"عذرًا، أيها السادة ،" ناديت قبل أن أصل إليهم، إذ بدا واضحًا أن هؤلاء الحراس في حالة تأهب. وآخر ما أردته هو أن أثير شكوكهم أو أبدو مريبًا بأي شكل.
تجهمت وجوههم ما إن رأوني أقترب، وسحب أحدهم سيفه الداكن، وقال: "من أنت؟"
رفعت ذراعي للأعلى، دلالة على حسن النية، وقلت: "مجرد شخص يبحث عن طريق العودة إلى طائفة الشمس الملتهبة."
"لا يوجد شيء كهذا هنا،" قالها أطول الرجلين، وكان يبدو الأخطر بينهما.
كم يا ترى ركضت حتى صرت في مكان لا يعرف فيه الناس شيئًا عن طائفة الشمس الملتهبة؟
وسرعان ما انضم إلى الحارسين على الأرض مجموعة أخرى من الحراس، قرابة العشرة، وقفوا على السور فوقي. وعلى عكس من هم في الأسفل، كان هؤلاء يحملون أقواسًا تبدو مصممة لإسقاط المزارعين.
لم تكن لدي أي نية لاختبار مدى مقاومتي للسهام. لكن ما أقلقني حقًا هو أن هؤلاء لا يعرفون حتى في أي اتجاه تقع طائفة الشمس الملتهبة.
لكن بعدما فكرت قليلًا، تذكرت أن سكان بلدة العشب الأخطر العاديين لم يكونوا يعلمون شيئًا عن طريقٍ يوصل إلى الطائفة. لم أكن واثقًا حتى إن كان الحراس يعرفون، رغم أنهم كانوا يدركون بوجودها في مكانٍ ما قريب.
ربما لم يكن غريبًا أن تكون هناك بلدة بشرية مجاورة لا تعرف شيئًا عن الطائفة إذا وضعنا تلك الأمور بالحسبان. وربما وحده من يتبوأ منصبًا عاليًا في هذه البلدة يعرف الحقيقة.
بدت الفكرة سخيفة، خصوصًا وأن الطائفة تقبع على جبلٍ حرفيًا، ومحاطة بجدران شاهقة، لكن طائفة الشمس الملتهبة كانت قادرة على إخفاء وجودها عن أعين العامة. كان ذلك غريبًا، فحتى مع حجم الجبل الكبير، لم أكن أراه بمجرد أن ابتعدت مسافة معينة عنه هل ربما هذا بسبب نوع ما من التشكيلات ؟.
"إذًا، هل يمكنكم إخباري باتجاه بلدة العشب الأخطر ؟" سألت، وهذه المرة رأيت لمحة من الإدراك في أعينهم.
كل الشكر لقوة بصر المزارعين؛ فرغم المسافة البعيدة والجو المشمس الذي يؤذي العيون، استطعت رؤية ملامحهم بوضوح تام.
"ولماذا تريد معرفة ذلك، يا صديقي؟" سأل الحارس الطويل.
حسنًا، الآن أصبحوا يشكون في أمري. هل قلت شيئًا خطأ؟
"كانت تلك وجهتي الأصلية. لو لم يفزع انفجار غريب حصاني، لكنت وصلت هناك منذ زمن،" شرحت. "لكن في الحقيقة، لم يكن الحصان وحده من ارتعب من ذلك الحدث الغريب. لقد ركضت مبتعدًا بقدر ما استطعت، وانتهى بي الأمر هنا."
والآن بعد أن فكرت في الأمر، هذه الجدران الحمراء، السيوف الداكنة، وغياب أي حركة أو زوار… هل هذه بلدة مخفية ؟ فحتى أصغر القرى عادةً ما تشهد دخول وخروج الناس...
من فضلك لا تكن مقر طائفة شيطانية خفية...
حظي لم يكن جيدًا أبدًا، لكنه لم يكن سيئًا كذلك! الوقوع صدفة في وكر طائفة شيطانية سيكون كارثة بالنسبة لشخص بحظٍ متوسط مثلي!
تبادل الحراس النظرات، فتأهبت استعدادًا لأي طارئ. كانوا يرتدون دروعًا ثقيلة ،لذا كنت واثقًا من قدرتي على الهرب إن لزم الأمر. لكن مهما كان، لم أكن في حالة تسمح لي بخوض قتالٍ جديد.
"هل كنت قريبًا من الانفجار، يا صديقي؟" سأل الحارس.
نبرة صوته أوحت لي بأنهم يعرفون شيئًا.
