3 - الفتى المهووس يفعل أشياء مهووسة.

"مرحبًا، هل تحتاج إلى مساعدة؟" سألت الشيخ بانحناءة خفيفة وأنا أضم قبضتي احترامًا كما يفعل المرء مع الكبار.

نظر إلي، ورفع حاجبًا متسائلًا، وعبس، "من أنت بحق الجحيم؟"

"أه، أنا الفتى الذي كان يقرأ في المكتبة، ولاحظ أنك تعمل بجد رغم سنك. حتى الأقوياء ينبغي أن يعتنوا بصحتهم أكثر." حاولت تلطيف كلماتي بالإشارة إلى قوته بشكل غير مباشر، تحسبًا لاحتمال أن يكون مجرد عامل تنظيف مسن.

لم يكن هناك ما أخسره طالما لم أستفزه كثيرًا، خاصة إذا كان قويًا. أو ربما كان فعلاً قويًا متخفيًا، وقد أنتهي كأضرار جانبية… ربما لم يكن على التدخل أصلاً.

"لا، لا أحتاج أحدًا ليساعدني في عملي." زمجر العجوز وعاد إلى الكنس، وكانت يداه ترتجفان قليلًا، ويضطر إلى الاتكاء على المكنسة بين الحين والآخر ليستريح.

وقفت هناك أراقبه بصمت؛ ربما كان مجرد شيخ مسن بالفعل. بدأت أشعر بالذنب لأنني حاولت استغلاله. من المحتمل أنه مجرد رجل عجوز مضطر للعمل هنا لأنه لا يملك خيارًا آخر.

يبدو أني لا أملك ذلك الحظ الذي يتمتع به الأبطال. ومع ذلك، شعرت بالشفقة تجاهه، ولا شك أن هناك شيئًا يمكنني تعلمه منه. "أستطيع إحضار الغداء لك إن أردت."

على الأرجح قلت ذلك بطريقة محرجة للغاية.

لكن السلالم في هذا المكان كانت مجنونة، وحتى أنا أتعب من الصعود والهبوط، فما بالك بشخص في مثل سنه.

تنهد العجوز واستدار، "ما قصتك، يا فتى؟"

"بصراحة،" توقفت لثانية وأنا أحاول اختيار كلماتي، ثم قررت أن أكون صادقًا. "أشعر بالشفقة تجاهك، وتجاه كبار السن عمومًا ممن يضطرون للعمل في وظائف شاقة بعد سن التقاعد. أحيانًا، أتساءل إن كان هذا بدافع اللطف، أم أنني في الحقيقة خائف من أن ينتهي بي الأمر بهذا الشكل يومًا ما. وإن حدث ذلك، فسأرغب في أن يساعدني أحدهم. أوه، وكنت آمل أيضًا أن أتعلم شيئًا أو اثنين من شخص عاش طويلًا في هذا الطائفة. هناك الكثير لنتعلمه من مسن في عالم يموت فيها الناس صغارًا."

نظر إلي، وكان من الصعب تخمين ما يفكر فيه خلف ملامحه الجامدة. لكنه تنهد مجددًا وهز كتفيه، "اذهب وأحضر لي بعض الشاي إذًا."

حسنًا، لم يتم سحقي بضربة، لذا أعد هذا فوزًا في الوقت الحالي.

استدرت وبدأت أنزل السلالم، وبعد منتصف الطريق، أدركت كم هيا مرهقة هذه السلالم ... اللعنة على من قرر وضع الطائفة في جبل منحدر، اتمنى ان يكون ذالك الكلب يحترق في الجحيم، هم اتسأل ان كان هناك جحيم في هذا العالم.

...

عندما عدت، كان العجوز لا يزال يكنس في نفس المكان، وكنت أحمل كوبًا خشبيًا من الشاي عليه غطاء صغير. لحسن الحظ، بما أنني ركضت، لم يستغرق الأمر حتى عشر دقائق.

