الفصل 58 - قرعة اخري
ما زال صدى المعركة السابقة يتردد في أرجاء الساحة، والهتافات والصرخات لا تزال معلقة في الهواء كعاصفة ترفض أن تخمد. ومع ذلك، وتحت هذا الجو المشحون بالكهرباء، كانت هناك تيارات أكثر خفاءً توتر صامت وشعور دفين بالقلق. جلس المتسابقون الآخرون في أماكنهم المخصصة، يتبادلون الحديث عن النزال الذي شاهدوه للتو. كانت أصواتهم منخفضة، لكن وقع كلماتهم كان ثقيلاً.
قال أحد المتسابقين من كوكب "كايل"، طويل القامة ونحيل البنية، وذراعاه متشابكتان وشفتيه مشدودتين بتوتر: "لم أتوقع أن يسيطروا على القتال بهذه السرعة… من الواضح أنهم يمتلكون قوة استثنائية."
إلى جانبه، انحنى فتى أصغر سنًا بشعر برتقالي ناري للأمام، وقال: "استثنائية؟ هذه لم تكن مجرد قوة. هل رأيت كيف تحركا معًا؟ لوكاس ودارلين لم يترددا للحظة. وكأنهما علما مسبقًا كيف ستنتهي المعركة قبل أن تبدأ."
سخرت امرأة ترتدي درعًا ذهبيًا وتمثل كوكب "ريغا": "هف… سيطرة أو لا، لم يواجهونا
نحن
رد الفتى، وقد ضاق عينيه: "ليس بعد."
تحدث متسابق آخر رجل هادئ في سن متقدمة، يحمل ندوبًا عميقة وذراعًا آلية يلمع معدنها بنبرة أكثر برودًا: "الجولة القادمة ستكون وحشية. لا أعتقد أن أي فريق آخر قادر على مجاراة ذلك المستوى من التناغم. خاصة إن كانا قادرين على استخدام تقنياتهما بهذه الطريقة."
بدأت همهمات الموافقة تنتشر بين المقاعد. كان هناك إعجاب، بل رهبة. لكن تحت كل ذلك، همسة خوف خافتة. لم يجرؤ أحد على قولها صراحة، لكنها كانت حاضرة في النظرات، في الصمت.
مرّت ساعتان بسرعة. توتر يتصاعد كغليان ماءٍ على وشك الانفجار. وقد حان الآن وقت الجولة الثانية.
من بين الكواكب الاثني عشر التي اجتمعت، لم يتبقَ سوى سبعة اجتازوا المحنة الأولى. البعض سقط بالدم، والآخرون هُزموا بسبب تفوق في القوة أو المهارة التكتيكية. لكن الآن، ضاق النطاق. تغير الهواء. وانصبت جميع الأنظار على من بقي.
ومن بينهم، وقف كوكب "تيان" كعاصفة تلوح في الأفق.
جلس لوكاس في أقصى طرف مقاعد الفريق، وضعه كان مسترخيًا، لكن عينيه كانتا حادتين يراقب كل شيء، ويصغي لكل همسة. شعره الأسود كان يرفرف قليلًا مع تيارات الهواء التي يسببها تحرك الساحة المستمر، لكن تعابير وجهه بقيت غامضة. مركّز.
وقفت دارلين بجانبه، ذراعاها متشابكتان، ودمها الملكي لا يزال ينبض خافتًا تحت جلدها. لقد تغيرت منذ النزال الأخير. أصبح حضورها أكثر نضجًا، وأكثر حدّة، وكأن النصر قد نحت غاية أعمق داخل عظامها.
وفي وسط الساحة، ظهر المذيع ذو الأجنحة الذهبية طافيًا، وقد تضخم صوته بقوى غير مرئية.
"والآن، ننتقل إلى الجولة الثانية!"
انفجرت الحشود بالهتاف مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت أقل فوضوية، وأكثر تركيزًا. كل هتاف يحمل في طياته نبرة توقّع.
"القرعة ستحدد الخصوم! من سيواجه من؟ لنعرف الآن!"
ساد الصمت التام، بينما ظهرت ألواح طافية في الهواء واحد لكل كوكب من الكواكب المتبقية. أضاءت الألواح بهالة ناعمة، وبدأت الرونات السحرية تدور وتتشكل، مثل طقسٍ مقدّس.
ظهرت الأسماء تباعًا.
ثم وبشكل مفاجئ توقفت الطاقة. وظهر اسم جديد، وتغيرت نبرة المذيع.
"كوكب الوحوش تِرّاتا المصنَّف سابقًا في المرتبة التاسعة، لن يشارك في الجولة الثانية!"
انتشرت شهقات الدهشة بين الجمهور.
"سيتأهل مباشرة إلى الجولة الثالثة. اعتبروها… عطلة مؤقتة."
سكت الجميع. ثم بدأت الهمسات.
"لم يخوضوا الجولة الأولى أصلاً."
"أي نوع من الترتيبات هذا؟"
"مؤامرة. رائحتها كريهة."
استُؤنفت القرعة.
كوكب تيان (المصنف سابقًا رابعًا) ضد كوكب ريغا (المصنف سابقًا ثالثًا)
كوكب سولار (المصنف أولًا) ضد كوكب كايل (المصنف سادسًا)
كوكب فينوس (المصنف ثانيًا) ضد كوكب سيترا (المصنف سابعًا)
انفجرت ضجة جديدة من الجمهور. هذه هي اللحظة. كل مواجهة عبارة عن صدام عمالقة. القوى، الاستراتيجيات، السلالات، السمعة كل شيء على المحك.
صرخ المذيع بصوته الجهوري، يتماشى مع حماسة الحشود: "المعركة الأولى، بين تيان وريغا!" "ومن سيفوز بها، سيواجه الفريق الأقوى في الجولة الثالثة. لكن عليه إثبات قوته أولًا!"
نهض لوكاس ببطء، وقد ضاق نظره.
وصل صوت سيمان من خلفه، مشوبًا بالتوجس: "فريق ريغا ليس مثل زوراد. لا يعتمدون على القوة الغاشمة. إنهم أذكياء. دقيقون. فعالون."