"لم أكن قريبًا بما يكفي لرؤية ما حصل، لكني شعرت بتبعاته. لقد رماني الارتجاج من شدة قوته،" أجبت متنهدًا.
"أخبرنا بكل ما تعرفه، وسندلك على الطريق إلى بلدة العشب الأخطر . بل سنزودك بالإمدادات التي تحتاجها للوصول. لكننا في حالة إغلاق حاليًا، ولا يسمح لأحد بالدخول أو الخروج،" قال الحارس، ثم أضاف: "عذرًا على التأخير في التعريف، لكنك الآن في بلدة زهرة اللوتس الحمراء. حيث تحكم عشائر الورقة الحمراء، والسيف القرمزي، والقشور السوداء."
عشائر؟ هذا يعني أن هناك مزارعين هنا، وربما كان هؤلاء الحراس أنفسهم من ذوي المرحلة الأولى من صقل الجسد.
هل تظاهروا بالجهل حول طائفة الشمس الملتهبة عمدًا؟ ربما كان زعماء العشائر يستخدمون سلطتهم لقمع تلك المعرفة، كي لا يفكر الناس بترك عشائرهم والسعي إلى بديل أفضل. أو ربما هم في حرب باردة ويحتفظون بكل مقاتليهم هنا للحفاظ على توازن القوى الدقيق، وأي مغادرة قد تخل بهذا التوازن.
مهما كان الأمر، فلم تكن لدي أي نية للتورط فيه.
"لا أستطيع أن أقول الكثير عن ما حدث، ببساطة لأني لا أعلم الكثير. لكن في مثل هذه الحالات، من الآمن افتراض أن مزارعًا قويًا حقا كان متورطًا فيها. ربما كان قتالًا بين مزارعين ،" شرحت.
وبالنظر إلى خلو وجوههم من الدهشة، بدا أنهم وصلوا إلى نفس الاستنتاج.
لكن على عكسي، كانت لديّ شكوكي الخاصة. فهناك احتمال كبير أن أحد أولئك المزارعين المتورطين في الانفجار كانت هي… تلك الحسناء ذات البشرة الشفافة كاليشم .
لحظة… هل هذا هو نسخة عالم الزراعة من التحيز العنصري؟
تنهد أحد الحراس، "توقعت ذلك."
أومأ الحارس الكبير برأسه وهمس بشيء لزميله، ثم دخل الأخير عبر الأبواب الخشبية الضخمة متجها نحو المدينة.
"سأجعل رفيقي يجلب لك بعض الحاجيات الأساسية لرحلتك. بلدة العشب الأخطر تقع جنوب هذا المكان،" قال الحارس بنبرة بدت عليها علامات الإرهاق. "احرص على أن تكون حذرًا أثناء الطريق. فالحادثة الأخيرة أرعبت العديد من الوحوش الروحية ، وبعضها اكتسب مذاقًا خاصًا للحوم البشر. تعال مجددًا في وقت مختلف ، وبلدة زهرة اللوتس الحمراء ستستقبلك بأذرع مفتوحة."
"أفهم، لم يكن سوى توقيت سيئ،" أومأت برأسي. "كيف تعاملتم مع الأمر بالمناسبة؟ لا بد أنه كان صعبًا."
"حسنًا، العشائر الثلاث تعمل معًا لحماية البلدة، وتبقي صراعاتها بعيدًا عن الناس. لم نر بعد موجة الوحوش ، لكن الأمر مسألة وقت فقط، خاصةً بعد أن أبلغ الكشافة عن وجود قطعان خطيرة من ذئاب القمر تقترب من الغرب،" شرح الحارس الوضع في البلدة. بدا عليه مزيج من الرضا والانزعاج. "الجيل الجديد يستعد لتنافس فيما بينهم بقتل ذئاب القمر لإثبات من هو الأقوى في بلدة زهرة اللوتس الحمراء. السيد الشاب تشونغ، وصل إلى مرحلة صقل الجسد ذو الخمس نجوم وهو لا يزال في الخامسة عشرة من عمره، لذلك يعتقد كثيرون أن له مستقبلاً واعدًا."
تابع الحديث عن العشائر وما إلى ذلك، وكان يبدو أنه يفتخر بالجيل الجديد، الذي بدا له موهوبًا بصورة ما.
أما أنا، فلم أستطع منع نفسي من المقارنة. السيد الشاب هذا.... ، شونغ، أو أيا كان اسمه الوصول إلى مرحلة صقل الجسد ذو خمس نجوم في سن الخامسة عشرة يعد بطيئًا جدًا بمعايير طائفة الشمس الملتهبة.
