني الآن.
—
لم يكن هناك شيء سيوقفني.
—
بدأتُ في الجري عبر الممرات، تحطمتُ عبر الحواجز المائية التي حاولوا إغلاقها أمامي، دمرتُ الجدران، قلبتُ الأرضيات، لم أترك أي شيء يقف بيني وبين حريتي.
—
وأخيرًا…
وصلتُ.
—
وجدتُ نفسي في قاعة ضخمة، سقفها الشفاف كان يعكس العالم البحري الذي يحيط بالمكان، المياه تسبح من فوقي، ضخمة، غير محدودة.
—
لكن لم يكن لدي وقت للاستمتاع بالمنظر.
—
لأنني سمعتُ الصوت خلفي.
—
ضحكة عالية…
مألوفة جدًا.
—
"أوه، قديستي، كم أنتِ متوحشة."
—
التفتُ ببطء، رأيتُ رافاييل يدخل القاعة، بخطواته الهادئة، وكأنه لم يكن في معركة للتو.
—
كان مبتسمًا، كان مستمتعًا…
كما لو أن كل هذا لم يكن سوى لعبة بالنسبة له.
—
"توقف عن مناداتي بذلك." قلتُ بصوت حاد.
—
"لكنها تناسبكِ جدًا." قال وهو يميل رأسه قليلًا، ابتسامته لم تتراجع.
—
بدأ في السير نحوي، بخطوات بطيئة، كأنه يريد أن يجعل هذه اللحظة تدوم أكثر.
—
"أنتِ لا تفهمين، تونه." قال بنبرة خفيفة، لكنها حملت وزن البحر بأكمله.
"هذه ليست معركة يمكنكِ الفوز بها."
—
"سأخرج من هنا، رافاييل." قلتُ، ورفعتُ يدي مجددًا، مستعدة لإطلاق العنان لما تبقى من قوتي.
—
لكنه فقط…
ضحك مرة أخرى.
—
"لا، قديستي العزيزة…" قال، وهو يرفع يده أيضًا.
"أنتِ ستبقين هنا، وستتقبلين واقعكِ الجديد."
—
وفي لحظة…
انفجر البحر من حولنا، وبدأت المعركة الحقيقية.
.
.
.
.
.
.
بعد فتره من القتال .. ابتعد . كانت أنفاسي تتسارع، صدري يعلو ويهبط، ويدي ترتجف رغم أنني لم أكن أريد لها ذلك.
—
وقفتُ هناك، لاهثة، أراقب رافاييل وهو لا يزال واقفًا أمامي، بابتسامته المستمتعة التي لم تختفِ للحظة.
—
كان جسدي مغطى بالجروح، ملابسي ممزقة، قطرات من دمي اختلطت بالمياه التي تحيط بي، لكنني لم أسقط بعد.
—
أما هو؟
كان أفضل حالًا.
لكنه لم يكن بلا إصابات.
—
كان شعره الأرجواني مبعثرًا قليلاً، رداؤه الملكي ممزقًا عند الكتف، وبعض الجروح الطفيفة كانت واضحة على ذراعيه.
لكنه… كان يبتسم.
—
"أوه، تونه…" تمتم بصوته الناعم، وهو يميل رأسه قليلًا.
"ألم تتعبي بعد؟"
—
قبضتُ على يديّ بقوة، وحاولتُ أن أجد أنفاسي مجددًا.
—
لكن قبل أن أتمكن من الرد، سمعتُ شيئًا آخر.
أصوات.
—
نظرتُ من حولي…
ورأيتهم.
—
حشد من المواطنين كان قد تجمّع حولنا، يشاهدون المعركة بعيون واسعة، بعضهم بصدمة، وبعضهم بانبهار، وبعضهم بخوف.
—
شعرتُ بشيء ثقيل في صدري.
أنا لا أريد أن يتأذى أحد.
—
لم أكن أقاتل من أجلهم، لكنني لم أكن أريد أن أجعلهم ضحايا أيضًا.
—
كان عليّ أن أتحرك.
—
وقبل أن يتمكن رافاييل من قول شيء آخر، ركضتُ.
—
تحركتُ بسرعة، خرجتُ من القاعة، عبَرتُ ممرًا طويلاً، دفعتُ الأبواب الكبيرة، ووجدتُ نفسي…
في مكان لم أكن أتوقعه.
—
كانت حديقة ضخمة تمتد أمامي، مليئة بالأشجار المضيئة، وبحيرات صغيرة تتلألأ كأنها تعكس سماء غير موجودة.
لكن ما جعلني أتجمد للحظة، هو ما رأيته خلف الحديقة…
شوارع. بنايات. جسور تمتد عبر المياه.
—
كأنني كنتُ… في مدينة حقيقية.
لكننا لا نزال في أعماق البحر.
