(قبل قراءة الفصل السابع، يرجى الرجوع إلى الفصل السابق، فقد قمت بتعديله وإضافة ما يقارب 700 كلمة)
كنت واقفًا فوق صخرة ضخمة في الغابة، أمعن التفكير في تفاصيل التقنية الدفاعية التي حصلت عليها للتو.
كيف انتهى المطاف بتقنية كهذه في الطابق الأول؟ شعرت وكأن الحظ ابتسم لي أخيرًا… للمرة الأولى في حياتي، في كلا حياتي.
لقد كان الأمر أشبه بربح الجائزة الكبرى!
رغم أنها تقنية من رتبة الفانية، إلا أن "جسد الدرع السلحفاتي" تفوقت بمراحل على أي تقنية أخرى متاحة في ذلك الطابق. إنها تقنية قتالية سلبية، تعمل على تقوية جسدي تدريجيًا بمرور الوقت، مما يجعلها مثالية بالنسبة لي. فقد كنت أعاني كثيرًا عند استخدام ثلاث تقنيات في وقت واحد، خاصةً مع دمج "خطوات الثور الهائج" و"لكمة الناب المخترق"، حيث كان الضغط على ساقي يفوق احتمالي.
لكن "جسد الدرع السلحفاتي" تقنية تعمل في الخلفية، تقوي الجسد بشكل دائم، وستساعدني على التخفيف من الإصابات الناتجة عن استخدامي لتلك التقنيات الهجومية بمجرد أن أتقنها.
غير أن هنالك شرطًا غريبًا واحدًا لممارستها…
"أحتاج إلى سلحفاة."
لكن السلاحف لا تباع عادةً في سوق الطائفة. السوق يعج بأعضاء الوحوش، والحبوب، وأدوات الزراعة… لكن لا شيء من ذلك يفيدني الآن. ولأول مرة منذ انضمامي للطائفة، شعرت أن تخصص السوق يضايقني.
وفوق هذا، فإن إيجاد سلحفاة في أراضي الطائفة شبه مستحيل. معظم الحيوانات تم تطهيرها من قبل، خوفًا من أن تتحول لاحقًا إلى وحوش شرسة .
عند هذه النقطة، أدركت ما يجب على فعله.
علي أن أزور مدينة بشرية قريبة… وأشتري سلحفاة.
"اسمك؟" سأل أحد التلاميذ الواقفين عند بوابة الخروج. بدا في مثل عمري، ويرتدي زيًا أزرق يرمز إلى كونه تلميذًا داخليًا، وفي يده دفتر وفرشاة.
"ليو فنغ"، أجبت.
كانت بوابات الخروج من الطائفة شامخة كأنها بنيت لعمالقة، تحرسها جدران بيضاء من الرخام تمتد على مدّ البصر، تطوق الجبل الهائل الذي قامت عليه طائفة الشمس الملتهبة.
"سبب مغادرتك؟" سأل التلميذ.
"زيارة بلدة بشرية"، أجبت.
أومأ التلميذ، وسلمني شارة خشبية بحجم كفي.
"يمكنك المغادرة. لكن اعلم أن غيابك عن الطائفة لأكثر من شهر وأنت تحمل هذه الشارة سيعتبر موتًا مؤكدًا، وسيشطب اسمك من سجلات الطائفة."
هل كان هناك شرط كهذا؟ بالنسبة لطائفة زراعة، لديهم إجراءات أمنية كثيرة. لكن ربما كان ذلك ضروريًا لبقاء طائفة كهذه قائمة لآلاف السنين، أو بقدر ما يشاع عن طائفة الشمس الملتهبة.
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي ما إن تجاوزت حدود الطائفة.
حتى الهواء بدا مختلفًا، وكأن شيئًا ناقص … لا أستطيع وصفه بدقة، لكنه كان يشبه ثقلًا في الجو، وإن لم يكن كذلك تمامًا.
هززت رأسي لطرد تلك الأفكار. ربما عبرت حاجزًا ما، فالأسوار الرخامة نفسها ليست مخصصة لدفاع، معظم الوحوش أو المزارعين يمكنهم تجاوزها بسهولة. لكنها تمثل الحدود الفعلية لأراضي طائفة الشمس الملتهبة.
نظرت خلفي نحو الطائفة، ولم يسعني إلا أن أندهش من ضخامة الجبل. نصفه العلوي كان مغطى بالغيوم، بالكاد يرى.
"جبل إيفرست لا يقارن بهذا"، تمتمت وأنا أستدير لأسلك الطريق الحجري المؤدي إلى العالم الخارجي.
ليو فنغ لم يملك سوى ذكريات ضبابية عن الأرض المحيطة بطائفة الشمس الملتهبة. ومع ذلك، فإن اتباع الطريق الرئيسي لا بد أن يقود في النهاية إلى بلدة أو مدينة أو شكل من أشكال الحضارة.
احتلال طائفة الشمس الملتهبة لجبل بهذا الحجم كان أمرًا استثنائيًا. رغم أنه في تلك الأيام، ربما كانت الطائفة أقوى حتى، بما أن مؤسسها، الخالد وهج الشمس ، كان لا يزال حيًا.
