أول ما فعلته بعد أن افترقت عن الحارس، كان شراء ملابس جديدة وتغيير ملابسي على الفور. ارتداء زي طائفة الشمس الملتهبة كان يلفت الأنظار، وهو آخر ما أريده لما أنوي فعله لاحقًا.
بما أنني وجدت نفسي في المدينة، كانت هناك بعض الأمور التي رغبت في القيام بها. لم تكن هناك فرصة كبيرة لأن أغادر حماية الطائفة قريبًا من أجل مهام جانبية غير ضرورية.
وفوق كل ذلك، كان هناك أمر يشغل بالي منذ مدة. لطالما أردت أن أقوم بأبحاثي الخاصة بدلًا من الاكتفاء بما تقوله الكتب. الكتب تعلمك قدرًا معينًا فقط.
والأبحاث، كما تعلم، تنمو وتتغذى على البيانات. وإذا استطعت الحصول عليها، فسأروي فضولي، وفي الوقت ذاته أنمي قوتي كمزارع.
خذ مثلًا مسألة قوتي الحقيقية. أعلم أنني أمتلك قوة مزارع في مرحلة صقل الجسد ذات السبع نجوم، لكن كيف تترجم هذه القوة إلى أرقام حقيقية؟ إلى أي مدى أنا أقوى من الشخص العادي؟
فرشت سجادة على شارع تجاري قليل الزحام، ثم ناديت بصوت مرتفع: "تعالوا، تعالوا! ضربة واحدة بكفي مقابل قطعة نحاسية واحدة! فقط لكمة واحدة، ثم يمكنك أن تتابع يومك."
بعضهم نظر إلي بفضول، بينما اكتفى آخرون بالسخرية واعتبروني مجرد مهرج في عرض شوارع، ومع ذلك ظلوا يراقبون ما سيحدث. لم يمضِ وقت طويل حتى خرج أول متحدٍ من الحشد رجل أطول من المتوسط، وعلى جبهته ندبة بارزة.
"إذن، لكمة واحدة على راحة يدك وسأحصل على قطعة نحاسية؟" سألني.
"بالضبط، اضرب بكل قوتك"، قلت وأنا أمد يدي.
وبدون تردد، سحب ذراعه إلى الخلف ووجه ضربة قوية. لكنها، عند الاصطدام، توقفت فجأة كما لو اصطدمت بجدار صلب. وقف في مكانه مذهولًا، والدهشة مرتسمة على وجهه.
"أ-أنت..." تمتم، شاحب الوجه، "هل أنت مزارع؟"
"لا"، أجبت بابتسامة ودودة. "لكنني، في شبابي، صادفت دليلاً قتالياً من الرتبة الفانية، تقنية لا قيمة لها تدعى
فن الكف الثابت
نظر إلي بشيء من الحذر، لكنه أخذ القطعة النحاسية التي رميتها له دون اعتراض.
بعد هذا العرض العلني، بدأ الناس يتوافدون واحدًا تلو الآخر، كل منهم يرغب في اختبار قوته. والحصول على مال مجاني، وبعد أن أكمل العشرات تجربتهم، طويت السجادة وغادرت المكان.
لاحظت أن بعض المتفرجين فكروا في تتبعي، لكنني تسللت بسرعة نحو أحد الأزقة ورفعت من وتيرتي. ولو حاول أحدهم اللحاق بي، لما استطاع مجاراتي. كنت بالفعل فوق أحد الأسطح قبل أن يظهر أول شخص في الزاوية.
حلقت عبر الهواء، مدفوعًا بزخم سرعتي، قافزًا من سطح إلى آخر. الريح تداعب جلدي، تمر بخفة وتنساب بين خصلات شعري، تمنح كل قفزة إحساسًا بالانسيابية والرقي. في كل زاوية أغيرها، كنت أشعر أن العالم يتلاشى من حولي، وكأنني أسبح في الفراغ ، إذن هذا ما يشعر به النينجا في ناروتو، شعور بلذة لا يوصف .
ومع ازدياد سرعتي، تحولت الأسطح إلى فسيفساء من الظلال والضوء، شاهدة صامتة على الحياة النابضة أسفلها. وفي النهاية، أوصلني طيراني إلى زقاق خافت الإضاءة، حيث اختلطت بقايا الجدران المهدمة والمباني المهجورة بأكوام القمامة.
قطبت حاجبي حينما لامست أنفي رائحة العفن الثقيلة التي ملأت المكان.
وبين النفايات، كانت قطط ضالة تتسلل بخفة، عيونها تتوهج في العتمة كالجمر. كانت تتحرك بمرونة عبر التلال الصغيرة من القمامة، تراقبني كما لو كانت تحاول تحديد ما إذا كنت خطرًا عليها.
