في ركن هادئ في احد مطاعم كونوها
جلس سامورو بصمت، يحتسي كوباً من الشاي الأخضر، بينما جلست تسونادي مقابله. بدا الجو هادئاً بصورة غريبة، كأن الزمن قرر أن يتوقف قليلاً احتراماً لصمت بين مقاتلين عاشا الكثير وفقدا أكثر.
تسونادي هي من قطعت الصمت أولاً، نظرت إليه بنصف عين وهمست:
“أين اختفيت في السنوات الخمس الماضية؟”
رفع سامورو عينيه إليها، لم تكن ملامحه متفاجئة من السؤال، كأنه كان ينتظره.
ردّ بنبرة هادئة:
“كنت منشغلاً بأمرٍ هام… أمر لا يمكن تأجيله.”
لم تُصرّ على التفاصيل.
كانت تعلم أن الرجال الذين يحملون مثل هذا الصمت، لا يُسألون كثيراً عمّا وراءه.
هو، بدوره، وضع الكوب جانباً وسألها بصوت منخفض:
“هل ما زلتِ… تعانين من رهاب الدم؟”
لم ترد.
لكن صمتها الطويل، ونظرتها التي تجنبت عينيه، كانا كافيين ليعرف الجواب.
أطرق برأسه قليلاً، ثم قالت هي بصوت خافت:
“منذ رحيل جيرايا… وموت سينسي هيروزين… أدركت أن طريق النينجا لم يعد لي. فقدتُ من كنتُ أقاتل لأجلهم.”
رفع سامورو كوبه مجدداً، أخذ رشفة، ثم قال بنبرة عميقة:
“لكن العالم لا يزال بحاجة إليكِ، تسونادي.”
“أوروتشيمارو انشقّ، وأنتِ… اعتزلتِ.”
“الجيل الجديد بحاجة لمن يرشدهم… لا من يهرب من ساحة المعركة.”
نظرت إليه، في عينيها خليط من الأسى والتحدي، لكنه لم يمنحها وقتاً للرد.
وضع الكوب جانباً وقال:
“لديّ طلب.”
رفعت حاجبيها قليلاً، فأكمل:
“أريد أن تتركي رين معنا.”
“لقد اكتسبت منكِ الكثير، وتعلمت كل ما يمكنكِ أن تعطيه إياها. والآن، حان دورها لتقود.”
ساد الصمت لحظة، ثم قال بنبرة محسومة:
“سأجعلها رئيسة المستشفى، ومسؤولة عن قسم الأبحاث الطبية في كونوها.”
بقيت تسونادي صامتة، تنظر إلى وجهه بعينٍ تبحث عن نواياه الحقيقية.
لكنها رأت في عينيه صدقاً لا يخفى.
وللمرة الأولى منذ زمنٍ طويل، لم ترفض.
عاد سامورو إلى قصر هاتاكي بعد لقائه الطويل مع تسونادي. كان الليل قد بدأ يقترب، وهدوء الحديقة الخلفية يعكس سكوناً دافئاً افتقده طويلاً.
وما إن فتح الباب حتى انطلق صوتان صغيران يصرخان من الداخل:
“أبي!”
ركض نحوه طفلان، أحدهما فتى بشعر أسود داكن وعينين حادتين، يُدعى رينجي ،
والأخرى فتاة صغيرة بشعر فضي طويل ووجه طفولي هادئ، تُدعى أيومي .
لم يتجاوزا الخامسة من العمر، لكن ملامحهما حملت بوضوح ذلك التوازن الغريب بين طاقة الطفولة وهيبة الدماء التي ورثوها.
بينما كانا يحيطان به من كل جانب، ظهر خلفهما ناروتو ، لا يتجاوز الثالثة من العمر، يركض متعثراً وهو يجر عباءته القصيرة كأنها راية نصر.
ضحك سامورو وهو ينحني لاحتضان أطفاله الثلاثة.
ثم نادى بهدوء:
“رين.”
