كانت قرية كونوها تمتد تحت قدميه كما اعتادها،

لكن شيئًا فيها بدا… مختلفًا.

البيوت ذاتها،

الأسوار ذاتها،

الليل ذاته.

لكن الزمن…

الزمن لم يكن ذاته.

وقف سامرو إلى جانب نيمو فوق قمة الزمان،

حيث لا أحد يسمع إلا الذاكرة.

سأل بصوت متعب:

— “كم مرّ من الوقت؟ في كونوها؟”

أجابه نيمو دون أن يلتفت:

— “خمس سنوات.”

ابتسم سامرو ابتسامةً لا روح فيها،

كمن يحاول أن يُجبر قلبه على التماسك.

— “خمس سنين…”

همس،

وكأن الأسماء التي نطقها كانت طوق نجاة:

— “يارا… رينجي… أيومي… شيسوي…”

— “أتمنى أن تتذكروني.”

**

وفجأة، كما جاء،

اختفى نيمو.

**

تطلّع سامرو نحو القرية من أعلى تمثال الهوكاجي الرابع.

الرياح حملت رائحة السنين التي لم يعشها.

— “هل أنتظر للصباح؟” همس.

ثم أجاب نفسه بعد لحظة من الصمت:

— “لا… لا أستطيع الانتظار.”

**

تحرّك.

ظهر في فناء قصر هاتاكي بصمت، دون أثر.

خطا بهدوء، كأنّه لا يريد إيقاظ المكان من نومه.

لكن المكان… استيقظ فيه.

**

مرّ عبر الردهات التي حفظها قلبه،

واستشعر الشاكرا.

يارا…

الأطفال…

و…

رفع حاجبه.

شيسوي… أوبيتو… كاكاشي… كوريناي… رين.

تجمّدت قدماه.

— “نائمون؟ كلهم نائمون؟”

أغمض عينيه واستشعر بدقة.

ثم تمتم ساخرًا:

— “كوريناي مع كاكاشي…

أوبيتو مع رين…

اللعنة عليكم. ما إن اختفيت حتى لعبتم بذيولكم.”

ضحك، ضحكة نصف مكسورة، نصف حانية.

ثم أكمل طريقه.

**

توقّف أمام باب الغرفة الرئيسية.

كان نصف مفتوح.

ضوءٌ خافت يتسرّب من الداخل.

أخفى حضوره.

تلاشى صوته.

صار ظلاً.

نظر إلى الداخل.

**

صبي ذو شعر أسود كان يركض في الدائرة الخشبية.

فتاة ذات شعر فضي قصير جدًا كانت تلاحقه بضحكة ناعمة.

وفي الركن…

امرأة بشعر أسود، جالسة، تتابعهما بنظرة تعب وعاطفة.

يارا.

يارا التي لم تتغيّر… شيئًا.

**

شيء ما في صدره انكسر.

لم يشعر بنفسه إلا والدموع تسقط بهدوء من عينيه.

**

كانت أيومي أوّل من انتبهت،

توقّفت، أشارت لأخيها.

— “انظر… إنه يبكي.”

رفعت يارا رأسها فجأة.

التفتت.

وقعت عيناها عليه.

**

صمتت لحظة.

ثم همست:

— “كاتي…؟”

**

ركضت.

قفزت.

ارتمت في حضنه.

سقط على الأرض بقوة، لكنها لم تؤلمه.

ما آلمه كان شيء آخر…

أنّه لم يكن هنا ليحملهم عندما بدؤوا المشي،

أو يسمع أول ضحكة.

**

ضمّها بقوة.

يداها ترتجفان.

دموعها بلّلت كتفه.

قال بصوت مكسور، عالق في حلقه ألف سنة:

— “لقد عدتِ، يارا.”

— “لقد عدت.”

مرّت نصف ساعة على عودته،

ولم يتحرك أحدهما.

هي لم تفكّ ذراعيها.

وهو لم ينطق، كأن الصوت قد يُوقظ الكابوس.

**

قطع الصمت، بصوت خافت:

— “يارا… متى ستتركين حضني؟”

رفعت رأسها قليلًا، بعينين لم تجفّ دموعهما بعد،

وقالت بنبرة لا تحتمل نقاشًا:

— “أبداً.”

— “لن أترك حضنك.”

**

نظرت إليه بعدها نظرة جديّة،

كأنها تُحذّره أن يحاول التملّص.

فتح فمه ليقول شيئًا…

لكنها هزّت رأسها بهدوء، قاطعة الطريق على أي مقاومة.

**

تنفّس، ثم قال باستسلامٍ مشوبٍ بحنان:

— “حسنًا…”

**

نظرت إلى الأطفال الذين كانوا يرمقون المشهد عن بُعد.