لكنني كنت ألهث بشدة، ورئتاي تشتعلان. هذا تدريب جيد؛ ربما يجب أن أفكر في تسلق السلالم كتمرين لزياده قوة التحمل.

"ها هو شايك." قدمت له الكوب.

رفع العجوز حاجبًا وهو يأخذ الكوب من يدي ويشمه. ثم جلس على الأرض بجانب تمثال عالم، وربت على البقعة المجاورة له. اعتبرت ذلك دعوة وجلست بجانبه. وبينما استقررت، قال: "إما أنك طيب بشكل استثنائي، أو أنك أحمق تمامًا، وكلاهما لا يعيش طويلا، لماذا تفعل شيئًا كهذا؟ هل تظن أن للمزارع وقت فراغ؟ عليك أن تتدرب."

"الركض صعودًا وهبوطًا على السلالم كان تدريبًا ممتازًا." أجبت وأنا أبتسم رغم تعليقاته الفضة . اتكأت على قاعدة التمثال وأضفت، "سواء عشت عامًا، مئة، أو ألف، فالحياة بلا معنى إن لم تفعل ما ترغب فيه وفق قناعاتك . أردت إحضار الشاي لك، وفعلت. لا أظنه مضيعة وقت. حتى لو عشت ألف عام وقضيت تسعمئة منها أتدرب داخل غرفة مغلقة، هل عشت أطول حقًا من شخص عاش مئة عام؟"

بعض المزارعين يستطيعون العيش طويلًا. لكن ما فائدة العيش مئة عام إن قضيت تسعين منها في عزلة؟ هذا أحد الأمور التي لم أفهمها بعد عن أسلوب تفكير المزارعين. حتى العجوز كان يرى الأمور من منظورهم.

التفت إليه، وتفاجأت باتساع عينيه. هل صدم حقًا من جوابي؟

"ههه"، ضحك الشيخ بخفة، "لم أنظر للأمر بهذه الطريقة من قبل."

حينها أدركت أنه قد يكون فعلاً مزارعًا قويًا متخفيًا. لذا ضممت قبضتي مجددًا باحترام. "بالطبع، هذا رأيي المتواضع كتلميذ. قد أكون مخطئًا. لكني لم آت لهذا، بل جئت لأسألك بعض الأسئلة، أيها الشيخ الحكيم."

"تابع، هذه أكثر لحظة استمتعت بها منذ سنين." ازدادت ضحكته عمقًا.

"لماذا لا توجد شروحات كثيرة لمسارات مختلفة عن المسار التقليدي؟ لا توجد سجلات عنها."

لا بد أنه عاش هنا لعقود، وشهد عشرات الآلاف من التلاميذ.

هز العجوز كتفيه، "وما الفائدة تدوين الفشل؟ رغم أن المزارعين يمكن أن يعيشوا طويلًا، لا أحد يرغب في تضييع وقته على أشياء عديمة الجدوى... تمامًا كما تضيع وقتك علي الآن."

"لا أظنك عديم الجدوى. لقد أفدتني كثيرًا بهذا الرد." أومأت برأسي. هز كتفيه مجددًا ورشف من الشاي، متجاهلًا كلماتي اللطيفة.

"دعني أخبرك. طريقة الزراعة الحالية تم تحسينها على مدار عشرات آلاف السنين من قبل أسلافنا، ولم تتغير منذ آلاف السنين." نظر إلى السماء وكأنه يتذكر شيئًا من الماضي.

" هذا... لم يكن منطقيًا تمامًا. كنت أدرك أن الزراعة قد تطورت بمرور الزمن، ومنطقيًا، ينبغي أن تكون الأساليب الحديثة هي الأجود والأكثر فاعلية. ومع ذلك، لطالما انتشرت حكايات وأساطير عن مزارعين من العصور الماضية تفوقوا على أقرانهم، بل وتجاوزوا القيود المفروضة عليهم بسبب مواهبهم الطبيعية، وشقوا طريقهم خارج النظام التقليدي بأكمله. قد تُعد تلك مجرد خرافات، لكن حين تتكرر القصص ذاتها عبر أزمنة وأماكن مختلفة وعلى لسان أشخاص لا علاقة لهم ببعض، لا بد أن هناك شيئًا من الحقيقة خلفها.