جاءت من داخل القصر، تمشي بخطى ثابتة، رأسها مرفوع، وعيناها تلمعان بهدوءٍ وذكاء.
كانت رين، المتدربة السابقة تحت يد تسونادي، قد أصبحت شابة ناضجة، تحمل في عينيها ثقة لا تهتز.
قال سامورو وهو ينظر إليها بثبات:
“من اليوم، ستتوقفين عن مرافقة تسونادي في رحلاتها، وستكونين رئيسة مستشفى كونوها، ورئيسة قسم الأبحاث الطبية.”
وقفت في مكانها، نظرت إليه، وفي عينيها تساؤل لم يُنطق.
“هل
قرأ السؤال في صمتها، فأجاب:
“أنتم جيل المستقبل. مهمة الجيل القديم أن يُمهّد الطريق، لا أن يقطعه إلى النهاية.”
أخفضت رأسها باحترام، بينما علت وجهها ابتسامة صغيرة، خجولة وممتنة.
⸻
بعد لحظات، اقترب من الحديقة أوبيتو و كاكاشي ، يسيران جنباً إلى جنب، يتبادلان حديثاً هادئاً.
بادرهم سامورو بالسؤال:
“مناصبكما الجديدة؟”
قال كاكاشي:
“تم تعييني رئيساً لوحدة الأنبو.”
وأضاف أوبيتو بنبرة مرحة:
“ونائبه… بل أقول: ظله في الظل.”
أومأ سامورو مبتسماً:
“خيار جيد. من يعرف بعضه جيداً، لا يحتاج أوامر كثيرة.”
ضحك الثلاثة، وبينهم لحظة من التفاهم الصامت.
ثم انطلقت فجأة صرخة من جهة البوابة:
“وأنا! لدي خبر رائع!”
دخل مايتو جاي بخطاه السريعة المعتادة، وجهه متوهج بالحماس، وابتسامته المعتادة تسبق كلماته.
“أريد أن أنضم إلى الأنبو! لقد فكرت كثيراً… وأنا متأكد أن طاقتي ستكون مثالية هناك!”
صمت قصير، ثم تنهد سامورو قائلاً:
“جاي… صدقني، الأنبو لا يناسب طاقة الشباب التي تحرقك.”
اقترب جاي أكثر بعينين تلمعان بالأمل:
“حقاً؟ إذن أين مكاني؟”
ربت سامورو على كتفه وقال بجدية مصطنعة:
“منصبك مهم جداً. أنت درع كونوها المطلق. دفاع القرية الأخير. لا أحد يصلح لهذا الدور غيرك.”
انفجرت ملامح جاي بحماسٍ لا يُوصف:
“حقاً؟ أعِدك أن أكون الجدار الذي لا يُخترق!”
أما كاكاشي، ففتح فمه قليلاً مذهولاً.
أوبيتو انفجر ضاحكاً، ثم قال وهو يغمز لكاكاشي:
“لقد صدّقها… فعلاً صدّقها.”
هز كاكاشي رأسه وتمتم:
“ولا زال يندهشني كم أنت مُقنع يا سامورو.”
بينما الجميع يضحك، بقي سامورو واقفاً ينظر إلى المشهد أمامه.
أطفاله يركضون بين الأشجار، رين تراقبهم بعينٍ مسؤولة، جيل كامل من النينجا بدأ يأخذ موقعه،
ومعه، بدأت كونوها تكتب فصلاً جديداً في الهدوء الذي يسبق الإعصار.
⸻
دخل سامورو إلى الصالة، يزيل عباءته ببطء وهو يمرر عينيه على الأركان.
كان المشهد دافئاً، طاولة شاي منصوبة قرب النافذة، وجلست إلى جانبها يارا ، زوجته، بشعرها القصير المائل إلى الخصلات المتناثرة، وثبات عينيها اللتين لم تفقدا حِدتهما رغم الهدوء.
