كان صوته ما زال يتردد في أذني
"أنا… وشيباي… سمّونا خونة.”
لكن شيئًا بداخلي…
انكسر.
تجمّدت خطواتي.
تذكّرت.
⸻
الرسمــة…
ذلك الجدار الحجريّ داخل قصر كاغويا،
المكان الذي كان مشبعًا بالرهبة والصمت…
رأيت بعيني يومها:
ملكًا على عرش عظيم، وجهه مخفيّ.
شخصًا يطعنه من الخلف… بسيف يتوهج بالنور.
و وجهًا واحدًا فقط كان يبتسم وسط الركوع… لم أكن أفهم لماذا.
⸻
التفتُ نحو نيمو، ببطء،
وصوتي خرج مبحوحًا، شبه هامس:
“الرسمـة…”
نظراته تلبّدت، لكنه لم يقاطعني.
“في قصر كاغويا…
رأيتك.
كنت تبتسم.
وشيباي… هو من طعن الملك.
أليس كذلك؟”
⸻
لم يُنكر.
لم يُجب مباشرة.
لكنه مشى نحوي، خطوات هادئة…
حتى صار قريبًا كفاية لينظر إليّ دون حواجز.
ثم قال، بصوتٍ لا يحمل تردّدًا:
“ نعم. ”
“ذلك اليوم…
كنّا نُعيد الميزان، لا نكسر القانون.”
سألته، بصوت ارتجف رغماً عني:
“قتلتم الملك؟”
أومأ، ببطء:
“كان لا بد من سقوطه،
ليولد عصر جديد.”
ثم أضاف… وكأن شيئًا أقدم من الزمن ينطق عبره:
“ كل نظامٍ، مهما عظُم، يحتاج خيانةً لينهار. ”
⸻
تراجعت خطوة.
لم أشعر بالخوف منه…
بل من ما يعنيه ذلك.
نيمو لم يكن فقط خادمًا مطرودًا…
بل أحد صنّاع الجريمة الكبرى.
⸻
تراجعت خطوة.
لم أشعر بالخوف منه…
بل من ما يعنيه ذلك.
نيمو لم يكن فقط خادمًا مطرودًا…
بل أحد صنّاع الجريمة الكبرى.
**
رفعت نظري إليه، وصوتي بالكاد خرج:
“ومن كان ذلك الملك…؟”
أجاب فورًا، دون تردّد:
“ڤاروشي Ōtsutsuki.
ملك كوزان.
أول من رفع السيف على الأكوان، وآخر من ظنّ أنه خالد.”
**
انعقد حاجباي.
كوزان…
الاسم خرج من فمي كهمس غارق بالرهبة:
“كوزان…؟”
أومأ نيمو:
“إحدى العشيرتين العظيمتين.
كوزان…
وأسترا.”
“العشيرتان اللتان تحكمان عوالم الأوتسوتسوكي، وتقفان فوق كل قوانين الوجود.”
**
جلتُ بعيني في القاعة…
وشعرت بشيء ثقيل في صدري.
“لماذا لم أسمع بهما من قبل؟
لماذا لا يعرف عنهما أحد في عالمنا؟”
أجاب بصوت منخفض، كأن الحقيقة نفسها لا تُقال علنًا:
“لأنهم لم يسمحوا لأحد أن يعرف.”
“وكل من اقترب… أُبيد.
الذين يعرفون… لا يعيشون طويلاً.”
**
ابتلعت ريقي. ثم قلت:
“وماذا يريدون الآن؟
لماذا… عالمنا؟”
ابتسم نيمو، ابتسامة فيها مرارة:
“لأنهم يظنون أن فيه شيئًا يستحق أن يُنهب.
لأنهم يريدون أن يثبتوا سيادتهم على كل ما لم يخضع.”
“ولأنك… أيها الهاتاكي،
وقفتَ ضد أضعف خادم في كوزان،
وهزمته.”
**
سكت قليلًا، ثم قال:
“ومنذ تلك اللحظة…
عالمك أصبح هدفًا.”
⸻
⸻
صمته الأخير…
كان أطول من اللازم.
والنظرة في عينيه…
لم تكن نظرة رجل قال الحقيقة كاملة.
**
راقبته.
عيناه تقولان شيئًا…
لكن فمه لم يقله.
وسؤال قديم، قاتل، بدأ يهمس داخلي:
“هل هذه… كل الحكاية؟”
سألت بصوت هادئ، كمن يرمي حجرًا في بحيرة راكدة:
“إذا كنّا مستهدفين بسبب قتالي مع ذلك الخادم…
لماذا لم تبدأ هذا الحديث منذ البداية؟”
رمقني نيمو بنظرة لم أفهمها فورًا، ثم قال:
“بعض الأبواب يا سامرو… لا تُفتح إلا عندما تكون مستعدًا لعبور ما خلفها.”
ابتسم.