فرشت السجادة مجددًا على الأرض، وبدلت ملابسي، عائدًا إلى الزي الرمادي البسيط لطائفة الشمس الملتهبة . وبخطى واثقة، اتجهت نحو بوابة المدينة، عازمًا على المغادرة قبل أن أجذب انتباهًا غير مرغوب فيه.
لكن، حين وصلت إلى البوابة، لم يكن "ماو تشي"، الحارس الذي رافقني سابقًا متواجدًا.
كان من المفترض أن يكون هنا الآن... ربما أخذ بنصيحتي وأخذ استراحة؟
"عذرًا، أين ماو تشي؟ لقد افترقنا داخل المدينة. هل انتهت نوبته؟" سألت، ولاحظت التوتر على وجوه الحراس.
لقد استغرق ماو تشي بعض الوقت ليتقبل وجودي. وهذا أمر طبيعي، بالنظر إلى أنني غريب عن المكان. لكنني لم أرد يومًا أن أصنع من نفسي هالة غامضة.
من خلال تجربتي، الصحبة الحقيقية أفضل بكثير من السلطة الرسمية. فالناس يتحدثون إلى صديقهم بسهولة، أكثر مما يتحدثون إلى رؤسائهم.
"أيها المزارع المبجل..." اقترب أحد الحراس وانحنى باحترام، ولحقه زملاؤه بذات الاحترام، "ماو تشي يطارد الآن أحد الأوغاد الذين خالفوا قوانين المدينة."
"هل كان يطارد شخص خطير؟" سألت، وأنا أفكر في إمكانية تقديم المساعدة لصديقي الجديد، ماو تشي. إن كان التهديد بسيطًا بما يكفي ليطارده حارس، فلن يشكل أدنى مشكلة لمزارع.
"لا، فقط فتى مشرد مجنون يتحدث مع نفسه"، أجاب الحارس ببساطة.
"في هذه الحالة، سأدعكم لمهامكم، وأتمنى لكم يومًا طيبًا".
ودعتهم بهدوء، ومضيت خارج بوابات المدينة متجاهلًا النظرات التي استمرت تلاحقني حتى ابتعدت.
امتدت الحقول الخضراء خلف البلدة إلى الأفق البعيد كما لو انها خلفية ويندوز ، ما يمبرر الاسم الذي تحمله: "بلدة العشب الأخضر". سرت بخطى هادئة، أتنفس الهواء النقي، وأستمتع بسكون الطبيعة الهادئ.
وبعد أن ابتعدت بما يكفي عن أعين المتطفلين، جلست فوق العشب الوارف. السماء فوقي كانت لوحة زرقاء شاسعة. كان يوماً مثالياً لنزهة هادئة... لكن الواجب كان يناديني، ولم يكن بوسعي التراخي أكثر من ذلك.
أخرجت السلحفاة الصغيرة من جيبي، ووضعتها بلطف على الأرض.
"حرك ساقيك قليلًا واستمتع بالحقول، يا سبيدي. فقط لا تبتعد كثيرًا، حسنًا؟" قلت له،وأنا أمنحه لحظة حرية وسط هذا المشهد الهادئ.
السلحفاة حيوان أليف مثالي. هادئة، لا تبتعد كثيرًا، تعيش طويلًا، وتناسب الجيب تمامًا.
أخرجت بعض التوت الذي كنت قد اشتريته من التاجر الذي باعني السلحفاة، وقدمته لصديقي الجديد. التهم سبيدي الحبات بنهم، بل وحاول أن يعض إصبعي من شدة حماسه.
بالفعل، السلاحف سهلة العناية. طعامها بسيط: فواكه وخضراوات من السهل الحصول عليها.
صحيح أن الكلاب توصف بأنها أفضل صديق للإنسان، لكن السلاحف... هي أفضل حيوان أليف.
حسنًا، أنا أختلق هذا من رأسي، لكنني بدأت أشعر فعلًا بارتباط خاص مع سبيدي.
تركته يستكشف المكان كيفما يشاء، بينما أخرجت دفترين من حقيبتي، أحدهما مخصص لتدوين رؤاي في الزراعة، والآخر جديد تمامًا حصلت عليه من المدينة.
وبعد التجربة التي أجريتها في المدينة، أصبحت أملك تصورًا أوليًا عن قدرة الإنسان العادي. وهي نقطة مرجعية ضرورية للمقارنة.
بدأت بتسجيل ملاحظاتي، مستخدمًا وحدة قياس بسيطة: "واحد"، لتمثل القوة المتوسطة لشخص عادي في مجالٍ ما، كنقطة انطلاق للمقارنة المستقبلية.
وضعت الدفتر جانبًا، ثم اختبرت قوتي كما فعلت مع رجال البلدة. لكمة مباشرة، دون أي تقنية، فقط قوة خام.