رغم أن التقنيات القتالية أكثر إثارة، إلا أن تاريخ هذا العالم كان يستحق الاهتمام. على سبيل المثال، مصير الخالد وهج الشمس هل مات؟ هل تجاوز هذا العالم او هل لا يزال يحاول في عزلته؟ .
في هذا العالم، التاريخ لا يسجل كما في عالمي السابق، حيث كتب كل شيء على الورق او الحجارة.. . هنا أغلب التاريخ والقصص تنقل شفوي،ربما لأن الكثير من شهود الأحداث على قيد الحياة .
إذا وصلت يومًا إلى مراتب القوة التي تبعدني عن تهديد الوحوش القديمة، فسأسأل الشيوخ عن كل شيء. لكن الوصول إلى ذلك المستوى سيتطلب وقتًا طويلًا، إن لم أقتل قبلها.
أخرجت كيسا من النقود بحجم قبضتي من جيب داخلي، وتفقدت محتواه. لا يزال مليئًا بالعملات الذهبية التي حصل عليها ليو فنغ من عائلته قبل توجهه إلى الطائفة.
ولو نفدت ذهبي، يكفي أن أطلب المزيد ليصلني كيس آخر دون أي تساؤلات.
ليو فنغ لم يكن يولي المال أهمية تذكر، فامتلاك ثروة من عملة البشر كان أمرًا عاديًا لديه. لكنه بالكاد استخدم الذهب، مفضلًا عملة المزارعين: حجارة الروح. ولهذا، حين استلمت جسده، كان يملك حجر روح واحدًا فقط. في الحقيقة، كانت عائلته قد منحته اثني عشر حجرًا، كنوع من الدعم المبكر. لكنه أضاعها جميعًا في شراء الموارد، حتى ارتقى من خمس نجوم في مرحلة تقسية الجسد إلى سبع نجوم خلال عام.
كان ذلك تبذيرًا واضحًا. لو كنت أملك عشرة أحجار روح، لكنت دفعت للدخول إلى الطابق الثاني من المكتبة. لكنه كان يخطط لأن يصبح تلميذًا داخليًا، وهو ما يمنحه ذلك الحق مجانًا. لذلك، رأى أن دفع الأحجار لذلك الغرض مضيعة.
مرت ساعة وأنا أسير على الطريق، دون أن ألتقي بأحد. كان الجبل الشاهق للطائفة لا يزال يلوح في الأفق خلفي.
لماذا كان الطريق خاليًا؟ أليس من المفترض أن تمر قوافل تجارية أو عربات تحمل الطعام والملابس وغيرها؟ لابد أن ظائفة بهاد الحجم تستهلك اطنان من المنتجات،و أيضا وبحسابات البشر، كل مزارع مهما كان ضعيف يعتبر فاحش الثراء .
ورغم ضخامة جبل الطائفة، فإن اعتماده على ذاته في التموين يبدو مستحيلًا.
أو ربما لا؟
ما الذي أعرفه عن هذا العالم؟ قد تكون لديهم زراعة داخلية في فضاءات فرعية، رغم أن وجود مثل هذه المجالات غير مؤكد. ليو فنغ لا يتذكر شيئًا كهذا، لكن حلقات التخزين موجودة، لذا ربما ليس الأمر مستحيلًا.
ومع هذا، لماذا لا توجد لافتات على الطريق؟ كيف يعرف التلاميذ إلى أين يذهبون؟
تابعت السير، ثم أسرعت الخطى إلى الركض. بعد تجاوزي لغابة كثيفة، وصلت أخيرًا إلى بلدة صغيرة.
ما يميز البلدات والمدن هنا هو جدرانها الحجرية العالية. غياب تلك التحصينات بمثابة دعوة مفتوحة لوحوش العالم كي تفتك بسكانها.
العيش قرب قوة كبرى مثل طائفة الشمس الملتهبة يمنح قدرًا من الأمان، واحتمال ظهور وحش روحي منخفض جدا، لكنه لا يصل أبدًا إلى الصفر. والموتى لا يحكون قصصًا. قد يتمكن البشر العادين من التعامل مع الوحوش العادية لكن ضد وحوش روحية لا يملكون أدنى فرصة للبقاء.
كان هناك صف طويل أمام بوابة البلدة، يضم أشخاصًا من مختلف المشارب. بعضهم بدا كفلاحين عائدين من الحقول، وآخرون تجار يصحبون بغالهم. وقفت في الصف، وانضممت إليهم.
عند البوابة وقف قرابة اثني عشر حارسًا يرتدون دروعًا معدنية ويحملون رماحًا. التقت أعيننا، وبدا أن أحدهم ذهل لرؤيتي.
قبل أن يتحرك الصف، اقترب مني الحارس بسرعة، والقلق بادٍ على وجهه.
شعرت بشيء من التوتر يتسلل إلى داخلي.
هل بدا مظهري مريبًا؟.
"أيها التلميذ المحترم! لا حاجة بك للانتظار في الصف. مزارعو طائفة الشمس الملتهبة مرحب بهم دومًا في بلدة العشب الأخطر ،" أعلن الرجل بصوت مفعم بالاحترام.