لكن لم تكن ابتسامة ثقة.
كانت… ابتسامة رجل لا يقول كل شيء.
**
“أم أنك لا تثق بي؟”
صوته خرج هادئًا، كأنه يعرف الإجابة.
لم أُجب.
فقط نظرت إليه.
ورأيت ما خلف عينيه…
جزءًا من الظل، لا يصل إليه ضوء.
**
نيمو…
قال الكثير.
لكنني الآن متأكد:
هو لم يخبرني كل شيء.
ولسببٍ ما…
بدأ الخوف في داخلي يتحول إلى يقظة.
⸻
بعد أن انتهى نيمو من كلماته، استدار دون أن يُعلّق على شكوكي،
وصعد درجات منخفضة تؤدي إلى العرش.
كان العرش في منتصف القاعة، محفورًا من مادة تشبه العظم الأبيض،
وعلى مسنده نقوش قديمة… لا تشبه لغة كونوها، ولا حتى رموز لوح كاغويا.
جلس عليه كمن استعاد مكانه الحقيقي.
**
ثم رفع يده.
بهدوء.
وقال:
“ادخلوا.”
**
لحظة سكون.
ثم…
فُتحت البوابة.
ودخلوا.
**
خمسة أجساد أوتسوتسوكي…
بهيبة لا يمكن وصفها.
كل واحد منهم يشبه تمثالًا من أسطورة.
بشرتهم بيضاء نقية كالثلج السماوي.
جباههم تحمل رموزًا بديعة، لا تشبه عيون الشارينغان أو الرينغان، بل… أعمق.
ملابسهم بيضاء مطرّزة بخيوط فضية، تتوهج كلما تحرّكوا.
شعرهم منساب، طويل… أشبه بهالة من النور الساكن.
وعيونهم… عيونهم لم تكن بشرية.
**
شعرت أني أنظر إلى كائنات لا تنتمي لهذا الكون.
كأنهم أبناء شمسٍ سوداء.
**
تقدّم الأول، طويل القامة، يحمل على جبينه رمزًا يتغيّر باستمرار.
قال بصوت هادئ… لكنه اخترق كياني:
“هل هذا هو؟”
رد الثاني، عيناه مائلة للذهب، وصوته يقطر سخرية:
“من سيتحمّل عبء التصدي للمناجل؟”
تحدثت الثالثة، وجهها جميل لدرجة مؤذية:
“سيُسحق تحت أقدام خادم واحد.
لماذا نحن هنا أصلًا؟”
**
شعرت بجسدي يبرد.
كل واحد منهم…
يمكنه أن ينهيني قبل أن أرمش.
لكن أكثر ما صدمني…
كان نيمو.
لم يُوقفهم.
لم يُوبّخهم.
بل نظر إليّ…
يراقب وجهي،
يراقب قلبي،
كأنه ينتظر مني أن أنكسر.
**
لكني لم أفعل.
ليس شجاعة.
بل لأن جسدي لم يعد يشعر…
بل يتأمل الهلاك، صامتًا.
⸻
سادت القاعة لحظة من الصمت…
ثم همس أحد الأبناء بصوت بارد:
“هل تراهن علينا… من أجل بشري؟”
لم يتكلم نيمو.
لكنه… نظر.
وما إن نظر إليهم،
حتى تغيّر كل شيء.
**
شعرت بها.
الشاكرا.
لكنها لم تكن عادية.
لم تكن نابعة من جسده…
بل من وجوده.
**
كأن العالم تغيّر.
كأن الهواء ثقل.
كأن الزمان نفسه انحنى.
ثم قال، بصوت هادئ…
لكنه كان كفيلًا بأن يطحن الصخور:
“ أتشكّكون في نظرتي؟ ”
**
في لحظة…
ركع أبناؤه الخمسة.
كلهم.
بدون تردّد.
وجوههم لامست الأرض، كأنهم لم يُخلقوا إلا للركوع.
“لا نشكك برؤيتك، والدنا.”
هكذا قالوا.
بصوت واحد.
**
لكن الضغط لم يتوقّف.
بل… ازداد.
**
شعرت وكأن الأرض تريد طيّ عمودي الفقري.
ركبتي بدأت ترتجف.
صدري انضغط كأن جبلاً وُضع فوقه.
**
هو يريدني أن أركع.
**
لكنني… لم أفعل.
رأسي اهتزّ.
قدماي زلزلتا.
لكنني بقيت واقفًا.
لن أركع.
**
زاد الضغط.
أذناي صارتا تصفرّان.
رؤيتي اهتزّت.
كل خلية في جسدي تصرخ…
لكنني قاومت.
**
ثم…
كل شيء انطفأ.
**
الصوت اختفى.
النور غاب.
الهواء انقطع.
و…
سقطت.
⸻
آخر ما رأيته،
قبل أن يُبتلع وعيي في السواد:
وجه نيمو… يبتسم.
⸻