وجهت لنفسي عشر ضربات بكفي الأيسر، كل واحدة بقوتي الكاملة، لأستخرج تقديرًا تقريبيًا لقوتي المجردة. نتج عن ذلك أثر أحمر في راحة يدي، من شدة الضربات. بعد ذلك، قمت ببعض الاختبارات الأخرى: السرعة، المرونة، القدرة على التحمل.
ورغم تحكم المزارعين الممتاز بأجسادهم، ظل هناك هامش صغير للخطأ في النتائج.
وبعناية شديدة، دونت كل ما لاحظته، بما في ذلك حالتي الشخصية:
الاسم: ليو فنغ
العمر: 16
الموهبة: C (53 فرع)
الزراعة: صقل الجسد دو 7 نجوم
القوة: 7.5
السرعة: 7.2
التحمل: 7.1
الطاقة الروحية (تشي): 0
التقنيات:
قبضة الناب الثاقب (رتبة فانية )
خطوة الثور الهائج (رتبة فانية )
كان الأمر أشبه بصفحة "الحالة " التي تظهر في أنظمة ألعاب الفيديو...، سجلا لتقدمي. وإذا أردت في أي وقت أن أقيم تطوري، يمكنني فقط أن أدون الفروقات وأقارن بنفسي.
" نظام من سوق الجمعة "، تمتمت ساخرًا.
لكن بصراحة، الأمر مرهق قليلًا، لأني مضطر لقياس كل تغيير يدويًا بدلًا من أن أقول ببساطة: "افتح الحالة ".
ومع تلاشي ضوء النهار وتلألؤ النجوم في السماء، كتبت كل ما تعلمته في رحلتي الأخيرة. قد لا يكون اكتشافًا ثوريًا، لكنه بداية جيدة، رحالة آلاف ميل تبدأ بخطوة .
صعد سبيدي على كتفي، عازمًا على ممارسة هوايته المفضلة: قضم أذني. لكن جلدي القاسي خيب أمله ، فلم يفلح حتى في ترك أي أثر.
"يومًا ما، يا سبيدي، سنصبح أعز الأصدقاء"، قلت بصوت مسموع.
وعندما سمع اسمه، حاول أن يعض أذني بقوة أكبر. الأمر كان يدغدغ أكثر مما يؤلم. أتمنى فقط ألا يؤذي فكه الصغير من فرط الحماس.
كان يذكرني بقطي في حياتي السابقة، لم يكن يحب اقتراب أحد منه. لكن مع الوقت، اعتاد على وجودي وأصبح يقبلني.
وبعد نزهة صغيرة على العشب، أنهى سبيدي مغامرته، ونام بسلام في الجيب الداخلي للرداء
في هدوء الليل، لم يكن يسمع سوى جوقة الصراصير وهمسات الأوراق المتراقصة في نسمات خفيفة.
راودني جزء مني فكرة التخييم والتدرب قليلًا، لكن الإرهاق في البرية دون مأوى قد يكون مخاطرة غير محسوبة.
ورغم مقاومتي لإغراء التدريب، كان هناك سلام لا يوصف في التجول بين الأشجار ليلًا، تحت قبة من النجوم، أتنفس هواءً نقيًا لا يشوبه ضجيج.
أما الخوف من الظلام، فقد تلاشى تمامًا أمام فكرة قدرتي على تحطيم شجرة بلكمة واحدة.
لكن، وبعد نحو ثلاثين دقيقة من السير الهادئ، تمزق السكون فجأة بحفيف ملحوظ صادر من الأدغال.
أضاءت غريزتي كالشعلة، وترددت لحظة بين مد يدي نحو حجر أو التريث، مستعدًا لما قد يخرج من هناك.
"يمكنك الخروج الآن"، ناديت بصوتٍ هادئ. قد يكون مجرد حيوان، أو مجرد ريح. وإن كنت مخطئًا، فلن يشهد أحد على حماقتي.
انفرجت الأغصان لتكشف عن رجلٍ مشدود القوس، يوجه سهمه تجاهي. مظهره المهلهل شعر أشعث، أظافر موحلة، وندبة على الشفاه أوحى بحياة شاقة، أقرب إلى مزارع منه إلى محارب. لكن المظاهر... غالبًا ما تكون خادعة.
"ارم أغراضك وامش في حال سبيلك"، جاء صوت آخر من خلف شجرة قريبة، كشف عن رجل ضخم ممسك بفأس. ثم خرج ثالث يحمل رمحًا، تبدو عليه الجاهزية للقتال.
وهنا جاءت لحظة الإدراك خظير : أنا بحاجة ماسة لأي تقنية كشف أو استشعار. إذا كان حتى قطاع الطرق الاوباش يمكنهم مباغتتي، فكيف سأواجه المزارعين ؟
ماذا لو قرر مزارع محترف نصبي لكمين؟ يجب أن أكون أكثر حذرًا في المستقبل.