آه، بالطبع... لقد نسيت للحظة أنني لم أعد شخصًا عاديًا، على الأقل في نظر عامة الناس.
"شكراً لك،" قلت ممتنًا، واضعًا راحة يدي على قبضتي في إيماءة تقليدية تظهر الاحترام.
تأمل الحارس يدي للحظة، قبل أن يومئ برأسه، ترتسم على وجهه ابتسامة خفيفة.
"تفضل باتباعي، سأكون دليلك داخل المدينة،" قال بصوت رسمي.
"بالطبع، آسف إن كنت سببت لك إزعاجًا،" أجبت، ثم سرت خلفه بخطى هادئة.
"لا إزعاج في ذلك، أيها المزارع المحترم. بل إنه لشرف لي أن أكون في خدمتك."
وما إن عبرنا بوابة البلدة حتى انكشفت أمامنا مشاهد من الحيوية والضجيج. شوارع تضج بالحركة، عربات ومارة يتنقلون، أصدقاء يتبادلون الأحاديث، وأطفال مشردون يبيعون أزهارًا غريبة الشكل.
"إن لم يكن في ذلك مشقة، هل بإمكانك أن تدلني على بائع يبيع حيوانات صغيرة... كالسلاحف مثلًا؟" سألت بلطف.
رمقني الحارس بنظرة متفحصة، عيناه تضيقان وكأنما يزن كلماتي، ثم أومأ برأسه وقال: "أعرف مكانًا مناسبًا تمامًا."
"هذا جيد. وبالمناسبة، كم قد تكلف سلحفاة واحدة؟" سألت بينما كنا نسير فوق الممر المرصوف بالحجارة. لفت انتباهي بعض المارة الذين رمقوني بنظرات خاطفة، قبل أن يبعد بعضهم خطوات خفيفة عن طريقي. كان في سلوكهم مزيج من التردد والاحترام، وكأنهم اعتادوا وجود المزارعين في البلدة، لكن ربما كانت تجاربهم معهم... سلبية.
"بضع عملات نحاسية على الأكثر،" أجاب الحارس ببساطة.
"نحاسية؟" تمتمت في داخلي، ثم تذكرت أنني لا أملك سوى عملات ذهبية. "هل بإمكانك إرشادي إلى مكان يمكنني فيه استبدال قطعة ذهبية ببعض الفضة والنحاس؟"
مشكلتي... كما قد يصفها البعض... من مشاكل الأغنياء.
توقف الحارس فجأة، قبل أن يضحك بخفة ويقول: "بالطبع، قاعة التجار تقدم مثل هذه الخدمات. على الأرجح دون تلك الرسوم المجحفة التي تفرضها البنوك."
ثم غير اتجاهه فجأة وسط الطريق، متجهًا نحو مبنى بدا وكأنه قاعة التجار. سرت خلفه بحذر، مع حرصي على البقاء خارج نطاق رمحه الطويل.
ورغم الهدوء الظاهر، لم أستطع كبح ذلك الشعور المزعج... ماذا لو كان الحارس يجرني نحو كمين؟ إن كان الأمر كذلك، فسأضرب أولاً، وبكل ما أوتيت من قوة. حتى لو مت، فإن طائفة الشمس الملتهبة لن تتغاضى عن دمي . فحتى تلميذ خارجي مثلي له وزنه، خاصة وأن بعض أبناء عمي من التلاميذ الداخليين.
في عالم يسوده الطمع والخداع، يصبح من الحكمة أن تفترض سوء النوايا لدى الجميع. كم من القصص رويت عن إخوة خانوا بعضهم من أجل موارد الزراعة! او في حالتي قرأت!.
وقد يرى البعض هذا قسوة... لكن لمن يرى الأمور بعين المتأمل، فهي مجرد نتائج طبيعية.
في عائلات يربى الأبناء فيها على التنافس، حيث يقاتل أبناء العم والإخوة من أجل حبة دواء أو كتاب تقنية، بل وقد يتحول العم إلى خصم... هل تستغرب هشاشة روابط الدم؟
الطباع التي تكتسبها في الطفولة نادرًا ما تزول، لا سيما في عالم يعيش فيه القادة مئات، بل آلاف السنين... والتغيير فيه أبطأ من سلحفاة هرمة.
"كيف هي الحياة كحارس؟" سألت فجأة، لأبعد تلك الأفكار عن ذهني.
"مملة بعض الشيء، لكنها أفضل من كثير من المهن. في بلدة أخرى، لكان الأمر خطرًا، لكن هنا لا توجد وحوش خطيرة بفضل طائفتكم، ولا أحد يجرؤ على إثارة المشاكل لنفس السبب،" أجاب ببساطة.
وكان من الواضح أن كلمة "أحد" يقصد بها المزارعين الآخرين... لكنه اختار أن يكون مهذبًا في التعبير.
.
.
.
_________________________
شكرًا لقراءتك روايتي، وأتمنى أن تنال إعجابك. أكتب بشكل مرتجل إلى حد ما، لذا أرجو أن تنبهني إذا لاحظت أي خطأ إملائي أو تناقض.
AMON