الفصل الخامس والسبعون: عالم الحبر والريشة، أظن أنه يشبه القديس
ما إن فُتح الكتاب، حتى اندفعت منه هالة أدبية لا تنتهي، كأنها بحر لا قرار له.
نور ذهبي ساطع غمر مجال الرؤية، وما إن عاد تشن مو إلى وعيه، حتى وجد نفسه قد انتقل إلى عالم جديد.
كان يشعر بوضوح أن هذا العالم ليس حقيقيًا، بل مكوّن من طاقة غريبة، وأن ما انتقل إليه لم يكن سوى وعيه، أما جسده، فما زال في قصر تشينغيون.
جبل الحبر، نهر الحبر، سحاب الحبر، طير الحبر...
"عالم مرسوم بالحبر؟" تمتم تشن مو وهو يتأمل المشهد، وارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة تحمل بعض الاهتمام.
المكان غارق في حالة فنية نادرة.
بعد أن اجتاز جسرًا حجريًا، ظهرت له قمة جبلية شاهقة، وعلى قمّتها، بُني جناح صغير.
داخل الجناح، جلس رجلان يلعبان الشطرنج، بينما وقف آخرون بجوارهما يراقبون بهدوء.
من وقتٍ لآخر، يتعالى صوت إعجاب: "حركة المعلم مو رائعة!"
"وهذه النقلة من المعلم لي فتحت بصيرتي، لقد استفدت كثيرًا!"
وأثناء انهماك المعلم لي في هجومه خطوة بخطوة، تناول المعلم مو حجر الشطرنج الأسود، لكن يده توقفت في الهواء دون أن تُسقِط القطعة.
ثم التفت بنظره إلى البعيد، وقال: "أوه؟ أخيرًا، اجتاز أحدهم اختبار الأدب، ودخل عالم ونيوان!"
رد عليه المعلم لي بجفاء: "دعك منه، ركّز في لعبتك فقط."
هذان الرجلان ليسا سوى من كبار العلماء، وهما المراقبان المكلفان بالحكم في هذا العالم الأدبي.
لقد مرّت آلاف السنين دون أن يتمكن أحد من الوصول إلى قمة جبل مو لاجتياز هذا الامتحان.
ولذا، كان المعلم لي يعتقد أن الروح الأدبية في الجنوب قد اندثرت منذ زمن، وأن الكونفوشيوسية والطاوية قد طُمِسَت.
في زمن السيف والرمح والفنون القتالية، من لا يزال يرغب في القراءة والتأمل؟
نبرة إحباطه كانت واضحة.
أما المعلم مو، فقد أرجع الحجارة إلى علبة الشطرنج، ولوّح بيده، فانبعث من كمّه أثرٌ من الحبر تحوّل في الهواء إلى مرآة، ظهرت عليها صورة تشن مو عند سفح الجبل.
قال المعلم لي بدهشة: "شابٌ في هذا العمر يجتاز الاختبار؟ هذا نادر!"
حتى هو، لم يدخل عالم ونيوان إلا بعد الستين.
قال المعلم مو وهو يربّت على لحيته: "إنه شاب موهوب بحق."
"لا تتسرع بالحكم، لنمدحه بعد أن يجتاز جميع الاختبارات ويصل إلى القمة." قال المعلم لي بنبرة شك.
...
أما تشن مو، فقد استطاع من خلال إدراكه الروحي أن يستشعر وجودهم على قمة الجبل.
ومن خلال أحاديثهم، فهم أن الكونفوشيوسية والطاوية قد شهدتا عصرًا ذهبيًا، كان فيه القلم لا يقل شأنًا عن السيف، بل إن الكُتّاب آنذاك كانوا يقتلون من على بُعد آلاف الليالي بحروفهم، ويقيمون أركان الدول بحكمتهم.
قال في نفسه بإعجاب: "حقًا مثير للاهتمام."
فجأة، انفجر ضباب من الحبر أمامه، ومن بينه خرجت ذئاب سوداء، يكسوها الحبر وتكشف عن أنيابها الحادة.
"امتحان؟ مجرد هذه؟"
تحرّكت الذئاب بسرعة هائلة، لكن ما إن اقتربت من دائرة قطرها أربعة أمتار حول تشن مو، حتى انفجرت إلى ضباب حبرٍ متلاشي.
لم يتحرك حتى إصبعه.
"كيف... اختفت الذئاب دون أن يلمسها؟"
"أيمكن أن يكون لديه طاقة أدبية تحمي الجسد؟"
"ولكن أي مستوى من الموهبة سيمكنه من قتلها بهذا الشكل؟"
عجز الجميع عن إيجاد تفسير.
أما المعلم مو والمعلم لي، فقد بدأ التوتر يتسلل إليهما.
ثم جاءت موجات أخرى: نمر الحبر، جليد الحبر، جنرال الحبر... وجميعها لاقت المصير ذاته، دُمِّرت قبل أن تقترب حتى!
قال أحدهم: "لا شك... إنها طاقة أدبية تحيط بجسده، إنها قوية جدًا!"
"شخص بمثل هذه الموهبة، لا بد أنه من مرتبة جينشي الأدبية!"
"وفي هذا السن الصغير؟ مستقبله بلا حدود!"
"هل ستعود الكونفوشيوسية والطاوية للحياة مجددًا؟"
...
وأخيرًا، وصل تشن مو إلى أسفل جبل الكتب، وما إن وطئت قدمه أول درجة، حتى اجتاحه ضغط غير مرئي، كاد أن يسحق الجسد لو كان شخصًا عاديًا.
لكنه؟ كان الأمر أشبه بنفخة ريح خفيفة.
ولأنه لا يرغب بإضاعة وقته، قفز دفعة واحدة إلى القمة، متجاوزًا آلاف الدرجات.
شهق أحدهم: "يا إلهي! آلاف الدرجات دفعة واحدة! هذا شياطين لا بشر!"
لكن حين لاحظ نظرة المعلم لي الحادّة، غطى فمه خجلًا: "آسف..."
قال المعلم لي بصدمة: "من هذا؟ يتجاوز اختبار جبل الكتب وكأنه يسير في ساحة منزله!"
ضحك المعلم مو وقال: "أظن أن لديه ملامح قديس."
"قديس؟! تقصد أن مستقبله أعظم منّا؟" سأل المعلم لي بدهشة.
فأجابه المعلم مو: "كم كنتَ تبلغ حين وصلت لهذا المستوى؟ وكم أصعب هو الزمان عليه مقارنة بزمننا؟"
لم يملك المعلم لي ردًا.
وبعد صمت، قال مبتسمًا: "يبدو أن إرثنا... قد وجد من يرثه أخيرًا."
"نعم." أجابه المعلم مو بإقرار هادئ.
"كلا المعلمين سيسلمان تعاليمهما له؟ لم يحدث هذا من قبل!"
"المعلم مو وحده ربّى من أصبح بعد عشر سنوات أستاذًا عظيمًا، فكيف إذا كان الاثنان؟"
"هل سنشهد ولادة قديس جديد؟"
"لو عاد بي الزمن، لتمنيت
أن أكون أخًا له، نسلك طريق الأدب معًا!"
"لكن مهلاً... لا يزال أمامه اختبار القصيدة، إن اجتازه، سيبلغ القمّة حقًا!"