تأملت دوافعهم. هل يمكن أن يكونوا مزارعين؟ الاحتمال ضعيف، فهم لم يتعرّفوا على زيي. لكن في المقابل، هذه فرصة ممتازة لاختبار تقنياتي على أهداف حقيقية، ولن يفتقد أحد بعض قطاع الطرق.
كان توفي فلاحًا من قرية نائية، نادرًا ما يزورها أحد. عاش حياته البسيطة بين التراب والزرع، حتى جاء ذلك العام المشؤوم. وباء غامض ضرب القرية، والأرض التي كانت تنبت جفت، وكأن الحياة ذاتها قررت أن تدير ظهرها لهم.
هو وإخوته حاولوا، بشرف يائس، أن يعيشوا حياة شريفة في المدن. طرقوا الأبواب، عرضوا أيديهم للعمل، لكن لا أحد أرادهم. عوملوا كما تعامل الحشرات، بنفور واحتقار، وكأنهم وصمة عار جاءت من الريف. ولم يمضي وقت طويل حتى أصبحت حياتهم وموتهم واحد.
عندها، تغير شيء ما فيهم. لم يعودوا يرون الناس كما كانوا. بل صاروا يعاملون الآخرين كما عوملوا... بلا رحمة.
الآن، ها هو توفي، يقف في ظلال الليل، يوجه سهمه نحو شاب أعزل، أو هكذا يبدو. قلبه يدق بعنف، وعرق بارد ينساب على ظهره. كان من المفترض أن يكونوا هم أصحاب اليد العليا. ثلاثة رجال ضد فتى اعزل . لكن هناك شيء غير مريح في الجو... شيء لا يرى، لكنه يشعر به ويكاد يتذوقه َ
أدار نظره نحو أخيه الأكبر ، ذلك العملاق الذي يمسك بالفأس، وهمس بتحذير مكتوم:
"فوتو... هذا الفتى ، لا يبدو عليه الخوف. ماذا لو كان مزارعًا؟"
لكن الرجل لم يتحرك، لم يتوتر، لم يبد عليه حتى الاهتمام. فقط وقف هناك بهدوء.
"المزارعون يطيرون على السيوف، ولا يمشون على الأرض مثل العامة. كل الناس تعرف هذا!"
تدخل أوفتو الأخ الأوسط ، محاولًا أن يبدو واثقًا، لكن يده كانت تشي بما لا يقوله لسانه. قبضته على الرمح المرتجل كانت شديدة، حتى بدت مفاصله بيضاء كالجير.
نعم، لقد رأوا المزارعين من قبل. مروا فوق قريتهم على سيوفهم الطائرة، مثل آلهة في السماء. وكانوا لفترة يعبدونهم من بعيد، حتى جاء تاجر وأخبرهم بالحقيقة... أنهم ليسوا آلهة، بل مجرد بشر، أقوياء.
ورغم هذا، ظلت الهالة القديمة تحوم حول الفكرة. فكرة أن هذا الرجل قد لا يكون عاديًا. بدا مختلفًا... وخطيرًا.
وحده فوتو لم يتراجع. كانت الثقة المفرطة جزءًا من روحه منذ الصغر . لم يعرف الحذر يومًا، وكان مستعدًا للضرب قبل أن يفكر. هكذا عاش، وهكذا اختار أن يقاتل.
هدفهم لم يكن بطولي او جمع الثروات... بل ببساطة سرقة رجل غني لإطعام أمهم . لم يكن لديهم خريطة للعالم، ولا فهم لمخاطره. فقط الرغبة في النجاة.
ومع ذلك، كان توفي يشعر بشيء آخر. قلق أعمق.
"إنه يتصنع الثقة، يخادع!"
قال فوتو، بأسنان مشدودة، وصوت حاد يشبه الصرير. "انه مثل البقية، يعتقد أننا مجرد فلاحين اغبياء !"
حسنًا... ربما نحن كذلك، فكر توفي، لكنه لم يجرؤ على قولها.
وربما كان فوتو محقًا أيضًا. ربما التردد هو ما يجعلهم ضعفاء.
"تبا لهذا!"
صرخ فوتو، وأطلق العنان لفأسه في ضربة هوجاء، تشق الهواء لتهوي على الفتى الغامض، الذي لم يتحرك قيد أنملة...
-----
ما رأيكم في هذا الفصل؟ أتمنى أن تشاركوني أفكاركم، وإذا كان لديكم أي نصائح لتحسين الرواية، سأكون سعيد جدًا بها!.
افكر في تغير اسم الرواية، أي اقتراحات؟