أشارت لهم:

— “حان وقت النوم.”

— “إلى أسرّتكم. غدًا تبدأون في الأكاديمية.”

**

رينجي مشى دون اعتراض،

لكن أيومي… توقّفت، وضربت قدمها الصغيرة في الأرض.

— “لا أريد! أبي عاد!”

**

ابتسم سامرو،

لكن يارا لم تعطه فرصة للتدخّل.

نظرت إلى أيومي نظرة الأم التي لا تقبل جدالًا،

فاكتفت الصغيرة بزمّ شفتيها، ثم لحقت بإخوتها.

**

لم تمضِ دقيقة…

حتى وجدت نفسها في السرير.

تحت الغطاء.

بجوار حضنٍ انتظرته خمس سنوات كاملة.

**

لم تتكلم.

ولم يتكلم.

وضعت رأسها على صدره…

وسمعت ضربات قلبه.

**

همس سامرو، وهو يغلق عينيه ببطء:

— “حسنًا… لننام نحن أيضاً.”

**

وساد الصمت.

لكن القلب لم يصمت.

كان يردّد داخله:

“أنا هنا. أنا عدت.”

استفاق سامرو على وقعِ أصواتٍ صغيرة تقترب.

فتح عينيه بتثاقل، وما إن رفع رأسه حتى وجد طفلةً ذات شعرٍ فضيّ قصير تحدّق فيه بوجهٍ صغيرٍ مشاكس،

وبجانبها صبيٌّ أسود الشعر، يحمل ملامحَ تشبهه إلى حدٍّ مؤلم.

نظر إليهما، ثم شعر بثقلٍ آخر على صدره…

كانت يارا لا تزال نائمة في حضنه، كأن الزمن لم يخترق هذا المكان بعد.

**

قالت الطفلة بصرامةٍ مصطنعة:

— “أنا أيومي، وهذا رينجي.

ونحن… نكرهك.”

**

رفع سامرو حاجبًا، لم يُظهر انفعالًا.

لكن رينجي، بهدوء الطفل الذي لم يعرف الكراهية، قال:

— “لا، أيومي… لا أكرهه.”

التفتت إليه شقيقته الصغيرة بانزعاج:

— “بل نكره! كيف يترك أمي ويذهب؟!”

**

ابتسم سامرو بتعبٍ لم يُطفئه النوم،

ومدّ يده ليمسح رأسيهما.

قال بصوتٍ واثق، دافئ:

— “أيومي، رينجي…

أنا آسف لغيابي عنكما كل تلك السنوات.”

— “لكن أعدكما…

سأعوّضكما عنها إلى الأبد.”

**

صمتت أيومي، حاولت كتم ابتسامةٍ ارتسمت رغمًا عنها.

ثم قالت بنبرةٍ مرحة متكلّفة:

— “وعد؟ ستلعب معنا كلّ يوم؟”

ضحك سامرو:

— “وعد. لكن… هل تسمحان لوالدتكما أن تُكمل نومها؟”

ردّا معًا:

— “حسنًا!”

**

قفزا من السرير وركضا خارج الغرفة،

وتركا خلفهما سكونًا دافئًا.

**

التفت سامرو إلى يارا،

كانت لا تزال في حضنه، لم تتحرّك.

قرب وجهه من شعرها،

ثم قبّله برفقٍ وهمس:

— “أعلم أنّكِ مستيقظة… أحبّك.”

ردّت بصوتٍ ناعسٍ خافت:

— “لا أحبّك.”

ضحك بصوتٍ منخفض:

— “سأظلّ أحبّك… حتى إن كرهتِني.”

قالت، وهي تغطّي وجهها بصدره:

— “لم أقل إنّي أكرهك…

قلت فقط… لا أحبّك.”

قال مبتسمًا:

— “حسنًا، إن كنتِ لا تحبّينني…

فلتنهضي من حضني إذًا.”

ردّت بلهجةٍ ناعسة مُهدّدة:

— “إن أجبرتني على النهوض…

قد يتحوّل الأمر إلى كراهيةٍ حقًّا.”

**

سكت لحظة.

ثم قالت هامسة:

— “عشر دقائق أخرى… فقط.”

**

بدأ يداعب خصلات شعرها بلطفٍ يشبه الرجاء.

وهمس وهو يغلق عينيه:

— “لقد عدت، يارا.”

أجابته بصوتٍ خافتٍ دافئ:

— “مرحبًا بعودتك، كاتي…

وأنا أحبّك أيضًا.”

**

وأغمض عينيه،

كأنّ العالم كله عاد إلى حجمه الصحيح.

2025/05/16 · 27 مشاهدة · 881 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025