في الماضي البعيد، كانت هناك قصص عن خلوديين تجاوزوا مرحلة "الروح الناشئة " يجوبون الأرض".

شاركت أفكاري مع الشيخ، فبدأ يحك لحيته الشبيهة بلحية الماعز، غارقًا في التفكير. "همم، لديك وجهة نظر. لكن السبب هو: المزارعين أنانين بطبعهم، من منهم سيشارك تقنية قضى عمره في تطويرها مع الآخرين؟ الموت لا ينتظر احد وليس الجميع يحظ بفرصة تمرير ارثهم للجيل التالي، أشياء كهذه تحدث طوال الوقت . او ربما كانت إكسير نادر اختف. أو لعل الجو كان يحوي كميات أكبر من الـ"تشي" حينها."

واصل ذكر عدة احتمالات أخرى، وكأنها كنز دفين من النظريات القديمة.

لكنني بدأت أفهم لم تتوقف الزراعة عند حد معين.

المعرفة قوة، حرفيًا في هذا العالم. معرفة تقنية معينة هي قوة. مشاركة المزارع لتقنيته كأنها، بمقاييس العصر الحديث، تعادل إخبار عدو محتمل بكيفية صنع قنبلة نووية وتسليمه الأدوات لفعل ذلك.

"في الماضي، وجد العديد من المزارعين الأسطوريين الذين تحدت قواهم المنطق السليم،"

قال العجوز. "حتى مؤسس هذا الطائفة، قديس العشرة آلاف شمس، كان أحد هؤلاء. لم يكن بإمكان النيران أن تمسه، ويقال إنه كان يستطيع استدعاء قوة الشمس في راحة يده."

حسنًا، من المؤكد أن هذه القصة قد خضعت للكثير من المبالغات عبر الزمن، سواء بهدف ترهيب الأعداء أو لصناعة سمعة تجذب المواهب والتابعين... لأنه إن كانت صحيحة تمامًا، وبالنظر إلى معرفتي بحجم النجم وقوته، فإن قدرة كهذه ستكون بمثابة كارثة على مستوى العالم. ومع ذلك، لا دخان بلا نار، فلا بد أن هناك شيئًا من الحقيقة خلف تلك المبالغات. ربما تكون مناعة ضد النيران أمرًا ممكنًا، حتى لو خالف كل ما تعلمته عن الفيزياء وعلم الأحياء في عالمي السابق.

لكن هذا بالضبط هو الجزء الأكثر إثارة في كل هذا... محاولة فهمه.

رغم أنني ربما سأحتاج إلى تغيير طريقة تفكيري حول كيفية فهمي للعالم، بل وقوانين الفيزياء نفسها وهذا سياخد بعض الوقت.

"لقد كنت صادقًا معي، أيها الفتى، لذلك سأكون صادقًا معك أيضًا. لا أملك إجابات لمعظم أسئلتك، ولم أطرح يومًا مثل تلك الأسئلة أو حتى فكرت فيها." وضع العجوز كوب الشاي الخشبي الفارغ جانبًا بصوت خفيف مهتز . "ربما كان هذا هو السبب الذي أعاق تقدمي في الزراعة. لكن يمكنني أن أقدم لك نصيحة واحدة. أستطيع أن أرى أنك فضولي حول كيفية عمل الأشياء ، لكن لا تجرب شيئًا على جسدك بنفسك."

من الناحية التقنية، لم أكن طفلًا، ولم أكن لأقوم بشيء كهذا. "قد أكون فضوليًا، لكنني لست غبيًا."

"ربما، لكن يمكنني أن أقول إنك مختلف عن الآخرين." التفت العجوز نحوي.

