ظلام ما وراء ظلام و اصوات مشوشة تأرجحت في ذلك الفراغ الدامس اللاوجودي

غطاء من الدماء بدا ينسكب من اعلى ستار الظلمى ويغير المنظر الى جدار احمر قرمزي و صراخ اشخاص تعالت من وراء الستار

"ما هذا.."صوت طفل مرتبك تتكر داخل عقله مراراً وتكراراً، "اين انا" ردد الصوت، "هذا ليس انا" انتحب الصوت ، "ما الذي يحدث بحق الجحيم!" صرخ الصوت بكل قوته

افاق طفل صغير يبدو في العاشرة من عمره داخل غرفه ذات طابع قديم من القرون الغابرة ولكنها كانت راقية وكانها غرفة نبيل مترف

اغمض عيناه وفتحهما اكثر من مرة حتى في حيرة من هذا الشعور وكأنه شعور جديد عليه، شعور هذا الجسد الذي بدا وكأنه حد من قدراته بشكل مفاجئ

"كيف.." صارع الطفل الصغير طريقه ونزل من السرير الضخم الذي كان ينام عليه، جسده يشعر بالخدر ورجلاه ترتجفان و نظره مشوش

سار ببطئ حتى لا يسقط ناحيط مرأة ضخمة معلقة على الحائط واقترب منها شيئاً فشياً حتى بدات ملامحه بالظهور

جسد طفل هزيل وقصير و ينهش التعب و المرض اطرافه و اعضاءه، باعين سوداء ميته و شعر قصير اسود اللون بخصل في نهاياته تملك لون الارض

التعجب ارتسم على ملامح الطفل وقد لمس وجهه في حيرة ومد يده ببطء الى الانعكاس الموجود في الصورة و ردد في رأسه "هذا ليس انا!"

جملة تكررت الاف المرات في بعض من الثوانٍ فقط حتى دخلت عليه امرأة ترتدي زي خادمة وصرخت من الرعب باعلى صوتها

"لقد!! لقد استيقظ!! لقد استيقظ السيد الين! "

نظر الطفل الصغير الين اليها في حيرة و قبل ان ينطق باي كلمة اقتحم الغرفة عشرات من الخدام و الخادمات يتدافعون ناحيته ويرفعونه عاليا في الهواء وكل اجزاء جسمه كان تؤلمه انذاك

رجل عجوز بشعر يغطه الشيب يرتدي ملابس رصاصية اللون و يبدو عليها الرقي وشعار قضيب من المعدن المحترق مرسوم على صدر البدلة التي يرتديها

"ابني!" هدا جميع الخدم و سلم الخادم الين الى الرجل وبدات دموعه تتساقط على خد الين و هو بالكاد يستطيع تكوين كلمة داخل فمه

"ابني؟.. هذا والدي.. جرام كراوش... ولكن منذ متى؟" افكار الين مازالت غير مرتبة وكلمات كل الاشخاص في الغرفة كان ثقيلة على اذنيه لكي يتحملها فكانت تتساقط من على الاطراف ولا تصل مسامعه

"انتظر حتى تسمع امك الخبر! لقد ذهبت الى حي هيدنزل لتكمل بعض الاعمال ولكنها ستعود بمجرد ان تسمع الخبر!"

"اخرجوا جميعاً دعوا ابني يرتاح!" امر جرام الجميع بالمغادرة و جثا على ركبة واحدة ووضع الين على الارض و حضنه بكل قوة، غير قادر على ايقاف دموعه

"ساكون في الخارج.. حمداً لله على عودتك، اذا احتجت اي شيء فقط ناديني"

خرج جرام من الغرفة ووقف الين في منتصفها ينظر الى السقف، صوت صرير حاد كان يتخبط داخل جمجمته مسبباً له صداعاً لا يطاق وكأن هناك شيئاً يشق طريقه خارج عقله بالقوة

سقط الين من الارهاق على الارض و اغمض عينيه و بدات الوان الطيف تمر بسرعة امام عينيه وتختفي كالهلوسة

"هذا ليس انا.. انا في الحادي و العشرين من عمري.. واسمي ليس الين ولكن لماذا ارى ذكرياته و اشعر بمشاعره، ولماذا اشعر بهذا الالم!"