بل أنا نفسي كنت أكثر موهبة منه، وتلك جملة لم أكن أقولها كثيرًا. ولو انضم هذا السيد الشاب إلى طائفة الشمس الملتهبة، فغالبًا ما كان ليدخل كأحد التلاميذ العاملين ، وسيبقى على تلك الحال حتى اليوم الذي يقرر فيه المغادرة.
لكن مجددًا، حتى أنا كنت أعتبر موهوبًا في عشيرة ليو. أما في طائفة الشمس الملتهبة، فكنت مجرد شخص آخر،لو كنت في مانهوا، سأكون تلك الشخصية الرمادية بدون ملامح في الخلفية.
كان هذا مثل أن تكون متفوقًا في الثانوية وتظن أنك عبقري في الرياضيات، ثم تتخصص في الهندسة المدنية في الجامعة لتكتشف أنك لا تعرف شيء.
يبدو أن الانفجار أحدث ضجة كبيرة في المنطقة.
وأخيرًا، عاد الحارس الآخر حاملاً الإمدادات، فالتقطها الحارس الكبير واقترب مني واضعًا يده على مقبض سيفه.
هل كان فقط حذرًا، أم أن هذه الإمدادات كانت مجرد فخ لصرف انتباهي؟
هل يجب أن أهرب؟ لا، سيكون ذلك مريبًا جدًا.
ابتسمت واقتربت منه، وما إن أصبحت المسافة بيننا لا تتعدى مدى الذراع، حتى استعد كل جزء في جسدي للانقضاض في أي لحظة. لكن الرجل سلّمني الكيس، ثم استدار مبتعدًا عني دون أن ينظر للخلف.
همم… ربما كنت متوترًا أكثر من اللازم.
وضعت الكيس على الأرض وضممت راحتي في تحية احترام وقلت: "أشكركم على هذا الكرم. أنا، تانغ سان ، سأذكر دائمًا الكرم الذي أظهرته لي بلدة زهرة اللوتس الحمراء."
ثم التقطت الكيس، وكان بحجم رأسي تقريبًا، وبدأت بالسير نحو الاتجاه الذي أشاروا إليه، حيث تقع بلدة العشب الأخطر. أتمنى ألا تكون هذه كلها مجرد خدعة بارعة من طائفة شيطانية، رغم أني أشك في أن أحدًا يجرؤ على فعل شيء من هذا النوع بالقرب من طائفة الشمس الملتهبة.
وبعد أن ابتعدت بما فيه الكفاية عن البلدة، وخرجت من نطاق نظر الحراس، فتحت الكيس لأفحص محتواه. وجدت فيه لحمًا مجففًا، وبعض الخضروات، وأشياء أخرى مثل حجر القدح والزناد، ضمادات، وما بدا كمرهم علاجي.
هذه الأشياء كانت ستجعل الرحلة أسهل بكثير، وكان من الواضح أن الضمادات أنظف من تلك التي أملكها. كانت هذه لوازم طبية حقيقية.
ربطت فوهة الكيس وأخفيته بجانب الطريق، وسط الأعشاب، خارج نطاق الرؤية، ثم مشيت مبتعدًا.
لو لم يكن هناك شيء مريب فيه، فربما سيعثر عليه شخص آخر محظوظ. لكن من يدري؟ ربما كان هناك نقش تتبع غير مرئي، أو سم في الطعام، أو أن المرهم والضمادات مشبعة بسم غير مرئي. لا توجد طريقة للتأكد حقًا.
الحراس بدوا كأشخاص طيبين، يقومون بعملهم، بل وذهبوا إلى ما هو أبعد من واجبهم لمساعدتي. لكن سيكون من الغرور أن أظن، أنني أملك القدرة على تمييز من يكذب ومن لا.
فلو أراد أحدهم تسميمي، فسيبتسم في وجهي أثناء ذلك، ولن يقوم بتصرفات مبتذلة مثل الضحك الشرير أو التهديد المكشوف. الناس الحقيقيون ليسوا أغبياء إلى ذلك الحد. وعلى عكس ما تروج له الأفلام والمسلسلات، معظم قضايا القتل لا تحل ابدأ . الناس أذكياء عندما يتعلق الأمر بهذه الأمور.
...
استغرقت الرحلة بضع ساعات قبل أن أصل أخيرًا إلى مكان مألوف، حيث ظهرت أسوار بلدة العشب الأخطر في الأفق. كنت أسير بأقصى سرعة تسمح بها عضلاتي. حين وصلت إلى أطراف البلدة.
ومع رؤية بلدة العشب الأخطر أمامي، كنت أعلم الطريق المؤدي للعودة إلى طائفة الشمس الملتهبة.