"مختلف؟ كيف يعني؟"

"في مثل عمرك، معظم الفتيان كانوا سيحاولون إجباري على الكلام لو أرادوا إجابات. كسروا أصابعي واحدة تلو الأخرى، ثم هددوني بكسر أطرافي أيضًا."

يا للمصيبة، هذا جنون حقيقي! من هذا الذي يذهب لضرب الشيوخ بهذه الطريقة؟

آه، صحيح... عالم الزراعة ، السيادة الشباب وهراء استعادة الكرامة.

"بالطبع، نادرًا ما يجرؤ أحدهم على ذلك، وعندما يحدث، لا تسمح الطائفة بمروره دون عقاب"، قال العجوز بنبرة ساخرة. "أغلب الخدم هنا ينتمون لعائلات مزارعين، قد تكون مواهبهم في الزراعة معدومة أو ضئيلة، لكن آخر ما نريده هو أن يجند أحدهم بدافع الحقد والانتقام، ويقوم بتسميم طعام الطائفة خلال إحدى الولائم، فيتسبب في مقتلنا جميعًا."

سم؟ نعم، بهذا حتى شخص عادي يمكنه قتل مزارع مهمل.

"هل حدث شيء كهذا من قبل؟" سألت، مترددًا.

"أوه نعم، كان هناك حكيم عظيم يدعى قاتل السم الإلهي. كان معروفًا بقتل أعدائه وإبادة عشائر بأكملها بهذه الطريقة،" أومأ برأسه. "لكن لا تقلق، الطوائف اتخذت تدابير وقائية ضد شيء كهذا. لن يتكرر ذلك أبدًا. رغم أن البعض لا يزال قلقًا، بما أن قاتل السم الإلهي لم ير منذ مئات السنين."

أولًا، "حكيم قاتل السم الإلهي"؟ الاسم وحده يحتاج لفقرة لقراءته. لكن الأسماء الطويلة والمربكة تعد من سمات هذا العالم.

"حسنًا، عليّ العودة إلى عملي، وأنت يجب أن تستغل وقتك بشيء أفضل من الحديث مع عجوز مثلي. قدمي في القبر بالفعل،" قال ممازحًا.

هززت كتفي ووقفت. "هيا يا شيخ، لا تكن من أولئك الذين ينصحون الشباب بما يفعلونه. هذا تصرف غير عصري."

فهم العجوز نبرة المزاح في كلامي وصفعني على ظهري. "أنت فتى جيد، لذا تدرب بجد حتى لا تموت ميتة تافهة. وأيضًا، المرة القادمة التي تزعجني فيها، لا تنس إحضار كوب شاي."

"إذن، سأحرص على إحضار كوب شاي كل يوم،" قلت وأنا أبتعد. تنهد العجوز، لكنه لم يرفض العرض.

كان هنالك الكثير مما يمكن تعلمه من شخص مثله. لقد عاش طويلًا في هذا العالم الخطر، رغم كونه مزارعًا متوسطًا أو أقل من ذلك. ما كانت أساليبه للبقاء في مهنة يموت فيها الرجال باكرًا؟

في المرة القادمة، عليّ أن أسأله عن نصائح النجاة في الغابات. من المؤكد أنه شارك في الكثير من المهمات خارج الطائفة، وتلك المهمات هي ما أرعبني حقًا، خاصة أن بعضها إلزامي. لا يوجد قانون يمنع من أن أواجه مزارعًا من مستوى "روح ناشئة" في أول خروجة لي.

في عالمي الكثيرون قد يرون أن نصائح من مئة عام مضت قد عفا عليها الزمن ولم تعد صالحة ، لكن في عالم راكد كهذا؟ الأمر مختلف. الأرجح أن نفس الاختبارات، ونفس الطوائف المعادية، ونفس الصراعات التافهة التي واجهها العجوز عندما كان تلميذًا، لا تزال قائمة حتى الآن.

