12:50
القاعة كانت ككابوس حي، جدران مرتفعة من المعدن الرمادي، ومصابيح ضخمة تتدلّى من السقف كعيون آلهة تراقب، أما الأرضية فمربعة ومقسّمة بدقة هندسية كأنهم في لوحة قتالية.
ثلاثة آلاف طفل وطفلة، بقمصان رمادية تحمل أرقامًا، محشورون كتفًا إلى كتف، بعضهم يجلس على الأرض، وبعضهم يتبادل النظرات بوجل، وآخرون يصمتون كالتماثيل.
سون كان يتأمل السقف، عينيه كأنهما تحسبان عدد الخطوط،
ماريو على يساره، يضغط قبضته كمن يتهيأ لشيء لا يُوصف.
وفجأة…
انطفأت معظم الأنوار…
وبقي الضوء مسلطًا على الركح الكبير في مقدمة القاعة…
امرأة دخلت بخطى باردة، ثابتة…
معها رجل طويل القامة، عابس الوجه، ببدلة قاتمة وحذاء يضرب الأرض بإيقاع جليدي.
الهمس توقف…
حتى أنفاس الأطفال بدأت تتباطأ.
كل الكاميرات وميكروفونات الصحافة توجهت نحوها كأنها نبيٌّ ظهر بعد غياب ألف سنة.
الخبر مباشر.
الشاشات في جميع أنحاء تونس، إفريقيا، بل والعالم، تنقل هذه اللحظة.
تقدمت المرأة، وشعرها يتماوج بخفة كرياح سوداء، ووقفت على حافة المنصة…
نظرت إلى الحشود نظرة واحدة.
ثم قالت بصوت هادئ:
> "سلام."
وساد صمت مطبق…
كأن الكلمة نُطقت بلغة غير مرئية، كأنها خرجت من بُعدٍ آخر.
شعر كثيرون بوخزة في الصدر، آخرون لم يستطيعوا التنفس.
كل شيء…
تجمّد.
نقطة.
وسطر جديد.
تقدّمت بلاك داون خطوة نحو الميكروفون، دون أن ترفّ رمشًا. صوت كعب حذائها العالي كان كجرس جنازة، وكل من في القاعة تابعها بأنفاس معلّقة.
رفعت بصرها، عيناها مثل ليلٍ لا آخر له، وقالت:
> "أنا بلاك داون… المشرفة الأولى على هذا الاختبار."
ثم أشارت إلى الرجل الذي بجانبها — طويل، ذو وجه حجري وندبة تقطع وجنته:
> "وهذا هو راغنا… الذراع اليمنى، والمشرف الثاني على هذا الحدث."
صمتت لحظة، ثم أكملت:
> "نحن اثنان من أعضاء الفرقة الشهيرة "بيغ وان"… ومنذ هذه اللحظة، سنتولى قيادة هذا المسار."
أمامها، كان الأطفال الثلاثة آلاف قد تحولوا إلى تماثيل تتنفّس.
> "الاختبار… ليس مهمّة مدرسية."
"هو جهد. هو صدق مع نفسك."
"هو جحيم صغير، سيميز من يملك الإرادة ممن يملكون الأوهام."
تقدمت أكثر، حتى صار وجهها أقرب إلى الشاشة العملاقة التي تنقل الحدث للعالم.
> "من لا يشعر أنه مستعد… من يشعر أن قلبه لن يصمد… فليغادر. فله متّسع من الوقت، ولن يُحاسَب."
تبادل البعض النظرات. ارتجف البعض الآخر.
> "الاختبار سيتكوّن من مرحلتين:"
"الأولى، جسدية ونفسية. تقيس القدرة على التحمّل، الثبات، ردّ الفعل، والبقاء."
"الثانية… سرّية. ولن يعرف أحد عنها شيئًا، سوى من يصل إليها."
هنا، رفعت يدها بهدوء كأنها تقطع الهواء نفسه:
> "ابتداءً من هذه اللحظة، تنقطع جميع الأخبار، وكل البث… إلى أن نُعلن عن نهاية الاختبار."
انطفأت الكاميرات فجأة.
انقطعت الإشارة في القنوات.
تجمّدت مواقع التواصل.
لم يبقَ سوى الصمت…
وسوى العيون المُحدِّقة في الفراغ، تتساءل:
ما الذي ينتظرهم حقًا؟
بعد أن انطفأت جميع الكاميرات، وانقطعت إشارات البث، تغيّر وجه بلاك داون إلى نظرة أكثر جدية وصرامة، وتقدّمت خطوة أخرى نحو الأطفال الثلاثة آلاف في القاعة، وقالت بنبرة أهدأ لكنها مشبعة بالسلطة:
> "الآن… حان الوقت لتوجيه الخطاب الحقيقي لكم، أنتم المرشحين."
نظرت إليهم جميعًا كأنها ترى أرواحهم، ثم تابعت:
> **"الاختبار الأول… سيكون في الهند، في سلسلة جبال تُدعى: "غونغا كايلاش"
هناك، تحت إحدى قممها البركانية المنطفئة، تقع منشأة سرّية اسمها
"حلبات الحمم الغازية".
صمتٌ، ثم همسات بين الأطفال، بعضهم رفع حاجبه، والآخر بلع ريقه بتوتر.
> "هذه الحلبات قديمة، ومختبئة منذ عقود، ولا يعرف بوجودها سوى قلّة. لكنها الآن ستُفتح لكم، لتحتضن المرحلة الأولى من الاختبار."
ثم أضافت بنبرة أثقل:
> "تفاصيل الاختبار… ما الذي ستواجهونه، ما هي شروط النّجاة أو النجاح… كلّها لن تُعلن إلا هناك. حين تقفون وجهاً لوجه أمام ما أعددناه."
اقترب راغنا بخطوات مدروسة، وهمس في أذنها، فأومأت بهدوء.
> "ابتداءً من هذا اليوم، سيتم نقلكم على دفعات، عبر طائرات خاصّة، مباشرة إلى هناك. التجهيزات على قدم وساق. ومن فاته الصعود، فلا مكان له بيننا."
رفعت يدها مرة أخيرة، وقالت:
> "أمامكم هذا المساء للراحة والتأهب… غدًا، سنلتقي في جحيم الحمم."
ثم استدارت بلاك داون، وغادر راغنا خلفها بخطى صامتة، تاركين خلفهم صالةً مكتظةً بالرهبة، ووجوهًا لم تعرف بعد أنها توشك على عبور باب لا رجوع فيه.