—
شعرتُ بقدمي تتجمد للحظة، لكن قبل أن أتمكن من استيعاب المشهد بالكامل…
—
حدث الانفجار.
—
كان بعيدًا، لكنه كان ضخمًا.
—
الانفجار مزقّ أحد المباني في الأفق، والصدمة الارتدادية منه كانت كافية لتدفعني للخلف بعنف.
—
سقطتُ، كفيّ اصطدمت بالمياه التي تغطي الأرض، شعرتُ بسعال قوي يخرج من صدري، وعيناي حاولتا التركيز على المشهد أمامي.
—
كان هناك شخص يقف هناك، وسط الغبار والدخان الناتج عن الانفجار…
—
عندما بدأتُ أرى بوضوح، أدركتُ من هو.
—
شعرتُ بشيء غريب في داخلي، شيء لم أكن قادرة على تفسيره.
—
وخرجت الكلمة من فمي قبل أن أدرك حتى أنني قلتها:
"سايلوس…؟"
—
كان يقف هناك، مرتديًا نفس القميص الأسود والبنطال، شعره الفضي كان مبعثرًا بطريقة لم أره بها من قبل، وعيناه الحمراوان كانتا…
مليئتين بالدمار.
—
لكن أكثر ما صدمني…
الهالات السوداء تحت عينيه، ووجهه المتعب الذي أخبرني أنه لم ينم منذ أيام.
—
لكن كيف؟
كيف يكون هذا…؟
—
رأيته قبل ساعات فقط عبر المرايا المائية، كان يبدو هادئًا، غير مهتم…
لكن الواقع؟
الواقع كان يخبرني شيئًا آخر تمامًا.
—
لم يكن لديّ وقت للتفكير أكثر، لأن في اللحظة التالية، قبل حتى أن أتمكن من التحرك، اندفع سايلوس نحوي.
—
لكنه لم يأتِ من أجلي.
بل مرّ من جانبي مباشرة… وانقضّ على رافاييل.
—
لم أكن مستعدة لرؤية هذا المشهد.
لم يكن عراكًا بسيطًا.
لم يكن قتالًا عاديًا.
بل كان حربًا بين قوتين لا يجب أن تلتقيا أبدًا.
—
رأيتُ سايلوس يتحرك كعاصفة نارية، ضرباته كانت سريعة، شرسة، تحمل من الغضب ما يكفي لإشعال البحر بأكمله.
—
ورأيتُ رافاييل يقابله بابتسامته المستمتعة، يتحرك بخفة، كأن الماء كان جزءًا منه، يتفادى الضربات وكأنه يرقص وسط المعركة.
—
لكن سايلوس لم يكن في حالة مزاجية للرقص.
—
"أنتَ لعبتَ بما يكفي، أيها المهرج."
—
في لحظة، اختفى أمام عيني، ثم ظهر أمام رافاييل، قبضته اشتعلت بطاقة سوداء، ثم…
سدد له ضربة جعلت صدى القوة يرتج في المكان.
—
رافاييل طار للخلف، اصطدم بجدار زجاجي ضخم، تحطم جزء منه تحت تأثير الضربة، لكنه لم يسقط.
—
بدلًا من ذلك، مسح الدم عن شفتيه، ثم…
ضحك.
—
"أوه، كم كنتُ أفتقد هذا الشعور."
—
في لحظة، رفع يده للأعلى، المياه من حوله بدأت تتحرك، تتحول إلى أعمدة ضخمة، تتشكل على هيئة رماح عملاقة.
—
ثم أطلقها نحو سايلوس.
—
لكن سايلوس لم يتحرك.
—
في اللحظة التي اقتربت فيها الرماح منه، رفع يده، و…
احترق الماء.
—
رأيتُ كيف اشتعلت الرماح قبل أن تصل إليه، كيف تلاشت إلى بخار تحت حرارة لا يجب أن تكون ممكنة تحت الماء.
—
لكن سايلوس لم يكن يهتم بالمنطق.
—
كان يهتم فقط بسحق رافاييل.
—
وبدأت الجولة الثانية.
—
رأيتُ كيف استمر القتال بينهما، كيف كان كل ضرب يُدمر جزءًا من المدينة، كيف كانت المعركة تزداد عنفًا كل ثانية.
كانت كفة الفوز لصالح سايلوس..
لكنني لم أكن مستعدة لما حدث بعد ذلك.
—
للغدر......
—
بينما كان سايلوس مشغولًا بمواجهة رافاييل، تحرك أحد أتباع البحر من الخلف، بسرعة خفية…
وفي اللحظة التي التفتُ فيها لأراه، كان الأوان قد فات.
—
رأيتُ اللمعان الفضي للرمح المائي قبل أن تنغرس في جسد سايلوس.
—
تجمدتُ.
شعرتُ بأن الوقت توقف للحظة.