استمر الين في سؤال نفسه اسئله عشوائية تقود الى نفس الفكرة، هذا ليس جسده وهذه ليست حياته و لكنه قد استيقظ في جسد هذا الطفل لسبب هو لا يعرفه

في صمت و هدوء راقب الين تحرك الشمس و مرور الزمن و الوقت، من دون ان ينطق كلمة و من غير ان يتحرك ولا حركة كان فقط ينظر عبر النافذة و حتى هدأت اعصابه و توقفت افكاره

انفتح باب الغرفة على مصراعية و ارتطم بالحائط بكل قوة، قبل ان ينظر الين الى الباب كان جسده قد تهاوى على الارض بفعل شيء ثقيل قد سقط فوقه

صوت صرخة عالية اخترق اذنيه و ازعج هدوءه و ملمس ناعم غطى جسده بالكامل و حجب عنه الرؤية و منعه من التنفس

دموع تساقطت على الين و شعر بالضيق في انفه وعينيه و ووجه بالكامل و النحيب كاد يخترق طبلة اذنه ويشقها

"ابني!! لا اصدق انك استيقظت"

كان شعوراً جميلاً اكثر من كونه مزعجاً كان شعوراً لم يشعر به الين من قبل حتى هذه اللحظة، كل ذلك الحب والاشتياق من تلك المرأة تسلل الى اعماقه ومن دون ان يشعر كانت دموعه تتساقط بالفعل

"لماذا ابكي؟" سأل الين نفسه وحاول منع الدموع بيديه ولكنها استمرت في التساقط و ذراعا امه استمرتا في عصره اكثر فاكثر ناحيتها

"ذلك المتفوق اللعين قال انك ربما لا تستيقظ مجددا وانا كنت خائفة جدا!"

"امي.." صوت تردد داخل الين صوت لم يكن صوته وارادة كانت ملكه ولكنها ليست له ، صوت اراد ان يحضن هذه المرأة التي تعصر الين ناحيتها و صوت اراد ان يبكي معها وان لا يتركها ابدا

"امي.. فريدا كراوش.. من هي؟" استمرت دموع الين في التساقط لاشتياقه لامرأة لا يعرفها ولحاجته لامرأة لم يرها من قبل ولحبه لامرأة لا تعني لا شيئاً

"امي، ما الذي حدث لي؟" لاول مرة قد تحدث الين الى احد، كان قد احكم عزيمته بين دموع الضعف هذه انه يجب ان يعرف ما الذي حدث له وما الذي حدث لصاحب هذا الجسد

احكمت فريدا نظرتها على الين واخذت نفساً عميقاً وحاربت دموعها فاوقفتها عن التساقط امام صغيرها

"لقد كنت في غيبوبة.. الم تكن تعرف؟ منذ عشرة اشهر، لقد فقدنا الامل في استيقاظك وانا.. انا..."

لم تستطع فريدا ان تحبس دموعها اكثر واحتضنت الين بقوة و فجرت صرخاتها حول الغرفة و كامل القصر

"هل مات صاحب هذا الجسد في هذه الفتره؟ ام انه انتقل الى جسدي؟ تباً ارجو ان لا يكون هناك طفل صغير بعمر العشر سنوات في جسدي"

توالت الساعات و احتفل اهل القصر باستيقاظ السيد الصغير الين وفتح جرام ابواب القصر للعامة فتناولوا الطعام وشربوا المشروبات و رقصوا حتى خيم الليل عليهم

الين كان ضائعاً في هذه الاحتفالات فبينما كان الجميع يحتفل كان الين شارداً في ما يحصل له وشارداً في تفاصيل القصر الكبير الذي يبعث شعوراً بالحنين و الدفء داخل قلبه

ترك الين الجميع في الصالة الكبرى الخاصة بالقصر و انسحب الى الداخل وكان يكتشف طيات قصر عائلة كراوش المليء بالخزف المنقوش و الجدران النحاسية الصلبة

عائلة كرواش كانت مشهورة في مجال التعدين وتجارة المعادن و الحديد وكان ذلك معكوساً في طابع بناء قصرهم و كل اللوحات المعلقة لاسياد القصر السابقين من اولهم كروها كراوش حتى اصغرهم الين كراوش

نزل الين سلماً شعر وكأنه مسيرة دهر، وصولاً الى قبو مظلم مليء بالصناديق و الاثار و التحف المغلفة و المغلق عليها و المكتبة الضخمة من الكتب المغطاة بالغبار و التراب