بجانبها جلست كوريناي ، تلميذته، وقد وضعت كوب الشاي أمامها بكل أدب، ظهرها مستقيم وعيناها مركزتان على كلمات يارا كأنها في جلسة تعليم رسمي.
ما إن دخل حتى ابتسمت يارا ابتسامة خفيفة، وقالت:
“لقد عدت باكراً على غير عادتك.”
نظرت إليه كوريناي بابتسامة خجولة، وانحنت قليلاً:
“أهلاً بعودتك، سينسي.”
ردّ سامورو وهو يقترب بخفة:
“سينسي؟ لم أسمع هذا اللقب منذ أن كدتُ أكسر عصاك الخشبية في رأسك عندما كنتِ لا تُميّزين بين الشارينغان والبايكوغان.”
احمرّ وجه كوريناي على الفور، وارتبكت نظراتها.
لكن سامورو لم يتوقف. جلس على الكرسي المقابل، وضع ساقاً فوق الأخرى، ثم نظر إليها بنصف ابتسامة وقال:
“كيف أخبار صبيّي كاكاشي؟”
فجأة نظرت كوريناي إلى يارا ، وكأنها تطلب منها النجدة بعينيها.
كانت تنظر بتوسل صامت، والاحمرار قد غزا خديها أكثر مما فعلت أي شمس.
أجابت يارا وهي ترفع كوب الشاي ببطء:
“سامورو… هل تفكر فعلاً في النوم وحيداً الليلة؟”
ساد الصمت لثوانٍ، قبل أن ينظر سامورو إليها بخفة، ثم تنهد قائلاً:
“لا… لا أرغب في النوم بمفردي.”
ضحكت يارا بهدوء، وكأنها انتصرت دون أن ترفع سيفاً.
أما كوريناي، فقد غطت وجهها براحة يدها، وقالت وهي تهمس:
“لن أحضر جلسات الشاي هنا مرة أخرى…”
ضحك الجميع، فيما عادت أجواء المنزل إلى ذلك المزيج العجيب من السكينة والجنون الخفيف… الذي لا تجده إلا في بيت يحمل اسم هاتاكي.
⸻
ما إن هدأت الضحكات، حتى فُتح باب الصالة بهدوء ودخل ميناتو بخطاه الرزينة، مرتدياً عباءته البيضاء المطرزة بلهيب اللهب على الحافة، ووجهه يحمل هدوء البحر… وتوتر الأعماق.
بمجرد دخوله، قامت يارا قائلة باحترام:
“أهلاً بك، الهوكاجي الرابع.”
تبعتها كوريناي بانحناءة خفيفة وصوت متزن:
“سعداء بقدومك، سيدي الهوكاجي.”
ابتسم ميناتو ابتسامته الهادئة وردّ:
“لا أزال أكره سماع هذا اللقب داخل هذا البيت.”
ثم نظر إلى سامورو وأضاف:
“لكن يبدو أنه لصيق بي الآن.”
جلس بهدوء على المقعد المقابل، بينما قامت يارا بسكب الشاي في أكواب ثلاث.
وضعت كوباً أمام سامورو، وآخر أمام ميناتو، والثالث ظلّ في يدها.
لكن سامورو، دون أن ينطق بكلمة، رفع عينيه نحوها بنظرة هادئة لكنها واضحة المعنى.
نظرة من يعرف. من أدرك أن هذا اللقاء لم يكن مجرد زيارة صديق.
يارا قرأت تلك النظرة، ثم التفتت إلى كوريناي وقالت بهدوء:
“ما رأيكِ أن نُتابع حديثنا في الحديقة؟”
أومأت كوريناي فوراً، ونهضت بصمت، بينما كانت تنظر بين الرجلين بإدراك داخلي أن ما سيُقال لا مكان له بين الشاي والضحكات.
وقفت يارا للحظة، نظرت إلى سامورو، ثم إلى ميناتو، ثم غادرت الغرفة مع كوريناي دون أن تنطق بكلمة أخرى.
وبقي الصمت.
⸻