كيف حدث هذا؟ الأرجح أن القادة لم يتغيروا بما انهم يعيشون لمئات وألف السنين. إن كان على أن أضع تخمينًا عن سبب قلة التقدم في هذا العالم على مدى آلاف السنين، فهو أن جيلين أو ثلاثة فقط قد مروا في ألفي عام. حتى "الأجيال الشابة" التي تستعد لتسلّم مقاليد الحكم عمرها مئات السنين. أولئك الذين عاشوا قرونًا لا يهتمون إلا بالزراعة، ولا يعيرون التقدم في المجالات الأخرى أي اهتمام.

نزلت الدرج ودخلت أحد الغابات المحيطة بالجبل. بشكل عام، كانت المنطقة آمنة بما أنني لا زلت داخل حدود الطائفة، ما جعل منها أرض تدريب مثالية وخفية.

مهمتي الأولى كانت وضع الفرشاة ودفتر الملاحظات فوق صخرة كبيرة قريبة. ثم اقتربت من شجرة، قبضت كفي، واستعديت لتوجيه لكمة. الغريزة والمنطق أخبراني أنني لن أكسر يدي لو ضربت الشجرة بكل قوتي، لكن ذكريات حياتي السابقة لا زالت تردعني.

بعد أن حدقت في الشجرة لبضع لحظات، أغمضت عيني وتخيلتها على شكل دب محشو. بهذه الصورة في ذهني، وجهت لكمة بكل ما أوتيت من قوة. وعندما فتحت عيني، على عكس ما توقعت، رأيت انبعاجًا واضحًا في جذع الشجرة. كانت سميكة أكثر من خصري، ليست هشة ولا طرية.

يا إلهي! هذا مذهل جدًا! لديّ قوى خارقة!

لا، يجب أن أهدأ رغم أن الإحساس بكوني خارقًا أمر لا يوصف. يمكنني أن أحتفل لاحقًا.

لم أكن هنا فقط لاختبار قوتي البدنية. أخذت نفسًا عميقًا وركّزت على تقنية معينة، وسحبت يدي للخلف مرة أخرى.

هذه المرة، أبعدت الخوف القادم من عالمي القديم، حيث كانت الكف من أكثر أجزاء الجسد ضعفًا. أما هنا، فهو كالحلم، حيث كانت قبضتي لا تنكسر، وقوتي لا حد لها. احتجت لتصور الضربة المثالية، واستخدام تلك التقنية القتالية.

انطلقت قبضتي للأمام، ومع دورانها، التوى الهواء حولها مكونًا دوامة صغيرة تشبه الناب. كانت نهايتها عند مفصل كفي.

لكمة الناب المخترق!

وبمجرد أن لامست قبضتي الشجرة، شعرت بها تهتز وتنهار تحت قوة ضربتي، تاركة وراءها فجوة ضخمة.

في النهاية، وقفت أحدق في القطعة المفقودة من الشجرة، وفمي مفتوح من الدهشة، وكأن أحدهم استخدم مثقابًا عملاقًا على جانبها.

كيف كان هذا ممكنًا؟ لم يكن منطقيًا بأي شكل! قوانين الفيزياء هنا كانت أشبه باقتراحات مهذبة أكثر من كونها قواعد. لكن… يا له من أمر مذهل!

سقطت الشجرة على الأرض، وبقيت واقفًا، أحدق فيها مسحورًا لدقائق.

كنت أعلم أن شيئًا كهذا سيحدث. تقنية "لكمة الناب المخترق" كانت تلك التي أتقنها ليو فنغ عبر سنوات من التدريب. وحتى مع ذاكرة عضلاته، لم أتمكن من تنفيذها بنفس دقته من المحاولة الأولى. ومع ذلك، كانت النتيجة مذهلة.

وما يزيد من دهشتي هو أن هذه التقنية تصنف من أدنى درجات تقنيات القتال!