شمعة اضاءت لوحدها انارت لالين الطريق فاقترب منها في خوف و حيرة ولكنه اقترب منها بفضول اكبر وارتفعت الشمعة وطفت في الهواء كأنها مربوطة بخيط غير مرئي

اثناء مشي الين ناحية المكتبة نظر حوله الى اللوحات المعلقة التي تنتمي اليه والى باقي اعضاء العائلة، ومع كل لوحة يراها تتدافع الذكريات لتحل محل ذكريات لا يستطيع استعادتها

ومع كل خطوة يصير اعضاء عائلة كراوش اقرب الى قلبه و ابعد من وجوده

الين صارع تضارب الذكريات في علقه و قاوم ذلك الصرير المزعج داخل رأسه و هذه الرؤية الضبابية لذكريات جعلت دموعه تتساقط

وصل الين الى المكتبة و بمجرد وضع طرف يده على احدى الرفوف انطلق هواء شديد من وراء الظلام جعل الشمعة تنطفئ ولكنها اشتعلت مجدداً

كتاب واحد قد شد الين اليه كحبل يجر عربة خيول، اقترب الين من ذلك الكتاب و مد يده ببطء والتقطه

شعر بالرعب و الخوف و الدهشة في ان واحد خلال اعصابه ووصل الى دماغه مسبباً له القشعريرة و الارتجاف في كل اطرافه

لمسة خفيفة فتحت الصفحة الاولى فاختفى كل الخوف و الدهشة من الين وتحولت الى تركيز، مع ان الين لم يكن يعرف هذه الحروف التي ينظر اليها لكنه كان يعرفها

"اصل التفوق" كتاب احبه الين منذ الصفحة الاولى ومن الجملة الاولى بل ومن الكلمة الاولى التي كانت كافية لجعل كل اباطرة الارض يركضون خلفها

"قوة"

"اين كنت يا الين؟! كنا نبحث عنك في كل مكان!"

عاد الين الى الصالة و التقى باحدى الخادمات في طريقة وكان يحاول بكل طريقة ان يخفي الكتاب الموجود خلف ظهره وهو يتحدث اليها

"كنت.. في القبو"

"لماذا ذهبت الى هناك؟ انت تعرف انه ممنوع على الجميع دخوله والمكان قذر هناك قد تصبح مريضاً مجدداً"

"ممنوع؟ لماذا؟"

"هل نسيت؟ اظن ان هذه الغيبوبة اثرت عليك بالفعل.. ايها الظريق الصغير، السيد جرام قال انه ممنوع على كل افراد العائلة و الخدم و العمال ما عدا هو و اخوك الاكبر كايد"

"كايد" فكر الين في الاسم فبدات ملامح كايد ترتسم من ذكرياته الضبابية، كان كايد طويلا ويملك شعراً اسوداً ايضا ولكنه طويل يصل حتى اخر ظهره وكل ملابسه كانت سوداء اللون حتى قفازته ولكنه كان يملك ابتسامة لطيفة و هادئة

"لماذا كايد فقط؟"

"لانه المتفوق الوحيد في العائلة، السيد جرام كان مهووساً بهذا الامر منذ فترة ويريد ان يدخل عائلة كراوش في صراع المتفوقين المزعج هذا"

"متفوقين؟"

"هل فقدت الذاكرة بشكل كامل؟ المتفوقون هم الذين يستخدمون تسلسلات السحرة او شيء كهذا، في الواقع لا اصدق ان كل هذا حقيقي من الاساس ولكن هذا ما سمعته"

"...."

"كل ما عليك فعله هو التركيز على دراستك لكي تدخل جامعة محترمة حسنا؟"

"حاضر"

غادرت الخادمة واستطاع الين ان يتسلل بالكتاب الى داخل غرفته وان يضعه تحت الدرج القريب من سريره وركض بسرعة الى الخارج

"متفوق.." فكر الين

"اذا كان هذا حقيقاً ربما دخولي في هذا الجسد كان عن طريق احد المتفوقين، يجب ان اعرف المزيد عن هذا الامر"

"علي ان اعرف عن هذا الامر اكثر لكي اجد طريقة للعودة الى حياتي السابقة.."

لحظة صمت مرت على الين بعد ذكره لحياته السابقة وارتسمت الحسرة والارهاق على وجهه لانه يحاول العودة لحياة لا يتذكر منها شيئاً

"تبا!"

2025/10/26 · 4 مشاهدة · 1495 كلمة
Tranova
نادي الروايات - 2025