ما عمرني نسيت داك النهار اللي كنت جالس فيه حدا جدّي، السي موحند، قدّام الدار فالزبار، قرية صغيرة نواحي جرسيف، لكن كبيرة فقلبي…
كان الشتا دايز، والريح كتدوز بين الأغصان بحال أنين الناس اللي فقدو أعزّ ما عندهم. وهو، كالعادة، حاضي فيا بنظرة ديال الحنان اللي عمرني شفت بحالها، وقال لي:
“آ وليدي، عليك دبا… دير بالك، راه الدنيا فيها العجب.”
ما فهمتش شنو كان يقصد، لكن قلبو كان كيعرف بزاف.
جدّي ما كنتش كنشوفو غير بحال “الجد”، كنت كنشوفو صاحبي وحتى بايا الثاني.
كان داك الرجل اللي كيضحك معايا بحال درّي صغير، وفي نفس الوقت، فكل لحظة، كيحكيني قصص خيالية وكأنها حقيقية، أو يمكن كانت فعلاً حقيقية…
كان كيهضر على أجدادو اللي دارو الحروب، على المغارات اللي دخل ليها، وعلى الصحرا اللي مشى فيها
كان داك النوع ديال الرجال اللي كيبكي فالقلب وما يبينش، واللي كيسكت بزاف ولكن قلبو عامر بالحب.
كل مرة كيعطيني دراهم صغار، وأنا كنت نفرح بيهم ماشي على قدّ الفلوس، ولكن على قدّ القلب اللي عطاني إيّاهم.
كان يعطيني حنان، يطبطب عليا، ويضحك معايا، وحتى يحميني من أي حاجة كتخلعني.
أجمل لحظات حياتي عشتها حدا جدّي
وكان كل مكان فيه ذكرى… وأنا كنت كنعيشو، بحالو.
كان الحب اللي بينا كبير، حتى فبعض المرات كنت كننسى أنه جدّي، وكنت كنقول مع راسي:
“واش يمكن لشي حد يحبني بهاد الطريقة؟”
لكن…
جات واحد النهار، وسكات الصوت ديال الحكايات.
ما بقاش السي موحند كيهضر، وما بقاش كيجلس تحت الشجرة.
صافي… مات.
مات ولكن معمر مات فقلبي.
أنا كنحس بيه معايا كل نهار.
كل مرة كنشوف غروب الشمس على قرية الزبار، كنسمع صوتو فودني، وكنقول:
“كنت باغي نسمع حكاية أخرى، يا جدّي.”
لكن حتى الصمت ديالو علّمني بزاف.
علّمني أن الحب الحقيقي ما كيموتش، وأن الناس اللي كيعيشو فينا، كيبقاو…
علّمني أن الرجولة ماشي فالصوت العالي، ولكن فالعطف والكرم والحنان.
علّمني أن الرجل اللي كيبكي غير فصمت، هو أقوى من ألف رجل كيهدر بزاف