في هذا العالم، يتم تصنيف تقنيات القتال إلى أربع درجات:

الدرجة الفانية

درجة الأرض

درجة السماء

درجة الخارقة

تقنية "لكمة الناب المخترق" كانت من الدرجة الفانية—أضعف فئة، ويمكنك حتى شراؤها من السوق إن كنت محظوظًا.

يُفترض أنها "متاحة للعامة"، ومع ذلك فهي مذهلة إلى هذا الحد!

فقط فكرة تقنيات درجة السماء أو درجة خارقة كانت كافية لجعل قلبي يخفق بحماس. حتى تقنيات درجة الأرض لا بد أن تكون مذهلة!

ويتم تصنيف كل درجة إلى ثلاث مراتب: منخفضة، متوسطة، وعالية. وتقنيتي كانت درجة فانية متوسطة—بمعنى آخر، متوسطة المستوى ضمن أضعف فئة.

أعدت تنفيذ التقنية مرة أخرى. تبعتها حركة كالجلد بالسوط، لكنني لم أكن أستهدف شيئًا. بدأت أجرب تعديلات على وضعيتي، ألتف بجذعي أكثر، أستفيد من قوة ساقي كلها حيل من معرفتي في عالمي السابق.

لكن شعري الطويل استمر بضربي في وجهي كذيل حصان.

حتى إنه دخل في عيني وأزعجني. "اللعنة، من هو الأحمق الذي ظن أن الشعر الطويل فكرة جيدة؟"

فركت عيني اللتين لسعتاهما خصلات الشعر، ثم جمعت خصلة كبيرة بين يديّ. أخرجت لفافة من الضمادات من ردائي وربطت شعري بذيل حصان. ساعدني هذا قليلًا، لكن الشعر ظل يتطاير ويعيق رؤيتي.

وهنا أدركت شيئًا مهمًا:تبا للمطهر الرائع، هذا الشعر يجب أن يقص.

كان ليو فنغ الأصلي يعتز بشعره، لكنه في المعركة لا يعدو كونه عبئًا. وبالإضافة لذلك، كنت أعلم من ذكرياته كم كان الشعر الطويل يتطلب من عناية، تكييف، زيوت، تمشيط...بصراحة مضيعة للوقت، كيف تتحمل الفتيات كل هذا؟ .

هرطقات ! يقول جزء داخلي. واضح أنه بقايا من ذاكرة ليو فنغ الأصلي.

تجاهلته.

لكن شيءًا واحدًا أقلقني: هل سيلاحظ الآخرون؟ كان شعر ليو فنغ الطويل جزءًا من هيبته.

ربما يمكنني التظاهر بأنني قصصته كنوع من "تقوية العزيمة".

نعم، تبدو حجة مقنعة.

قررت أن أقص شعري بعد أن أنهي تدريبي لهذا اليوم.

---

كان شين ما يدير مكتبته كعادته، لكن هذا اليوم كان مختلفًا قليلًا. أكثر إثارة للاهتمام. ليس كل يوم يأتي تلميذ يقرأ في أساسيات الزراعة بكل هذا الشغف.

والأهم من ذلك، كان مؤدبًا. لم يصدر ضجيجًا. لم يحاول تهريب الكتب. بل أعادها إلى رفوفها الصحيحة... معجزة صغيرة.

قرر شين ما بصمت أن هذا الفتى هو تلميذه المفضل في هذا الجيل مع أن المعايير لم تكن مرتفعة. فهو لم يكن يحب أيًا من تلاميذ هذا الجيل أصلًا. معظمهم كانوا يسببون له صداعًا.

ثم سمع صوتًا مألوفًا لشيء صلب يضرب الأرض.

العجوز وصل.

لكن هذه المرة، وعلى غير عادته، دخل بابتسامة على وجهه وجلس وهو يحمل كوبًا خشبيًا فارغًا.

"لن تصدق ما رأيته اليوم."