—
رأيتُ كيف تصلب جسده، كيف نظر للأسفل ببطء نحو الرمح الذي اخترق جانبه، كيف تراجع خطوة للخلف، كيف ابتسم رافاييل…
—
ثم رأيته يسقط.
—
ورأيتُ كيف تحولت عينايّ، رغم أنني لا أملك مشاعري بعد، إلى بركة من الرعب والغضب الصامت.
—
—
لم يكن مجرد شعور… لم يكن مجرد وهم.
بل كان حقيقيًا.
—
كل شيء حولي تباطأ، كل الأصوات تلاشت، كل الحركة توقفت.
—
وكل ما تبقى…
كان سقوط سايلوس أمام عينيّ.
—
رأيته يترنح، جسده يميل للجانب، الدماء تسيل ببطء من الجرح الذي اخترق جسده، شفتاه تنفرجان قليلًا…
ثم…
سقط.
—
وكأن قلبي سقط معه.
—
شيء بداخلي تحطم.
—
لم أكن أعرف كيف أصفه… لم أكن أعرف كيف أتعامل معه.
لكنني كنتُ أشعر به بكل خلية في جسدي.
—
كان الألم.
—
ألم لم أشعر به منذ أن فقدتُ مشاعري… لكنه الآن عاد إليّ.
—
كله عاد.
—
في لحظة واحدة…
كأن الجدران التي كانت تحميني تحطمت فجأة، كأن الفيضان الذي كنتُ أتجنبه اندفع نحوي بكل قوته، كأن كل شيء حاولتُ الهروب منه لسنوات عاد ليسحقني دفعة واحدة.
—
الضعف، الألم، الحزن، الخوف، الذعر…
كلها ضربتني في نفس اللحظة.
—
والوحيد الذي كنتُ أستطيع رؤيته وسط هذه الفوضى…
كان سايلوس.
—
"سايلوس!!!"
—
لم أسمع صوتي… لكنني شعرتُ به يمزق حنجرتي.
—
ركضتُ.
—
لم أفكر، لم أتردد، لم أهتم بأي شيء آخر.
فقط ركضتُ نحوه، كما لو أن حياتي كلها تعتمد على ذلك.
—
سقطتُ على ركبتيّ بجانبه، يداي أمسكتا وجهه، وعيناي لم تستطع رؤية شيء غيره.
—
"سايلوس… سايلوس، لا، لا، لا…"
—
كانت دموعي تسقط…
ولأول مرة منذ وقت طويل، شعرتُ بحرارتها وهي تنساب على وجهي.
—
لم أستطع تمالك نفسي.
لم أستطع السيطرة على الانهيار الذي كان يحدث بداخلي.
—
"سايلوس، من فضلك… لا تفعل هذا بي…"
—
كانت يداي ترتجفان، كانت دموعي تسقط على وجهه، كانت أنفاسي متقطعة، وكان كل شيء حولي ينهار.
—
لكن وسط هذا كله…
رأيته يفتح عينيه ببطء.
—
كانت عيناه الحمراوان باهتتين قليلًا، لكنهما كانتا لا تزالان تحملان نفس الشيء الذي اعتدتُ عليه دائمًا.
—
"أوه، أميرتي…" تمتم بصوت ضعيف، لكن نبرته حملت نفس السخرية الناعمة التي لم يتخلَّ عنها أبدًا.
—
حاول أن يرفع يده، لكنني أمسكتُها قبل أن يتمكن من ذلك، ضغطتُ عليها بقوة، وكأنني كنتُ أحاول أن أبقيه معي فقط من خلال لمستي.
—
"لا تحاول التحدث." قلتُ، لكن صوتي كان مهتزًا للغاية.
—
"أنا بخير…" همس، لكنني لم أصدقه للحظة واحدة.
—
"أنتَ تنزف، سايلوس، لا تكذب عليّ الآن!"
—
لكن حتى مع ألمه، حتى مع الجرح في جسده، رأيتُ تلك الابتسامة الصغيرة تتشكل على شفتيه.
—
"على الأقل… أنتِ تشعرين الآن، أليس كذلك؟"
—
شعرتُ بأن قلبي توقف للحظة.
—
لكنني لم أقل شيئًا…
فقط بكيتُ أكثر.
—
ضغطتُ على يده بقوة، بينما كانت دموعي تسقط بلا توقف، بينما كنتُ أشعر بالعجز الذي لم أشعر به من قبل.
—
لأنني كنتُ أعرف شيئًا واحدًا…
لا يمكنني تحمله إذا خسرته.
—
لا يمكنني تحمله مرة أخرى.
—
"تمسّك بي، سايلوس…" همستُ، يدي لم تترك يده، عينيّ لم تترك وجهه.
"من فضلك… لا تتركني."
—
لكنه لم يرد.
—
كل ما فعله…
هو أن يبتسم لي مرة أخيرة.
—
ثم…
أغلق عينيه......