لكن بينما كنت على وشك الاستدارة والانطلاق في الرحلة مجددًا، توقفت.
الكثير من الأشياء حدثت دون أن أكون على دراية بها. وعلى عكس بلدة زهرة اللوتس الحمراء، كانت بلدة العشب الأخطر أقرب إلى موقع الحادث، وربما كانوا قد شاهدوا ما حدث بأعينهم.
بعد قليل من التردد، اتخذت قراري وعدت باتجاه بوابة البلدة، حيث كان الحراس منشغلين بتفتيش عربة. نظر إلي الحراس بحذر في البداية، لكن من بينهم كان هناك بعض الوجوه المألوفة التي كانت قد رحبت بي في زيارتي السابقة. رغم غيابي عن الزي الرسمي، تم التعرف علي.
"ليو فنغ؟ عدت؟" ناداني أحد الحراس.
وكان هذا الحارس بالطبع ماو تشي، ذلك الرجل الذي انسجمت معه في المرة الماضية، عندما رافقني في جولة داخل البلدة. وعلى الرغم من أن المدة لم تكن طويلة، إلا أنها بدت وكأنها منذ زمن.
"ماو تشي!" ناديته وأنا أقترب منه بابتسامة. لكن ما إن أصبحت على مقربة كافية، بحيث لا يسمعني الآخرون، حتى سألت بصوت خافت: "ما قصة هذا الانفجار الذي سمعته؟ هل كل شيء بخير؟"
ارتسمت على وجهه ابتسامة محرجة، وقال: "بخير؟ الأمور بعيدة كل البعد عن أن تكون بخير، يا صديقي. الجميع متوتر، وبحسب ما سمعته من أصدقائي في مكتب الحاكم، يبدو أن كل من كان قريبًا ولو قليلًا من الانفجار قد لقي حتفه."
"الجميع مات؟" سألت بدهشة.
"كان هناك بعض الأشخاص بعيدين نسبيًا، لكنهم ماتوا إما بسبب اشتباك بين قوتين عظيمتين، أو لأن أحدهم قرر القضاء على كل من شهد ما حدث حتى لا يترك أثرًا،" تنهد ماو تشي. "وحتى الآن، لم نجد أي شخص يملك معلومات عن الواقعة، والحاكم في حالة هستيرية."
سرت قشعريرة في عمودي الفقري.
كان من الممكن أن أكون أحد أولئك التعساء. لقد كنت قريبًا جدًا من موقع الانفجار. ولو كنت أكثر انتباهًا، لربما تمكنت من رؤية ما تسبب في كل هذا.
وبما أنني تعرضت لهجومين، فمن الآمن الافتراض أن هناك آخرين أيضًا كانوا بنفس المسافة من موقع الحادث.
لكنهم جميعًا لقوا حتفهم؟ يبدو أن الهروب بعيدًا كان أفضل قرار اتخذته في حياتي.
"ألم تكن في نفس الاتجاه أيضًا؟ ألم تكن قريبًا من موقع الانفجار؟" سألني ماو تشي.
كان سؤاله نابعًا من الفضول لا أكثر، ومن خلال ما رأيته منه حتى الآن، لم يكن يبدو من النوع الذي يفشي الأسرار حتى لو أخبرته بالحقيقة.
"لا. لحسن الحظ كنت مشغولًا بأمور عند أطراف الغابة، وقررت أن أقضي بعض الوقت في التدريب،" هززت رأسي، أكذب دون أن يرف لي جفن. "عادةً ما أحب الخروج من زي الطائفة والتحدث مع الناس العاديين. يساعدني ذلك في التخلص من حدة التوتر الناتجة عن كونك مزارعًا وظنك الدائم بأن الجميع يطاردك."
ضحك قائلًا: "يعني قررت تقضي بعض الوقت مع الفانين أمثالنا."
لم أرغب أبدًا أن يربطني أحد بما جرى هناك. "أفضل من البقاء وسط مزارعين متغطرسين يظنون أنفسهم محور الكون . بالمناسبة، هل حدث أي جديد هنا أثناء غيابي؟"
كانت سؤالي محاولة مني لتغيير الموضوع، لكن العبوس الذي عاد إلى وجه ماو تشي كان كافيًا للإجابة.
_____________________
ليو فنغ
AMON: شكرًا لقرأت روايتي. لا تتردد في مشاركة رأيك عن الفصل سواء بنقد او نصيحة، أو "هممم" غامضة ،أنا أقرأ كل التعليقات وأتفاعل معها.