"تنين برأس حمار؟"

"لا، شيء أندر من ذلك. تلميذ يمكن تحمله!" قالها وهو يومئ برأسه. "لقد شعر بالأسى تجاهي وأنا أنظف الأرض."

تنظيف؟ تساءل شين ما، ثم أدرك ما حدث وضحك. وضحك العجوز معه.

في مناطق معينة من الطائفة، مثل المكتبة ومحيطها، لا يتم توظيف عمال نظافة فذلك يشكل خطرًا أمنيًا. بدلًا من ذلك، يستخدمون نقشات تنظيف سحرية من تصميم سيد النقوش.

وحتى لو كان المنظف مجرد عجوز، فذلك يعد خطرًا. الأجساد المتعبة أسهل في الإغراء بالرشاوى، أو في استخدامها من قبل جهات خارجية لاختراق الطائفة.

حدثت حوادث كثيرة مثل هذه في الماضي، وطائفة "الشمس الملتهبة" لم تصبح واحدة من أقوى الطوائف في قارة النمر الأبيض بالتساهل في هذه الأمور.

أما العجوز، فما زال يؤدي عمل "التنظيف" لأنه لا يملك ما يفعله في شيخوخته. لقد تخلى منذ زمن عن سعيه في الزراعة، وكل ما يريده الآن هو قضاء ما تبقى من حياته في راحة وسلام.

"هاه، أي نوع من الأشقياء يمكن أن يجعل عجوزًا صعب المراس مثلك يعجب به؟" قال شين ما وهو يبتسم. كان يعرف كم هو صعب إرضاء العجوز شان شا، الذي كان دائم التذمر.

"هيه! أستطيع أن أكون لطيفًا عندما أريد. المشكلة أن شباب هذه الأيام لا يملكون الصبر لكسب احترام أحد"، تذمر العجوز.

ورغم أن مظهرهم لم يكن يوحي بذلك، فإن معظم من في طائفة "الشمس الملتهبة" كانوا في الحقيقة عجائز. لكن من بين كل كبار السن الذين يعرفهم شين ما، كان هذا العجوز هو الأكثر عبوسًا.

ومع ذلك، كان لدى العجوز "شان" ميزة واحدة: لم يكن يتحدث من وراء ظهرك. إذا كان لديه شيء ليقوله، قاله لك في وجهك. وهذا أفضل بكثير من أولئك الشيوخ المتآمرين في الطائفة الداخلية الذين يتصنعون اللطف، ثم يطعنونك بابتسامة على وجوههم.

"على أي حال، أليست تجربة القبول على الأبواب؟ آمل ألا يكون هناك جيل جديد من التلاميذ الموهوبين أكثر من اللازم. بما أنه لم يتجاوز الثامنة عشرة بعد، يمكنه دخول الطائفة الداخلية إن فاز في البطولة العام المقبل"، قال شين ما.

"مه، هذا الفتى لا يبدو من النوع الذي يتأثر بهذه الأمور. من خلال ما رأيته، هو لا يهتم كثيرًا بتلك التفاصيل. طالما يصل إلى مرحلة جمع التشي قبل سن العشرين، فسيتمكن من دخول الطائفة الداخلية بهذه الطريقة"، قال العجوز وهو يعيد ضبط كرسيه.

لسببٍ ما، بدا أن العجوز يؤمن بأن هذا الفتى سينجح. أما شين ما، فقد تمنى له التوفيق.

الوصول إلى مرحلة تجميع التشي قبل سن العشرين من دون مساعدة خارجية... أمر في غاية الصعوبة، إذ تعتبر تلك المرحلة عنق زجاجة شهير في مسار الزراعة.

_________________________

شكرًا لقراءتك روايتي، وأتمنى أن تنال إعجابك. أكتب بشكل مرتجل إلى حد ما، لذا أرجو أن تنبهني إذا لاحظت أي خطأ إملائي أو تناقض.

AMON

2025/04/04 · 275 مشاهدة · 2852 كلمة
AMON
نادي الروايات - 2025